Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: دروس خارج الفقه
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: أدلة القصاص (درس3)
أدلة القصاص (درس3)
الدرس دروس خارج الفقه
_AyatollahSanei
القصاص
الدرس 3
التاريخ : 2008/12/20

أدلة القصاص (درس3)

بسم الله الرحمن الرحيم

وأمَّا السنة، فإنَّها متواترة منقولة في كتب الحديث والفقه وفي أبواب مختلفة ومسائل متفرقة, وننقل ما نحتاجه في محلّه إن شاء اللّه تعالى، إلاَّ أنَّه لا يخفى عليك كونها في مقام بيان خصوصيات القصاص وفروعه بعد الفراغ عن أصل القصاص، فإطلاقها مشكل، بل ممنوع. وهذا بخلاف الكتاب ففيه إطلاق؛ لكونه في مقام بيان حكم أصل القصاص كما هو الظاهر.
وكيف كان, ننقل حديثين من تلك الأحاديث هنا لتضمّنهما الفوائد الخاصّة:
أحدهما: الصحيح عن عبد اللّه بن سنان وابن بكير جميعاً عن أبي عبد اللّه عليه السلام, قال: سُئل عن المؤمن يقتل المؤمن متعمّداً، هل له توبة؟ فقال: ((إنْ كان قتله لإيمانه فلا توبة له، وإنْ كان قتله لغضب أو لسبب من أمر الدنيا فإنّ توبته أنْ يقاد منه، وإنْ لم يكن علم به انطلق إلى أولياء المقتول فأقرَّ عندهم بقتل صاحبهم, فإنْ عفوا عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدية، وأعتق نسمة، وصام شهرين متتابعين، وأطعم ستّين مسكيناً؛ توبة إلى اللّه عزّ وجلّ))[1].
ثانيهما: خبرعيسى الضرير, قال: قلتلأبي عبد اللّه ـ عليه السلام ـ: رجل قتل رجلاً متعمّداً ما توبته؟ قال: ((يمكّن من نفسه)). قلت: يخاف أنْ يقتلوه, قال: ((فليعطهم الدية)). قلت: يخاف أنْ يعلموا ذلك، قال: ((فلينظر إلى الدية فليجعلها صرراً, ثمّ لينظر مواقيت الصـلاة فيلقها في دارهم))[2].
وفي (التحرير) في ذيل الحديث الأوّل قال: (وفي هذا الحديث فوائد كثيرة.
منها: أنَّ القاتل إنْ قتل المؤمن لإيمانه فلا توبة له; لأنّه يكون قد ارتدّ; لأنّ قتله لإيمانه إنّما يكون على تقدير تكذيبه فيما اعتقده, ولا يُقبل توبة المرتدّ عن فطرة.
ومنها: أنَّه لو قتله على غير هذا الوجه قُبلت توبته, وهو خلاف ما نُقل عنابن عباس.
ومنها: أنّ حدَّ التوبة تسليم القاتل نفسه إلى أولياءِ المقتول، فإنْ شاؤوا قتلوه, وإنْ شاؤوا عفوا عنه.
ومنها: أنَّ كفارة العمد هي كفارة الجمع.
إذا عرفت هذا، فالقتل يشتمل على حقّ للّه ـ تعالى ـ وهو المخالفة بارتكاب هذا الذنب العظيم, وهو يسقط بالاستغفار. وعلى حق للوارث, وهو يسقط بتسليم نفسه, أو الدية, أو عفو الورثة عنه. وحقّ للمقتول وهو الآلام التي أدخلها عليه بقتله، وتلك لا ينفع فيها التوبة، بل لابدّ من القصاص في الآخرة. ويمكن أنْ يكون قول ابن العباس إشارة إلى هذا)[3] انتهى كلامه رُفع مقامه.
ولقد أحسن وأجاد فيما أفاد، لكن ينبغي له ذكر الخبر الثاني؛ لما فيه من فائدة خاصة زائدة أيضاً, وهي كفاية إعطاءِ الدية مع جهل الأولياء وخوف القاتل من الإعلام، ولعلّه لم يذكره للضعف في سنده بعيسى الضرير فإنّه مهمل.
وفي (مرآة العقول) في ذيل قوله: ((فليعطهم الدية)) قال: (أي بأنْ يوصل إليهم على سبيل الهدية. والصرر: جمع (الصرّة). والتقييد بمواقيت الصلوات لوقوع مرورهم عليها؛ لبروزهم للطهارة والذهاب إلى المساجد، وأمّا غير ذلك الوقت فيمكن أنْ يصيبها غيرهم. وفيه دلالة على أنَّ وليَّ الدم إنْ لم يعلم بالقتل لم يجب على القاتل إعلامه وتمكينه، بل يجب أنْ يُوصل إليه الدية، وهو خلاف ما هو المشهور من أنَّ الخيار في ذلك إلى ورثة المجني عليه لا إليه)[4].
وفي قوله: (هو خلاف ما هو المشهور) إشكال، بل ليس خلافاً له، لأنَّ ما هو المشهور الخيار بعد المعلومية لا قبله ولا فيما هو المفروض في الخبر, فتأمل جيّداً.
وبالجملة، الخيار للأولياء بعد الثبوت عندهم، وما في الحديث مربوط بقبل الثبوت عندهم وبما فيما بينهم وبين اللّه تعالى, فكم بينهما من الفرق؟!.
وعلى كلّ حال, فقتل المؤمن ظلماً من أعظم الكبائر، قال اللّه تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤمِناً مُتَعمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيها وَغَضِبَ اللُّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً)[5].
وقال كذلك: (مِنْ أجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسَاً بِغَيْرِ نَفْسٍ أو فَسَادٍ فِي الأرْضِ فَكَأنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بالبيِّنَاتِ ثُمَّ إنَّ كَثِيراً مِنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأرْض لَمُسْرِفُونَ )[6].
وعن (عوالي اللآلي): رُوي أنّه ـ صلى الله عليه وآله ـ مَرَّ بقتيل فقال: ((من له؟)) فلم يُذكر له أحد، فغضب ثمّ قال: ((والذي نفسي بيده، لو اشترك في قتله أهل السماوات والأرض لأكبّهم اللّه في النار))[7].
وعنه صلى الله عليه وآله, قال: ((من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة وهو آيس من رحمة اللّه))[8].
وعنالامام الصادق عليه السلام, قال: ((لا يدخل الجنّة سافك للدّم، ولا شارب الخمر، ولا مشّاءٌ بنميم))[9].
وعنه عليه السلام, قال: ((لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً ـ قال: ـ ولا يوفق قاتل المؤمن عمداً للتوبة))[10].
وعنابن مسلم: سألت أبا جعفر ـ عليه السلام ـ عن قول اللّه عزّ وجلّ: (مَنْ قَتَلَ نَفَسْاً بِغَيْرِ نَفْسٍ أو فَسَادٍ في الأَرْضِ فَكَأنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً), قال: ((له في النار مقعد، لو قتل الناس جميعاً لم يرد إلاَّ ذلك المقعد))[11].
وفي آخر عنه: قال: قلت: كيف كأنّما قتل النّاس جميعاً, فإنّما قتل واحداً؟ فقال: ((يوضع في موضع من جهنّم إليه ينتهي شدة عذاب أهلها، لو قتل الناس جميعاً لكان إنّما يدخل ذلك المكان)). قلت: فإنَّه قتل آخر، قال: ((يضاعف عليه))[12].
إلى غير ذلك من النصوص المشتملة على المبالغة في أمر القتل، بل وعلى تفسير الآية المزبورة بما عرفت. ولعلّ الأوجه من جميع ما قيل فيها من الوجوه هو الوجه في التشبيه بالنسبة إلى العذاب، وأمّا الجهات الأخرى من الاستعارة والتشبيه ففي التفاسير مذكورة, ومن أراد الاطّلاع عليها فعليه المراجعة، فإنَّ الباب باب التشبيه والاستعارة والادّعاء لا باب الحقيقة الواقعيّة، ضرورة منافاته الحسّ والعقل والعدل. وحاصله المبالغة في شأن القتل والإحياء.
ولا ينافي ذلك زيادة العقاب والثواب على من فعل المتعدّد منهما, كما أشار ـ عليه السلام ـ إليه بقوله: ((يضاعف عليه)) وإن اتّحدوا جميعاً في وادٍ واحد.
هذا ما أردنا نقله من الأخبار الدالة على عِظَم حرمة القتل، وإلاَّ فهي أكثر من ذلك في كتب الحديث.
ثمّ إنّه قد ظهر ممّا مرَّ أنَّ الأصلَ المستفاد من الكتاب في القاتل والمقتول القصاصُ بلا تفاوت واختلاف، فإنَّ النفس بالنفس، وبني آدم من تراب، ولا فضل لعربيّ على أعجمي، ولا للأبيض على الأسود، والناس كلّهم مخلوقون من ذكر وأُنثى, وجُعلوا شعوباً وقبائل ليتعارفوا ـ فقط ـ لا لطَول بعضهم على بعض، ولا لكون ذلك موجباً لعدم قصاصهم، فإنَّ أكرمهم عند اللّه أتقاهم، ولا يختلفون في الحقوق والدماء والأموال.
نعم، السنّة لا إطلاق فيها، فإنّها ناظرة إلى بيان الخصوصيّات بعد الفراغ عن أصل القصاص كما عرفت، لكنَّ في إطلاق الكتاب كفاية كما هو واضح.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - وسائل الشيعة 29: 31، أبواب القصاص في النفس, ب9، ح1.
[2] - وسائل الشيعة 29: 30، أبواب القصاص في النفس، ب10، ح1.
[3] - تحرير الأحكام 2: 240.
[4] - مرآة العقول 24: 15.
[5] - النساء: 93.
[6] - المائدة: 32.
[7] - مستدرك الوسائل 18: 211، أبواب القصاص في النفس، ب2، ح5.
[8] - مستدرك الوسائل 18: 211، أبواب القصاص في النفس، ب2، ح4.
[9] - وسائل الشيعة 29: 13، أبواب القصاص في النفس، ب1، ح9.
[10] - وسائل الشيعة 29: 13، أبواب القصاص في النفس، ب1، ح8.
[11] - وسائل الشيعة 29: 9، أبواب القصاص في النفس، ب1، ح1.
[12] - وسائل الشيعة 29: 9، أبواب القصاص في النفس، ب1، ح2.
الدرس اللاحق الدرس السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org