الإجزاء (درس67)
الدرس دروس خارج الأصول مباحث الدليل اللفظي الدرس 67 التاريخ : 2008/12/21 بسم الله الرحمن الرحيم المسألة الثانية: إذا جاء المكلّف بالفرد المضطرّ إليه فهل يجزيه عن القضاء أم لا؟ لو جاء المكلف بالصلاة مع تيمم ثم حصل على الماء بعد خروج الوقت، فهل صلاته مع التيمم تجزيه عن قضاء الصلاة مع الطهارة المائية أم لا؟ مقتضى القاعدة الإجزاء على المبنى المختار وكذا على مبنى قوم، أمّا على المبنى المختار فواضح؛ لأن المأمور به قد تحقق ولم يَفُت منه شيء، وقد تقدّم القول منا بأن الاُمور الاضطرارية قيود وشروط في المأمور به، والفرض أنه لا يوجد أكثر من أمر واحد، وأن المكلف قد جاء بالقيد، فالطبيعة إذن تحققت ضمن المصداق، وإذا تحققت الطبيعة سقط الأمر، فلم يفت شيء. أمّا وفقاً لمبنى قومٍ فالإجزاء هو المقتضى كذلك؛ قضاءً لحق البدلية، فالدليل يقول: (الصلاة مع الطهارة الترابية بدل عن الصلاة مع الطهارة المائية) والعرف يفهم منه كفاية البدل وسقوط المبدل منه. هذا بحسب مقام الإثبات، وأمّا بحسب مقام الثبوت فلا يصح القول بالإجزاء؛ لأنه من المحتمل أن يكون البدل بدلاً عن المأمور به من حيث الوقت، أمّا من حيث الطهارة المائية فلا جبران، وجبرانه يتم عبر القضاء، ففي جعل الصلاة مع التيمم في الوقت احتمالان،أحدهما: وقوع الصلاة مع التيمم موقع المبدل منه من جميع الحيثيات، وثانيهما: وقوع الصلاة مع التيمم موقع المبدل منه من حيث الوقت فقط لا من حيث الماء، فالصلاة مع التيمم يملأ حيثية الوقت ولا يملأ حيثية الماء، فيملأ الفراغ بعد الوقت. المسألة الثالثة: إذا لم يكن إطلاق لدليل الأمر الاضطراري لكي يدل على جواز البدار، ولم يكن إطلاق لدليل الأمر الاختياري لكي يحكم بلزوم الإتيان بالمبدل منه، سواء جيء بالبدل في أوّل الوقت أم لا، ففي هذه الحالة هل يكون إجزاء؟ وهل يجوز البدار، أم أنه لا يجوز البدار، ولا إجزاء؟ في المسألة قولان: القول الأوّل: الإجزاء، وهو لصاحب (الكفاية)[1] ؛ لأن الأصل في المسألة البراءة فرضاً، اُصلي أوّل الوقت بطهارة ترابية، وقبل الغروب بساعة وجدت ماءً وشككت في وجوب الإعادة علي، فإذا قلنا بالإجزاء كانت الإعادة غير واجبة، وإذا لم نقل بالإجزاء كانت الإعادة واجبة، والشك في الوجوب مجرى للبراءة. القول الثاني: عدم الإجزاء، وهو قول صاحب (تهذيب الاُصول)[2] ؛ لأن الشك شك في الاشتغال، لكون المكلف يعلم بتكليفه بالطبيعة، ولا يعلم أن هذا الاضطرار مقيد بأوّل الوقت أم لا، الاضطرار في آخر الوقت مقيد؛ لأنه لا يعلم بكونه مقيداً أم لا، ولذلك هو لا يعلم بتحقق أو عدم تحقق الطبيعة، فتجري قاعدة الاشتغال؛ لأنه على يقينٍ بالتكليف ويشك في البراءة، فتجري قاعدة عدم الإجزاء. شبهة ترد شبهة على صاحب (الكفاية) بأنه كيف يأتي بالصلاة الاضطرارية في أوّل الوقت مع أنه لا يعلم بوجود الأمر. ولا يخفى أن البراءة والاشتغال يكونان على المبنيين؛ لكون صاحب (الكفاية)[3] يقول بتعدد الأمر، أمر تعلق بالطبيعة الاختيارية، وأمر آخر تعلق بالطبيعة الاضطرارية، والبراءة هي الجارية في هذا الفرض قهراً؛ لأنه بعدما جاء بالفرد الاضطراري يشك في وجود أمر آخر أو عدم وجوده، أي عندما يتمكن يشك في حدوث أمر، فتجري أصالة البراءة. أمّا على مبنى الإمام قدس سره[4] في عدم وجود أكثر من أمر واحد تعلق بالطبيعة فيشك ـ بعد الإتيان بالأمر الاضطراري ـ في سقوط الأمر أو عدم سقوطه، فالاشتغال اليقيني يستدعي البراءة اليقينية، وكلّ على مبناه. إن قلت: قاعدة الاحتياط تجري حتى على مبنى صاحب (الكفاية)، أمّا على مبنى سيدنا الاُستاذ فواضح، كما مر وجهه، وأمّا على مبنى صاحب (الكفاية) فلدوران الأمر بين التعيين والتخيير، ومقتضى القاعدة التعيين؛ وذلك لأن المكلف مردد بين ما إذا كان الواجب عليه الصلاة مع الطهارة المائية فقط أو الصلاة مع الطهارة المائية أو الترابية على سبيل التخيير، والقاعدة هنا هي التعيين، أي ينبغي ألاّ يأتي بالصلاة في أوّل الوقت، بل يصبر إلى نهاية الوقت. قلت: ينبغي القول بالاحتياط حتى على مبنى صاحب (الكفاية)، لكن بشرط أن يكون العلم الإجمالي بالاُمور التدريجية منجزاً مثل العلم الإجمالي بالاُمور الدفعية في كونه منجزاً. بيان ذلك: هناك بحث في تنجز العلم الإجمالي في الاُمور التدريجية مع ثبوت التنجز في الأمور الدفعية من قبيل اليقين بأن في أحد الإناءين خمراً فيتنجز العلم الإجمالي هنا بلا إشكال، أمّا العلم الإجمالي التدريجي فمن قبيل: أعلم بنجاسة الإناء الموجود حالياً أو الإناء الذي يوجد بعد اُسبوع. وقد تعرضوا لهذا البحث في التخيير الاستمراري والبدوي. إذا كان التخيير استمرارياً فيلزم مخالفة العلم الإجمالي، فرواية تقول بوجوب صلاة الجمعة، واُخرى تقول بوجوب صلاة الظهر، فأعمل بأحدهما هذا الاُسبوع، وأعمل بالرواية الاُخرى في الاُسبوع الآخر، فأنا مخير في كلّ اُسبوع، ولازم هذا التخيير مخالفة العلم الإجمالي؛ لكون أحدهما واجباً والآخر غير واجب. وقد بحثوا هنا في تنجز أو عدم تنجز العلم الإجمالي التدريجي. والحق هو تنجز العلم الإجمالي مطلقاً سواء كان تدريجياً أو دفعياً؛ وذلك باعتبار أن الحاكم هو العقل، وهو لا يفرق بين الدفعي والتدريجي. ومن ذلك يظهر عدم تمامية ما في (تهذيب الاُصول) جواباً عن هذا الإشكال، فقد جاء هناك: وكم من فرق بين ما نحن فيه وبين موارد دوران الأمر بين التعيين والتخيير. ثم بحث الأمر بالتفصيل[5]. لكن يبدو لنا عدم الفرق بين ما نحن فيه وباقي موارد دوران الأمر بين التعيين والتخيير، والفرق الوحيد هو كون العلم الإجمالي هناك على سبيل الدفعة الواحدة، وهنا العلم الإجمالي على سبيل التدريج. -------------------------------------------------------------------------------- [1] - الكفاية: 85. [2] - تهذيب الاُصول 1: 146. [3] - الكفاية: 85. [4] - تهذيب الاُصول: 1: 144. [5] - تهذيب الاُصول 1: 145.
|