Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة عامة
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: القول في عدّة الوفاة

القول في عدّة الوفاة (313)

(مسألة 1 ـ عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام إذا كانت حائلا، صغيرة كانت أو كبيرة، يائسة كانت أو غيرها، مدخولا بها كانت أم لا، دائمة كانت أو منقطعة، من ذوات الأقراء كانت أو لا).

إجماعاً منّا ومن غيرنا في مدّتها، ويدلّ عليه الكتاب والسنّة:

أمّا الكتاب وهو الأصل في ذلك، قوله تعالى: (والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجاً يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهر وعشراً فإذا بلغن أجلهنّ فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنّ بالمعروف واللّه بما تعملون خبير)(1). وهـي ناسخة لقوله تعالى: (والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجاً وصيّةً لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهنّ من معروف والله عزيز حكيم)(2) إن كان مربوطاً بعدّة الوفاة وذلك إجماعاً وسنّة من الفريقين ولكنّ
--------------------------------------------------------
[1] ـ البقرة (2): 234.
[2] ـ البقرة (2): 240.

(314)


الارتباط بها غير معلوم، فلعلّه كان متوجّهاً إلى ما في الجاهلية من لزوم بقائها في البيت وأخذها النفقة، مضافاً إلى عدم مساعدة الذيل له فإنّه الدال على جواز خروجها في الحول من جهة نفيه الحرج على المكلفين في خروجهنّ في وسط الحول وفعلهنّ المعروف في أنفسهنّ بالزينة وهذا مناف للعدّة حيث إنّ ترك الزينة والحداد لمّا يكون واجباً فعليهم الحرج في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولذلك نفى الحرج في الآية الأولى مشروط بتمامية العدّة وبلوغهنّ اجلهنّ وإلاّ كانت العادة في الجاهلية لزوم ترك الزينة حولا كاملا مع أنهنّ كنّ لا يحترمن ازواجهنّ، هذا مع أنّه على الارتباط ففيها الإشارة إلى صيرورته منسوخاً.

أمّا العشر فالمتفق بين علماء الإسلام أنّ المراد منه عشرة أيام، ويدل عليه بعض أخبارنا، نعم عن الاوزاعي أنّ المراد هو الليل واستدل بأنّ التذكير في العشر يدل على أنّ المعدود مؤنث وهو الليلة:

وفيه أوّلا: أنّه مخالف لفهم العرف، لغلبة اليوم في مثل ذلك،
وثانياً: يجوز الامران مع عدم ذكر المعدود كما قيل،
وثالثاً: عموم القاعدة ممنوع،
ورابعاً: هو معارض لقول العلماء.

وأمّا السنّة فمستفيضة بل متواترة، وهي على طوائف:


منها: ما ورد في بيان العدّة،
ومنها: ما ورد في بيان لوازم العدّة كترك الزينة،
ومنها: ما ورد في فروع المسألة كغير المدخول بها والمتمتّع بها والدليل على تفاصيل المتن مضافاً إلى التفصيل بكون الزوج صغيراً أم كبيراً، ذميّة كانت الزوجة أم مسلمة، اطلاق الكتاب والسنّة، مع ما في بعض الاخبار من العموم والتصريح ببعضها ففي صحيحة زرارة، قال: سألت أبا جعفر(عليه السلام)«ما عدّة المتعة إذا مات عنها الّذي تمتّع بها ؟ قال: أربعة أشهر وعشراً، قال: ثم قال: يا زرارة ! كلّ النكاح إذا مات الزوج فعلى المرأة حرّة كانت أو أمة وعلى أيّ وجه كان النكاح منه متعة أو تزويجاً أو ملك

(315)


يمين فالعدّة أربعة أشهر وعشراً، وعدّة المطلقة ثلاثة أشهر والأمة المطلّقة عليها نصف ما على الحرّة، وكذلك المتعة عليها مثل ما على الأمة»(1).

نعم حكي عن المفيد وغيره في المتعة أنّ عدّتها خمسة وستّون يوماً، واستدلّ له بوجهين:


احدهما: أنّ المتمتع بها كانت في حياة الزوج كالأمة فكذلك في ممات الزوج.

ثانيهما: مرسلة الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته «عن رجل تزوّج امرأة متعة ثم مات عنها ما عدّتها ؟ قال: خمسة وستّون يوماً»(2).

وفي الأول ما لا يخفى، والمرسلة مع ضعف سندها بعلّي بن حسن فإنّه جعّال وضّاع معارضة بروايات كثيرة، منها: ما مرّ في الصحيح عن زرارة آنفاً.

ومنها: ما عن عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) «عن المرأة يتزوّجها الرجل متعة ثمّ يتوفّى عنها زوجها، هل عليها العدّة فقال: تعتدّ أربعة أشهر وعشراً فإذا انقضت أيامها وهو حيّ فحيضة ونصف مثل ما يجب على الأمة قال: قلت: فتحدّ ؟ قال: فقال: نعم إذا مكثت عنده أيّاماً فعليها العدّة وتحدّ وإذا كانت عنده يوماً أو يومين أو ساعة من النهار فقد وجبت العدّة كملا ولاتحدّ»(3).

وأمّا صحيحة علي بن يقطين فهي شاذة معرض عنها، فقد روى عن أبي الحسن(عليه السلام) قال: «عدّة المرأة إذا تمتّع بها فمات عنها خمسة وأربعون يوماً»(4). مع أنّها كالمرسلة في المعارضة بالأخبار الكثيرة المرجحّة عليها من وجوه.
--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 275، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب52، الحديث2.
[2] ـ وسائل الشيعة 22: 276، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب52، الحديث4.
[3] ـ وسائل الشيعة 22: 275، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب52، الحديث1.
[4] ـ وسائل الشيعة 22: 276، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب52، الحديث3.

(316)


وأمّا غير المدخول بها فيدل على لزوم عدّة الوفاة فيها مضافاً إلى الإجماع وإطلاق الكتاب، روايات ; منها: ما عن محمّد بن مسلم، عن احدهما(عليهما السلام) «في الرجل يموت وتحته امرأة لم يدخل بها، قال: لها نصف المهر ولها الميراث كاملا وعليها العدّة كاملة»(1).

ومنها: مـا رواه عبد الله بـن سنان، عـن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: «قضـى أمير المؤمنين(عليه السلام) في المتوفّى عنها زوجها ولم يمسّها قال: لا تنكح حتّى تعتدّ أربعة أشهر وعشراً عدّة المتوفّى عنها زوجها»(2).

ومنها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن لم يكن دخل بها وقد فرض لها مهراً فلها نصف ما فرض لها ولها الميراث وعليها العدّة»(3).

نعم يعارضها اخبار ; منها: خبر محمّد بن عمر الساباطي، قال: سألت الإمام الرضا(عليه السلام)«عن رجل تزوّج امرأة فطلّقها قبل أن يدخل بها، قال: لا عدّة عليها»، وسألته «عن المتوفّى عنها زوجها من قبل أن يدخل بها، قال: لا عدّة عليها هما سواء»(4).

ومنها: صحيحة عبيد بن زرارة، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) «عن رجل طلّق امرأته من قبل أن يدخل بها أعليها عدّة ؟ قال: لا، قلت له: المتوفى عنها زوجها قبل أن يدخل بها أعليها عدّة ؟ قال: أمسك عن هذا»(5).

ونحوه ما عنه أيضاً، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في المتوفّى عنها زوجها ولم يدخل بها: إن
--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 247، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب35، الحديث1.
[2] ـ وسائل الشيعة 22: 247، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب35، الحديث2.
[3] ـ وسائل الشيعة 22: 248، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب35، الحديث3.
[4] ـ وسائل الشيعة 22: 248، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب35، الحديث4.
[5] ـ وسائل الشيعة 22: 248، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب35، الحديث5.

(317)

كان سمّى لها مهراً فلها نصفه وهي ترثه، وإن لم يكن سمّى لها مهراً فلا مهر لها وهي ترثه، قلت: والعدّة ؟ قال: كفّ عن هذا»(1).

ولا يخفى أنّ التعارض للأخيرتين ممنوع لعدمه موضوعاً فإنّ السكوت وعدم البيان غير معارض للبيان والكلام كما لا يخفى. نعم الأولى معارضة إلاّ أنّه مضافاً إلى ضعف سندها بالجهل في محمّد بن عمر، قد اعرض عنها الأصحاب، وهي مخالفة لظاهر الكتاب.

هذا مضافاً إلى احتمال الإنكار بالاستفهام من جهة أنّ نفي العدّة في الطلاق موافق لحكمة الاستبراء بخلاف الوفاة فإنّ العدّة للتوجع وإظهار المصيبة فأنكر الإمام على السائل التساوي بينهما في العدم، مع أنّ في نفس الخبر سُقماً وهو شبهة القياس، وما في الحدائق من احتمال التقية مبنىّ على كون الأمر بالسكوت من باب الخوف من نفس الافتاء إمّا على نفسه وإمّا على السائل لئلاّ يعرف أنّه يستفتي وإلاّ فالعامّة أيضاً متّفقون على العدّة.

(وإن كانت حاملا فابعد الأجلين من وضع الحمل والمدّة المزبورة).

ويدل عليه روايات كثيرة(2) فهي مخصّصة لآية العدّة في الوفاة (والّذين يتوفّون

--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 21: 329، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب58، الحديث11.
[2] ـ منها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال «في الحامل المتوفّى عنها زوجها: تنقضي عدّتها آخر الأجلين».
ومنها: موثقة سماعة، قال: قال: «المتوفّى عنها زوجها الحامل أجلها آخر الأجلين إن كانت حبلى فتمّت لها أربعة أشهر وعشر ولم تضع فإنّ عدّتها إلى أن تضع وإن كانت تضع حملها قبل أن يتمّ لها أربعة أشهر وعشر تعتدّ بعد ما تضع تمام أربعة أشهر وعشر وذلك أبعد الأجلين».راجع وسائل الشيعة 22: 239، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب31.

(318)


منكم ويذرون أزواجاً يتربّصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً)(1)، نعم ذهب العامة إلى انقضاء العدّة بوضع الحمل لعموم آية (واولات الأحمال اجلهنّ أن يضعن حملهنّ)(2) وفيه: أنّ في سياق الآيات والتعبير بالأجل لشهادة للاختصاص بالطلاق ولو سلّم العمومية فبينها وبين آية الوفاة عموم من وجه فتتعارضان ومورد التعارض والاجتماع الحامل المتوفى عنها زوجها فيؤخذ بالأظهر دلالة وهو آية الوفاة لوجود احتمال الاختصاص بالطلاق المذكور في تلك الآية دون آية الوفاة فإنّها نصّ فيها. هذا مضافاً إلى أنّه مع عدم الاظهرية فلابدّ من العمل بالتكليفين فإنّ الأصل عدم التداخل فيجب الجمع بين الحكمين والاعتداد بكليهما، ومنه يظهر ضعف استدلال بعض الامامية بالآيتين على لزوم الاعتداد بابعد الأجلين.


نعم يمكن تقريب الاستدلال بأنّ عدّة الوفاة هي أكثر من عدّة الطلاق وعليها في الوفاة تكاليف ليست فيه فيعلم أنّها أقوى من عدّته فيلزم رعاية الأبعد لكنه اعتبار لايزيد امراً.

(مسألة 2 ـ المراد بالأشهر هي الهلالية، فإن مات عند رؤية الهلال اعتدّت بأربعة أشهر وضمّت إليها من الخامس عشرة أيام، وإن مات في أثناء الشهر فالأظهر أنّها تجعل ثلاثة أشهر هلاليات في الوسط وأكملت الأول بمقدار ما مضى منه من الشهر الخامس حتى تصير مع التلفيق أربعة أشهر وعشرة أيام).

كما مرّ نحوه في عدّة المتمتع بها.
--------------------------------------------------------
[1] ـ البقرة (2): 234.
[2] ـ الطلاق (65): 4.

(319)


فرع: إذا كانت الزوجة لا تعلم الشهور فيجب الاعتداد مأة وثلاثين يوماً، للاستصحاب وللضابطة الشرعية في عدّ أيام الشهر المشكوك.

(مسألة 3 ـ لو طلّقها ثم مات قبل انقضاء العدّة فإن كان رجعياً بطلت عدّة الطلاق، واعتدّت من حين موته عدة الوفاة).

بلا خلاف في الجملة، بل عليه الإجماع بقسميه إجمالا أي بالنسبة إلى غير المسترابة بالحمل، وذلك للأخبار المستفيضة إن لم تكن متواترة:


منها: صحيحة هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل كانت تحته امرأة فطلّقها ثم مات قبل أن تنقضي عدّتها، قال: تعتدّ أبعد الأجلين، عدّة المتوفّى عنها زوجها»(1).

ومنها: موثقة عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قضى أمير المؤمنين(عليه السلام)في رجل طلّق امرأته ثم توفّي عنها وهي في عدّتها، قال: ترثه وإن توفّيت وهي في عدّتها فإنّه يرثها وكلّ واحد منهما يرث من دية صاحبه ما لم يقتل أحدهما الآخر»، وزاد فيه محمّد بن أبي حمزة: «وتعتدّ عدّة المتوفى عنها زوجها»، قال الحسن بن سماعة: هذا الكلام سقط من كتاب ابن زياد ولا أظنّه إلاّ وقد رواه(2).

ومنها: صحيحة محمّد بن قيس، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: سمعته يقول: «أيّما امرأة طلّقت ثم توفّي عنها زوجها قبل أن تنقضي عدّتها ولم تحرم عليه فإنّها ترثه ثم تعتدّ عدّة المتوفى عنها زوجها، وإن توفّيت وهي في عدّتها ولم تحرم عليه فإنّه يرثها»(3).
--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 249، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب36، الحديث1.
[2] ـ وسائل الشيعة 22: 249، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب36، الحديث2.
[3] ـ وسائل الشيعة 22: 250، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب36، الحديث3.

(320)


هذا مضافاً إلى ما دل من الاخبار على أنّ المطلقة الرجعية زوجة. وأمّا البائن فليس عليها عدّة لأنّها أجنبية، وليست بزوجة كغيرها من الأجنبيّات وأمّا مرسلة علي بن إبراهيم، عن بعض أصحابنا «في المطلّقة البائنة إذا توفّي عنها زوجها وهي في عدّتها، قال: تعتدّ بأبعد الأجلين»(1)، فهي مرسلة مقطوعة ومعارضة بأخبار كثيرة مضافاً إلى أنّها شاذّة غير معمول بها عند الأصحاب، والحمل على المعنى اللغوي كما في الوسائل، فبعيد جدّاً ففي ذكر الطلاق دلالة على البينونة من دون احتياج إلى زيادة بيان بوصف المطلّقة بالبائن. هذا مضافاً إلى أنّ البائن في الروايات هو اصطلاح في مقابل الرجعية لاسيّما مع ذكر المطلّقة والأولى بل المتعيّن في مقام الحمل، الحمل على الاستحباب، لعدم ظهور الجملة الخبرية في نفسها في مقام الإنشاء في اللزوم إن لم نقل بظهور المثبتة منها في الاستحباب والنافية في الكراهة، وترك الاستفصال في صحيحة هشام بن سالم وهو الحديث الأول من الأحاديث المنقولة المستدلّ بها غير شامل لليائسة والصغيرة وغير المدخول بها من أقسام البائن لعدم العدّة لهنّ من رأس. فهذه الأقسام الثلاثة من البائن خارجة من مورد السؤال، فإنّ السؤال عن المطلّقة التي مات الرجل المطلّق قبل أن تنقضي عدّتها ولا عدّة لهنّ أصلاً.

وغير شاملة للمختلعة والمعتدّة في عدّة الثالث أيضاً لانصراف المطلّقة إلى الرجعية. هذا مع أنّ المختلعة مختلعة وعدّتها عدّة المطلقة كما في بعض الاخبار لكون الإطلاق منصرفاً إلى غيرها.

وأمّا المطلقة الرجعية الحامل إذا توفي عنها زوجها ففي المتن أنّ عدّتها ابعد الأجلين من وضع الحمل والمدّة المزبورة مثل الزوجة الحامل ولم نجده في الكتب المعروفة ولكنه هو الحق، للاستصحاب ولأنّها زوجة، ولما جاء في بعض أخبار عدّة المطلّقة
--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 250، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب36، الحديث6.

(321)


المتوفّى عنها زوجها الاعتداد بأبعد الأجلين من عدّة الطلاق والوفاة، ففي مرسلة ابن درّاج عن بعض أصحابنا، عن أحدهما(عليهم السلام) «في رجل طلّق امرأته طلاقا يملك فيه الرجعة ثم مات عنها، قال: تعتدّ بأبعد الأجلين أربعة أشهر وعشراً»(1). والظاهر أنّ ذكر أربعة أشهر وعشراً من الباب الغالب في مصداق الأبعد لا الدائم كما لا يخفى، لإمكان تجاوز عدّة الحائل عن تلك المدّة كاللّتي تحيض في كل شهرين ونصف مثلاً كتجاوز عدّة الحامل عنها أيضاً بكون الوضع بعد خمسة أشهر مثلاً ; فالمعيار هو الأبعد منهما حائلاً كانت المعتدّة المتوفى عنها زوجها أو حاملاً.

(إلاّ في المسترابة بالحمل فإنّ فيها محل تأمّل، فالأحوط لها الاعتداد بأبعد الأجلين من عدّة الوفاة ووظيفة المسترابة، فإذا مات الزوج بعد الطلاق بشهر مثلا تعتدّ عدّة الوفاة وتتمّ عدّة المسترابة إلى رفع الريبة وظهور التكليف، ولو مات بعد سبعة أشهر اعتدّت بأبعدهما من اتضاح الحال وعدّة الوفاة، ولو كانت المرأة حاملا اعتدّت بأبعد الأجلين منها ومن وضع الحمل كغير المطلّقة، وإن كان بائناً اقتصرت على إتمام عدّة الطلاق ولا عدّة لها بسبب الوفاة).

وبالجملة ينبغي البحث في المسترابة في ضمن مسألتين:


المسألة الأولى: إن كانت الرجعية مرتابة بالحمل ففي وجوب الاعتداد عليها بأقصى الحمل وهو تسعة أشهر أو سنةً، أو الإقراء والأشهر أي عدّة الحائل، أو ثلاثة بعد التسعة، أو ثلاثة مع وجوب الصبر إلى حصول اليقين، وجوه واحتمالات.
--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 250، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب36، الحديث5.

(322)


ومقتضى البراءة أنّها ثلاثة أشهر للشك في وجوب الزيادة عليها على المرأة ولقائل أن يقول: الصبر واجب إلى وضع الحمل أو أقصاه حيث إنّ الأمر دائر بين كون العدّة وضع الحمل أو القروء والشهور فيلزم الاحتياط، قضاءً للعلم الإجمالي ولا محلّ معه للبراءة ولا للاستصحاب. ولقائل أن يقول: إنّ عدّة المسترابة هي عدة غيرها لا لما مرّ من الوجهين بل لعموم (المطلّقات) وشمولها للمسترابة وغيرها واختصاص (اولات الأحمال) بمعلوم الحمل، وذلك أنّ الغاية في آية الحمل هي وضع الحمل فمع الشك ليس الوضع متحققاً فيستفاد من جعل الغاية أنّ الآية مختصّة بمعلوم الحمل وهذا وجه ليس بجزاف.

وهنا احتمال ثالث وهو لزوم الصبر سنة ثم الاعتداد بثلاثة أشهر إن لم تضع الحمل، ومستنده روايات يأتي البحث فيها.

كما أنّه يحتمل لزومه تسعة أشهر ثم ثلاثة أشهر كما هو مفاد بعض الروايات. ويحتمل أيضاً لزوم الاعتداد تسعة أشهر والاحتياط بثلاثة أشهر أُخرى لتمامية أقصى الحمل. والاشكال في الأخير بأنّ التسعة المذكورة لا يمكن جعلها عدّة للطلاق لأنّها ناش من أقصى الحمل، كما هو مفاد الروايات، فيلزم الحساب من حين الوطئ الأخير مع أنّ العدّة من حين الطلاق ومعه يلزم الاعتداد في اقل من سنة وأكثر منها، وكذا في الزيادة على السنة الواحدة، غير وارد لأنّ المراد من التسعة المجعولة عدّة هي المدة الموجودة غالباً في الحمل بما هي هي من دون نظر إلى المبدأ. وعلى كل حال فالمختار أنّ الاعتداد ينتهي بثلاثة أشهر إلاّ أنّه يجب الصبر إلى العلم بعدم الحمل ولمّا أنّ ما بعد الثلاثة عدة استظهارية فليس للزوج الرجوع إليها بعد الثلاثة وإن لم تجب نفقة تلك المدّة عليه أيضاً إلاّ استظهاراً واحتياطاً لإمكان الحمل وتمامية العدّة بالوضع كما أنّه لا يجوز لها أيضاً التزويج بغيره في تلك المدّة فأحكام العدّة من الطرفين غير جارية في

(323)


زمان الانتظار إلاّ استظهاراً واحتياطاً ووجهه واضح.

أمّا الاخبار فهي مختلفة، منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: سمعت أبا إبراهيم (عليه السلام) يقول: «إذا طلّق الرجل امرأته فادّعت حبلا، انتظر بها تسعة أشهر، فإن ولدت وإلاّ اعتدّت بثلاثة أشهر ثم قد بانت منه»(1).

ومن المحتمل فيها كون الاعتداد بثلاثة أشهر والبينونة، جملة خبرية ماضوية، أي مع عدم الوضع يكشف كون العدة في الواقع ثلاثة أشهر من التسعة، والصبر إليها كان للاختبار. ولا يتوهمّ أنّ إطلاق التسعة يشمل التسعة بعد الطلاق أيضاً كالتسعة بعد الوطىء مع أنّ الملاك في الاستظهار هو التسعة فيما بعد الوطئ، فالإطلاق حجة على عدم كونها للاستظهار بل تكون عدّة والثلاثة بعدها لرعاية أقصى الحمل والاستظهار بالأقصى من قيد الانتظار أنّ التسعة مختصّة بما بعد الوطئ وغير شاملة لما بعد الطلاق، ومن المحتمل كون الاعتداد إنّما هو بالثلاثة بعد التسعة، أو هي من باب الاحتياط في انجرار الحمل إلى سنة واحدة، وإن كان الغالب هو حصول الاطمينان بالتسعة. وعليهما لادخالة للتسعة في العدّة.

ومن تلك الاخبار ما عن محمّد بن حكيم، عن أبي الحسن(عليه السلام) قال: قلت له: «المرأة الشابة التي تحيض مثلها يطلّقها زوجها فيرتفع طمثها كم عدّتها ؟ قال: ثلاثة أشهر، قلت: فإنّها ادّعت الحبل بعد ثلاثة أشهر، قال: عدّتها تسعة أشهر، قلت: فإنّها ادّعت الحبل بعد تسعة أشهر، قال: إنّما الحمل تسعة أشهر، قلت: تزوّج ؟ قال: تحتاط بثلاثة أشهر، قلت: فإنّها ادّعت بعد ثلاثة أشهر، قال: لا ريبة عليها تزوّج إن شاءت»(2). ومحمد بن حكيم هذا وفي الروايات الآتية لم يوثق ولكنّه حسن.
--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 223، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب25، الحديث1.
[2] ـ وسائل الشيعة 22: 223، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب25، الحديث2.

(324)

وأنت ترى أنّ التسعة قد عبّر عنها بأنّها العدّة، والظاهر أنّ العدّة بعد الثلاثة عدّة تعبّدية إلاّ أن يقال: إنّ الرواية ناظرة إلى حكم المرأة أي من حيث تزوّجها لا من حيث الرجوع والنفقة.

ومنها: ما عنه أيضاً، عن أبي إبراهيم أو ابنه (عليهما السلام) أنّه قال «في المطلقة يطلّقها زوجها، فتقول: أنا حبلى فتمكث سنة، فقال: إن جاءت به لأكثر من سنة لم تصدّق ولو ساعة واحدة في دعواها»(1). فإنّها في أقصى الحمل.

ومنها: ما عنه أيضاً، عن العبد الصالح(عليه السلام) قال: قلت له: «المرأة الشابّة التي تحيض مثلها يطلّقها زوجها فيرتفع طمثها ما عدّتها ؟ قال: ثلاثة أشهر، قلت: فإنّها تزوّجت بعد ثلاثة أشهر فتبين بها بعد ما دخلت على زوجها أنها حامل، قال: هيهات من ذلك يا ابن حكيم، رفع الطمث ضربان: إمّا فساد من حيضة فقد حلّ لها الأزواج وليس بحامل، وإمّا حامل فهو يستبين في ثلاثة أشهر لأنّ الله عزّ وجلّ قد جعله وقتاً يستبين فيه الحمل، قال: قلت: فإنّها ارتابت، قال: عدّتها تسعة أشهر، قال: قلت: فإنّها ارتابت بعد تسعة أشهر، قال: إنّما الحمل تسعة أشهر، قلت: فتزوّج ؟ قال: تحتاط بثلاثة أشهر، قلت: فإنّها ارتابت بعد ثلاثة أشهر، قال: ليس عليها ريبة تزوّج»(2). فإنّه لا يعلم منها أنّ عدّة مسترابة الحمل تسعة أشهر فلعلّه في جانب المرأة فقط أي في خصوص مثل التزوّج لا مثل النفقه كما مرّ احتماله في روايته الأولى.

ومنها: ما عنه أيضاً، عن أبي عبد الله أو أبي الحسن (عليهما السلام) قال: قلت له: «رجل طلّق امرأته فلمّا مضت ثلاثة أشهر ادّعت حبلا، قال: ينتظر بها تسعة أشهر، قال:
--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 223، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب25، الحديث3.
[2] ـ وسائل الشيعة 22: 224، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب25، الحديث4.

(325)


قلت: فإنّها ادّعت بعد ذلك حبلا قال: هيهات هيهات ! إنّما يرتفع الطمث من ضربين: إمّا حمل بيّن، وإمّا فساد من الطمث، ولكنّها تحتاط بثلاثة أشهر بعد»، وقال أيضاً «في التي كانت تطمث ثم يرتفع طمثها سنة كيف تطلّق ؟ قال: تطلّق بالشهور. فقال لي بعض من قال: إذا أراد أن يطلّقها وهي لا تحيض وقد كان يطؤها «خ ل يطلّقها»، استبرأها بأن يمسك عنها ثلاثة أشهر من الوقت الّذي تبيّن فيه المطلّقة المستقيمة الطمث، فإن ظهر بها حمل وإلاّ طلّقها تطليقة بشاهدين، فإن تركها ثلاثة أشهر فقد بانت بواحدة، فإن أراد أن يطلّقها ثلاث تطليقات تركها شهراً ثم راجعها ثم طلّقها ثانية ثم أمسك عنها ثلاثة أشهر يستبرئها فإن ظهر بها حبل فليس له أن يطلّقها إلاّ واحدة»(1).

واعلم أنّ روايات ابن حكيم يحتمل أن تكون رواية واحدة فلا يمكن استفادة لزوم الاعتداد بتسعة أشهر فلعلّها عدّة الاختبار فتبقى الصحيحة فقط، وعلى كلّ حال فيجب الصبر بأكثر الأمرين من العدّة والتسعة.

هذا وقد استدلّ بروايتين أخريين في المسترابة بالحيض، إحداهما: ما عن عمّار الساباطي قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) «عن الرجل عنده امرأة شابّة وهي تحيض في كلّ شهرين أو ثلاثة أشهر حيضة واحدة كيف يطلّقها زوجها ؟

فقال: أمر هذه شديد، هذه تطلّق طلاق السنّة تطليقة واحدة على طهر من غير جماع بشهود ثم تترك حتّى تحيض ثلاث حيض متى حاضتها فقد انقضت عدّتها. قلت له: فإن مضت سنة ولم تحض فيها ثلاث حيض ؟ فقال: يتربّص بها بعد السنة ثلاثة أشهر، ثم قد انقضت عدّتها. قلت: فإن ماتت أو مات زوجها ؟ قال: أيّهما مات
--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 224، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب25، الحديث5.

(326)

ورث صاحبه ما بينه وبين خمسة عشر شهراً»(1).

وثانيتهما: ما عن سورة بن كليب قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) «عن رجل طلّق امرأته تطليقة واحدة على طهر من غير جماع بشهود طلاق السنّة وهي ممّن تحيض ثلاثة أشهر فلم تحض إلاّ حيضة واحدة ثم ارتفعت حيضتها حتّى مضى ثلاثة أشهر أُخرى، ولم تدر ما رفع حيضتها، فقال: إن كانت شابّة مستقيمة الطمث فلم تطمث في ثلاثة أشهر إلاّ حيضة ثم ارتفع طمثها فلا تدري ما رفعها فإنّها تتربّص تسعة أشهر من يوم طلّقها ثمّ تعتدّ بعد ذلك ثلاثة أشهر ثمّ تتزوّج إن شاءت»(2).

أقول: ولكن لا شاهد في الأولى على المسألة أصلاً بل تكون مربوطة بمسترابة الحيض كما أنّه لا شهادة فيها على التسعة المدلول عليها في اخبار محمّد بن حكيم أيضاً، ولو سلّم الدلالة والارتباط قضاءً للاطلاق فهي معرض عنها في موردها حيث إنّ المشهور كون العدّة في مسترابة الحيض ما سبق منه ومن ثلاثة أشهر لا الثلاثة بعد السنة وأمّا الثانية فالاشعار فيها وجيه لما فيها من ذكر التسعة وهو مشعر بمدّة الحمل والارتباط بمسترابة الحمل لكن مع غضّ النظر عمّا أورده الشهيد الثاني في المسالك عليه (3) أنّ السند ضعيف بسورة بن كليب من جهة عدم التوثيق.

المسألة الثانية: وهي المسترابة بالحمل بعد انقضاء العدّة والنكاح، فالظاهر من الشرائع وغيره بل من الجواهر صحة النكاح وانقضاء عدتها بالأشهر الماضية وانّه من المسلّمات، واستدل له بأصالة الصحة في النكاح الثاني وبأنّه بعد انقضاء العدّة ومثلها الاسترابة بالحمل بعد انقضاء العدّة.
--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 199، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب13، الحديث1.
[2] ـ وسائل الشيعة 22: 199، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب13، الحديث2.
[3] ـ مسالك الأفهام 9: 241.

(327)

أقول: وأضف إليه استصحاب عدم الحمل.

ثم إنّ المرأة مرتابة في تمام الصور الثلاث في أنّ عدّتها وضع الحمل أو الشهور والثلاثة ؟ نعم في المرتابة قبل انقضاء العدّة ففي الاخبار الدلالة على لزوم التربص بأكثر الأمرين من برائة الرحم والعدّة بالأشهر مثلاً، وأمّا المرتابة في الحمل بعد انقضاء العدّة أو بعدها وبعد النكاح فليست مورداً للأخبار ; كما أنّ استصحاب عدم الحمل جار في الصور الثلاث أيضاً.

ولقائل أن يقول: مع إلغاء الخصوصية بضميمة الموافقة للاعتبار لزم التربص بأكثر الأمرين لأنّ المستفاد من الاخبار أنّ الشارع لا يرضى بوطئ المرأة الحاملة، نعم يصح النكاح والحكم بانقضاء العدّة قضاء للقواعد. وهذا كلام ليس بجزاف.

ثم إنّ المحقق(قدس سره) قال: «لو ارتابت بالحمل بعد انقضاء العدّة والنكاح، لم يبطل وكذا لو حدثت الريبة بالحمل بعد العدّة وقبل النكاح. أمّا لو ارتابت به قبل انقضاء العدّة لم تنكح، ولو انقضت العدّة. ولو قيل بالجواز، ما لم يتيقن الحمل كان حسناً، وعلى التقديرات لو ظهر حمل بطل النكاح الثاني، لتحقق وقوعه في العدّة»(1).

أقول: الذي يخطر بالبال أنّ روايات النكاح في العدّة مختصّة بكون المرأة في العدّة، وما نحن فيه ممّا قد انقضت العدّة ولم تكن حاملا، بالاستصحاب فلا تشمله الروايات لانتفاء الموضوع وانقضائه، وما يقال من أنّ الامارة حكم ظاهري غير مجز عن الواقع وإنّما تكون عذراً مع المخالفة لا وجه له لأنّ الانقضاء المزبور من جانب الشارع فأدلّتها حاكمة على تلك الروايات كحكومة «كلّ شيء طاهر» على أدلّة شرطية الطهارة الخبثية في الصلاة مثلاً ولا ارتباط للجمع على الحكومة بباب الأجزاء بل الجمع بها كالجمع بالتخصيص مثلاً مبيّن للواقع.
--------------------------------------------------------
[1] ـ شرائع الإسلام 3: 25.

هذا مضافاً إلى أنّ اخبار الانقضاء تدل على الصحة بالدلالة الالتزامية العقلائية فإنّ جعل العدّة كذلك يلازم صحة ترتيب آثار الانقضاء وإلاّ فما معنى ذكر الحدّ هنا ؟ مضافاً إلى أنّه قد حقّقنا في الأُصول أنّ الامارات والأصول مجزية إلاّ ما خرج بالدليل.

فتحصّل من ذلك كله أنّ الترديد المذكور في المتن ناش من عدم وجود النص في المسألة، ومقتضى القاعدة تربص ابعد الأجلين، ووجه التربص في عدّة الوفاة إن كانت هي الأبعد فواضح وأمّا الآخر فلأنّ المستفاد من أدلة العدّة حرمة الزواج للحامل وإن كان الحمل مشكوكاً فيه، ولكن الآثار إنّما تترتب على عدّة الوفاة فقط كترك الزينة والحداد، فما في المتن لا يخلو من اشكال، والحق أن يقال: إنّ الأحوط بل الأظهر، الانتظار إلى أبعد الأجلين ولا يترتب على تلك المدّة الزائدة، الحداد.

(مسألة 4 ـ يجب على المرأة في وفاة زوجها الحداد ما دامت في العدّة).

وذلك بإجماع الفريقين، فضلا عن الطائفة الحقة.

(والمراد به ترك الزينة في البدن بمثل التكحيل والتطيب والخضاب وتحمير الوجه والخطاط ونحوها، وفي اللباس بلبس الأحمر والأصفر والحلي ونحوها وبالجملة ترك كل ما يعدّ زينة تتزيّن به للزوج، وفي الأوقات المناسبة له في العادة كالأعياد والأعراس ونحوها، ويختلف ذلك بحسب الأشخاص والأزمان والبلاد، فيلاحظ في كل بلد ما هو المعتاد والمتعارف فيه للتزيين، نعم لا بأس بتنظيف البدن واللباس، وتسريح الشعر،


(329)


وتقليم الأظفار، ودخول الحمّام، والافتراش بالفراش الفاخر والسكنى في المساكن المزينة، وتزيين أولادها وخدمها
).

وهو المراد به لغة وشرعاً، والدليل على الحكم هو الاخبار المتظافرة من الخاصة والعامة، فمنها: ما عن زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «إن مات عنها ـ يعني: وهو غائب ـ فقامت البيّنة على موته فعدّتها من يوم يأتيها الخبر أربعة أشهر وعشراً، لأنّ عليها أن تحدّ عليه في الموت أربعة أشهر وعشراً فتمسك عن الكحل والطيب والأصباغ»(1).

ومنها: صحيحة ابن أبي يعفور، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته «عن المتوفّى عنها زوجها، قال: لا تكتحل للزينة ولا تطيب ولا تلبس ثوباً مصبوغاً ولا تبيت عن بيتها وتقضي الحقوق وتمتشط بغسلة وتحجّ وإن كان في عدّتها»(2).

ومنها: صحيحة أبي العباس قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): «المتوفّى عنها زوجها، قال: لا تكتحل لزينة ولا تطيب ولا تلبس ثوباً مصبوغاً ولا تخرج نهاراً ولا تبيت عن بيتها، قلت: أرأيت إن أرادت أن تخرج إلى حقّ كيف تصنع ؟ قال: تخرج بعد نصف الليل وترجع عشاءً»(3).

ومنها: ما عن زرارة أيضاً، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «المتوفّى عنها زوجها ليس لها أن تطيب ولا تزيّن حتّى تنقضي عدّتها أربعة أشهر وعشرة أيام»(4).
--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 233، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب29، الحديث1.
[2] ـ وسائل الشيعة 22: 233، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب29، الحديث2.
[3] ـ وسائل الشيعة 22: 233، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب29، الحديث3.
[4] ـ وسائل الشيعة 22: 234، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب29، الحديث4.

(330)


وتعارض الاخبار كلّها موثقة الساباطي كما قالوا وهي ما عنه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه سأله «عن المرأة يموت عنها زوجها، هل يحلّ لها أن تخرج من منزلها في عدّتها ؟ قال: نعم وتختضب وتكتحل وتمتشط وتصبغ وتلبس المصبّغ وتصنع ما شاءت بغير زينة لزوج»(1). ولكنها شاذّة.

( مسألة 5 ـ الأقوى أن الحداد ليس شرطاً في صحة العدّة، بل هو تكيلف مستقل في زمانها، فلو تركته عصياناً أو جهلا أو نسياناً في تمام المدّة أو بعضها لم يجب عليها استئنافها وتدارك مقدار ما اعتدّت بدونه).

لأنه هو غاية ما يستفاد من الروايات ولا دلالة فيها على الشرطية ولا عليها دليل آخر حال الضرورة.

(مسألة 6 ـ لا فرق في وجوب الحداد بين المسلمة والذميّة).

قضاءً للإطلاق.

(كما لا فرق على الظاهر بين الدائمة والمنقطعة).

للزوم العدّة عليها أيضاً وتشملها الروايات أيضاً لأنّها زوجة.

(نعم لايبعد عدم وجوبه على من قصرت مدّة تمتّعها كيوم أو يومين).

وذلك للانصراف.
--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 234، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب29، الحديث7.

(331)


(وهل يجب على الصغيرة والمجنونة أم لا ؟ قولان أشهرهما الوجوب بمعنى وجوبه على وليّهما، فيجنّبهما عن التزيين ما دامتا في العدّة).

وذلك لأنّ رفع القلم وإن كان مقتضياً لعدم الوجوب لهما إلاّ أنّ التكليف على وليّهما، كباب قتل النفس وشرب الخمر وأمثالهما.

(وفيه تأمل وإن كان أحوط).

لأنّ الوجوب على الوليّ وجوب مستقلّ يكون لأهمية المكلّف به بحيث إنّ وجوده مبغوض ويريد الشارع تركه بأيّ نحو كان وذلك محتاج إلى الدليل كذلك وهو منتف في المقام كما لا يخفى، فحديث رفع القلم الحاكم على أخبار المسألة هو المحكّم هنا مع أنّ حكمة الحداد في عدم رغبة الرجال ومن المعلوم تحقق تلك الحكمة في غير واحد من الصغيرات والمجنونات ممّا لا رغبة في زواجها ولو مع عدم الحداد من جهة الصغر أو الجنون، وبما ذكرناه يظهر عدم تمامية ما في الجواهر من تشبيه الحداد بأمثال التكاليف التي تتوجه إلى الوليّ(1) فإنّه كما ترى. هذا ولكن مع ادّعاء الإجماع عن بعض على عدم الفرق في الحكم وتوجهه إلى الوليّ فالتوجه هو الاحوط الذي لا ينبغي تركه لاسيّما في من يرغب الرجال إلى نكاحها مع عدم الحداد.

(مسألة 7 ـ يجوز للمعتدّة بعدّة الوفاة أن تخرج من بيتها في زمان عدّتها والتردد في حوائجها خصوصاً إذا كانت ضرورية أو كان خروجها لأمور راجحة كالحج والزيارة وعيادة المرضى

--------------------------------------------------------
[1] ـ جواهر الكلام 32: 281.

(332)

وزيارة أرحامها ولا سيّما والديها، نعم ينبغي بل الأحوط أن لا تبيت إلاّ في بيتها الّذي كانت تسكنه في حياة زوجها، أو تنتقل منه إليه للاعتداد بأن تخرج بعد الزوال وترجع عند العشي أو تخرج بعد نصف الليل وترجع صباحاً
).

ولا اشكال فيه، ويدل عليه أخبار كثيرة، منها: ما مرّ آنفاً عن عمّار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه سأله «عن المرأة يموت عنها زوجها هل يحلّ لها أن تخرج من منزلها في عدّتها ؟ قال: نعم وتختضب وتكتحل وتمتشط وتصبغ وتلبس المصبّغ وتصنع ما شاءت بغير زينة لزوج»(1).

ومنها: ما عنه أيضاً، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في المرأة المتوفى عنها زوجها هل يحلّ لها أن تخرج من منزلها في عدّتها ؟ قال: نعم». الحديث(2).

ومنها: خبر عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في المتوفى عنها زوجها أتحجّ وتشهد الحقوق ؟ قال: نعم»(3).

ومنها: ما عن عبد الله بن بكير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) «عن التي يتوفّى زوجها تحجّ ؟ قال: نعم وتخرج وتنتقل من منزل إلى منزل»(4). إلى غيرها من الاخبار الناصّة على الجواز. فما في بعض الاخبار من المنع لابدّ من الحمل على الكراهة حملاً للظاهر على النصّ وهذا لا اشكال فيه وإنّما الاشكال في البيتوتة في غير بيتها بلا ضرورة وحاجة، ففي الحدائق اختيار عدم الجواز إلاّ لضرورة، قضاءً للجمع بين
--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 234، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب29، الحديث7.
[2] ـ وسائل الشيعة 22: 243، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب33، الحديث1.
[3] ـ وسائل الشيعة 22: 244، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب33، الحديث4.
[4] ـ وسائل الشيعة 22: 243، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب33، الحديث3.

(333)


أخبار المنع الذي هو أكثر الاخبار وأخبار الجواز بما تضمنّته صحيحة الصفّار من إلجاء الحاجة إلى ذلك والضرورة فتخرج نهاراً وتبيت في غيره ليلاً، فبعد نقله أخبار الحداد وترك الزينة من صحيح ابن أبي يعفور وخبر أبي العباس وزرارة وأبي بصير ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) ومكاتبة الصفّار في الصحيح إلى محمّد الحسن بن الإمام علي(عليه السلام) وموثق عمّار الساباطى وابن بكير وخبر عبيد بن زرارة والبحث عن الزينة، قال ما هذه عبارته:

«بقي الكلام في اختلاف هذه الاخبار في جواز الخروج من بيتها والبيات في غيره، فإنّ أكثر الاخبار قد دلّ على المنع باكد وجه إلاّ مع الضرورة، فتخرج بعد نصف الليل وتعود عشاءً، وجملة منها قد دلّ على الجواز مطلقاً، وهي الاخبار الأخيرة، والظاهر الجمع بينها بما تضمّنته صحيحة الصفّار المتقدمة من إلجاء الحاجة إلى ذلك والضرورة فتخرج نهاراً، وتبيت في غيره ليلاً.

والشيخ في كتابي الاخبار جمع بينها بحمل أخبار النهي عن البيتوتة عن بيتها على الاستحباب كما هو قاعدته غالباً في جميع الأبواب، وظاهر الاخبار المانعة بآكد منع لا يساعده.

ومن أخبار المسألة زيادة على ما قدّمنا ما رواه أبو منصور أحمد بن أبي طالب الطبرسي في الاحتجاج والشيخ في كتاب الغيبة عن صاحب الزمان(عليه السلام) ممّا كتب أجوبة مسائل محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري حيث سأله «عن المرأة يموت زوجها، هل يجوز لها أن تخرج في جنازته أم لا ؟ التوقيع: تخرج في جنازته. وهل يجوز لها وهي في عدتها أن تزور قبر زوجها أم لا ؟ التوقيع: تزور قبر زوجها ولا تبيت عن بيتها. وهل يجوز لها أن تخرج في قضاء حقّ يلزمها أم لا تخرج من بيتها وهي في عدتها ؟ التوقيع: إذا كان حقّ خرجت فيه وقضته، وإن كان لها حاجة

(334)


ولم يكن لها من ينظر فيها خرجت لها حتّى تقضيها، ولا تبيت إلاّ في منزلها»(1).

ثم قال: أقول: وهذا الخبر قد اشتمل على ما فصّلناه في تلك الاخبار بعد حمل مطلقها على مقيّدها وملخّصه أنّه مع الضرورة إلى الخروج فلا إشكال في جواز الخروج وإن استلزم البيات في غير بيتها، ومع عدم الضرورة فإنّه يرخّص لها الخروج لقضاء الحقوق التي يلزمها من عيادة مريض أو حضور تعزية ونحو ذلك من الحقوق التي يقوم بها النساء بعضهنّ لبعض ونحو ذلك من الأُمور المستحبّة، لكن لا تبيت إلاّ في بيتها، ولا ينافي ذلك الاخبار الدالّة على جواز الانتقال من منزل إلى آخر.

ومنها: زيادة على ما قدمناه ما رواه في الكافي عن معاوية بن عمّار في الموثّق عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته «عن المرأة المتوفّى عنها زوجها تعتدّ في بيتها أو حيث شاءت ؟ قال: بل حيث شاءت، إنّ عليّا(عليه السلام) لمّا توفّي عمر أتى أم كلثوم فانطلق بها إلى بيته»(2).

وعن سليمان بن خالد في الصحيح قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) «عن امرأة توفّي عنها زوجها، أين تعتدّ في بيت زوجها تعتدّ أو حيث شاءت ؟ قال: بل حيث شاءت، ثمّ قال: إن عليّا(عليه السلام) لمّا مات عمر أتى أم كلثوم فأخذ بيدها فانطلق بها إلى بيته»(3).

وعن عبد الله بن سليمان قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) قال: سألته «عن المتوفّى عنها زوجها أتخرج إلى بيت أبيها وأمّها من بيتها إن شاءت فتعتد ؟ فقال: إن شاءت أن
--------------------------------------------------------
[1] ـ الاحتجاج: 269، الغيبة: 246، وسائل الشيعة 22: 245، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب33، الحديث8.
[2] ـ الكافي 6: 115 / 1، وسائل الشيعة 22: 242، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب32، الحديث3.
[3] ـ الكافي 6: 115 / 2، تهذيب الأحكام 8: 161 / 157، وسائل الشيعة 22: 241، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب32، الحديث1.

(335)


تعتدّ في بيت زوجها اعتدت، وإن شاءت اعتدت في بيت أهلها، ولا تكتحل ولا تلبس حلياً(1).

وعن يونس عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته «عن المتوفّى عنها زوجها تعتدّ في بيت تمكث فيه شهراً أو أقلّ من شهر أو أكثر ثمّ تتحول منه إلى غيره فتمكث في المنزل الذي تحولت إليه مثل ما مكثت في المنزل الذي تحولت منه، كذا صنيعها حتّى تنقضي عدتها ؟ قال: يجوز ذلك لها ولا بأس»(2).

والشيخ ومن تبعه قد عملوا بهذه الاخبار، فقالوا بجواز ترك البيات في المنزل وجواز الخروج حيث شاءت، وحملوا أخبار النهي على الكراهة.

والأقرب أنّ جواز الانتقال من منزل إلى آخر لا ينافي وجوب الاستقرار في ذلك المنزل الذي استقرت فيه، فلا يجوز لها الخروج والرجوع إليه إلاّ في الصورة التي قدمنا ذكرها من الضرورة وقضاء الحقوق، فلا منافاة». انتهى كلامه(3).

أقول: ولا يخفى عليك ما وقع منه(رحمه الله) ومن الشيخ(رحمه الله) من الخلط ; أمّا منه فمن حيث خلطه بين الخروج من المنزل والبيتوتة فيه وبين الخروج منه والبيتوتة في غيره حيث إنّ ما يدل على الجواز راجع إلى الأول لا الثاني وأخبار البيتوتة في غيره فكلّها على المنع، والبيتوتة هي الاستقرار في المنزل الذي استقرّت فيه، كما صرّح به في قوله «والأقرب أنّ جواز الانتقال» وليس الخروج منافياً له أصلاً ; كما أنّ الانتقال من منزل
--------------------------------------------------------
[1] ـ الكافي 6: 116 / 3، وسائل الشيعة 22: 242، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب32، الحديث4.
[2] ـ الكافي 6: 116 / 9، وسائل الشيعة 22: 246، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب34، الحديث2.
[3] ـ الحدائق الناضرة 25: 471 ـ 473.

إلى منزل غير مناف له أيضاً وعليك بالمراجعة ثانياً إلى الاخبار حتى تطمئنّ بذلك كمال الاطمئنان وتعلم عدم وجود رواية واحدة دالّة على جواز البيتوتة لها في غير منزلها، فارجع البصر كرتين حتى تنقلب إليك البصر وهو يرى الخلط بينها وبين الخروج فلا منافاة بينهما، لتغاير موضوعهما، مع أنّ أخبار الخروج ناصة على الجواز، فلابد من حمل أخبار المانعة على الكراهة، تقديماً للنص على الظاهر، كما مر، فلا حاجـة في الجمـع بين تلك الاخبار إلى المكاتبة، واختصاص الجواز بالضرورة، كما أنّ أخبار البيتوتة مقيدّة بالضرورة والحاجة للمكاتبة لا أنّها وجه للجمع بين أخبار الناهيـة عن البيتوتة في غير المنزل والدالة على الجواز لعدم الثاني من رأس كما لا يخفى.

وأمّا ما عن الشيخ(رحمه الله) ومن تبعه فلما صرّح به الحدائق من أنّ جواز الانتقال غير مناف للاستقرار فاستدلال الشيخ(رحمه الله) ومن تبعه لجواز ترك البيت والخروج من المنزل بأخبار الانتقال ليس إلاّ من خلط الاستقرار في المنزل بالخروج من الأول والاستقرار في الثاني بالخروج المستقل الذي دلّ على جوازه الاخبار الناصّة فيه وهل هذا إلاّ خلطاً مع أنّه لا حاجة إلى تلك الاخبار بعد الاخبار الناصّة كما لا يخفى.

ثمّ إنّ من العجب تبعية الجواهر للشيخ أيضاً في الخلط إلى أنّ رمى الحدائق باختلال الطريقة بل إلى عدم معرفة اللسان وقال: «فإنّ النصوص المزبورة ظاهرة لمن رزقه الله معرفة رمزهم واللحن في قولهم في ما هو ظاهر الأصحاب من عدم منعها من ذلك وانّه يجوز لها من دون ضرورة، لكن على كراهة، خصوصاً بعد ملاحظة النصوص المستفيضة الدالّة على جواز قضاء عدّتها في ما شاءت من المنازل ولو كل شهر في منزل»(1). ووجه الخلط ظاهر ممّا مرّ فلا نعيده.
--------------------------------------------------------
[1] ـ جواهر الكلام 32: 279.

(337)


مسألة في حداد الأمة


ولنكتف في المسألة بنقل ما في الجواهر ففيه الكفاية، قال:

«(و) أما الحداد (في الأمة) إذا كانت زوجة ففيه (تردّد) وخلاف (أظهره) أن (لاحداد عليها) وفاقاً لجماعة، بل قيل: إنه الأشهر، لصحيح زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام)«إن الأمة والحرة كلتيهما إذا مات عنهما زوجهما سواء في العدة، إلا أن الحرة تحدّ والأمة لاتحدّ»(1) وبه يقيد إطلاق الأدلة إن لم يقل بانسياقه إلى الزوجـة الحرة، وإلاّ لم يحتج إلى التقييد، وكان الصحيح مؤكداً لأصل البراءة وغيره ممّا يقتضي نفي ذلك عنها.

وخلافاً لصريح المحكى عن المبسوط والسرائر وظاهر أبي الصلاح وسلار وابن حمزة، فأوجبوا الحداد عليها كالحرة، للنبوي «لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدّ على ميّت فوق ثلاث ليال إلاّ على زوج أربعة أشهر وعشراً»(2) ولم يفرق.

وأجاب عنه في المختلف «أن هذه الرواية لم تصل إلينا مسندة عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنما رواها الشيخ مرسلة، ولا حجة فيها، والعجب أن ابن إدريس ترك مقتضى العقل وهو أصالة البراءة من التكليف بالحداد وما تضمنته الروّاية الصحيحة وعوّل على هذا الخبر المقطوع السند، مع إدعائه أن الخبر الواحد المتصل لا يعمل به فكيف المرسل ! وهذا يدلّ على قصور قريحته وعدم تفطّنه لوجوه الاستدلال»(3).

قلت: الإنصاف أن هذا الكلام لا يليق بابن إدريس الّذي هو أولّ من فتح النظر
--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 259، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب42، الحديث2.
[2] ـ سنن البيهقي 7: 437، مستدرك الوسائل 15: 362، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب25، الحديث9.
[3] ـ مختلف الشيعة 7: 478.

(338)


والتحقيق، ولم يعتمد في المقام على الخبر المرسل، بل غرضه الاستدلال بإطلاق المتواتر من النصوص الدالة على الحداد في الزوجة الشاملة للحرة والأمة، والخبر الصحيح المزبور غير حجة عنده، فلا يحكم على الإطلاق المزبور.

والعجب منه في توجيه الجواب عن النبوي المزبور بكونه مرسلاً غير حجة وأنه لم يصل إلينا مسنداً مع أن مضمونه مقطوع به في نصوصنا، ولم يتنبّه للجواب عنه بعدم تناوله للأمة بناءً على عدم اعتدادها بالأربعة والعشر، وبانسياق الحرة من الامرأة فيه، وبأنه مقيد بالصحيح المزبور، والأمر سهل بعد وضوح الحال. نعم لافرق فيه بين الدائمة والمتمتع بها، للاطلاق المزبور». انتهى كلامه(1).

فرع: المرأة الموطوءة بوطىء الشبهة المتوفى عنها الواطي وقد انحلّت الشبهة فليس عليها عدّة الوفاة قطعاً لعدم كونها زوجة ولكنّه عليها عدّة الطلاق كما في حال حياته ولعلّ تصريح المحقق في الشرائع وغيره بعدم عدّة الوفاة لها الذي يكون أمراً واضحاً من جهة عدم الزوجية هو لخلاف بعض العامّة الناشي من استحسان أو قياس أو اجتهاد فاسد.

(مسألة 8 ـ لا اشكال في أن مبدأ عدّة الطلاق من حين وقوعه حاضراً كان الزوج أو غائباً، بلغ الزوجة الخبر أم لا، فلو طلّقها غائباً ولم يبلغها إلاّ بعد مضي مقدار العدّة فقد انقضت عدّتها، وليس عليها عدة بعد بلوغ الخبر، ومثل عدّة الطلاق عدّة الفسخ والانفساخ على الظاهر، وكذا عدّة وطئ الشبهة وإن كان الاحوط

--------------------------------------------------------
[1] ـ جواهر الكلام 32: 281 ـ 283.

(339)


الاعتداد من حين ارتفاع الشبهة بل هذا الاحتياط لا يترك، وأمّا عدّة الوفاة فإن مات الزوج غائباً فهي من حين بلوغ الخبر إليها، ولا يبعد عدم اختصاص الحكم بصورة غيبة الزوج، بل يعمّ صورة حضوره إن خفي عليها موته لعلّة، فتعتدّ من حين إخبارها بموته).

كون مبدأ عدّة الطلاق من حين وقوعه ممّا لا اشكال فيه وهو الموافق لقاعدة السبب والمسبب، وقاعدة العدة والطلاق من دون فرق بين الحاضر والغائب وبين بلوغ الخبر وعدمه. هذا مع ما في الغائب من أخبار كثيرة، منها: ما عن محمّد بن مسلم، قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): «إذا طلّق الرجل وهو غائب فليشهد على ذلك فإذا مضى ثلاثة أقراء من ذلك اليوم فقد انقضت عدّتها»(1).

ومنها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته «عن الرجل يطلّق امرأته وهو غائب عنها من أيّ يوم تعتدّ ؟ فقال: إن قامت لها بينة عدل أنّها طلّقت في يوم معلوم وتيقّنت فلتعتدّ من يوم طلّقت وإن لم تحفظ في أيّ يوم وفي أيّ شهر فلتعتدّ من يوم يبلغها»(2).

ومنها: صحيحة الفضلاء الثلاثة عن أبي جعفر(عليه السلام) أنّه قال «في الغائب إذا طلّق امرأته فإنّها تعتدّ من اليوم الّذي طلّقها»(3). إلى غيرها من الاخبار.

هذا والمحكي عن أبي الصباح الاعتداد من اعتبار البلوغ لظاهر الأمر بالتربّص فإنّ الامتثال والطاعة غير محقق مع الجهل ولأنّ الاعتداد عبادة ولا يمكن ذلك إلاّ بالعلم،
--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 225، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب26، الحديث1.
[2] ـ وسائل الشيعة 22: 226، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب26، الحديث2.
[3] ـ وسائل الشيعة 22: 226، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب26، الحديث3.

(340)


وفيهما ما لا يخفى، أمّا الأول فإنّ التربّص لأن لا تتزوّج فهو واجب مقدّمي توصلي والإطاعة في مثله بالتوصّل كيفما كان، وعبادية الاعتداد كما ترى.

وأمّا عدّة الوفاة في زوجة الغائب بلوغ الوفاة لا من حينها على المشهور بل عن الناصريات الاتفاق عليه بل عن السرائر والتحرير نفي الخلاف وعن ابن الجنيد أنّها كالطلاق من حينها وعن الشيخ في التهذيب التفصيل بين المسافة القريبة كيوم أو يومين أو ثلاثة والبعيدة فالأولى تعتدّ من حين البلوغ ومستند الكلّ الاخبار، فهي على طوائف ثلاث:


الأولى: الدالّة على أنّ العدّة من حين بلوغ الخبر وهي كثيرة، منها: صحيحة زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «إن مات عنها ـ يعني وهو غائب ـ فقامت البيّنة على موته فعدّتها من يوم يأتيها الخبر أربعة أشهر وعشراً، لأنّ عليها أن تحد عليه في الموت أربعة أشهر وعشراً فتمسك عن الكحل والطيب والأصباغ»(1).

ومنها: صحيحة ابن مسلم عن أحدهما(عليهما السلام) «في الرجل يموت وتحته امرأة وهو غائب، قال: تعتدّ من يوم يبلغها وفاته»(2).

ومنها: صحيحة أبي الصباح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «التي يموت عنها زوجها وهو غائب فعدّتها من يوم يبلغها إن قامت البيّنة أو لم تقم»(3).

ومنها: صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر(عليه السلام) أنّه قال «في الغائب عنها زوجها إذا توفّي قال: المتوفّي عنها تعتدّ من يوم يأتيها الخبر لأنّها تحدّ عليه (له خ ل)»(4).
--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 233، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب29، الحديث1.
[2] ـ وسائل الشيعة 22: 228، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب28، الحديث1.
[3] ـ وسائل الشيعة 22: 229، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب28، الحديث2.
[4] ـ وسائل الشيعة 22: 229، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب28، الحديث3.

(341)


ومنها: صحيحة ابن أبي نصر، عن أبي الحسن الإمام الرضا(عليه السلام) قال: «المتوفّى عنها زوجها تعتدّ من يوم يبلغها لأنّها تريد أن تحدّ عليه (له خ ل)»(1).

ومنها: صحيحة الحسن بن زياد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال «في المرأة إذا بلغها نعي زوجها: تعتدّ من يوم يبلغها، إنّما تريد أن تحدّ له»(2). ومنها غيرها من الروايات(3).

الثانية: الدالّة على أنّ العدّة من حين الوفاة، فمنها: خبر وهب بن وهب، عن جعفر، عن أبيه، عن الإمام علي(عليه السلام) أنه سئل «عن المتوفّى عنها زوجها إذا بلغها ذلك وقد انقضت عدّتها فالحداد يجب عليها ؟ فقال الإمام علي(عليه السلام): إذا لم يبلغها ذلك حتى تنقضي عدّتها فقد ذهب ذلك كلّه وتنكح من أحبّت»(4).

ومنها: ما عن الحسن بن زياد قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) «عن المطلّقة يطلّقها زوجها ولا تعلم إلاّ بعد سنة والمتوفى عنها زوجها ولا تعلم بموته إلاّ بعد سنة، قال: إن جاء شاهدان عدلان فلا تعتدّان وإلاّ تعتدّان»(5).

ومنها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: «امرأة بلغها نعي زوجها بعد سنة أو نحو ذلك، قال: فقال: إن كانت حبلى فأجلها أن تضع حملها، وإن كانت ليست بحبلى فقد مضت عدّتها إذا قامت لها البيّنة أنّه مات في يوم كذا وكذا وإن لم يكن لها بيّنة فلتعتدّ من يوم سمعت»(6).
--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 229، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب28، الحديث4.
[2] ـ وسائل الشيعة 22: 229، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب28، الحديث5.
[3] ـ وسائل الشيعة 22: 225 و228، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب26، والباب29.
[4] ـ وسائل الشيعة 22: 230، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب28، الحديث7.
[5] ـ وسائل الشيعة 22: 231، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب28، الحديث9. وفيه الحسين بن زياد والصحيح ما ذكرناه كما صرّح به في معجم الرجال 5: 238.
[6] ـ وسائل الشيعة 22: 231، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب28، الحديث10.

(342)


الثالثة: الدالة على التفصيل بين قليل المسافة وكثيرها، وهي صحيحة منصور بن حازم قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول «في المرأة يموت زوجها أو يطلّقها وهو غائب، قال: إن كان مسيرة أيام فمن يوم يموت زوجها تعتدّ، وإن كان من بعد فمن يوم يأتيها الخبر لأنّها لابدّ من أن تحدّ له»(1).

وفي التهذيب بعد نقله خبري الحسن بن زياد والحلبي قال: «فهذان الخبران شاذّان نادران مخالفان للأحاديث كلّها، والتفصيل الّذي تضمّن الحديث الأخير يخالفه أيضاً الخبر المتقدم ذكره عن أبي الصباح الكناني لأنه قال: تعتدّ من يوم يبلغها قام لها البيّنة أو لم تقم، فلا يجوز العدول عن الاخبار الكثيرة إلى هذين الخبرين، على أنّه يجوز أن يكون الرّاوي وهم فسمع حكم المطلّقة فظنّه أنّه حكم المتوفى عنها زوجها لأنّ التفصيل الذي يتضمنه الخبر الأخير من اعتبار قيام البيّنة وانقضاء العدّة عند وضع الحمل وغير ذلك كلّه معتبر فيها، وعلى هذا التأويل لا تنافي بين الاخبار»(2).

أقول: ويقع الكلام فيها في مقامين : احدهما: وجود التعارض وعدمه، والثاني: على تقدير التعارض كيف العلاج والعمل.


فنقول في المقام الأول: الحقّ عدم التعارض بالجمع بينها بحمل الأولى على الندب فالاعتداد من الوفاة وإن كان صحيحاً إلاّ أنّ الاعتداد من البلوغ مستحبّ ومطلوب وعن المسالك الجمع كذلك.

أمّا الثالثة فعلى الدلالة غير معارضة للأوليين لأنّها اخصّ منهما والشأن في الدلالة فإنّ من المحتمل كون شرطية مسيرة أيام لبيان بعض مصاديق البلوغ فإنّ المسيرة كذلك ملازم مع البلوغ غالباً وبالجملة ذكر المسيرة من باب ذكر العنوان المشير
--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 232، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب28، الحديث12.
[2] ـ تهذيب الأحكام 8: 164.

(343)

والكناية لا الموضوعية والخصوصية وأمّا الأوليين فالبحث فيهما.

لا يقال: كيف يجمع بين مثل «تعتدّ» و«لا تعتدّ» من الإثبات والنفي وليس المثبت نصّاً في الجواز حتّى كان سبباً لتقديمه على ظهور النفي في عدمه لما حقّقناه في محلّه في الأُصول بأنّ النصوصية المستنقذة من الظهور ليست سبباً للجمع والتقديم عرفاً بل هو مختصّ بالنصّ الحقيقي فإنّ من أظهر مصاديق التعارض عند العرف التعارض بين النفي والإثبات والأمر والنهي كما لا يخفى.

لأنّا نقول: التعارض بينهما ثابت كما ذكرت لكنّ الجمع بشهادة ما في أخبار الثانية من التصريح بمضي العدّة وأنّها إذا لم يبلغها ذلك حتى تنقضي عدّتها فقد ذهب ذلك كلّه وتنكح من أحبّت فإنّه لابدّ مع هذه العبارات إلاّ من حمل أخبار الأولى على استحباب الاعتداد من البلوغ وأنّها تعتدّ منه ندباً.

لا يقال: لمّا أنّ العلّة في أخبار الأولى الحداد الواجب فلابدّ وأن يكون المعلول أي الاعتداد من حين البلوغ واجباً أيضاً لعدم معقولية الانفكاك بين العلّة والمعلول في الوجوب والندب كما لا يخفى،فكيف يحمل الاعتداد فيها على الندب ؟

لأنّا نقول: العلّة ليست هي الحداد الواجب عليها بل إرادتها الحداد والإرادة منها غير واجبة شرعاً وتعليق الوجوب بها غير صحيح أيضاً وكيف يمكن تعلّق التكليف بإرادتها في المستقبل المدلول عليها بقوله(عليه السلام) «إنّما تريد أن تحدّ له»(1). هذا مع أنّ
--------------------------------------------------------
[1] ـ هذا ما أفاده الأستاذ، وقد استفهمنا من محضره في مجلس الدرس أيضاً ولم نقتنع بما أفاده جواباً عن ذلك ; فإنّ من الواضح أنّ الحكم في مثل صحيحتي ابني أبي نصر وزياد اللتين ورد فيهما التعبير «بأنّها تريد أن تحد له» لم يعلّق على إرادتها البتة بل المراد أنّ الزوجة لمّا يجب عليها الحداد وهي تريد الاتيان بهذا الواجب وهو لا يمكن إلاّ ببلوغ الخبر فالاعتداد ومنه الحداد، يكون من يوم بلوغه، وذلك مثل أن يقال لك: «يجب عليك العلم بدخول الوقت لأنّك تريد أن تصلّي» وواضح أنّه لم يقصد تعليق حكم الصلاة على إرادتك. «المقرر»

(344)


اللازم من العلّيّة كون ابتداء عدّة الوفاة في الأمة حينها لعدم الحداد لها مع ما في الجواهر من قوله «إنّي لم أجد من صرّح بمقتضى التعليل المزبور في النصوص من كون ابتداء اعتداد الأمة من حين الوفاة، لما عرفت من أنّه لاحداد عليها إلاّ ثاني الشهيدين في الروضة خاصّة وأمّا المسالك فقد جزم فيها بكونها كالحرّة في اعتدادها ببلوغ الخبر، بحمل التعليل المزبور على الحكمة دون العلّة»(1).

وكون عدّة مثل الحاضر المحبوس أو المريض أو غيرهما من يوم البلوغ كالغائب مع أنّ ظاهر الأصحاب كونها من يوم الوفاة وكون الحداد شرطاً في العدّة لا واجباً وتكليفاً فإنّ العلّية تناسب الشرطية مع ضعف القول بذلك خصوصاً مع ما دلّ من الإطلاق بانقضاء العدّة بتربّص أربعة أشهر وعشراً من الآية والرواية فتأمّل، ففي هذه الأُمور كلّها شهادة على كون الحداد في تلك الاخبار حكمة لا علّة وإن أبيت عن هذه الشهادة والظهور في الحكمة فلا اقلّ من الاحتمال المسقط للاستدلال، وعلى كل حال فلا تعارض بين الروايات، والاعتداد أمر مندوب معتضد بأنّ الوجوب غير مناسب للشريعة السمحة السهلة، وإن أبيت عن ذلك كلّه وأنّ التعارض محقّق فالكلام يقع في المقام الثاني، والحقّ فيه أيضاً الأخذ بالثانية لأنّ الشهرة وإن كانت مميّزة للحجّة عن غير الحجّة في مقام التعارض ولكن يلزم أن تكون بنحو تجعل الخبر المخالف لها ممّا لا ريب في بطلانه وهو غير محرز في المقام لأنه نقل أعراضهم عن الثانية والأخذ بالأولى لأنّها أكثر عدداً أو كونها معلّلة أو موافقة للاحتياط ومعه فاعراض الأصحاب غير موجب للاطمئنان بالخلل في المخالف بحيث يصير ممّا لا ريب في بطلانه
--------------------------------------------------------
[1] ـ جواهر الكلام 32: 374.

(345)

في مقابل المشهود الذي لا ريب في صحته من جهة أنّ الاعراض لعلّه كان من تلك الجهات والشهرة المفيدة للحجّية غير محرزة والطائفة الثانية موافقة لإطلاق الكتاب فلابدّ إلاّ من الأخذ بها وممّا ذكرناه يظهر ضعف الاستدلال للمشهور بتلك الاخبار.

(مسألة 9 ـ لا يعتبر في الاخبار الموجب للاعتداد من حينه كونه حجة شرعية كعدلين ولا عدل واحد، نعم لا يجوز لها التزويج بالغير بلا حجة شرعية على موته، فإذا ثبت ذلك بحجة يكفى اعتداده من حين البلوغ، ولا يحتاج إليه من حين الثبوت).

وهذا بلا خلاف بين الأصحاب ظاهراً، لعدم المنع عن الاعتداد بهذا الطريق فإن صح الطريق وإلاّ يكون اعتدادها كعدمه، نعم ليس لها التزوّج إلاّ أن يثبت الموت، قضاءً لاستصحاب حياته ولزوم النكاح وبقائه.

هذا مضافاً إلى ما في الجواهر من قوله: «ولعلّه لإطلاق الأدلة وقوله(عليه السلام) في خبر أبي الصباح السابق «إن قامت لها البيّنة أو لم تقم» ثم أضاف: «وإن كان ـ إن لم يكن إجماعاً ـ أمكن المناقشة بإرادة البلوغ الشرعي ولو خبر العدل الذي يصدق معه عدم قيام البيّنة، فلا ينافيه خبر أبي الصباح»(1). ولا يخفى أنّ مناقشة الجواهر في الاستدلال بالإطلاق والخبر لا تقدح لو فرضت تماميتها أيضاً، فإنّ العمدة هي ما مرّ من عدم المنع من الاعتداد وانّه غير مضرّ بحالها كيف والاعتداد بمحض البلوغ كالاعتداد احتياطاً كما لا يخفى. هذا مع أنّ المراد من البلوغ المعتبر في الاعتداد هو العرفي منه كغيره من الموضوعات، والحمل على الشرعي مخالف للظاهر ومحتاج إلى الدليل وأنّ الظاهر من خبر أبي الصباح هو قيام الحجة وعدمه ولا خصوصية للبيّنة وإنّما ذكرت
--------------------------------------------------------
[1] ـ جواهر الكلام 32: 375.

(346)


مصداقاً للحجّة فالخبر دليل على عدم اعتبار الحجّة كما استظهره «قدس سره» أوّلاً.

(مسألة 10 ـ لو علمت بالطلاق ولم تعلم وقت وقوعه حتى تحسب العدّة من ذلك الوقت اعتدّت من الوقت الّذي تعلم بعدم تأخره عنه).

وهو لصدق الاعتداد من حين الطلاق.

(والأحوط أن تعتدّ من حين بلوغ الخبر إليها، بل هذا الاحتياط لا يترك).

ويؤيّده ما قاله في الجواهر: «أمّا إذا فرض علمها بسبق ذلك وإن لم تعلم بالخصوص، اعتدّت بمقدار ما علمته من المدّة ثم أكملته بعد ذلك بما يتمّها، لتطابق النص والفتوى على اعتداد المطلّقة من حين الطلاق وإن لم تعلم به، ففي الفرض تعلم انقضاء جملة من عدّتها، فلتعتدّ باحتسابه، ولكن مع ذلك فالاحتياط لا ينبغي تركه»(1).

(مسألة 11 ـ لو فقد الرجل وغاب غيبة منقطعة ولم يبلغ منه خبر ولا ظهر منه أثر ولم يعلم موته وحياته فإن بقي له مال تنفق به زوجته أو كان له ولي يتولى أموره ويتصدّى لا نفاقه أو متبرع للإنفاق عليها وجب عليها الصبر والانتظار، ولا يجوز لها أن تتزوّج أبداً حتى تعلم بوفاة الزوج أو طلاقه، وإن لم يكن ذلك فإن صبرت فلها ذلك، وإن لم تصبر وأرادت الزواج رفعت أمرها إلى الحاكم الشرعي، فيؤجّلها أربع سنين من حين الرفع إليه ثم

--------------------------------------------------------
[1] ـ نفس المصدر: 376.

(347)


يتفحص عنه في تلك المدّة، فإن لم يتبيّن موته ولا حياته فإن كان للغائب ولي أعني من كان يتولى أموره بتفويضه أو توكيله يأمره الحاكم بطلاقها، وإن لم يقدم أجبره عليه، وإن لم يكن له ولي أو لم يقدم ولم يمكن إجباره طلّقها الحاكم، ثم تعتدّ أربعة أشهر وعشراً عدة الوفاة، فإذا تمت هذه الأُمور جاز لها التزويج بلا اشكال وفى اعتبار بعض ما ذكر تأمل ونظر إلاّ أنّ اعتبار الجميع هو الأحوط).

بل هو الأحوط المتيقّن وإطلاق المتن كغيره من عبائر الأصحاب شامل لما كان البقاء على الزوجية حرجيّاً لها حتى من جهة أنّها تريد ما تريد النساء المصرّح به في صحيح الحلبي(1) أو غير حرجىٍّ كشموله لكلّ زوج مفقود بلا فرق بين الغيبة في البلد وغيرها، وبين كونها عن اختيار وغيره، وبين الفرار عن الديون وغيره، وغير ذلك من الوجوه.

هذا ويقع الكلام في مقامين :

احدهما: ما يقتضيه القواعد
والثاني: في ما هو المستفاد من النصوص والفتاوى.

أمّا الأول: فمقتضاها لزوم الصبر عليها مطلقاً حتى مع الحرج الشديد وحتى مع الصبر إلى مائة سنة، قضاءً لاستصحاب حياته وحرمة الزواج عليها إلى معلومية الموت، ولكن مقتضى نفي الحرج ونفي الضرار وكذا ما يستفاد من الإشارة الموجودة في قوله تعالى (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان)(2) جواز الفسخ لها إذا كان
--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 158، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب23، الحديث4.
[2] ـ الطلاق (65): 2.

(348)


البقاء على الزوجية مستلزماً للضرر والحرج عليها من دون الفرق في الحرج من أنّها تريد ما تريد النساء أو من غيره حتى للحرج من جهة الاتهام وصعوبة المعيشة من دون حضور الزوج ومن غيرهما من الجهات الموجبة للحرج وذلك لحكومة أدلّة الحرج على أدّلة لزوم النكاح فإنّه المنشأ للحرج، فكما أنّ العيوب الخاصّة في الزوج سبب لفسخ الزوجة بحكمة الحرج أو علّته فكذلك الحرج في المقام، بل وكيف لا يكون كذلك مع صحة الفسخ من الزوج في عيوب الزوجة والحال أنّ بيده الطلاق ففسخ الزوجة للحرج أولى، نعم رعاية الاحتياط موجبة لكون الطلاق من الحاكم ولاية ومع عدم بسط يده أو عدم إمكان وصول اليد، من عدول المؤمنين كذلك، ومن ذلك يظهر أنّه لا فرق بين وجود المنفق وعدمه، وبين وجود الولي وعدمـه، وبين الرفـع إلى الحاكم وعدمه، وبين مضىّ أربع سنوات وعدمه مع اشتراك الكل في الحرج.

نعم إن كان الفقدان من جانبها وكانت هي السبب له فهو حرج وضرر مقدم خارج عن الحكم المذكور، فإنّ القاعدة إمّا ظاهرة في غيره أو منصرفة عنه، فهي مختصّة بغير المقدم وبما كان الحرج من ناحية الشرع.

ولا يخفى أنّ عدّتها عدّة الطلاق فسخاً كان أو طلاقاً. وتوهّم أنّ عموم القاعدة مخصصة وغير جارية في المفقود زوجها قضاءً لإطلاق فتوى الأصحاب في حكمها الخاص ولصراحة صحيح الحلبي بجريان الحكم ولو أنّها تريد ما تريد النساء ففيه: بعد الحكم بالفحص وبعث الوالي وأمره الوليّ بالإنفاق عليها وأنّها امرأته ما انفق عليها، قال: «قلت: فإنّها تقول فانّي أريد ما تريد النساء قال: ليس ذاك لها ولا كرامة»، ففيه: أنّ النص كما يأتي ظاهر في ما دون الحرج بقرينة التعبير بمثل «لا كرامة» ولو سلّم فإطلاقه مناف ومعارض لقاعدة نفي الحرج وهي حاكمة على جميع الاطلاقات الأوّلية والثانوية حتى قاعدة نفي الضرر، وأمّا إطلاق كلامهم فإن كان

(349)

ويشمل صورة الحرج لكنّه منصرف عنه لعدم الابتلاء به وإن أبيت عن إطلاقه فمقيّد كإطلاق الاخبار بغير الحرج كما لا يخفى.

هذا، كما أن مقتضى القاعدة بقاء الزوجية ولزوم الصبر إن لم يكن عليها حرج فيه، قضاءً للأصول والقواعد فالمتبع هو القاعدة، والروايات إنّما هي في رتبة ثانية فمع منافاة إطلاق الروايات أو ظاهرها للقاعدة يؤخذ بالقاعدة لأنّها حاكمة على جميع الأدلة، ولأنّ لسانها آب عن التخصيص حيث قال تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج)(1) فإنّ النفي قد تعلّق بأصل الجعل في الدين وكذا غيره ممّا يدل على كون الشريعة سهلة سمحة. واليك ما قاله السيد الطباطبائي(قدس سره) في ملحقات عروته:

«في المفقود الّذي لم يعلم خبره وأنّه حيّ أو ميت إذا لم يمكن إعمال الكيفيات المذكورة في تخليص زوجته لمانع من الموانع ولو من جهة عدم النفقة لها في المدّة المضروبة، وعدم وجود باذل من متبرّع أو من وليّ الزوج، لا يبعد جواز طلاقها للحاكم الشرعي مع مطالبتها وعدم صبرها، بل وكذا المفقود المعلوم حياته مع عدم تمكن زوجته من الصبر، بل وفي غير المفقود ممّن علم أنّه محبوس في مكان لا يمكن مجيؤه أبداً، وكذا في الحاضر المعسر الّذي لا يتمكن من الإنفاق مع عدم صبر زوجته على هذه الحالة، ففي جميع هذه الصور وأشباهها وإن كان ظاهر كلماتهم عدم جواز فكّها وطلاقها للحاكم لأنّ الطلاق بيد من أخد بالساق، إلاّ أنّه يمكن أن يقال بجوازه لقاعدة نفي الحرج والضرر، خصوصاً إذا كانت شابّة واستلزم صبرها طول عمرها وقوعها في مشقة شديدة، ولما يمكن أن يستفاد من بعض الاخبار، كصحيح ربعي والفضيل بن يسار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في قول الله عزّ وجلّ (ومن قدر عليه رزقه

--------------------------------------------------------
[1] ـ الحج (22): 78.

(350)

فلينفق مما آتاه الله
)(1) قال: إذا أنفق عليها ما يقيم ظهرها مع كسوة وإلاّ فرّق بينهما»(2) وصحيح أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «من كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها كان حقاً على الإمام أن يفرّق بينهما»(3).

والصحيح عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج قال: «لا يجبر الرجل إلاّ في نفقة الأبوين والولد». قال ابن أبي عمير: قلت لجميل: «والمرأة ؟ قال: قد روى عنبسة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا كساها ما يواري عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها قامت معه وإلاّ طلّقها»(4). إذ الظاهر أنّ المراد أنّه يجبر على طلاقها وإذا لم يمكن إجباره لغيبة فيتولى الحاكم الشرعي طلاقها، والمرويّ عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: «أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، وعليّ أولى من بعدي، فقيل له: فما معنى ذلك ؟ فقال: قول النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) من ترك ديناً أو ضياعاً فعليّ ومن ترك مالا فللورثة، فالرجل ليست له على نفسه ولاية إذا لم يكن له مال، وليس له على عياله أمر ولا نهي إذا لم يجر عليهم النفقة، والنبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) ومن بعدهما لزمهم هذا، فمن هنا صار أولى بهم من أنفسهم»(5).

فيستفاد من هذه الاخبار أنّ مع عدم النفقة يجـوز إجبار الزوج على الطلاق، وإذا لم يمكن ذلك لعدم حضوره للإمام أن يتولاه والحاكم الشرعي نائب عنه في ذلك، وإذا
--------------------------------------------------------
[1] ـ الطلاق (65): 7.
[2] ـ وسائل الشيعة 21: 509، كتاب النكاح، أبواب النفقات، الباب1، الحديث1.
[3] ـ وسائل الشيعة 21: 509، كتاب النكاح، أبواب النفقات، الباب1، الحديث2.
[4] ـ وسائل الشيعة 21: 510، كتاب النكاح، أبواب النفقات، الباب1، الحديث4.
[5] ـ مستدرك الوسائل 13: 398، كتاب التجارة، أبواب الدين والقرض، الباب9، الحديث3.

(351)


كان عـدم طلاقها وإبقاؤها على الزوجيـة موجباً لوقوعها في الحرام قهـراً أو اختياراً فأولى، بل اللازم فكّها حفظـاً لها عـن الوقوع في المعصية، ومن هـذا يمكن أن يقال في مسألة المفقود إذا أمكن أعمال الكيفيات المذكورة من ضرب الأجل والفحص لكن كان موجباً للوقوع في المعصية يجوز المبادرة إلى طلاقها من دون ذلك»(1). انتهى كلامه(قدس سره).

أقول: وممّن أشار إلى قاعدة نفي الضرر والحرج، الشهيد الثاني(قدس سره) في بعض فروع المسألة فراجع إن شئت(2). كما أنّ صاحب جامع الشتات(قدس سره)أيضاً أشار إليه في بعض مسائله.

وأمّا الروايات فهي على طائفتين: الأولى: ما يدل على لزوم الصبر أربع سنين وهي معمول بها عند الأصحاب.

والطائفة الثانية: الصبر مطلقاً، وهذه ثلاث، فعن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)«تصبر امرأة المفقود حتى يأتيها يقين موته أو طلاقه»(3). وعن الإمام علي(عليه السلام)«هذه امرأة ابتليت فلتصبر»(4) وعن السكوني، عن جعفر، عن أبيه (عليهما السلام) أن عليّاً(عليه السلام)قال في المفقود:
--------------------------------------------------------
[1] ـ ملحقات العروة الوثقى: 75.
[2] ـ فإنّه(قدس سره) بعد أن ذكر أنّ جماعة من المتقدمين والمتأخرين ذهبوا إلى ان الحاكم بعد البحث عنه أربع سنين، يطلّقها ان لم يكن له ولىّ وإلاّ أمره بالطلاق، قال: لدلالة الاخبار الكثيرة عليه ـ إلى أن قال ـ «ولأنّ الموت لم يثبت والأصل بقاء الزوجية إلاّ بمزيل شرعي من موت أو طلاق والموت لم يثبت بذلك إذا لم يشهد به احد فيبقى الطلاق وجاز دفعاً للضرر والحرج مضافاً إلى النص». «مسالك الأفهام 2: 46 ـ47». «المقرّر».
[3] ـ اُنظر جواهر الكلام 32: 290، سنن البيهقي 7: 445.
[4] ـ مستدرك الوسائل 15: 337، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق، الباب18، الحديث7، سنن البيهقي 7: 446، كنز العمّال 9: 700 / 28030.

(352)

«لا تتزوّج امرأته حتى يبلغها موته أو طلاق أو لحوق بأهل الشرك»(1).

ومن العامة من اوجب الصبر مطلقاً عملا بالنبوي والعلوي، ولكن هذه الثلاث ليست بحجة، فإنّه مضافاً إلى ضعف السند في الأوليين أنّها غير معمول بها عند الأصحاب، هذا مع عدم تماميتها عند العامة أيضاً، أمّا النبوي فمرسل عندهم والعلوي قد ثبت خلافه عندهم، ولك أن تقول: أنّها مطلقة تتقيّد بالطائفة الأولى كما يأتي، ولك أن تقول أيضاً: أنّها ليست في مقام بيان الحكم بل هي ناظرة إلى أنّ الزوج المفقود ليس بحكم الميّت فلا تعارض فتبقى الطائفة الأولى محلا للكلام.

أمّا الطائفة الأولى ; فمنها: صحيحة بريد بن معاوية التي رواها المشايخ الثلاثة، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) «عن المفقود كيف تصنع امرأته ؟ فقال: ما سكتت عنه وصبرت فخلّ عنها، وإن هي رفعت أمرها إلى الوالي أجّلها أربع سنين ثم يكتب إلى الصقع الّذي فقد فيه، فليسأل عنه، فإن خبر عنه بحياة صبرت وإن لم يخبر عنه بحياة حتى تمضي الأربع سنين، دعا وليّ الزوج المفقود فقيل له: هل للمفقود مال ؟ فإن كان للمفقود مال أنفق عليها حتى يعلم حياته من موته، وإن لم يكن له مال قيل للوليّ: أنفق عليها، فإن فعل فلا سبيل لها إلى أن تتزوّج ما أنفق عليها، وإن أبى أن ينفق عليها أجبره الوالي على أن يطلّق تطليقة في استقبال العدّة وهي طاهر فيصير طلاق الوليّ طلاق الزوج فإن جاء زوجها قبل أن تنقضي عدّتها من يوم طلّقها الوليّ فبدا له أن يراجعها فهي امرأته وهي عنده على تطليقتين، وإن انقضت العدّة قبل أن يجيء ويراجع فقد حلّت للأزواج ولا سبيل للأوّل عليها»(2).

ومنها: مرسلة الصدوق، قال: وفي رواية أُخرى «أنّه إن لم يكن للزوج وليّ طلّقها
--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 157، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق، الباب23، الحديث3.
[2] ـ وسائل الشيعة 22: 156، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق، الباب23، الحديث1.

(353)


الوالي ويشهد شاهدين عدلين، فيكون طلاق الوالي طلاق الزوج وتعتدّ أربعة أشهر وعشراً ثمّ تزوّج إن شاءت»(1).

ومنها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه سئل «عن المفقود، فقال: المفقود إذا مضى له أربع سنين بعث الوالي أو يكتب إلى الناحية التي هو غائب فيها فإن لم يوجد له أثر أمر الوالي وليّه أن ينفق عليها، فما أنفق عليها فهي امرأته، قال: قلت: فإنّها تقول: فانّي أريد ما تريد النساء، قال: ليس ذاك لها ولا كرامة، فإن لم ينفق عليها وليّه أو وكيله أمره أن يطلّقها فكان ذلك عليها طلاقاً واجباً»(2).

ومنها: خبر أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في امرأة غاب عنها زوجها أربع سنين ولم ينفق عليها ولم تدر أحيّ هو أم ميّت، أيجبر وليّه على أن يطلّقها ؟ قال: نعم، وإن لم يكن له وليّ طلّقها السلطان، قلت: فإن قال الوليّ: أنا أنفق عليها، قال: فلا يجبر على طلاقها، قال: قلت: أرأيت إن قالت: أنا أريد مثل ما تريد النساء ولا أصبر ولا أقعد كما أنا، قال: ليس لها ذلك ولا كرامة إذا أنفق عليها»(3).

ومنها: مضمرة سماعة قال: سألته «عن المفقود فقال: إن علمت أنّه في أرض فهي منتظرة له أبداً حتى يأتيها موته أو يأتيها طلاق، وإن لم تعلم أين هو من الأرض ولم يأتها منه كتاب ولا خبر فإنّها تأتي الإمام(عليه السلام) فيأمرها أن تنتظر أربع سنين فيطلب في الأرض فإن لم يوجد له خبر حتى يمضي الأربع سنين، أمرها أن تعتدّ أربعة أشهر وعشراً ثم تحلّ للأزواج فإن قدم زوجها بعد ما تنقضي عدّتها فليس له عليها رجعة
--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 157، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق، الباب23، الحديث2.
[2] ـ وسائل الشيعة 22: 158، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق، الباب23، الحديث4.
[3] ـ وسائل الشيعة 22: 158، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق، الباب23، الحديث5.

وإن قدم وهي في عدّتها أربعة أشهر وعشراً فهو أملك برجعتها»(1).

هذا ويقع البحث في جهات منها : الأولى: وجوب الصبر مع الإنفاق عليها بعد الرفع إلى الحاكم بلغ ما بلغ بشرط المنفق لها كما يدل عليه صحيحة بريد وكذا صحيحة الحلبي ويشعر به أيضاً خبر أبي الصباح، وهذه الروايات وإن كانت مختصّة ببعد الرجوع إلى الحاكم إلاّ أنّ الحكم كذلك قبل الرجوع أيضاً فإنّ خصوصية الرجوع ملغاة مناسبة للحكم والموضوع.


الثانية: أنّ الاخبار بإطلاقها دالّة على الطلاق وعدم وجوب الصبر بعد مضيّ أربع سنين ولو مع عدم الحرج في الصبر، وهذا مخالف للقواعد والأصول فلابدّ من الاقتصار في مثله على مورد النص وما اعتبر فيه من الشرائط نحو كون أربع سنين بعد الفحص مثلاً.

الثالثة: اختلف الأصحاب لاختلاف هذه الاخبار في أنّه بعد الطلب أربع سنين لم يعرف له خبر فهل يكفي أمر الحاكم لها بالاعتداد عدّة الوفاة؟ أم لابدّ من الطلاق أوّلاً من الولي أو الحاكم مع عدمه ؟ وعلى تقدير الثاني فهل العدّة عدّة الطلاق أو عدّة الوفاة ؟ أقوال ; فذهب الشيخان إلى الأول، وبه قال ابن البرّاج وابن إدريس، وهو الذي صرّح به العلاّمة في القواعد والإرشاد والمحقق في كتابيه، وعلى هذا القول تدلّ موثقة سماعة.

وقيل بالثاني وأنّ العدّة عدة الوفاة،وهو مذهب الصدوق في المقنع وابن حمزة. قال في المقنع: إذا امتنع الوليّ أنْ يطلّق أجبره الوالي على أن يطلّقها، فيصير طلاق الولي طلاق الزوج، فإن لم يكن له ولىّ طلّقها السلطان، واعتدّت أربعة أشهر وعشرة
--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 20: 506، كتاب النكاح، أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الباب44، الحديث2.

(355)

أيام(1). ونحوه كلام ابن حمزة واختاره العلاّمة في المختلف. ويدلّ على طلاق الولي أكثر الاخبار المذكورة وعلى طلاق الوالي رواية أبي الصباح والمرسلة المنقولة عن الفقية، وعلى كون العدّة في هذه الصورة عدّة الوفاة المرسلة المذكورة وقيل بأنّ العدّة في هذه الصورة إنّما هي عدّة الطلاق، وهو ظاهر أكثر الاخبار المذكورة، واليه يميل كلام السيّد السند في شرح النافع وقبله جدّه رحمة الله عليه في المسالك. ويظهر من هذه الاخبار أنّ العدّة عدة الطلاق، إلاّ أنّ القائلين بالطلاق صرّحوا بأنّ العدّة عدة الوفاة، ولا يخلو من اشكال.

والقول بأنّ المستفاد من عبارات المحققين عدم التعارض بين تلك الاخبار وموثقة سماعة لسكوت الأخير عن لزوم الطلاق وعدمه، ففيه ما لا يخفى، لأنّ الظاهر من الموثقة أنّ العدّة عدّة وفاة والزوج محكوم بالموت فهي معارضة لتلك الاخبار إلاّ أن يقال: إنّ المستفاد من هذه الاخبار بعد ضم مطلقها إلى مقيّدها ومجملها إلى مبينها أنّه يطلقها الولي ومع عدمه فالحاكم، وتعتد عدة الوفاة.

وتوضيحه أنّ غاية ما تدل عليه موثّقة سماعة أنّه بعد تحقق انقطاع خبره يأتي الإمام فيأمرها بالاعتداد عدة الوفاة وهي بالنسبة إلى الطلاق وعدمه مطلقة فيمكن تقييدها بالاخبار الدالة على الطلاق بمعنى أنّها تعتدّ بعد الطلاق عدة الوفاة واخبار الطلاق بالنسبة إلى العدة وأنّها عدة وفاة أو طلاق مجملة مطلقة فيجب حملها على ما دلّت عليه موثقة سماعة من عدة الوفاة وسند ما ذكرناه مرسلة الصدوق حيث تضمنت عدة الوفاة بعد الطلاق من الولي أو الوالي ولا ينافي ذلك جواز المراجعة في العدة لو قدم وهي في العدة لأنّ هذه العدة عدة طلاق من جهة وعدة وفاة من جهة. هذا مع أنّ الاعتداد بعدّة الوفاة هو الاحوط.
--------------------------------------------------------
[1] ـ المقنع: 353.

(356)


ثم أنّه قد ظهر ممّا ذكرناه أنّ الاعتداد بالمذكور هو عدة الطلاق وإن كان بقدر عدّة الوفاة، وتظهر الثمرة في مثل السكنى والحداد والتوارث ولا مانع من عدّة الوفاة في الطلاق ثبوتاً لأنه طلاق خاصّ فله عدّة خاصّة تكون كعدّة الوفاة في الأيام والمدّة فقط، قضاءً للدليل.

ثم أنّه ليس لهذا الطلاق حكم خاصّ به من حيث الرجعي والبائن وغيره بل يكون كغيره محكوماً باحكام الطلاق، قضاءً لإطلاق أدلّة الاحكام وعدم الدليل على تقييده في المقام.

الرابعة: هل التربّص أربع سنين مشروط بكونه بعد الرجوع إلى الحاكم أو غير مشروط به بل مطلق التربّص كاف ولو من حين الغيبة والفقدان ؟ فالظاهر من الحدائق عدم الخلاف في الاشتراط وهو الظاهر من صحيحة بريد وموثقة سماعة وبه صرّح في القواعد ; ففيه «ضرب أربع سنين إلى الحاكم فلو لم ترفع خبرها إليه فلا عدة حتّى تضرب لها المدّة ثم تعتدّ ولو صبرت مائة سنة. وابتداء المدّة من رفع القضّية إلى الحاكم وثبوت الحال عنده لأمن وقت انقطاع الخبر»(1).

لكن الظاهر من صحيحة الحلبي وخبر أبي الصباح عدم الاشتراط وكفاية التربّص ولو من حين الفقد. وفي الجواهر «نعم، ظاهر أكثر الفتاوى والصحيح المزبور (أي صحيح بريد) أنّ مبدأ المدّة الرفع المذكور إذا لم يكن ثمّة فحص سابق من الحاكم إلاّ أنّ في المحكي عن الخلاف «تصبر أربع سنين، ثم ترفع أمرها لتنتظر من يتعرّف خبر زوجها في الآفاق، فإن عرف له خبر لم يكن لها طريق إلى التزويج» إلى آخره.

وفي صحيح الحلبي «إذا مضى له أربع سنين يبعث الوالي» ومن المعلوم أنّه لا مدّة عليها لابتداء رفع أمرها، بل متى انقطع خبره وصدق عليه اسم المفقود ولم يكن لها
--------------------------------------------------------
[1] ـ قواعد الأحكام 2: 72 / السطر3.

(357)


منفق ولو متبرع رفعت أمرها إلى الحاكم، فلابدّ من حمل ذلك على ارادة خصوص من يتوقف صدق اسم الفقد عليه على مضي المدّة المزبورة لبعد جهة سفره أو غيره وأمّا إطلاقه إرسال الوالي فيحمل على ما في غيره من المدّة المزبورة كما أنّه يحمل خبر أبي الصباح على ما إذا كان ذلك بأمر الحاكم، والله العالم»(1). وما ذكره من الحمل موافق للاحتياط إلاّ أنّه تبرعيّ لا اعتبار به.

ولصاحب الحدائق جمع آخر ; ففيه: «الظاهر أنّ الوجه في الجمع بين هذه الاخبار هو أنّه إن لم ترفع أمرها إلى الحاكم إلاّ بعد مضيّ الأربع من حين الفقد فإنّه يفحص عنه حتّى يعلم أمره وأنّه مع ظهور فقده وعدم العلم بحياته يجري عليه الحكم المذكور من غير تقييد بمدة، وإن رفعت أمرها من أول الأمر قبل مضيّ الأربع من حين الفقد أو في أثنائها فإنّه يجب عليها التربّص مدة الأربع أو تمامها والفحص في تلك المدة ثمّ إجراء الحكم المذكور»(2).

أقول: ووجه الجمع والحمل كذلك على ما صرّح به أنّ ذكر الرفع من باب التمثيل لا الحصر، ففيه «وذكر الرفع في صحيحة بريد وموثقة سماعة إنّما خرج مخرج التمثيل لا الحصر، واصل الحكم إنّما يدور ويبنى على مضىّ الأربع سنين مع حصول الفحص كيف كان»(3). وهو غير بعيد فإنّ في الاتيان إلى الإمام المأمور به في الموثقة احتمالين ; احدهما أنّه للاشتراط وأنّ الفحص والتربّص من شؤون الحكومة، ثانيهما أنّه لدفع النزاع والاختلاف المحتمل مع مجيء الزوج في مضيّ الأربعة من حين الفقد وفي الفحص، فالاتيان لمقام الإثبات لا الثبوت حيث لا يدعي عليها الزوج إن عاد،
--------------------------------------------------------
[1] ـ جواهر الكلام 32: 295.
[2] ـ الحدائق الناضرة 25: 485.
[3] ـ نفس المصدر: 487.

(358)


فالحكم بالتربّص والفحص ليس من شؤون الحكومة، ولمّا أنّ ترجيح الاحتمال الثاني عرفاً غير بعيد فجمعه وحمله(رحمه الله) أيضاً غير بعيد، وأمّا الرفع في صحيح بريد فليس بازيد من بيان صورة الرفع ولا دلالة فيه على الاشتراط أصلاً، فتأمّل. لكن مع ذلك كله فإنّ الحكم مخالف للقاعدة فالذهاب إليه مشكل.

لا يقال: اشتراط التربّص بالرفع موجب للحرج في بعض الموارد، مثل ما كان الرفع منها بعد مضىّ سنوات فزيادة الاربع عليها موجبة للحرج.

لأنّا نقول: احكام المفقود عنها زوجها مربوطة بحيثية الفقدان بما هو هو وإلاّ فمع طروّ الحرج هو المناط في الطلاق مستقلاًّ بلا دخالة شيء آخر كما مرّمنّا فلا تغفل حتى لا يحصل لك الخلط في المسائل.

ثم أنّه بعد اليأس من الوصول إليه قبل أربع سنين، هل يجب الفحص أربع سنين كاملا أم لا ؟ الحق هو الأول، وتوهّم أنّه طريق ولا موضوعية له، لا وجه له، لقوّة احتمال الموضوعية، وذلك لاتفاق الروايات على لزوم التربص أربع سنين مع تفاوت المفقودين، ويؤيده حكم العامة أيضاً بالتربص المذكور، ومنه يظهر لزوم التربص في مورد اليأس عن الوصول من ابتداء الأمر فإنّه أيضاً يلزم ذلك.

الخامسة: هل المفقود واحكامه من رفع الأمر إلى الحاكم والتأجيل والتفحص تختص بالفقد في السفر أو هي اعم منه ومن الفقد في البحر لكسر السفينة أو في معركة القتال أو غيرهما ؟ فاستشكل الحدائق في الإطلاق والشمول بأنّ ظاهر الاخبار الاختصاص، وردّ عليه الجواهر بالشمول وأنّ عنوان المفقود في النصوص شامل لجميع افراده من السفر وكسر السفينة والحرب وغيرها، ولننقل كلامهما مع ما في الأول من الطول ثم نتعرّض لما فيهما من المناقشة.

ففي الحدائق بعد حكاية قول الشهيد في المسالك بأنّه «لا فرق في المفقود بين من

(359)


اتّفق فقده في جوف البلد أو في السفر وفي القتال، وما إذا انكسرت سفينة ولم يعلم حاله، لشمول النصّ لذلك كلّه وحصول المعنى، ولا يكفى دلالة القرائن على موته بدون البحث، إلاّ أن تنضمّ إليها أخبار من يتاخم قوله العلم بوفاته، فيحكم بها حينئذ من غير أن تتربّص به المدة المذكورة، ولا فرق حينئذ بين أن يحكم الحاكم بموته وعدمه، بل إذا ثبت ذلك عندها جاز لها التزويج ولم يجز لغيرها أن يتزوجها إلاّ أن يثبت عنده ذلك أيضاً، ولو حكم الحاكم بها كفى في حقّ الزوج بغير إشكال»(1).

قال: «أقول: في فهم ما ذكره من الإطلاق في الفقد وشموله لهذه الأفراد المعدودة من النصوص نظر، فإنّ ظاهر الاخبار المتقدمة تخصيص الحكم بالسفر إلى قطر من الأقطار، أو مطلقاً من غير معلوميّة أرض مخصوصة، وأنّه يكتب أو يرسل في الفحص عنه إلى ذلك القطر أو في الجوانب الأربعة أو بعضها ممّا يعلم أو يظنّ السفر إليه، وأمّا الفقد في البلد أو في معركة القتال أو السفينة التي انكسرت في البحر فلا يكاد يشمّ له رائحة من هذه الاخبار، بل ربما كانت ظاهرة في خلافه، إذ لا يتحقّق الفحص في شيء من هذه المواضع المعدودة، وأيضاً فإنّه بالنسبة إلى هذه الأفراد المعدودة فلتدلّ القرائن الموجبة للعلم العادي على الموت، بخـلاف مجـرد السفر إلى بلد وفقد خبره، والفرق بين الأمرين ظاهر غاية الظهور لمن أعطى التأمّل حقّه في هذه السطور.

ومن هنا كان بعض مشايخنا المحقّقين من متأخّري المتأخّرين يحكم بخروج هذه الأفراد عن حكم المفقود المذكور في هذه الاخبار.

قال(قدس سره) ونعم ما قال: إنّ من حصل العلم العادي بعدم حياته فإنّه يجوز نكاح زوجته وإن لم ترفع أمرها إلى الحاكم، ومثله يأتي أيضاً في قسمة الميراث، لأنّ المفقود
--------------------------------------------------------
[1] ـ مسالك الأفهام 9: 286.

(360)

في مثل البحر مع كثرة المترددين من السواحل المحيطة بموضع الغرق يحصل العلم من مجاري العادة بهلاكهم كما هو واضح، وهو أقوى من العلم بالشاهدين. وكذا المفقود في المفاوز في شدّ الحر والبرد مع إحاطة الأودان بالأطراف ولم يخبر عنه منها مع كثرة المترددين. وكـذا المفقود في المعارك العظام لا يحتاج فيه إلى التأجيل أربع سنوات ليفحص فيها عن حاله في الأطراف لأنّ ذلك إنّما هو في المفقود لا كذلك، وأمّا هنا فيكفي في مثله حصول المترددين في الأطراف التي يظنّ بجاري العادة أنّه لو كـان حيّاً لكان فيها وأتى بخبره المترددون، وحيث لم يأت لـه خبره علم هلاكه، انتهى.

وإلى هذا أيضاً كان الآخند المولى محمّد جعفر الأصفهاني المشهور بالكرباسي صاحب الحواشي على الكفاية وهو من فضلائنا المعاصرين، وقد زوّج جملة من النساء اللاتي فقدت أزواجهنّ في معركة قتال الأفغان مع عسكر شاه سلطان حسين في مفازة قرب كرمان.

وبالجملة فإنّ مورد الاخبار المتقدمة السفر، وأنّ الفقد حصل فيه فيرسل إلى الفحص عنه في تلك الجهة أو الجهات، وما ذكره ليس كذلك، والاشتراك في مجرد الفقد لا يوجب الإلحاق فإنّه قياس محض، وأيضاً فإنّ الفحص المأمور به في الاخبار لا يتحقّق في هذه الأفراد، فإذا كان الفقد في مفازة كطريق الحج مثلا إذا قطع على قفل الحاجّ جملة من المتغلّبين وقتلوهم وأخذوا أموالهم فإلى من يرسل وممّن يفحص، وهكذا في معركة القتال»(1).

وفي الجواهر(قدس سره) بعد أن قضى العجب بما في كلام الحدائق من الاقتصار على خصوص المفقود بسبب سفر وغيبة، دون المفقود بانكسار سفينة أو معركة أو نحو ذلك ممّا لا اثر له في النصوص المزبورة، فتتزوّج هذه من دون رفع أمرها إلى الحاكم،
--------------------------------------------------------
[1] ـ الحدائق الناضرة 25: 488 ـ 490.

(361)

ومن دون تأجيل، بل بالقرائن الدالة على موته، قال ما هذه عبارته:

«إذ لا يخفى عليك ما فيه أوّلا: من أنّ مقتضى ما ذكره حرمة التزويج إلى حصول العلم بالموت للمرأة ولمن يريد نكاحها ممّن هو عالم بحالها، لا التزويج بالقرائن التي لا توجبه، ومع فرض حصوله بها لا بحث فيه، بل وفي مسألة المفقود بالسفر أيضاً وإن لم يكن ثَمّ مخبر بذلك وإن توهمه في المسالك، ضرورة أنّه ما بعد العلم من شيء.

وثانياً: أنّ العنوان في النصوص المزبورة «المفقود» الشامل لهذه الأفراد، ولا ينافي ذلك ما في بعضها من الإرسال إلى النواحي، فإنّ المدار على التجسس عنه في الوجه الّذي نفذ فيه، ليعلم حاله، وليس هذا من القياس في شيء، بل هو مقتضى إطلاق اللفظ الّذي لا داعي إلى تخصيصه بذكر حال بعض أفراده، كما هو واضح.

ومن هنا لم أجد أحداً من أساطين الأصحاب تردّد في شيء من ذلك، وقد جعلوا العنوان ما في النصوص من المفقود الشامل لجميع الإفراد المزبورة، كما هو واضح بأدنى تأمل»(1).

أقول: ما في الجواهر من شمول المفقود لغير المفقود في السفر ففيه: أنّ شمول مادّة المفقود ولفظه للأعم من السفر ممّا لا كلام فيه ويكون أمراً واضحاً غير قابل للإنكار وإنّما الكلام في قرينية الفحص والكتابة والإرسال إلى القطر المفقود فيها أو الجوانب الأربعة أو بعضها التي تكون من احكام المفقود عنها زوجها للاختصاص بالسفر حيث إنّ التجسّس والتفحّص ليس إلاّ لتحصيل العلم والحجّة على الحياة أو الموت والموارد المذكورة في المسالك والحدائـق لاسيّما في زمانهما لا فائـدة لها في الفحص بمعلومية الحال بمحض الفقد، لما بيّنه بعض مشايخي صاحب الحدائق مـن متأخري المتأخرين كما مرّت عبارته، ومع عدم الفائدة لا محل للفحص فلا محلّ لاحكام
--------------------------------------------------------
[1] ـ جواهر الكلام 32: 292 ـ 293.

(362)

المفقود عنها زوجها لانتفاء المشروط بانتفاء الشرط فالنصوص بقرينة الفحص مختصّة وليست بعامّة كما ذكـره الحدائق. وبما ذكرناه يظهر ما في تأييده مـن عدم تردد الأساطين فـي العمومية لجعلهم العنوان ما في النصوص مـن المفقود فإنّ الفتاوى كالنصوص بقرينة الشرط مختّصة بالسفر كما لا يخفى. هذا ولكن ما في الحدائـق أيضاً منظور فيه حيث أنّه صرّح في الجمع بين الاخبار بكفاية مضىّ أربع سنين ولو قبل الرفع إلاّ أنّه على الحاكم بعد الرفع الفحص بمقدار الاطمئنان بعدم وجدانه وبعدم العلم بحاله، وفحوى هذا الحكم والأخبار الدالّة عليه أنّ الصبر لابدّ وأن لا يكون زائداً على الأربع وأنّ الأربع موجب للحكم بالطلاق والاعتداد وأن يمكن فيه تحقق الشرط مثل الموارد المذكورة، وبالجملة فحوى الاخبار على حمله وجمعه مقتضية لكفاية الأربع مطلقاً حتى فيما لا محلّ للشرط فيه، نعم لابدّ من الفحص إمّا فيه وإمّا بعده.

السادسة: قال في المسالك: «الحكم مختصّ بالزوجة فلا يتعدّى إلى ميراثه ولا عتق امّ ولده وقوفاً فيما خالف الأصل على مورده، فيتوقف ميراثه وما يترتب على موته من عتق أم الولد والمدبّر والوصية وغيرها إلى أن تمضي مدّة لا يعيش مثله إليها عادة». ثم قال: «والفرق بين الزوجة وغيرها مع ما اشتهر من أن الفروج مبنية على الاحتياط ـ وراء النص الدالة على الاختصاص ـ دفع الضرر الحاصل على المرأة بالصبر دون غيرها من الوراث ونحوهم، وأنّ للمرأة الخروج من النكاح بالجَبّ والعُنّة لفوات الاستمتاع وبالإعسار بالنفقة على قول لفوات المال، فلأن تخرج هاهنا وقد اجتمع الضرران أولى. ويدل على عدم الحكم بموته أنّها لو صبرت بقيت الزوجية، فزوالها على تقدير عدمه لدفع الضرر خاصة فيتقيّد بمورده»(1).
--------------------------------------------------------
[1] ـ مسالك الافهام 9: 288.

(363)


وفى الحدائق «إنّ مقتضى الأصل واستصحاب حكم الزوجية وأصالة الحياة بعد ثبوتها هو توقف جميع هذه الأُمور من خروج الزوجة عن الزوجية وقسمة الميراث وانعتاق أم الولد ونحو ذلك ما ذكره على العلم بالموت إلاّ أنّه كما قد قام الدليل من روايات الباب على خروج الزوجة من هذا الأصل بمجرد الفقد وإن لم يتحقق موته فكذلك الميراث أيضاً بموثقة سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «المفقود يحبس ماله على الورثة قدر ما يطلب في الأرض أربع سنين، فإن لم يقدر عليه قسّم ماله بين الورثة فإن كان له ولـد حبس المال وانفق على ولده تلك الأربع سنين»(1) وموثقـة إسحاق بن عمّار قال: قال لي أبو الحسن (عليه السلام): «المفقود يتربصّ بماله أربع سنين ثم يقسّم»(2).

ثم قال: «وهذه الرواية وإن كانت مطلقة بالنسبة إلى طلبه مدّة الأربع، إلاّ أنّه يجب حمل إطلاقها على ما تضمّنه الخبر الأول من الطلب تلك المدّة. وإلى هذا القول مال جملة من الأصحاب منهم الصدوق والمرتضى وأبو الصلاح. واستوجهه في المسالك أيضاً، إلاّ أنّه اختار فيه القول المشهور، وهو أنّه ينتظر به مدّة لا يعيش إليها عادة، مع أنّه لا دليل عليه إلاّ ما ذكرنا من الأصل الذي يجب الخروج عنه بالدليل، وهو هنا موجود كما عرفت، وتؤيدّه أخبار الزوجة المذكورة لأنه متى جاز ذلك في الزوجة مع أنّ عصمة الفروج أشدّ وأهمّ في نظر الشارع فليجز في قسمة المال بطريق أولى.

وأمّا ما ذكره في الفرق بين الزوجة والمال فإنّ فيه أوّلاً: أنّ النص كما دل على حكم
--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 26: 300، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه، الباب6، الحديث9.
[2] ـ وسائل الشيعة 26: 298، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه، الباب6، الحديث5.

(364)


الزوجة فخرجت به عن حريم الأصل المذكور كذلك المال قد خرج بالموثقتين المذكورتين، إلاّ أنّ له أن يقول برد الموثقتين المذكورتين لضعفهما عنده، وعدّه الموثق في قسم الضعيف وترجيح الأصل عليهما، بناءً على تصلّبه في هذا الاصطلاح الذي هو إلى الفساد أقرب من الصلاح، وهو عندنا غير مسموع كما لا يخفى على من له إلى الإنصاف أدنى رجوع.

وثانياً: أنّه كما تكون الحكمة فـي الاعتداد بعد المدّة دفـع الضرر من الزوجـة فيجوز أن تكون الحكمة أيضاً في قسمة الميراث دفع الضرر عـن الوارث بعين ما قالـه في إعسار الزوج بالنفقة، وإن كان أحد الضررين أشدّ وأشدّية الضرر عليها دون الوارث مقابلة بمطلوبية العصمة في الفروج للشارع زيادة على الأموال.

وبالجملة فالأصل في ذلك هو النص، وهذه التوجيهات تصلح لأن تكون بياناً لوجه الحكمة فيه، لا عللاً مؤسسة للحكم، وحيث كان النصّ فيما تدعيه موجوداً صحّ البناء عليه، ويبقى ما عدا مورد النصّ في هذين الموضعين على حكم حريم الأصل كما ذكروه»(1).

وما ذكره من الرواية والدراية جيّد وجزاه الله عن الإسلام أجود الجزاء لكنّه مع ذلك لم ينقل جميع اخبار المسألة، ففيها ما يستدلّ به على المحكي من الاسكافي من شرطية انقضاء عشر سنة في تقسيم أمواله على الورثة كصحيح علي بن مهزيار قال: سألت أبا جعفر الثاني (عليه السلام) «عن دار كانت لامرأة وكان لها ابن وابنة فغاب الابن بالبحر وماتت المرأة فادّعت ابنتها أنّ أمّها كانت صيّرت هذه الدار لها وباعت أشقاصاً منها وبقيت في الدار قطعة إلى جنب دار رجل من أصحابنا وهو يكره أن يشتريها لغيبة الابن وما يتخوّف أن لا يحلّ شراؤها وليس يعرف للابن خبر، فقال
--------------------------------------------------------
[1] ـ الحدائق الناضرة 25: 491 ـ 492.

(365)


لي: ومنذ كم غاب ؟ قلت: منذ سنين كثيرة، قال: ينتظر به غيبة عشر سنين ثم يشترى. فقلت: إذا انتظر به غيبة عشر سنين يحلّ شراؤها ؟ قال: نعم»(1).

وما يستدل به على ذلك مقيد بملاءة الورثة كموثق إسحاق بن عمّار(2) فإنّه وإن كان مطلقاً لكنّه يقيّد بما في الصحيح جمعاً. هذا مع ما في الجواهر من اعراض المشهور عنهما واجمال البحث أنّ الموثقتين مع معارضتهما بالصحيح والموثق الآخر مورد لاعراض المشهور فالاعتماد عليهما والفتوى بهما مشكل لاسيّما في مثل المسألة المخالفة للأصول، وتفصيل البحث في محله في كتاب الإرث.

السابعة: هل الحكم مختصّ بالدائمة أو هو اعم منها ومن المنقطعة ؟ ففي الجواهر «الظاهر اختصاص الحكم بالدائمة دون المتمتع بها، لاشعار الأمر بالطلاق والإنفاق في ذلك»(3).

أقول: لكن الحقّ عموم الحكم، لإلغاء الخصوصية وتنقيح المناط، لأنّ المستفاد من الروايات عرفاً كون المناط في الحكم تسهيل الأمر عليها والإرفاق بها، وهو موجود فيهما والاشعار مع أنّه ليس بظهور أنّ الأمر بالطلاق والانفاق لعلّه للغلبة بل هو المتفاهم عرفاً وعلى الظهور فليس بازيد من القصور غير المنافي للعموم الثابت بالفحوى والإلغاء كما لا يخفى. فالحاكم حينئذ يهب المدّة وتعتدّ عدة الوفاة على الأحوط بل الأقوى.
--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 26: 299، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه، الباب6، الحديث7.
[2] ـ وسائل الشيعة 26: 300، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه، الباب6، الحديث8.
[3] ـ جواهر الكلام 32: 296.

(366)


الثامنة: إن انفق عليها الولي أو الحاكم من مال الغائب في المدّة ثم انكشف موته قبل ذلك فهل على المرأة أو المنفق ضمان أم لا ؟ ففي المسالك: «ولو انفق عليها الوليّ أو الحاكم من ماله ثم تبيّن تقدّم موته على زمن الانفاق أو بعضه فلا ضمان عليها ولا على المنفق، للأمر به شرعاً، ولأنها محبوسة لأجله، وقد كانت زوجته ظاهراً، والحكم مبني على الظاهر»(1).

وردّه الجواهر بقوله: «أنّ ذلك كلّه لا ينافي قواعد الضمان بالإتلاف واليد ونحوهما، والظاهر بعد ظهور الحال لا يدفع الضمان، كما في الوكيل الّذي قد بان انعزاله بموت الموكّل مثلا، إذ المسألة ليست من خواص المقام، والدفع بعنوان النفقة يوجب الضمان بعد ظهور عدم استحقاقها، كما هو واضح»(2).

أقول: مقتضى التحقيق هو ما في المسالك حيث إنّ اليد امانية لا ضمان عليها وما على الأمين إلاّ اليمين وأنّ قاعدة الإتلاف مختصّة بغير المأذون فيه كإتلاف الغاصب وإفساد شاهد الزور، وأمّا المأذون فيه كالولِيّ الذي يأكل من مال اليتيم على المعروف ويصرفه في معيشته أو في معيشة اليتيم فغير شاملة له ولاضمان فيه قطعاً لعدم صدق الإفساد الذي هو المناط والموضوع في أدلّة القاعدة وكلّ من الولّي والحاكم كانا مأذونين في التصرّف وكانا وليّين للغائب فكيف عليهما الضمان وأمّا الزوجة فغير ضامنة لاقوائية السبب عن المباشر. هذا كلّه مع أنّهما كانا محسنين وعاملين بالوظيفة المأمور بها شرعاً وما على المحسنين من سبيل، بل جعل الضمان على المأمور به بالأمر الواجب غير صادر من الحكيم ولك أن تقول: أنّه كالتكليف بالمحال والظاهر أنّ ما في المسالك راجع إلى ما ذكره كلّه أو إلى بعضه، فافهم واغتنم.
--------------------------------------------------------
[1] ـ مسالك الأفهام 9: 289.
[2] ـ جواهر الكلام 32: 296.

(367)


هذا تمام الكلام في مهامّ المسألة وأمّا غيرها من المسائل والفروع فحالها تظهر من الرجوع إلى المتن وإلى الكتب الأُخرى(1).
إلى هنا كان قد تمّ ما ألقاه الأستاذ في السنة الأولى من مباحث كتاب الطلاق وقد القى بمناسبة السنة الدراسية الجديدة وذلك في 15/6/74 هـ.ش المطابق للعاشر من ربيع الثاني عام 1416 هـ.ق، كلمة حول منزلة الحوزات العلمية وقيمة العلم والعلماء ولزوم الاهتمام بالبحث والتحقيق وإحياء الفقه، وقد نبّه على ما يجب علينا من صيانة كرامة العلماء وشخصيتهم والاحتفاظ بما أنعمه الله علينا بواسطة النظام الإسلامي ودماء الشهداء وقيادة الإمام الخميني(قدس سره)، وكذا ما يجب علينا من إحياء كلام الإمام(قدس سره)وفكره، وقد أشار الأستاذ في كلمته إلى ما يوجب علينا الاهتمام بهداية الناس والدعوة إلى الإسلام والاحتفاظ بما أنتجتها الثورة الإسلامية ورجالها. وبعد هذا دخل في البحث فيما بقي من كتاب الطلاق ولله الحمد.

* * *

--------------------------------------------------------
[1] ـ إلى هنا وقد تمّ ما أفاده الأستاذ من كتاب الطلاق في هذه السنة، وذلك في 24 من ذي الحجة من عام 1415 هـ، الموافق للثالث من شهر خرداد، سنة 1374 ش وكان ابتداؤه في 4 من ربيع الثاني، عام 1414ق، الموافق للعشرين من شهر شهريور، سنة 1373 ش، وذلك كله في مدرسة الفيضية المباركة، أفاض الله علينا من الفيوض والبركات ما يصرف وجوهنا عن القيل والقال إلى خير المقال والمآل، فإنّ إليه يصعد الكلم الطيّب والعمل الصالح يرفعه وأنّ إلى ربك المنتهى واليه الرجعى وآخر دعوينا أن الحمد لله رب العالمين وأنا العبد ضياء المرتضوي.

(368)

(مسألة 12 ـ ليس للفحص والطلب كيفية خاصّة).

وذلك قضاءً لإطلاق الاخبار وعدم التقييد فيها بوجه خاص من الاخبار ففي موثقة سماعة «فيطلب في الأرض فإن لم يوجد له خبر حتى تمضي الأربع سنين»(1) وليس فيها إلاّ الدلالة على أصل الفحص والطلب من الحاكم على نحو الإطلاق من دون التقييد بكيفيّة خاصة.

إن قلت: الموثقة وإن كانت مطلقة لكن في صحيح الحلبي «إنّ الوالي يبعث أو يكتب إلى الناحية التي هو غائب فيها»(2) وكذا في صحيح بريد «إنّ الوالي يكتب إلى الصقع الذي فقد فيه»(3) فبالصحيحين الدالين على اعتبار كيفية خاصة في الطلب والفحص يحصل التقييد في مثل الموثقة.

قلت: إنّ الصحيحين ليسا بصدد بيان كيفية خاصّة في الفحص والطلب وإنما ذكر البعث والكتابة فيهما لاجل كونهما الطريق المتعارف في هذه الأزمنة، فهذه الخصوصية اقتضت تخصيصها بالذكر لا أنّ لهما الموضوعية في الطلب والفحص، فالمدار كما قال في الجواهر «على التجسّس عنه في الوجه الذي نفذ فيه ليعلم حاله»(4).

(بل المدار ما يعدّ طلباً وفحصاً).

حتى يتحقق الموضوع.
--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 20: 506، كتاب النكاح، أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الباب44، الحديث2.
[2] ـ وسائل الشيعة 22: 158، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق، الباب23، الحديث4.
[3] ـ وسائل الشيعة 22: 156، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق، الباب23، الحديث1.
[4] ـ جواهر الكلام 32: 293.

(369)


(ويتحقق ذلك ببعث من يعرف المفقود ـ رعاية ـ باسمه وشخصه أو بحليته إلى مظان وجوده للظفر به وبالكتابة وغيرها كالتلغراف وسائر الوسائل المتداولة في كل عصر ليتفقد عنه، وبالالتماس من المسافرين كالزوار والحجاج والتجار وغيرهم بأن يتفقدوا عنه في مسيرهم ومنازلهم ومقامهم، وبالاستخبار منهم حين الرجوع).

وهذه الأمثلة بيان للمصاديق العرفية لا بيان الاحكام الشرعية.

(مسألة 13 ـ لا يشترط في المبعوث والمكتوب إليه والمستخبر منهم من المسافرين العدالة).

لعدم الدليل عليه.

(بل تكفي الوثاقة).

قضاءً لبناء العقلاء في العمل بالخبر فإنّ خبر الثقة عندهم حجة، ومن الواضح أنّ الباب ليس باب الشهادة المعتبرة فيها العدد والعدالة بل الباب باب النبأ والخبر، بل لا يخفى كفاية الوثوق بالخبر الذي هو المناط عند العقلاء في اعتبار الوثاقة في المخبر فتأمل جيداً. ولكن في المسالك «ويعتبر في الرسول العدالة ليركن إلى خبره حيث لا يظهر ولا يشترط التعدد لأنّ ذلك من باب الخبر لا الشهادة وإلاّ لم تسمع لأنّها شهادة على النفي ومثل هذا البحث لا يكون حصراً للنفي حتى يقال أنّه مجوز للشهادة وإنما هو استعلام وتفحص عنه ممن يكون معرفته له عادة لا استقصاء كلي»(1).
--------------------------------------------------------
[1] ـ مسالك الأفهام 9: 287.

(370)


وردّه صاحب الجواهر بقوله «إنّ ذلك إذا كان استعلاماً وتفحصاً فلا مدخلية للعدالة فيه أيضاً، ضرورة كونه كغيره مما يبحث عنه ويفحص وقد سمعت ما في موثق سماعة من اعتبار عدم علمها من الأرض وعدم اتيان كتاب منه ولا خبر في رفع أمرها إلى الحاكم كما أنّك سمعت اعتبار عدم وجدان الحاكم أثراً له في الفعل المزبور بل قد عرفت تضمنها الاعتماد على الكتابة التي هي ليس طريقاً شرعياً، وبالجملة لامدخلية للعدالة في المقام والله العالم»(1).

وكيف كان فالمستفاد من المسالك والجواهر اتفاقهما على أنّ المورد من باب الخبر فيعتبر فيه ما اعتبر في الخبر فكل على مبناه من اعتبار العدالة أو الوثاقة في الخبر الناشئ من دليله على الاعتبار من آية النبأ والروايات ومن سيرة العقلاء وليس للاستعلام خصوصية بل هو المنشأ للخبر كما لا يخفى.

(مسألة 14 ـ لا يعتبر أن يكون الفحص بالبعث أو الكتابة ونحوها من الحاكم، بل يكفي من كل أحد حتى نفس الزوجة إذا كان بأمره بعد رفع الأمر إليه).

الاكتفاء بالفحص من كل احد ولو من الزوجة قضاءً للإطلاق والفحوى، وأمّا اعتبار كونه بأمره وبعد الرفع إليه وعدم كفاية مطلق الفحص من دون الأمر والرفع فمع كونه أحوط أنّه المورد للنصوص فإنّها بين صريح وظاهر في مدخلية الوالي في ذلك، وإن أبيت عن الدلالة على المدخلية فلا أقلّ من عدم الدليل مع عدم الرفع فلابد من الاقتصار على مورد النص لكون الحكم على خلاف القواعد والضوابط، وما في خبر السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «إنّ علياً(عليه السلام) قال في المفقود لا تتزوج امرأته حتى
--------------------------------------------------------
[1] ـ جواهر الكلام 32: 296.

يبلغها موته أو طلاق أو لحوق بأهل الشرك»(1). وفي خبر أبي الصباح عن أبي عبد الله (عليه السلام) « في امرأة غاب عنها زوجها أربع سنين، ولم ينفق عليها ولم تدر أحي هو، أم ميت ؟ أيجبر وليه على أن يطلقها ؟ قال نعم وإن لم يكن له ولىّ طلقها السلطان...»(2).

ففيه: أنّهما ليسا في مقام البيان لذلك بل الأول في مقام بيان المجوز لتزوجها من الموت أو الطلاق أو اللحوق بأهل الشرك لا في مقام بيان خصوصيات تلك الأُمور، والثاني في مقام جواز إجبار الولي على الطلاق ومن المعلوم أنّ الجابر الحاكم والوالي وليس فيه دلالة على كيفية جبره من اشتراطه بأمره بالفحص وعدمه.

(مسألة 15 ـ مقدار الفحص بحسب الزمان أربعة أعوام، ولا يعتبر فيه الاتصال التام، بل هو على الظاهر نظير تعريف اللقطة سنة كاملة يكفي فيه ما يصدق عرفاً أنه قد تفحّص عنه في تلك المدة).

فإنّ من المعلوم الاختلاف في الصدق وفي اختلاف التوالي وعدمه في فحص السنة واليوم فالفحص في مثل العام غير الفحص في مثل يوم واحد، فالمعيار ما يعدّه العرف الفحص أربعة أعوام، وإن لم يكن فيه الاتصال التام.

(مسألة 16 ـ المقدار اللازم من الفحص هو المتعارف لأمثال ذلك وما هو المعتاد، فلا يعتبر استقصاء الممالك والبلاد، ولا يعتني بمجرد إمكان وصوله إلى مكان ولا بالاحتمالات البعيدة، بل إنّما يتفحّص عنه في مظان وجوده فيه ووصوله إليه وما احتمل فيه احتمالا قريباً).
--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 157، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق، الباب23، الحديث3.
[2] ـ وسائل الشيعة 22: 158، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق، الباب23، الحديث5.

فإنّ الاختفاء والافتقاد يختلف باختلاف الافراد والموارد وبتبعه يختلف الفحص عنه، فإنّ مظان وجود من خفي عن شخص في دين ونحوه غير مظان من خفي عن دولة في ذنب سياسي مثل التجسس لمصالح الأجنبي وكذا فرق بين مظان خفاء الافراد ذوي المروة والشرف وبين غيرهم، فالمقدار اللازم من الفحص هو المتعارف لأمثال هؤلاء الافراد في مثل هذه الموارد وأمّا الزائد عليه فغير لازم إمّا لعدم صدق الفحص على غير المتعارف من رأس حيث إنّ الألفاظ العرفية صادقة على المتعارف من مصاديقها دون غيره أو للانصراف عنه على تسليم الصدق.

(مسألة 17 ـ لو علم أنه قد كان في بلد معين في زمان ثم انقطع أثره يتفحص عنه أولا في ذلك البلد على المعتاد، فيكفي التفقد عنه في جوامعه ومجامعه وأسواقه ومتنزهاته ومستشفياته وخاناته المعدة لنزول الغرباء ونحوها، ولا يلزم استقصاء تلك المحالّ بالتفتيش أو السؤال، بل يكفي الاكتفاء بما هو المعتد به من مشتهراتها، وينبغي ملاحظة زي المفقود وصنعته وحرفته، فيتفقد عنه في المحالّ المناسبة له ويسأل عنه من أبناء صنفه وحرفته مثلا، فإذا تم الفحص في ذلك البلد ولم يظهر منه أثر ولم يعلم موته ولا حياته فإن لم يحتمل انتقاله إلى محل آخر بقرائن الأحوال سقط الفحص والسؤال، واكتفي بانقضاء مدة التربص أربع سنين، وإن احتمل الانتقال فإن تساوت الجهات فيه تفحص عنه في تلك الجهات، ولا يلزم الاستقصاء التام، بل يكفي الاكتفاء ببعض المحالّ المهمة والمشتركة في كل جهة مراعياً للأقرب ثم الأقرب إلى البلد الأول، وإن كان الاحتمال في بعضها أقوى جاز

(373)


جعل محل الفحص ذلك البعض والاكتفاء به، خصوصاً إذا بعُد احتمال انتقاله إلى غيره، وإذا علم أنه قد كان في مملكة أو سافر إليها ثم انقطع أثره كفى أن يتفحص عنه مدة التربص في بلادها المشهورة التي تشدّ إليها الرحال، وإن سافر إلى بلد معين من مملكة كالعراقي سافر إلى خراسان يكفي الفحص في البلاد والمنازل الواقعة في طريقه إلى ذلك البلد وفي نفس ذلك البلد، ولا ينظر إلى الأماكن البعيدة عن الطريق فضلا عن البلاد الواقعة في أطراف المملكة، وإذا خرج من منزله مريداً للسفر أو هرب ولا يدري إلى أين توجه وانقطع أثره تفحص عنه مدة التربص في الأطراف والجوانب مما يحتمل قريباً وصوله إليه، ولا ينظر إلى ما بعد احتماله.

مسألة 18 ـ قد عرفت أن الأحوط أن يكون الفحص والطلاق بعد رفع أمرها إلى الحاكم، فلو لم يمكن الوصول إليه فإن كان له وكيل ومأذون في التصدي للأمور الحسبية فلا يبعد قيامه مقامه في هذا الأمر، ومع فقده أيضاً فقيام عدول المؤمنين مقامه محل إشكال
).

حيث إنّ الأدلة قامت على اشتراطه برفع الأمر إلى الحاكم الشرعي فمع تعذر الوصول إليه وإلى وكيله المأذون في الأُمور الحسبية يقع الشك في أنّ نظره دخيل فيه مطلقا أو مع إمكان الوصول إليه ؟ ومع الشك كان الحكم بقيام عدول المؤمنين مقامه مشكلاً.

(374)


(مسألة 19 ـ إن علم أن الفحص لا ينفع ولا يترتب عليه أثر فالظاهر سقوط وجوبه، وكذا لو حصل اليأس من الاطلاع عليه في أثناء المدة، فيكفي مضي المدة في جواز الطلاق والزواج).

سقوط الوجوب فيهما هو الأصل لعدم الموضوعية للفحص والطلب وهو إنّما يكون طريقاً للعلم بحال الزوج من الحيوة والممات.

(مسألة 20 ـ يجوز لها اختيار البقاء على الزوجية بعد رفع الأمر إلى الحاكم قبل أن تطلق ولو بعد الفحص وانقضاء الأجل، ولها أن تعدل عن اختيار البقاء إلى اختيار الطلاق، وحينئذ لا يلزم تجديد ضرب الأجل والفحص.


مسألة 21 ـ الظاهر أن العدة الواقعة بعد الطلاق عدة طلاق وإن كانت بقدر عدة الوفاة، ويكون الطلاق رجعياً، فتستحق النفقة في أيامها وإن ماتت فيها يرثها لو كان في الواقع حياً، وإن تبيّن موته فيها ترثه، وليس عليها حداد بعد الطلاق.

مسألة 22 ـ إن تبين موته قبل انقضاء المدة أو بعده قبل الطلاق وجب عليها عدة الوفاة
).

وجهه واضح.

(وإن تبين بعد انقضاء العدة اكتفي بها، سواء كان التبيّن قبل التزويج أو بعده، وسواء كان موته المتبيّن وقع قبل المدّة أو بعدها أوفى أثنائها أو بعد التزويج).

لأنّ العدة عدة الطلاق كما مرّ فلا فرق في انقضائها بين الموارد.


(375)


(وأمّا لو تبيّن موته في إثناء العدة فهل يكتفي بإتمامها أو تستأنف عدة الوفاة من حين التبيّن ؟ وجهان بل قولان أحوطهما الثاني لو لم يكن الأقوى).

وجه الأول اطلاق الروايات الدالة على أنّ عدة المفقود عنها زوجها أربعة أشهر وعشراً ووجه الثاني اطلاق اخبار المتوفى عنها زوجها وأنّ ما مضى من العدة كانت عدة طلاق وكيف كان فإن وقع موت الزوج اثناء العدة فلا يبعد القول الثاني أي استئناف العدة وأمّا إن وقع قبل ذلك ثمّ تبين في اثناء العدة فالأقوى ـ على أنّ عدة المتوفى عنها زوجها من يوم موته لا من حين بلوغ الخبر كما هو المختار ـ عـدم وجوب إتمام عدة المفقود عنها زوجها ولا استئنافها بل يكفي الاعتداد من يوم موت الزوج.

(مسألة 23: لو جاء الزّوج بعد الفحص وانقضاء الأجل فإن كان قبل الطلاق فهي زوجته).

لعدم الطلاق الرافع للزوجيّة، فلابدّ إلاّ من بقائها.

(وإن كان بعد ما تزوّجت بالغير فلا سبيل له عليها).

لظاهر النصوص ولكونها مطلّقة مزوّجة والطلاق وإن لم يكن عن الزوج لكنّه من الولىّ للغائب وهو الحاكم فيكون كالطلاق من الزوج.

(وإن كان في اثناء العدّة فله الرجوع إليها كما أنّ له إبقائها على حالها حتى تنقضي عدّتها وتبين عنه).

للنصوص الدالة على أنّها بحكم العدة الرجعية وإن كانت بقدر عدّة الوفاة ففي

(376)


صحيح بريد «فإن جاء زوجها قبل أن تنقضي عدّتها من يوم طلّقها الوليّ فبدا له أن يراجعها فهي امرأته»(1).

وفي موثق سماعة «فإن قدم زوجها بعد ما تنقضي عدّتها فليس له عليها رجعة وإن قدم وهي في عدتها أربعة أشهر وعشرا فهو املك برجعتها»(2).

(وأمّا إن كان بعد انقضاء العدة وقبل التزويج ففي جواز رجوعها إليها وعدمه قولان أقواهما الثاني).

وذلك لإطلاق الموثقة الصريحة في عدم جواز الرجوع بعد الانقضاء وصحيحة بريد الظاهرة في ذلك بالمفهوم فإنّهما مطلقتان شاملتان لما قبل التزويج بالغير وبعده وما في الشرائع «وإن خرجت من العدة ولم تتزوّج، فيه روايتان أشهر هما أنّه لا سبيل له عليها»(3).

ففي الجواهر في ذيله «بل لم نقف على رواية الرجوع فيما وصل إلينا كما اعترف به غير واحد ممّن سبقنا، بل في المسالك لم نقف عليها بعد التتبع التام، وكذا قال جماعة ممّن سبقنا نعم صريح النصوص السابقة أنّه لا سبيل له عليها حتى موثّق سماعة الذي لم يذكر فيه الطلاق. ومنه يعلم ما في تفصيل الفاضل في المختلف بأنّ العدّة إن كانت بعد طلاق الوليّ فلا سبيل للزوج عليها وإن كانت بأمر الحاكم من غير طلاق كان أملك بها، وذلك لأنّ الأول طلاق شرعي قد انقضت عدّته، بخلاف الثاني، فإنّ أمرها بالاعتداد كان مبنيّاً على الظن بوفاته وقد ظهر بطلانه، فلا اثر لتلك العدة، والزوجية
--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 156، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق، الباب23، الحديث1.
[2] ـ وسائل الشيعة 20: 506، كتاب النكاح، أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الباب44، الحديث2.
[3] ـ شرائع الإسلام 3: 28.

(377)


باقية لبطلان الحكم بالوفاة، مضافاً إلى اقتضاء ذلك أولويته بها، حتى لو تزوجت، وقد عرفت الإجماع على خلافه والفرق بينهما ـ بأنّ الشارع قد حكم به ظاهراً، فلا يلتفت إلى العقد الأول، بخلاف ما لو كان قبل التزويج ـ كما ترى، ضرورة اتحاد حكم الشارع بالتزويج وحكمه بالعدة بالنفوذ وعدمه، وعلى كل حال فما عن الشيخ في النهاية والخلاف وفخر المحققين واضح الضعف، بل هو كالاجتهاد في مقابلة النصّ، والله العالم»(1).

(مسألة 24 ـ لو حصل لزوجة الغائب بسبب القرائن وتراكم الأمارات العلم بموته جاز لها بينها وبين الله أن تتزوج بعد العدة من دون حاجة إلى مراجعة الحاكم وليس لأحد عليها اعتراض ما لم يعلم كذبها في دعوى العلم نعم في جواز الاكتفاء بقولها واعتقادها لمن أراد تزويجها وكذا لمن يصير وكيلاً عنها في إيقاع العقد عليها إشكال، والأحوط لها أن تتزوّج ممن لم يطلع بالحال ولم يدر أن زوجها قد فقد ولم يكن في البين إلاّ دعواها بأن زوجها مات، بل يقدم على تزويجها مستنداً إلى دعواها أنها خلية بلا مانع، وكذا توكل من كان كذلك).

قد تكلّمنا حول أصول البحث في هذه المسائل كلها فيما مرّمنّا تفصيلاً ولا نعيده.
--------------------------------------------------------
[1] ـ جواهر الكلام 32: 298.
العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org