Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: دروس خارج الأصول
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: الإجزاء (درس66)
الإجزاء (درس66)
الدرس دروس خارج الأصول
مباحث الدليل اللفظي
الدرس 66
التاريخ : 2008/12/21

بسم الله الرحمن الرحيم

لا زال البحث في المسألة الاُولى من باب الاضطرار، وقد كانت في وجوب أو عدم وجوب الإعادة في الأمر الاضطراري إذا بادر إلى العمل المضطر إليه.
والحق هو الإجزاء مطلقاً، أمّا على المختار فواضح؛ لأن الدليل جعل الاضطرار كجزء أو شرط قيداً للمأمور به، ومتى ما عملنا بمصداق تلك الطبيعة تحققت الطبيعة، وعندئذٍ يسقط الأمر، ولا وجه للإعادة.
بعبارة اُخرى: لم يكن في الباب إلاّ أمر واحد متعلق بالطبيعة، وإنما الاختلاف في الاختيار والاضطرار بحسب القيود والمصاديق، مثل الاختلاف في صلاة المسافر والحاضر، كقوله تعالى: (وَإذَا ضَرَبْتُم فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنُاحٌ أنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ)[1] ، فإذا جاء بصلاته قصراً لا حاجة لإعادتها ولو وصل وطنه قبل الغروب.
وأمّا على مبنى تعدد الأمر، فالظاهر من كلماتهم عدم لزوم الاعادة كذلك، فإذا أمر بالبدل اقتضى إطلاق الأمر جواز البدار، (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً)[2] مطلق ولم يحدد الوقت، فكان ذلك كافياً عن المبدل منه قضاءً للبدلية، فهي تقتضي سقوط المبدل منه عن عهدة المكلف، ولا وجه للإتيان بالمبدل منه تارة اُخرى. وعلى هذا، يكون الإجزاء هو القاعدة حتى بناءً على تعدد الأمر.
وإن شئت قلت: دليل البدل يدل بالدلالة الالتزامية على كون البدل وافياً بتمام مصلحة المبدل منه أو بمقدار المصلحة اللازمة الاستيفاء، ولو لم يكن البدل وافياً بكل المصلحة أو بالمقدار اللازم الاستيفاء كان الأمر به في غير محله، وكان محالاً على الحكيم؛ لاستلزامه تفويت المصلحة الملزمة.
لا يقال: يجوز الأمر بالبدل حتى لو لم يكن وافياً بكل المصلحة أو بالمقدار اللازم الاستيفاء، لكنه يفي ببعض المصلحة ولا يلزم تفويت المصلحة؛ لأن الأمر بالبدل إمّا أن يكون على نحو التعيين بأن يكون المكلف ملزماً بالإتيان بالبدل، فهذا يفهمنا بالدلالة الالتزامية أنه يحتوي على كلّ المصلحة أو المصلحة الملزمة، أو يكون البدل على نحو التخيير ـ كما اختاره الكنباني[3] فهو يعني تخيير المكلف بين الإتيان بالبدل والمبدل منه، كلاهما أو المبدل منه لوحده، ولا إشكال في ذلك، ولا يتضمن هذا الأمر ما يخالف المصلحة؛ لأني عندما آتي بالبدل آتي بالمبدل منه بعده، فأحدهما يدرك بعض المصلحة والآخر يدرك البعض الآخر. وهذا من قبيل التخيير بين الأقل والأكثر، بمعنى أني لو جئت بالمبدل منه فقط فلابد وأن يتضمن المبدل منه لجميع المصلحة؛ لأنه لم يتمانع مع البدل، ونحن مخيرون بينه وبين البدل، أمّا لو جئت بالبدل فإنه لا يتضمن لكلّ المصلحة، بل لبعضها ولمقدار منها، فيكون المورد من قبيل التخيير بين الأقل والأكثر.
جاء في (الكفاية): قال البعض: التخيير بين الأقل والأكثر غير معقول؛ لأن الأقل موجود في الأكثر دائماً، ولا يمكن القول بوجوب الأقل بما هو أقل والأكثر بما هو أكثر، وبمجرد تحقق الأكثر يتحقق الأقل والباقي يكون مستحباً.
جوابه: التخيير بين الأقل والأكثر، يعني: الأقل بشرط لا يكون مورداً للوجوب، والمورد الآخر هو الأقل بشرط شيء، بحيث لو جاء بالتسبيحات الأربع ثلاث مرات لم يتحقق أقل الواجب؛ لكون أقل الواجب هو الأقل بشرط لا.
ها هنا مسائل:
المسألة الاُولى: البعض يحتاط ويقول: إذا جئت بتسبيحتين فاحتط وجيء بتسبيحة ثالثة، ومنشأ هذا الاحتياط هو أنه لو كان تخيير بين الأقل والأكثر فلا يمكن للأقل أن يكون واجباً؛ لأن الأقل بشرط شيء، ولهذا ينبغي الإتيان بالتسبيحة ثلاث مرات، لكي يحصل الاحتياط.
جوابه: التخيير بهذا النحو خارج عن المتفاهم العرفي حقاً، فهو تخيير يرجع إلى التخيير بين مورد بشرط لا وبشرط شيء، وهو خارج عن المتفاهم العرفي.
إذن، إطلاق الدليل يدل بالدلالة الالتزامية على احتواء المبدل منه على كلّ المصلحة أو على المصلحة الملزمة كما ذهب إلى ذلك الأصفهاني[4]، أو كما قلنا بأن الأمر بالبدل مطلق ويقول بجواز البدار، والبدلية تقتضي ألاّ يكون المبدل منه في العهدة.
هذا تمام الكلام هنا، والحق هو الإجزاء مطلقاً سواء على مختارنا أو على مختار قوم، خلافاً لما يظهر من (تهذيب الاُصول)[5] من أنه لا يصح القول بالإجزاء إلاّ على بعض التقادير، ويراد من تلك التقادير هو قيام دليل على أن الواجب ليس اثنين بل واحد، كما لو قام الإجماع على وجوب صلاة ظهر واحدة على المكلف لا أكثر، فإذا أتيت بها بطهارة ترابية فلا لزوم للإتيان بها تارة اُخرى بطهارة مائية، وهذا يصحح الإجزاء على مبنى قوم، لكنه خارج عن محل البحث، فهو في الحقيقة يصحح الدليل الخارجي للإجزاء.
أو أن الأمر بالبدل من باب ضيق الخناق، أي أنه في الحقيقة لدينا أمر واحد لا أكثر يتعلق بالمبدل منه، لكنهم أرادوا إضافة قيد (مضطر إليه)، فوجدوا ذلك مستحيلاً، فتوسلوا بالأمر الثانوي، وفي هذا الفرض يوجد إجزاء كذلك؛ لأنه عندما جاء بالبدل حصل امتثال للمأمور به، أمّا إذا كان للأمر الثانوي (الأمر بالبدل) مصلحة مستقلة فلا يصح الإجزاء وفقاً لمبنى قوم.
لكن كلامه غير تام؛ وذلك باعتبار أن التفصيل في غير محله، أو ينبغي القول بالإجزاء على الإطلاق؛ لأن الأمر الذي صب على الفرد المضطر إليه جاء من باب البدلية وفي طول الأمر بالفرد الاختياري، والقاعدة هنا الإجزاء قضاءً لحق البدلية، ولو لم يكن الأمر بالفرد المضطر إليه من باب البدلية، بل كان الأمر إليه على سبيل الاستقلال ومطلوب في نفسه، فلا ربط ولا علاقة له بالبدلية، والقاعدة هنا عدم الإجزاء، لكن هذا خارج عن محل الإجزاء، وبحثنا يخص ما إذا كان لنا أمر اختياري وأمر اضطراري، والاضطراري في طول الأمر الاختياري وبديل عنه.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - النساء: 101.
[2] - النساء: 43.
[3] - نهاية الدراية 1: 152.
[4] - نهاية الدراية 1: 152.
[5] - تهذيب الاُصول 1: 143.
الدرس اللاحق الدرس السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org