Loading...
error_text
پایگاه اطلاع رسانی دفتر حضرت آیت الله العظمی صانعی :: کتابخانه عربی
اندازه قلم
۱  ۲  ۳ 
بارگزاری مجدد   
پایگاه اطلاع رسانی دفتر حضرت آیت الله العظمی صانعی :: الإشكال الثاني: مخالفة العقل

الإشكال الثاني: مخالفة العقل

إنّ من بين المسائل التي تناولها العلماء وتلقوها بالقبول: عدم حجيّـة الروايات التي تخالف أحكام العقل، والتي تحتوي على مدلول مخالف للعقل. قال الشيخ المفيد:

إن وجدنا حديثاً يُخالف أحكام العقول، اطّرحناه؛ لقضيّـة العقل بفساده، ثمّ الحكم بذلك على أنّه صحيح خرج مخرج التقيّـة، أو باطل أضيف إليهم.[1]

من هنا فإنّ من بين جهات ضعف الروايات التي تمسّك بها المشهور، مخالفة إطلاقها لحكم العقل. ومن السهل إدراك هذه المخالفة من خلال الالتفات إلى هاتين المقدّمتين اللتين تكرّرتا مراراً في عبارات الفقهاء. وذلك ببيان:

أوّلاً: لقد دلّ العقل على اختصاص أثر الجناية بفاعلها، ويعتبر توجيه العقوبة إلى شخص آخر ظلماً وأمراً قبيحاً. كما نرى ذلك في عبارة الفاضل المقداد؛ إذ يقول:

دلّ العقل على اختصاص الفاعل بأثر جنايته دون غيره، ونصّ الكتاب على مثل ذلك بقوله: (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى)[2].[3]

وثانياً: إنّ هذه الروايات ـ طبقاً لرأي المشهور ـ قد رفعت أثر الجناية المتمثّل بالدية عن كاهل الجاني وألقته على عاتق العاقلة.

وبالتالي، فإنّ مدلول هذه الروايات ـ على فرض ثبوته ـ مخالف للعقل. وعليه، لا مندوحة من القول بسقوطه عن الحجيّـة، ويكون لذلك بحاجة إلى توجيه، كما نرى ذلك من الشيخ المفيد حيث عمد إلى توجيه هذه الروايات بالالتفات إلى هذا الأمر، وإن واجه اعتراضاً شديداً من ابن إدريس الحلّي، بيد أنّ العلّامة الحلّي عاتب ابن إدريس على تجاهله المقام العلمي الرفيع للشيخ المفيد، واعتباره كلامه مخالفاً للإجماع. وإليك نصّ عبارة العلّامة الحلّي في هذا الشأن:

هذا جهل من ابن إدريس وتخطئة لشيخنا الأعظم، مع أنّه الأصل في إنشاء المذهب وتقريره، والعارف بمذاهب الناس، والمجمع عليه والمختلف فيه، القيّم بالأصولين، المهذّب لهما، الباحث مع الخصوم، العالم بما يجوز له فيه المخالفة والموافقة. مع أنّ هذا القائل الجاهل إنّما يعتدّ بإجماع الطائفة، ويعتقد رئاسة شيخنا المفيد، وأنّه رأس هذه الطائفة، وأوّل من أظهر علم الإماميّـة وفقه آل محمّد (ع) بعد السلف.[4]

ثمّ أشار العلّامة الحلّي ـ بعد ذلك ـ إلى هذه القاعدة العقليّـة في توجيه نظريّـة الشيخ المفيد القائمة على الرجوع إلى العاقلة لأخذ الدية منها عوضاً عن القاتل؛ إذ قال:

ولا بعد فيه، بل فيه أيضاً الجمع بين المعقول والمنقول، فإنّ الإجماع لما دلّ على تضمين العاقلة، والعقل لما دلّ على أنّ العقوبة إنّما تجب على الجاني، جمع شيخنا المفيد بذهنه الثاقب وفكره الصائب بين الدليلين، وألزم العاقلة ضمان الدية لدلالة الإجماع عليه، وجعل لها الرجوع على الجاني تعويلاً على دليل العقل.[5]

والملفت أنّ أصحاب النظريّـة المشهورة قد التفتوا إلى مخالفة قولهم لدلالة العقل، ولكنّهم لم يستطيعوا أن يخلصوا أنفسهم من قيود الرواية المخالفة لمقتضى العقل، وهو أمر يدعو إلى العجب، كما قال الشيخ الطوسي في هذا الشأن:

وإلزام دية قتل الخطأ العاقلة ليس هو مؤاخذة البريء بالسقيم؛ لأنّ ذلك ليس بعقوبة، بل هو حكم شرعيّ تابع للمصلحة. ولو خلّينا والعقل، ما أوجبناه.[6]

أو المحقّق الأردبيلي الذي رأى في إلزام العاقلة بدفع الدية ـ إلّا في الموارد المنصوصة ـ مخالفة للعقل والنقل؛ إذ يقول:

لأنّ إلزام العاقلة خلاف العقل والنقل ظاهراً، إلّا في المنصوص.[7]

يُضاف إلى ذلك: أنّ الدليل العقلي لا يمكن تخصيصه، ولا يمكن تجاوز حكم العقل لبعض الروايات ذات الإشكال السندي والدلالي.

وإنّ هذه المخالفة الكامنة في إطلاق الضمان على آخر بدلاً من ذات الشخص الجاني، هو الذي أدّى بعض الفقهاء منذ القدم إلى توجيه ضمان العاقلة. من هنا، فإنّ هذه التوجيهات والتبريرات المذكورة هي في حدّ ذاتها تحمل تأكيداً ضمنيّـاً على مخالفة تحميل ضمان الجاني على شخص آخر للعقل والقواعد العرفيّـة والمباني الدينيّـة، ولا يمكن قبوله، الأمر الذي يستدعي بذل كلّ هذه الجهود في إطار توجيهه وتبريره، من قبيل التوجيه الذي ذكره ابن شهر آشوب في بعض كتبه، قائلاً:

إلزام دية قتل الخطأ ليس هو مؤاخذة البريء بالسقيم؛ لأنّ ذلك ليس بعقوبة، بل هو حكم شرعيّ تابع للمصلحة. ولو خلّينا والعقل، ما أوجبناه، وقيل: إنّ ذلك على وجه المواساة والمعاونة، وقيل: لكي ينصح الأقرباء بعضهم بعضاً، وقيل لاستحقاق المواريث.[8]

أو ما جاء في عبارة المحقّق الحلّي في كتاب “نكت النهاية” من تبرير هذا الحكم بالقول: إنّ العدول عن الأصل في الضمان، إنّما هو رفق بالجاني؛ إذ لم يقصد القتل عامداً.[9]

وفيما يلي نتناول بعض هذه التوجيهات بالنقد والمناقشة:

------------

[1]. تصحيح الاعتقادات: 149.

[2]. الأنعام: 164.

[3]. التنقيح الرائع لمختصر الشرائع 4: 531.

[4]. مختلف الشيعة 9: 290، المسألة: 4.

[5]. المصدر أعلاه.

[6]. التبيان 3: 294.

[7]. مجمع الفائدة والبرهان 14: 155.

[8]. متشابه القرآن ومختلفه 2: 220.

[9]. أنظر: نكت النهاية 3: 367.

عنوان بعدیعنوان قبلی




کلیه حقوق این اثر متعلق به پایگاه اطلاع رسانی دفتر حضرت آیت الله العظمی صانعی می باشد.
منبع: http://saanei.org