Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة عامة
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: القول في أقسام الطلاق

القول في أقسام الطلاق

(187)


(الطلاق نوعان: بدعي وسني، فالأوّل هو غير الجامع للشرائط المتقدمة. وهو على أقسام فاسدة عندنا صحيحة عند غيرنا) .

وهنا تقسيم آخر غير ما في المتن ينبغي التعرّض له وهو التقسيم من حيث حكمه التكليفي فنقول: الطلاق إمّا واجب أو مكروه أو مستحبّ أو حرام كما يظهر من المسالك وغيره، فالواجب تخييراً كطلاق المولي والمظاهر، فإنّه يؤمر المولى والمظاهر بعد المدّة بالفي أو الطلاق، وتعييناً كالطلاق مع الشقاق وعدم حصول الاتفاق أو مع الريبة الظاهرة بأن لا تكون عفيفة يخاف منها إفساد الفراش، وفي الجواهر عدّ الطلاق فيهما مستحبّاً، والمكروه هو الطلاق مع وجود الالتيام، فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ما من شيء ممّا أحلّه الله أبغض إليه من الطلاق وأنّ الله عزّ وجلّ يبغض المطلاق الذوّاق» (1) .

والمحرّم كطلاقها في ليلة لها حق القسم على ما في كشف اللثام، وطلاق الحائض
---------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 8، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب1، الحديث5.

(188)


بعد الدخول مع حضور الزوج أو مع غيبته دون المدّة المشترطة وكذا النفساء أو في طهر قاربها فيه، وطلاق الثلاث من غير رجعة بينها على ما في الشرائع وغيره.

ولا يخفى أنّ أسباب التحريم على ما في كشف اللثام أربعة وعلى المعروف وما في غيره ثلاثة. وفي المسالك بعد بيان القسمين من الثلاثة قال: «وهذان سببان للتحريم عند جميع العلماء، وثالثها طلاقها أزيد من واحدة بغير رجعة متخلّلة بين الطلقات، أعمّ من إيقاعها بلفظ واحد أو مترتبة. وتحريم هذا النوع مختصّ بمذهبنا» (1) .

لكن لا يخفى أنّه لا دليل على حرمة الثلاثة الأخيرة المعروفة إلاّ إجماع المسالك وإلاّ فالمستفاد من الأدلة، الكتاب والسنّة والفتاوى، ليس بأزيد من البطلان، وأمّا الاستدلال له بالنهي فهو كما ترى فإنّه لو سلّم وجوده لا يدلّ على أزيد من الإرشاد إلى البطلان لأنّ النواهي المتعلّقة بالعناوين المقصودة بالغير كالطلاق لا يستفاد منها أزيد من الإرشاد إلى البطلان وأنّ المقصود غير حاصل، فكأنّ القائل بقوله «لا يطلّق الغائب» أو «لاتبع بيعاً غرريّاً» يقول: لا تفعل ذلك لأنّك لاتصل إلى مقصودك. كما أنّ الأمر كذلك في الأوامر والنواهي المتعلّقة بالأجزاء والشرائط فإنّها إرشاد إلى الشرطية والجزئية والمانعية فكأنّ الأمر بها يقول: افعل هذا الأمر في المركّب ليحصل لك المركّب المأمور له، والناهي يقول: لا تفعل وإلاّ لا يحصل المركّب. هذا مع عدم النهي عن الثلاثة لاسيّما الثلاث في الأخبار أصلا وإنّما الموجود فيها النهي بمثل: «ليس طلاقها بطلاق» أو «إنّ الطلاق على غير السنّة باطل» أو «إيّاكم والمطلّقات ثلاثاً فانّهن ذوات أزواج». أضف إلى ذلك كلّه أنّ النهي على تسليمه محمول على البطلان بقرينة تلك الأخبار.

نعم لقائل الاستدلال على ذلك بالروايات المنقولة في مقدّمات الطلاق من
---------------------------------
[1] ـ مسالك الإفهام 9: 120.


(189)


الوسائل، باب «أنّه يجب على الوالي تأديب الناس وجبرهم بالسوط والسيف على موافقة الطلاق للسنّة وترك مخالفتها» ومنها مرسل أبي بصير، قال: سمعت جعفر (عليه السلام) يقول: «والله لو ملكت من أمر الناس شيئاً لأقمتهم بالسيف والسوط حتى يطلّقوا للعدّة كما أمر الله عزّ وجلّ» (1) .

ومنها: ما عن معمّر بن وشيكة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «لا يصلح الناس في الطلاق إلاّ بالسيف، ولو وليتهم لرددتهم فيه إلى كتاب الله عزّ وجلّ» (2) .

ومنها: ما عن أبي بصير أيضاً عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «لو وليت الناس لعلّمتهم كيف ينبغي لهم أن يطلّقوا، ثم لم اُوت برجل قد خالف إلاّ أوجعت ظهره، ومن طلّق على غير السنّة ردّ إلى كتاب الله وإن رغم أنفه» (3) .

ولا يخفى أنّ الظاهر منها كون السيف والسوط والإيجاع للبدعة وللتخلّف عن السنّة والشرع والتولّي عنهما، وذلك غير محل البحث فإنّ الحرمة من هذه الجهة معلومة وإنّما البحث في الحرمة من حيث هي أي مثل حرمة الطلاق من حيث أنّه في الحيض أو في الطهر مع المواقعة ولقد أجاد صاحب الجواهر في عبارته المزجيّة بكلام الشرائع وقال: «والكلّ محرّم عندنا بعنوان الشرعيّة وعدمها مع عدمه، إذ التلّفظ بالصيغة من حيث كونه كذلك لا دليل على حرمته حتى في الثلاثة» (4) . نعم فيه أنّه
-----------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 13، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب6، الحديث1.
[2] ـ وسائل الشيعة 22: 13، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب6، الحديث2.
[3] ـ وسائل الشيعة 22: 14، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب6، الحديث3.
[4] ـ جواهر الكلام 32: 116.


(190)


كيف لم يتعرّض للاستدلال على الحرمة بما في المسالك من إجماع العلماء والنسبة إلى المذهب فتأمّل.

وأمّا ما في كشف اللثام ففيه: أنّ حرمة ترك الواجب على تسليمه لا يسري إلى مقارنه الوجودي وهو الطلاق في محلّ البحث كما حقّقناه في محلّه، فافهم واغتنم.

هذا كلّه في التقسيم غير ما في المتن، وأمّا ما فيه من التقسيم إلى البدعي والسنّي فتقسيم معروف رائج لكن تفسيره البدعي بغير الجامع خلاف المعروف فإنّ المعروف في البدعي هو الطلاقات الثلاثة الأخيرة والتفسيران موردان لاشكال مشترك ومختصّ، أمّا المشترك هو عدم المناسبة بين البدعي وتفسيره، لأعميّة المفسّر من المفسّر عنه من جهة عدم اعتبار البدعة فيه، فإنّ الطلاق في الحيض بدعي على التفسير وإن لم يقصد البدعة أصلا.

بل لقائل أن يقول بالمباينة مفهوماً، لعدم أخذ قيد البدعة في تلك الطلقات، وأمّا البدعية فيها باعتبار اختصاصها بما كانت بدعة حيث إنّ الحرمة فيها تكون بعنوان الشرعية كما صرّح به الجواهر، ففيه أنّه لا وجه لتفسيره بالأقسام الثلاثة بل كان المعيّن التفسير بكلّ طلاق فاقد للشرائط المأتي به بدعة، فتأمّل. نعم لا دلالة للمتن على ذلك لعدم الحكم بالحرمة. وأمّا المختصّ ففي المتن أنّه خلاف الاصطلاح وأمّا في المعروف ففيه أنّه لا حرمة للطلقات الثلاثة بما هي كما مرّ والحرمة من حيث الشريعة والبدعة فهي أعم منها فما وجه الاختصاص ؟ اللّهم إلاّ أن يقال لدفع بعض المحاذير إنّ الأمر في التسمية والاصطلاح سهل.

(والثاني ما جمع الشرائط في مذهبنا، وهو قسمان بائن ورجعي، فالبائن ما ليس للزوج الرجوع إليها بعده، سواء كانت لها عدّة أم لا) .

(191)


لكن للسنّي معنى آخر أخص من ذلك في النصوص والفتاوى وهو طلاقها بالطلاق الرجعي وعدم الرجوع في العدّة حتى تنقضي المدّة، والفتاوى تعم البائن أيضاً، ونسب الشهيد هذا المعنى إلى الفقهاء، والأصل في ذلك صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «طلاق السنّة يطلّقها تطليقة يعني على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين ثم يدعها حتى تمضي أقراؤها فإذا مضت أقراؤها فقد بانت منه وهو خاطب من الخطّاب إن شاءت نكحته وإن شاءت فلا، وإن أراد أن يراجعها أشهد على رجعتها قبل أن تمضي أقراؤها فتكون عنده على التطليقة الماضية، قال: وقال أبو بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) : وهو قول الله عزّ وجلّ: (الطلاق مرّتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) التطليقة الثانية «الثالثة خ ل» التسريح بإحسان» (1) .

وكذا صحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال: «كل طلاق لا يكون على السنّة أو طلاق على العدّة فليس بشيء. قال زرارة: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : فسّر لي طلاق السنّة وطلاق العدّة، فقال: أمّا طلاق السنّة فإذا أراد الرجل أن يطلّق امرأته فينتظر بها حتى تطمث وتطهر فإذا خرجت من طمثها طلّقها تطليقة من غير جماع ويشهد شاهدين على ذلك ثم يدعها حتى تطمث طمثتين فتنقضي عدّتها بثلاث حيض، وقد بانت منه، ويكون خاطباً من الخطّاب إن شاءت تزوّجته وإن شاءت لم تزوّجه وعليه نفقتها والسكنى ما دامت في عدّتها وهما يتوارثان حتّى تنقضي عدّتها». الحديث (2) .

----------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 104، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب1، الحديث2.
[2] ـ وسائل الشيعة 22: 103، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب1، الحديث1.


(192)



إلى غيرهما من الروايات. ولقائل أن يقول: إنّ ما جاء في الفتاوى ليستفاد من النصوص أيضاً.

ثم أنّه لا اختلاف في معنى طلاق العدّة نصّاً وفتوى وهو الطلاق الرّجعي مع الرجوع في العدّة والوطئ فيها وهو يوجب الحرمة أبداً بعد التاسعة، وتقسيم الطلاق الصحيح إلى السنّي والعدّي غير جامع لأنّه لا يشمل الطلاق الرّجعي الّذي يرجع بلا وطئ مع أنّه أيضاً صحيح.

(وهو ستّة: الأول، الطلاق قبل الدخول) .

العدد لإخلاف فيه نصّاً وفتوىً كما في صريح الجواهر وأخبار الأول، منها: ما عن زرارة، عن احدهما (عليهما السلام) «في رجل تزوج امرأة بكراً ثم طلّقها قبل أن يدخل بها ثلاث تطليقات كلّ شهر تطليقة، قال: بانت منه في التطليقة الأولى، واثنتان فضل، وهو خاطب يتزوّجها متى شاءت وشاء بمهر جديد. قيل له: فله أن يراجعها إذا طلّقها تطليقة قبل أن تمضي ثلاثة أشهر ؟ قال: لا، إنّما كان يكون له أن يراجعها لو كان دخل بها أوّلاً، فأمّا قبل أن يدخل بها فلا رجعة له عليها، قد بانت منه ساعة طلّقها» (1) .

وما عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا طلّق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها تطليقةً واحدة فقد بانت منه وتزوّج من ساعتها إن شاءت» (2) . إلى غيرهما من الأحاديث (3) . وهذا في الجملة لا كلام فيه وإنّما الكلام في أنّ الدخول المعتبر عدمه
------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 175، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب1، الحديث2.
[2] ـ وسائل الشيعة 22: 175، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب1، الحديث3.
[3] ـ وسائل الشيعة 22: 175، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب1.


(193)



هو الدخول مطلقاً قبلاً أو دبراً أو المقيّد بالقبل ؟ فمقتضى ظاهر النصوص وفتاوى الأصحاب هو الأول إلاّ أن يقال بانصراف الإطلاق إلى القبل للتعارف والكثرة وانّه المانع أيضاً للشمول بترك الاستفصال وبذلك يظهر عدم تمامية ما استدلّ به الجواهر لذلك بقوله «لصدق المس والإدخال والدخول والمواقعة والتقاء الختانين إن فسّر بالتحاذي، وإمكان سبق المنى فيه إلى الرحم، وكونه أحد المأتيين» (1) فإنّ التمامية موقوفة على عدم الانصراف. هذا مع أنّ التقاء الختانين إن لم يكن بمفهومه دليلاً على العدم والتقيّد فلا اقلّ من عدم الدلالة والتفسير بما ذكره كما ترى واستدلاله (رحمه الله) بالوجهين الأخيرين فليس بازيد من الاشعار.

والاستدلال بظاهر صحيحتي عبد الله بن سنان المعتضد بنسبة السيّد السند (قدس سره) العموم إلى قطع الأصحاب وأنّ الفهم شاهد على عدم الانصراف فغير تمام، وذلك لأنّ ما في احدهما من قول أبي عبد الله (عليه السلام) ملامسة النساء هي الإيقاع بهنّ ليس فيه إلاّ تفسير الملامسة بالإيقاع وهو كالدخول وغيره مشترك في احتمال الانصراف، وعمومية المفسَّر (بالفتح) بإطلاقه غير مانعة من انصراف المفسِّر (بالكسر) كما لا يخفى. كما أنّ ما في ثانيهما من قوله (عليه السلام) «إذا ادخله وجب الغسل والمهر والعدّة» في جواب السائل بقوله «فإن كان واقعها في الفرج ولم ينزل» ليس فيه أيضاً إلاّ التعبير بالإدخال والمواقعه في الفرج الّذي فيه احتمال الانصراف كالمسّ وأمّا قوله (عليه السلام) فيه «فقال: إنّما العدّة من الماء» فالحصر فيه إضافي بالنسبة إلى مثل الخلوة، وبالجملة الظاهر أنّه ليس فيهما أزيد ممّا في غيرهما من أخبار العدّة والمهر، وأمّا نسبة السيّد فلعلها تكون مستندة إلى إطلاق فتاواهم. هذا مع أنّ اقتصار العلاّمة في التحرير بالدخول في القبل ممّا يشعر بالخلاف وتوقف الحدائق وتبعية الرياض له لولا الوفاق
-------------------------------------
[1] ـ جواهر الكلام 32: 120.



(194)


ممّا يوهن النسبة وبوهنها يقوى احتمال الانصراف.

(الثاني: طلاق الصغيرة أي من لم تبلغ التسع وان دخل بها) .

ويدل عليه الأخبار، منها: صحيحة حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته «عن التي قد يئست من المحيض والتي لا يحيض مثلها، قال: ليس عليها عدّة» (1) .

ومنها: مرسلة جميل بن دراج، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (عليهما السلام) «في الرجل يطلّق الصبيّة التي لم تبلغ ولا يحمل مثلها، فقال: ليس عليها عدّة وإن دخل بها» (2) .

وكذا مرسلته الأُخرى عن احدهما (عليهما السلام) «في الرجل يطلّق الصبية التي لم تبلغ ولا يحمل مثلها وقد كان دخل بها والمرأة التي قد يئست من المحيض وارتفع حيضها فلا يلد مثلها، قال: ليس عليهما عدّة وإن دخل بهما» (3) .

ومنها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) : «ثلاث يتزوّجن على كل حال: التي لم تحض ومثلها لا تحيض، قال: قلت: وما حدّها ؟ قال: إذا أتى لها أقلّ من تسع سنين، والتي لم يدخل بها، والتي قد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض، قلت، وما حدّها ؟ قال: إذا كان لها خمسون سنة» (4) . ومع تلك الأخبار كما لا كلام ولا بحث في أصل المسألة فكذلك في العمومية للدخول، وفي الجواهر: وإن دخل بها للأمن من اختلاط المائين.
وإنّما البحث والكلام في أنّ الحدّ هل هو عدم البلوغ وعدم الحمل أو عدم الوصول
----------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 177، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب2، الحديث1.
[2] ـ وسائل الشيعة 22: 178، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب2، الحديث2.
[3] ـ وسائل الشيعة 22: 178، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب2، الحديث3.
[4] ـ وسائل الشيعة 22: 179، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب2، الحديث4.



(195)


إلى التسع ؟ فالمشهور هو الأخير، فإن جعلناه حدّاً للبلوغ أيضاً كما هو المعروف بل المشهور أيضاً فالأخبار متّفقة ولا تعارض بينها لعدم إمكان الحمل قبل البلوغ الّذي هو التسع ولكن إن جعلنا الحدّ ثلاث عشرة سنين كما هو المختار ويؤمل أن يستقرّ عليه المذهب، فالتعارض موجود ; حيث إنّ الدالّ من الأخبار على عدم العدّة قبل التسع دالّ بمفهوم الحدّ على العدّة بعده، مع أنّه غير بالغ وغير قابل للحمل فيكون معارضاً للدالّ منها على عدمها مع عدم القابلية للحمل وعدم البلوغ. هذا ولكن الظاهر منع التعارض أيضاً لأنّه على المختار في حدّ البلوغ السِنّي فالملاك هو عدم البلوغ وعدم إمكان الحمل فيها كما عليه السيّد السند (قدس سره) ، لا هما وقبل التسع والموضوع في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عدم الحيض في من مثلها لا تحيض من جهة عدم البلوغ ولا نظر فيها بدواً إلى السنّ أصلاً وإنّما أجاب (عليه السلام) بالسنّ والتسع بعد سؤال السائل عن الحدّ للموضوع الظاهر في كونه بياناً لحدّ يكون عدم الحيض فيه معلوماً وهو فيما قبل التسع فالصحيحة ساكتة عمّا بعد التسع فلابدّ فيه من إحراز الموضوع ; أي كونها لا تحيض ومثلها لا تحيض، يعني عدم القابلية للحيض بعدم البلوغ. فالمستفاد من النصوص الواردة أنّ الملاك في الصغيرة هو عدم الحيض أو عدم البلوغ وما في صحيحة عبد الرحمن من إضافة تسع سنين ففي بيان اقلّ الحدّ، والصحيحة هي الموجبة ظاهراً لتفسير الصغيرة في عبارات الأصحاب بما في المتن، وغير خفي أنّه على كون الحدّ في البلوغ تسع سنين فالتفسير في المتن صحيح وأمّا على ما اخترناه في المسألة فغير تمام.
لثالث: طلاق اليائسة، وهذه الثلاث ليست لها عدّة كما يأتي) .
والنصوص على الثالث كالأوّلين دالّة ولا كلام فيه وإنّما الكلام في المراد من

(196)


اليائسة، وفيها أقوال ثلاثة ثالثها وهو المشهور التفصيل بين القرشية بل هي والنبطية وغيرها بالخمسين في الغير والستين في القرشية والملحقة بها، وهو مقتضى الجمع بين الروايات، وأمّا التفصيل بين العبادات فالخمسون والعدّة فالستون فليس بازيد من احتمال جمع في الأخبار وهو جمع بلا شاهد ويكون تبرعيّاً كما سيظهر، ومنشأ الاختلاف هو الروايات فإنّها أيضاً على طوائف ثلاث، فمنها دالّة على الخمسين مطلقاً وهي صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج كما مرّت آنفا (1) وما عنه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «حدّ التي قد يئست من المحيض خمسون سنة» (2) . وما عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن بعض أصحابنا قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) : «المرأة التي قد يئست من المحيض حدّها خمسون سنة» (3) .
ومنها: ما يدلّ على الستين مطلقا وهي ما عن عبد الرحمن بن الحجاج أيضاً قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «ثلاث يتزوّجن على كلّ حال: التي قد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض. قلت: ومتى تكون كذلك ؟ قال: إذا بلغت ستّين سنة فقد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض». الحديث (4) .
وما عنه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: «قلت: التي قد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض؟ قال: إذا بلغت ستّين سنة فقد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض» (5) .
---------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 179، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب2، الحديث4.
[2] ـ وسائل الشيعة 2: 335، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب31، الحديث1.
[3] ـ وسائل الشيعة 2: 335، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب31، الحديث3.
[4] ـ وسائل الشيعة 22: 183، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب3، الحديث5.
[5] ـ وسائل الشيعة 2: 337، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب31، الحديث8.


(197)


ومنها: الدالّة على التفصيل بين القرشية وغيرها وهي مرسلة ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا بلغت المرأة خمسين سنة لم ترحمرة إلاّ أن تكون امرأة من قريش» (1) . ومرسلة الصدوق قال: «روي أنّ المرأة إذا بلغت خمسين سنة لم ترحمرة إلاّ أن تكون امرأة من قريش» (2) . ومرسلته الأُخرى التي تكون مثل الأولى: قال الصادق (عليه السلام) : «المرأة إذا بلغت خمسين سنة لم تر حمرة إلاّ أن تكون امرأة من قريش، وهو حدّ المرأة التي تيأس من المحيض» (3) . وما عن الشيخ في المبسوط: تيأس المرأة إذا بلغت خمسين سنة إلاّ أن تكون امرأة من قريش فإنّه روى، أنّها ترى دم الحيض إلى ستّين سنة (4) . وما عن المفيد في المقنعة، قال: «قد روي أنّ القرشية من النساء والنبطية تريان الدم إلى ستّين سنة» (5) .
فالأخبار المفصّلة خمسة، وهذه الطائفة المفصّلة طريق للجمع بين الطائفتين الأوليين بحمل المطلق من كلّ منهما على المقيد فيها، والإيراد عليه بأنّ المرسلة المعتبرة وهي الأولى لا تصريح فيها بالستين، كما أنّها ليست صريحة في الحيض، وبأنّ البقية لإرسالها غير قابلة للاعتماد ورفع اليد عن المطلقات والشهرة الجابرة غير موجودة فإنّ الأقوال في المسألة ثلاثة وأنّ الخمسين مطلقاً هو المحكي عن السرائر وطلاق الشرائع والمدارك والجمل لابن البرّاج والنهاية وربّما مال إليه النافع والمنتهى كما قيل وأنّ الشيخ (رحمه الله) الّذي هو من أئمة الفقه والحديث له قولان في كتبـه، فمع عدم عمله
------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 2: 335، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب31، الحديث2.
[2] ـ وسائل الشيعة 22: 182، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب3، الحديث4،.
[3] ـ وسائل الشيعة 2: 336، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب31، الحديث7.
[4] ـ وسائل الشيعة 2: 336، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب31، الحديث5، المبسوط 1: 42.
[5] ـ وسائل الشيعة 2: 337، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب31، الحديث9.


(198)



وعدم عمل غيره بها كيف يمكن جبر الضعف في السند، مدفوع بأنّ عدم الصراحة في الستّين غير مضرّ بعد عدم القائل بغيره، مع أنّ الشهرة موافقة بل قرينة عليه، وأمّا عدم الصراحة في الحيض فلاريب في ظهور الرواية بذلك وهو كاف في المطلوب، وأمّا بقية الاخبار فهي وإن كانت مرسلة إلاّ أنّ المرسلة الأُخرى للصدوق التي كانت النسبة فيها جزميّةً اعتبارها وعدم كونها بِادْوَنَ من مراسيل ابن أبي عمير غير خال من الوجه بل القوّة حيث إنّ النسبة كذلك كاشفة عن اعتبار السند عنده وهو بمنزلة مثل توثيق النجاشي والشيخ من علماء الرجال لأنّ الظاهر استناده إلى الحسّ والحدس القريب منه وليس حال الصدوق كحال مثل المفيد الّذي كان أهل الاجتهاد والدراية الخارجة عنهما ممّن لا يكون نظره في السند حجّة. هذا كلّه مع أنّ إطلاق أخبار الستين وقاعدة الإمكان بل واستصحاب القابلية مقتضية للستّين في القرشية والنبطيّة وغيرهما خارج عن الإطلاق والقاعدة بأخبار الخمسين وتلك الأخبار مقيّدة بغيرهما بالإجماع على عدم الستّين في غيرهما وبمرسلتي ابن أبي عمير والصدوق فالنتيجة هي التفصيل أيضاً. نعم خروج النبطية ليس إلاّ بالإجماع ومرسل المفيد، وبالجملة شاهد التفصيل هو الرواية والدراية. هذا بعض الكلام في المسألة وتمامه في كتاب الطهارة.
(الرابع والخامس: طلاق الخلع والمباراة مع عدم رجوع الزوجة فيما بذلت، وإلاّ كانت له الرجعة) .
كون الطلاقين بائنين وأنّ لها الرجوع فيما بذلت إجماعي وعليه النصوص كما يأتي الكلام فيه ولا فرق بينهما في الأحكام وإنّما الفرق بينهما في أنّ الخلع مع كراهة الزوجة والمباراة مع الكراهة من الزوجين.

(199)


(السادس: الطلاق الثالث إذا وقع منه رجوعان إلى الزوجة في البين: بين الأول والثاني وبين الثاني والثالث ولو بعقد جديد بعد خروجها عن العدّة) .
كما يأتي الكلام فيه والأخبار عليه مستفيضة.
(مسألة 1 ـ لو طلّقها ثلاثاً مع تخلل رجعتين حرمت عليه ولو بعقد جديد، ولا تحل له إلاّ بعد أن تنكح زوجاً غيره ثم فارقها بموت أو طلاق وانقضت عدّتها وحينئذ جاز للأوّل نكاحها) .
هذا أيضاً لا اشكال فيه نصّاً وفتوىً وما في هذه المسألة والمسألة الآتية من الحاجة إلى نكاح الغير المعبّر عنه بالمحلّل مختص بالسادس وعليه في الجملة إجماع علماء الإسلام بل هو من ضروريات فقهه، والدليل عليه الكتاب والسنّة وأخبارها مستفيضة إن لم تكن متواترة ; (1) نعم الشيعة متفرّدة بلزوم تخلّل الرجعتين كما ذكره المتن وعليه إجماعهم ونصوصهم وأمّا العامّة فليس ذلك شرطاً عندهم بل يقع الثلاثة مرسلةً فضلاً عن كونها مفصلة مع عدم الرجوع وقد مضى الكلام فيهما.

(مسألة 2 ـ كلّ امرأة حرّة إذا استكمل الطلاق ثلاثاً مع تخلل رجعتين في البين حرمت على المطلّق حتى تنكح زوجاً غيره، سواء واقعها بعد كلّ رجعة وطلّقها في طهر آخر غير طهر المواقعة، وهذا يقال له: طلاق العدّة، أو لم يواقعها، وسواء وقع

--------------------------------------
[1] ـ راجـع وسائل الشيعـة 22: 110، كتاب الطـلاق، أبـواب أقسام الطـلاق وأحكامـه، الباب3 و4.

(200)


كل طلاق في طهر أو وقع الجميع في طهر واحد، فلو طلّقها مع الشرائط ثم راجعها ثم طلّقها ثم راجعها ثم طلّقها في مجلس واحد حرمت عليه فضلا عمّا إذا طلّقها ثم راجعها ثم تركها حتى حاضت وطهرت ثم طلّقها وهكذا) .
ما في هذه المسألة زائداً على ما في السابقة هو عمومية الحكم في الحاجة إلى المحلل لجميع أقسام الطلاق ثلاثاً.
كما عليه ظاهر الأصحاب وصراحة الروايات الخاصّة وإطلاق صحيح ابن مسكان عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في المطلّقة بالتطليقة الثالثة لا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره ويذوق عسيلتها» (1) . بل ومقتضى إطلاقه شمول الحكم لغير الأقسام الثلاثة في المتن من المطلقة بالتطليق الثالث.
(مسألة 3 ـ العقد الجديد بحكم الرجوع في الطلاق، فلو طلّقها ثلاثاً بينها عقدان مستأنفان حرمت عليه حتى تنكح زوجاً غيره سواء لم تكن لها عدة كما إذا طلّقها قبل الدخول، أو كانت ذات عدّة وعقد عليها بعد انقضاء العدّة) .
المسألة والمسألة الخامسة هما ناظرتان إلى اختلاف ابن بكير بل والصدوق في الفقيه (2)
-----------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 114، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب3، الحديث10.
[2] ـ فإنّه «قدس سره» قال بعد أن أورد طلاق السنّة: فجائز له أن يتزوّجها بعد ذلك، وسمّي طلاق السنّة طلاق الهدم لأنّه متى استوفت قروؤها وتزوّجها ثانية هدم الطلاق الأول. (الفقيه 3: 320 / 1556) .

(201)



مع سائر الفقهاء، وهو أنّ عقد النكاح هل هو هادم الطلاق مطلقاً ولو من الزوج كما هو رأى ابن بكير أو الهادم هو خصوص نكاح غيره ؟ وفي الجواهر بعد نقل خلافهما قال: «ولكن قد سبقهما الإجماع ولحقهما، بل يمكن دعوى تواتر النصوص بالخصوص بخلافهما، ومنها ما تقدّم في تفسير السنّي والعدّي فضلاً عن إطلاق الكتاب والسنّة» (1) . وممّا يدل على مختار الأصحاب ما في الصحيح عن ابن اذينة(2) وصحيح أبي بصير (3) وصحيح الحلبي (4) وصحيح عبد الله بن سنان (5) وخبر أبي بصير (6) ولا يخفى أنّ دلالته بالإطلاق لا بالظهور، وغيرها من الأخبار التي جمعها صاحب الحدائق (7) وأمّا على مختارة فيدل عليه ما عنه، عن زرارة بن أعين، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «الطلاق الّذي يحبّه الله والّذي يطلّق الفقيه وهو العدل بين المرأة والرجل أن يطلّقها في استقبال الطهر بشهادة شاهدين وإرادة من القلب، ثم يتركها حتى تمضي ثلاثة قروء فإذا رأت الدم في أوّل قطرة من الثالثة وهو آخر القروء لأنّ الأقراء هي الأطهار، فقد

------------------------------------
[1] ـ جواهر الكلام 32: 129.
[2] ـ وسائل الشيعة 22: 112، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب3، الحديث7.
[3] ـ وسائل الشيعة 22: 104، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب1، الحديث3.
[4] ـ وسائل الشيعة 22: 111، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب3، الحديث4.
[5] ـ وسائل الشيعة 22: 111، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب3، الحديث3.
[6] ـ وسائل الشيعة 22: 114، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب3، الحديث10.
[7] ـ اُنظر الحدائق الناضرة 25: 276 ـ 279.

(202)


بانت منه، وهي أملك بنفسها، فإن شاءت تزوّجته وحلّت له بلا زوج، فإن فعل هذا بها مائة مرّة هدم ما قبله وحلّت له بلا زوج، وإن راجعها قبل أن تملك نفسها ثم طلّقها ثلاث مرّات يراجعها ويطلّقها لم تحلّ له إلاّ بزوج» (1) . وخبر معلّى بن خنيس (2) وخبر رفاعة (3) وخبر ابن المغيرة (4) وفقه الإمام الرضا (عليه السلام) (5) .

وفيه أنّها كلّها معرض عنها وليست بحجة، مضافاً إلى أنّه في غير ما عن زرارة دراية من ابن بكير والدراية في مقابل الرواية حالها معلومة لاسيّما من مثل ابن بكير الفطحي الوارد في مثلهم «خذوا ما رووا ودعوا ما رأوا» وما عن زرارة ففيه ما أورد عليه الشيخ (قدس سره) في التهذيب بقوله: «فهذه الرواية آكد شبهة من جميع ما تقدّم من الروايات لأنّها لا تحتمل شيئاً ممّا قلناه لكونها مصرّحة خالية من وجوه الاحتمال، إلاّ أنّ طريقها عبد الله بن بكير وقد قدّمنا من الأخبار ما تضمّن أنّه قال حين سئل عن هذه المسألة: هذا ممّا رزق الله من الرأي ـ إلى أن قال: ـ «ومن هذه صورته فيجوز أن يكون أسند ذلك إلى رواية زرارة نصرة لمذهبه الّذي كان أفتى به وانّه لمّا أن رأى أنّ أصحابه لا يقبلون ما يقوله برأيه أسنده إلى من رواه عن أبي جعفر (عليه السلام) ، وليس
--------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 116، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب3، الحديث16.
[2] ـ وسائل الشيعة 22: 115، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب3، الحديث13.
[3] ـ وسائل الشيعة 22: 114، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب3، الحديث11.
[4] ـ وسائل الشيعة 22: 114، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب3، الحديث12.
[5] ـ الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا (عليه السلام) : 242.



(203)

عبد الله بن بكير معصوماً لا يجوز هذا عليه، بل وقع منه من العدول عن اعتقاد مذهب الحق إلى اعتقاد مذهب الفطحية ما هو معروف من مذهبه، والغلط في ذلك أعظم من إسناد فتيا الغلط فيمن يعتقد صحته لشبهة إلى بعض أصحاب الأئمة (عليهما السلام) ، وإذا كان الأمر على ما قلناه لم تعترض هذه الرواية أيضاً ما قدّمناه» (1) . واعترضه جملة من أفاضل المتأخرين ومتأخّريهم بأنّ هذا القدح العظيم في ابن بكير ينافي ما صرّح به في فهرسته من توثيقه وما رواه الكشي من الإجماع على تصحيح ما يصحّ عنه، ويوجب عدم جواز العمل بروايته مع أنّهم متفقون على العمل بها، بل ترجيحها بما تقدّم من الإجماع المذكور على غيرها.
وأنت خبير بأنّه لا يخفى على المعترض على الشيخ (قدس سره) مع الالتفات إلى ما قدّمناه من الأخبار المتضمّنة لمحاجة الأصحاب لعبد الله المذكور فيما تفرّد به وذهب إليه، وجوابه تارة بالأخذ برواية رفاعة مع أنّ رواية رفاعة إنّما تضمّنت الهدم بالزوج الثاني، لا بمجرد استيفاء العدّة كما ادّعاه، وجوابه تارة بأنّ هذا ممّا رزقه الله من الرأي، أنّه لو كان لهذه الرواية التي نقلها عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) أصل يومئذ لكانت هي الأولى لاحتجاجه والجام ألسنة المعترضين عليه، وحيث لم يحتجّ بها ولم يذكرها علم أنّها مخترعة بعد ذلك، وأنّه لمّا رأى عدم قبول قوله وما احتجّ به في تلك الأخبار عدل إلى هذه الرواية لما ذكره الشيخ من الشبهة التي عرضت له.
ومنه يعلم الجواب عمّا اعترضوا به الشيخ من أنّ ذلك موجب لعدم جواز العمل برواية عبد الله المذكور، لأنّ الشيخ لم يطعن عليه بأنّه يعتقد المخالفة في الحكم الشرعي، وإنّما اسند إليه عروض الشبهة في ذلك وأنّه بسبب عروض هذه الشبهة وتوهّم أنّها حقّ روى عن زرارة هذه الرواية.
--------------------------------
[1] ـ تهذيب الأحكام 8: 35 ـ 36.


(204)


ولا يخفى أنّ شهرة الحكم بين متقدمي الأصحاب ومتأخريهم مع اعتضادها بما قدّمناه من الأخبار المتكاثرة ظاهرة في أنّ ذلك كان مذهبهم وأنّ القول بخلاف ذلك ضعيف.
(مسألة 4 ـ المطلّقة ثلاثاً إذا نكحت زوجاً آخر وفارقها بموت أو طلاق حلّت للزوج الأول وجاز له العقد عليها بعد انقضاء عدّتها من الثاني فإذا طلّقها ثلاثاً حرمت أيضاً حتى تنكح زوجاً آخر وان كان ذلك الزوج هو الثاني في الثلاثة الأولى. وهكذا تحرم عليه بعد كل طلاق ثالث، وتحلّ بنكاح الغير بعده وان طلّقت مائة مرّة، نعم لو طلّقت تسعاً طلاق العدّة بالتفسير الّذي أشرنا إليه حرمت عليه أبداً، وذلك بأن طلّقها ثم راجعها ثم واقعها ثم طلّقها في طهر آخر ثم راجعها ثم واقعها ثم طلّقها في طهر آخر، فإذا حلّت للمطلّق بنكاح زوج آخر وعقد عليها ثم طلّقها كالثلاثة الأولى ثم حلّت بمحلّل ثم عقد عليها ثم طلّقها ثلاثاً كالأوليين حرمت عليه أبداً، ويعتبر فيه أمران: أحدهما تخلّل رجعتين، فلا يكفي وقوع عقدين مستأنفين ولا رجعة وعقد مستأنف في البين، الثاني وقوع المواقعة بعد كلّ رجعة، فطلاق العدّة مركب من ثلاث طلقات: اثنتان منها رجعية، وواحدة بائنة، فإذا وقعت ثلاثة منه حتى كملت تسع طلقات حرمت عليه أبداً، هذا والأحوط الاجتناب عن المطلّقة تسعاً مطلقاً وان لم تكن الجميع طلاق عدة) .
كلّ طلاق ثالث يحتاج إلى المحلّل من غير فرق بين الرجوع والعقد، ومن غير فرق بين البائن والرّجعي، وكذا من غير فرق بين الدخول وغيره، كما مضى البحث عنه في

(205)


المسألة الثانية. هذا لا كلام فيه، وأمّا الحرمة الأبدية بعد التاسعة فاشترطوا فيه شرطين: احدهما: الرجوع في العدّة في الطلاق الثاني والثالث فيحصل ستة رجوعات فلا تحصل الحرمة الأبدية بالنكاح، وثانيهما: اشتراط الدخول، فالحرمة الأبدية في الطلاق العدّي لا غيره، واصل الحكم مع قطع النظر عن الشرطين إجماعي ولا كلام ولا اشكال فيه وعليه الروايات:
منها: ما عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: سألته «عن الّذي يطلّق ثم يراجع ثم يطلّق ثم يراجع ثم يطلّق، قال: لا تحلُّ له حتّى تنكح زوجاً غيره فيتزوّجها رجل آخر فيطلّقها على السنّة ثم ترجع إلى زوجها الأول فيطلّقها ثلاث مرّات وتنكح زوجاً غيره فيطلّقها ثلاث مرّات على السنّة ثم تنكح فتلك التي لا تحلّ له أبداً، والملاعنة لا تحلّ له أبداً» (1) .
ومنها: صحيحة زرارة وداود بن سرحان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: «والّذي يطلّق الطلاق الّذي لا تحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره ثلاث مرّات وتزوّج ثلاث مرّات لا تحلّ له أبداً» (2) .
ومنها: مكاتبة محمّد بن سنان، عن الإمام الرضا (عليه السلام) فيما كتب إليه في العلل: «وعلة الطلاق ثلاثاً لما فيه من المهلة فيما بين الواحدة إلى الثلاث لرغبة تحدث أو سكون غضبه إن كان ويكون ذلك تخويفاً وتأديباً للنساء وزجراً لهنّ عن معصية أزواجهنّ فاستحقّت المرأة الفرقة والمباينة لدخولها فيما لا ينبغي من معصية زوجها، وعلّة تحريم
-----------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 118، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب4، الحديث2.

[2] ـ وسائل الشيعة 22: 120، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب4، الحديث4.


(206)


المرأة بعد تسع تطليقات فلا تحلّ له أبداً عقوبةً لئلاّ يتلاعب بالطلاق فلا يستضعف المرأة ويكون ناظراً في أموره متيقظاً معتبراً وليكون ذلك مؤيساً لهما عن الاجتماع بعد تسع تطليقات» (1) .
ومنها: خبر جميل بن درّاج عن أبي عبد الله (عليه السلام) وإبراهيم بن عبد الحميد عن أبي عبد الله (عليه السلام) وأبي الحسن (عليه السلام) قال: «إذا طلّق الرجل المرأة فتزوّجت ثم طلّقها فتزوّجها الأول ثم طلّقها فتزوّجت رجلاً ثم طلّقها فإذا طلّقها على هذا ثلاثاً لم تحلّ له أبداً» (2) .
وإنّما الكلام والاشكال في اعتبار كون الطلاق عدّياً بالمعنى المعروف المعتبر فيه الشرطان المذكوران فإنّ روايات الباب شاملة لصورة الدخول وعدمه بل غير خبر أبي بصير من الأربعة المنقولة مطلقة بالنسبة إلى الرجوع أيضاً وشاملة لما فيه الرجوع أو العقد، بل الأخير منها نصّ في تخلّل النكاح الموجب لعدم كون الطلاق عدّياً وإن كان خبر أبي بصير نصّاً في تخلّل الرجوع الموجب لصدقه عكس الأخير، وإطلاق الأخبار وصراحة صحيحة جميل منشأ اشكال صاحب الحدائق فإنّه (قدس سره) قال: «إلاّ أنّ المسألة بقيت في قالب الاشكال لعدم حضور ما يحصل به الجمع بين أخبارها، وإلى ما ذكرنا من هذا الكلام أشرنا فيما قدّمنا في القسم الثالث والرابع بقولنا فيه ما ينبغي التنبيه عليه، فإنّ مقتضى ما ذكره السيّد السند من الأخبار المذكورة التحريم بالتسع مؤبّداً في الطلاق العدّي والسنّي بالمعنى الأخصّ جميعاً، والأصحاب إنّما أثبتوا التحريم
-----------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 121، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب4، الحديث8.
[2] ـ وسائل الشيعة 20: 529، كتاب النكاح، أبواب ما يحرم باستيفاء العدد، الباب11، الحديث2.



(207)


بذلك في العدّي خاصّة وصرّحوا بنفيه في السنّي» (1) . إلاّ أنّه مع ذلك كلّه فاعتبار العدّي في التسع هو الحق الحقيق القابل للتصديق للإجماع، والصحيحة غير معتبرة وذلك لاعراض الأصحاب عنها، وفي الجواهر قال: يتأيّد الإجماع بوجوه من مفهوم القيد المرويّ عن الخصال في تعداد المحرّمات بالسنّة قال (عليه السلام) : «وتزويج الرجل امرأة قد طلّقها للعدّة تسع تطليقات» (2) .
ومن مفهوم الشرط (3) فيما ذكره علي بن إبراهيم في تفسيره، مصرّحاً في آخره بأنّ هذه هي التي لا تحلّ لزوجها الأول أبداً (4) .
ومن خبر معلّى بن خنيس، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل طلّق امرأته ثم لم يراجعها حتى حاضت ثلاث حيض ثم تزوّجها ثم طلّقها فتركها حتّى حاضت ثلاث حيض ثم تزوّجها ثم طلّقها من غير أن يراجع ثم تركها حتّى حاضت ثلاث حيض، قال: له أن يتزوّجها أبداً ما لم يراجع ويمس». الحديث (5) .
ومن الموثق الّذي رواه ابن بكير دليلاً له عن أبي جعفر (عليه السلام) «فإن فعل هذا بها ـ يشير إلى طلاق السنّة ـ مائة مرّة هدم ما قبله وحلت له بلا زوج» (6) ومن الروايات
-----------------------------------
[1] ـ الحدائق الناضرة 25: 271.
[2] ـ وسائل الشيعة 20: 409، كتاب النكاح، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ونحوها، الباب1، الحديث1.
[3] ـ هذا ما ذكره الأستاذ والظاهر هو مفهوم الحصر ولعلّ مراده هو هذا. «المقرر»
[4] ـ تفسير القمي 1: 79، بحار الأنوار 102: 2 / 6.
[5] ـ وسائل الشيعة 22: 115، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب3، الحديث13.
[6] ـ وسائل الشيعة 22: 117، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب3، الحديث16.


(208)


المصرّحة بالفرق في الحكم بين السنّي والعدّي (1) . ولا ثمرة لهذا التقسيم إلاّ في الحرمة الأبدية وإلاّ فهما في بقية الاحكام مشتركان.

اقول: لكن تأييده بالوجوه محلّ اشكال ومناقشة ; أمّا مفهوم القيد والشرط في الروايتين، معارض بصراحة صحيحة جميل، وأمّا خبر معلّى بن خنيس فإنّ الظاهر منه تزوج الزوج لها وعدم حاجته إلى المحلل وهو ممنوع ولم يُعمل به، وتقييده بالمحلّل وأن يجعله موافقاً لما قاله الأصحاب لكن الحمل بعيد جداً لأنّ الحليّة بالمحلّل لم تكن محتاجة إلى السؤال فالسؤال راجع إلى الحلّية بلا محلّل. وأمّا موثقة ابن بكير فعدم تماميّة الاستدلال بها ظاهر ممّا قلناه في رواية معلّى بن خنيس لأنّ الباب باب المنطوق والمفهوم وباب الدلالة والالتزام، ومن المعلوم أنّ عدم الحجية في المطابقة موجب لعدمها في الالتزامية وهكذا الأمر في المنطوق والمفهوم وعدم حجية بعض الرواية وإن كان غير مضرّ ببعضه الآخر لكنّه غير مربوط بالموثقة كما لا يخفى فإنّ الباب باب المنطوق والمفهوم لا باب بعض الجمل دون بعض ولكنّ الإجماع خارج حينئذ عن الاستقلال في الدلالة لكونه مدركيّاً ; فتأمّل، وبالجملة الإجماع إمّا جابر لضعف السند وإمّا يكون بنفسه كاشفاً عن الحجّة.
وأمّا الروايات المفصّلة ففيها أنّها لا تزيد على الأشعار أوّلاً وأنّ التقسيم لعله لبيان بطلان سائر أنواع الطلاق كما يشهد له ما مرّ عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) في تفسيره لطلاق السنّة والعدّة (2) ثانياً: فالعمدة في الحكم هي إجماع الأصحاب وحجّيته في أمثال المورد المخالف للصحيحة أي صحيحة جميل ممّا لا ينبغي الاشكال فيه ; بل لك
------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 103، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب1 و2.
[2] ـ وسائل الشيعة 22: 103، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب1، الحديث1.


(209)

أن تقول بجبران ضعف سندي الخصال وفقه الإمام الرضا (عليه السلام) به فمفهومهما دليل مستقلّ.
(مسألة 5 ـ إنّما يوجب التحريم الطلقات الثلاث إذا لم تنكح في البين زوجاً آخر، وأما ان تزوجت للغير انهدم حكم ما سبق وتكون كأنّها غير مطلقة، ويتوقف التحريم على إيقاع ثلاث طلقات مستأنفة) .
هذا هو المعروف المشهور بين الأصحاب لكن عن الشيخ في الخلاف نسبة الخلاف إلى بعض أصحابنا وأنّ التزويج بالغير كتزويج المطلّق غير هادم، ففي الجواهر: بل لم يعرف القائل بالأولى (عدم الهدم) وإن أرسلـه في محكىّ الخلاف عن بعض أصحابنا، انتهى.
وفي الحدائق قال: «إنّ جملة من المتأخّرين قد تردّدوا في المسألة واستشكلوا فيها من حيث صحّة أخبار القول الثاني وتكاثرها ومن حيث شهرة القول الأول حيث لم يظهر له مخالف منهم، ومنهم العلاّمة في التحرير والسيّد السند في شرح النافع والفاضل الخراساني في الكفاية، ونسبه المحقق في كتابيه إلى أشهر الروايتين، ومثله العلاّمة في القواعد والإرشاد إيذاناً بالتوقف فيه» (1) .
ولا يخفى عليك: أنّ ما في الخلاف هو النسبة إلى روايات الأصحاب دون الفتاوى ففيه: «الظاهر من روايات أصحابنا والأكثرين أنّ الزوج الثاني إذا دخل بها يهدم ما دون الثلاث من الطلقة والطلقتين، وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف، وفي الصحابة ابن عمر وابن عباس، وقد روى أصحابنا في بعض الروايات أنّه لا يهدم إلاّ الثلاث فإذا كان دون ذلك فلا يهدم، فمتى تزوّجها الزوج الأول كانت معه على ما بقى من الطلاق
-------------------------------------
[1] ـ الحدائق الناضرة 25: 336.

(210)


وبه قال في الصحابة على ما حكوه، الإمام علىّ عليه الصلاة والسلام وعمر وابو هريرة، وفي الفقهاء مالك والشافعي والاوزاعي وابن أبي ليلى ومحمد وزفر، قال الشافعي: رجع محمّد بن الحسن في هذه المسألة إلى قولنا.
دليلنا على القول الأول قوله جلّ من قائل: (الطلاق مرّتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) فأخبر أنّ من طلّق طلقتين كان له امساكها بعد هاتين الطلقتين إلاّ ما قام عليه الدليل والمعتمد في ذلك الاخبار التي ذكرناها في الكتاب الكبير من طرق أصحابنا صريحة بذلك، فمن أرادها وقف عليها من هناك. ونصرة الرواية الأُخرى قوله (الطلاق مرّتان) إلى قوله (فإن طلّقها فلا تحلّ له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره) فأخبر أنّ من طلّق طلقة بعد طلقتين فلا تحلّ له إلاّ بعد زوج ولم يفرق بين أن تكون هذه الثالثة بعد طلقتين وزوج أو بعد طلقتين بلا زوج، فمن قال: إذا طلّقها واحدة حلّت له قبل زوج غيره فقد ترك الآية» (1) .
فنقل الخلاف في الخلاف غير ظاهر كما قلناه إلاّ أن يقال إنّ فتاوى المحدّثين من الأصحاب تعلم من أحاديثهم لكنّه غير تمام في العبارة أيضاً حيث أنّه على ذلك فالقائل معروف وهو الناقل للحديث، فالجمع بين هذا وبين عدم عرفان القائل كما ترى، وكيف كان فصاحب الحدائق ممّن اختار الخلاف ونسبه إلى الظاهر من الأخبار (2) .
هذا ومنشأ التردّد هو تعارض الروايات فإنّها على طائفتين صالحتين للمعارضة لكن ترجيح روايات الهدم متعيّن للموافقة مع الشهرة. لا يقال: في معارضها موافقة لإطلاق الكتاب، لأنّه يقال: إنّ الشهرة من مميّزات الحجّة لا من المرجّحات، وبعبارة
-----------------------------------
[1] ـ الخلاف 4: 488، مسألة 59.
[2] ـ الحدائق الناضرة 25: 333.


(211)


أُخرى عدم المخالفة للشهرة من شرائط الحجّية فمع المخالفة لاتصل النوبة إلى الترجيح أصلاً. كيف مع أنّ الروايات الدالة على عدم الهدم كانت أكثر عدداً وأقوى دلالة وسنداً وكانت بمرأى ومنظر منهم ومع هذا كانت معرضاً عنها. ولمّا أنّ صاحب الحدائق مع هذه الشهرة والاعراض جعل قول الخلاف هو الظاهر من الأخبار واختاره وذكر وجوهاً لترجيح أخبار عدم الهدم بل قال في آخر البحث: «وكيف كان فقد ظهر لك ممّا حقّقناه في المقام ما لم يسبق إليه سابق من علمائنا الاعلام قوّة القول باخبار عدم الهدم وانّه هو الّذي لا يحوم حومه نقض ولاابرام» (1) فينبغي البحث في المسألة تفصيلاً حتى يظهر لك أنّه لم يأت بتحقيق وتدقيق بل لم يأت بوجه صحيح بل في الجواهر: «فمن الغريب غرور المحدّث البحراني بها واطنابه في المقام بما لا طائل تحته» فنقول: إنّ الاخبار على طائفتين:
أمّا الطائفة الأولى فهي ستّة:
أولاها: ما عن رفاعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته «عن رجل طلّق امرأته حتى بانت منه وانقضت عدّتها ثم تزوجت زوجاً آخر فطلّقها أيضاً ثم تزوجت زوجها الأول، أيهدم ذلك الطلاق الأول ؟ قال: نعم» (2) .
ثانيتها: ما رواه أصحابنا عنه أيضاً أنّ الزوج يهدم الطلاق الأول، فإن تزوّجها فهي عنده مستقبلة. قال أبو عبد الله (عليه السلام) : «يهدم الثلاث ولا يهدم الواحدة والثنتين» (3) .
-----------------------------------
[1] ـ الحدائق الناضرة 25: 341.
[2] ـ وسائل الشيعة 22: 125، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب6، الحديث1.
[3] ـ وسائل الشيعة 22: 125، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب6، الحديث2.


(212)


ثالثتها: ما عن عبد الله بن عقيل بن أبي طالب، قال: «اختلف رجلان في قضية الإمام علي (عليه السلام) وعمر في امرأة طلّقها زوجها تطليقة أو اثنتين فتزوّجها آخر فطلّقها أو مات عنها، فلمّا انقضت عدّتها تزوّجها الأول، فقال عمر: هي على ما بقي من الطلاق، وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : سبحان الله ! يهدم الثلاث ولا يهدم واحدة ؟ !» (1) .
رابعتها: ما عن رفاعة أيضاً قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : «رجلٌ طلّق امرأته تطليقة واحدة فتبين منه ثم يتزوّجها آخر فيطلّقها على السنّة، فتبين منه ثم يتزوّجها الأول، على كم هي عنده ؟ قال: على غير شيء، ثم قال: يا رفاعة ! كيف إذا طلّقها ثلاثاً ثم تزوّجها ثانية استقبل الطلاق فإذا طلّقها واحدة كانت على اثنتين» (2) .
خامستها: ما عن رفاعة أيضاً، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «فيمن طلّق امرأته تطليقة ثم نكحت بعده رجلا غيره ثم طلّقها فنكحت زوجها الأول، قال: هي عنده على ثلاث» (3) .
وسادستها: عنه أيضاً، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته «عن المطلقة تبين ثم تزوّج زوجاً غيره قال: انهدم الطلاق» (4) .
---------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 125، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب6، الحديث3.
[2] ـ وسائل الشيعة 22: 126، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب6، الحديث4.
[3] ـ وسائل الشيعة 22: 128، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب6، الحديث12.
[4] ـ وسائل الشيعة 22: 128، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب6، الحديث13.

(213)


ولا يخفى: أنّ الراوي في كلها هو رفاعة إلاّ ما عن ابن عقيل وهو رواية تاريخ.
وأمّا الثانية: ففي الجواهر «أنهاها في الحدائق إلى سبعة» منها صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) «عن رجل طلّق امرأته تطليقة واحدة ثم تركها حتّى مضت عدّتها فتزوّجت زوجاً غيره ثم مات الرجل أو طلّقها فراجعها زوجها الأول، قال: هي عنده على تطليقتين باقيتين» (1) .
ومنها: مضمر عبد الله بن محمّد قال: قلت له: «روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يطلّق امرأته على الكتاب والسنّة فتبين منه بواحدة وتتزوّج زوجاً غيره فيموت عنها أو يطلّقها فترجع إلى زوجها الأول أنّها تكون عنده على تطليقتين، وواحدة قد مضت، فكتب (عليه السلام) : صدقوا» (2) .
ومنها: صحيح علي بن مهزيار قال: كتب عبد الله بن محمّد إلى أبي الحسن (عليه السلام) وذكر مثله وزاد:
«وروى بعضهم أنّها تكون عنده على ثلاث مستقبلات وأنّ تلك التي طلّقت ليست بشيء لأنّها قد تزوّجت زوجاً غيره، فوقّع (عليه السلام) بخطّه: لا» (3) .
ومنها: صحيح منصور، عن أبي عبد الله (عليه السلام) : «في امرأة طلّقها زوجها واحدة أو اثنتين ثم تركها حتى تمضي عدّتها فتزوّجها غيره فيموت أو يطلّقها فتزوّجها الأول،
------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 126، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب6، الحديث6.
[2] ـ وسائل الشيعة 22: 127، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب6، الحديث7.
[3] ـ وسائل الشيعة 22: 127، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب6، الحديث8.


(214)


قال: هي عنده ما بقى من الطلاق» (1) . ومثله صحيح محمّد الحلبي عن أبى عبد الله (عليه السلام) .
ومنها: موثق موسى بن بكر عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «إنّ عليّاً (عليه السلام) كان يقول في الرجل يطلّق امرأته تطليقة «واحدة خ» ثمّ يتزوّجها بعد زوج: أنّها عنده على ما بقي من طلاقها» (2) .
ومنها: خبر محمّد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته «عن رجل طلّق امرأته تطليقة ثم نكحت بعده رجلا غيره ثم طلّقها فنكحت زوجها الأول، قال: هي عنده على تطليقة» (3) .
ومنها: صحيح جميل بن درّاج عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا طلّق الرجل المرأة فتزوّجت ثم طلّقها فتزوّجها الأول ثم طلّقها فتزوّجت رجلاً ثم طلّقها فإذا طلّقها على هذا ثلاثاً لم تحلّ له أبداً». ونحوه خبر إبراهيم بن عبد الحميد عن الإمام الكاظم (عليه السلام) إلاّ أنّه يمكن إرادة التسع منهما بقرينة «أبداً» أي كرّرت الثلاث ثلاثاً. وكيف كان فالتعارض ظاهر وما في كشف اللثام من عدم التعارض لاحتمال أن يراد بما في بعضها من كونها عنده على تطليقتين وواحدة قد مضت، أنّها تكون زوجة ويجوز له الرجوع إليها بعد تطليقتين ففيه مع أنّه مخالف للظاهر جدّاً ممتنع في جلّ تلك الاخبار الظاهرة بل في كلّها كما لا يخفى.
----------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 127، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب6، الحديث9.
[2] ـ وسائل الشيعة 22: 127، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب6، الحديث10.
[3] ـ وسائل الشيعة 22: 128، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب6، الحديث11.


(215)


وفي الحدائق قد أجاب عمّا نقله من أدلّة هذا القول بوجوه، منها: أنّ الزوج الثاني لم يدخل بها، أو كان تزوّج متعة، أو لم يكن بالغاً، فإنّ في جميع هذه المواضع لا يحصل التحليل كما تقدّم ذكره، أو الحمل على التقيّة محتجّاً بأنّه مذهب عمر كما دلّت عليه رواية عبد الله بن عقيل، ولا يخفى بُعد الجميع (1) . وعدم الشهادة للمحامل الثلاثة وكونها تبرعيّة واضح، وأمّا مسألة الحمل على التقية فيأتي الكلام فيه، ولا يخفى عليك أنّ الترجيح الّذي لابدّ منه هو الترجيح بالشهرة كما صرّح به غير واحد من أهل التحقيق وهو القابل للتصديق والقبول كما مرّ بيانه، وبذلك يرتفع التعارض ; لكنّه مع ذلك كلّه أنكر صاحب الحدائق التعارض أوّلاً وجعل الترجيح للثانية من جهات خمس من جهة صفات الراوي كالاعدلية والافقهية والاورعية ومن جهة الشهرة وموافقة الكتاب والاحتياط ومن جهة الأخذ بالأخير ; ثم أورد على الترجيح بالتقية إيرادات ثلاثة واليك نصّ كلامه (قدس سره) :
«قال السيّد السند في شرح النافع بعد ذكر محامل الشيخ: ولا يخفى بعد هذه المحامل، والمسألة محلّ تردد، والقول بعدم الهدم لا يخلو من قوة، إلاّ أنّ المشهور خلافه، ومن ثمّ اقتصر المصنّف على جعل رواية الهدم أشهر مؤذناً بتوقّفه فيه وهو في محلّه، انتهى.
وقال جـده في المسالك بعـد ذكر جملة من أدلة هذا القول: ولا يخفى عليك قوة دليل هذا الجانب لضعف مقابله، إلاّ أنّ عمل الأصحاب عليه، فلا سبيل إلى الخروج عنـه ـ ثمّ نقل محامـل الشيخ الثلاثة الأول، وقال عقيبها: ـ وما أشبه هذا الحمل بأصل الحجّة.

أقول: لا يخفى عليك ما في التمسّك بعمل الأصحاب في مقابلة هذه الأخبار
------------------------------------------
[1] ـ الحدائق الناضرة 25: 336.


(216)


الصحاح الصراح المستفيضة من المجازفة، فإنّه لا ريب أنّ المأخوذ على الفقيه في الفتوى بالأحكام الشرعيّة إنّما هو الأخذ بما أنزل الله سبحانه ممّا ورد في الكتاب العزيز والسنّة المطهّرة، ولاسيّما الخبر المستفيض من الخاصّة والعامّة عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) «إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، لن يفترقا حتّى يردا علىّ الحوض، لن تضلّوا ما إن تمسّكتم بهما» (1) لا ما ذَكره غيره من العلماء وإن ادعوا الإجماع عليه.
وبذلك اعترف هو نفسه ـ رحمة الله عليه ـ في مسألة ما لو أوصى له بأبيه فقبل الوصيّة من كتاب الوصايا، وقد قدمنا كلامه في كتاب الوصايا إلاّ أنّه لا بأس بنقل ملخّصه هنا.
قال ـ رحمة الله عليه ـ: ولا يقدح دعواه الإجماع في فتوى العلاّمة بخلافه، لأنّ الحقّ أنّ إجماع أصحابنا إنّما يكون حجّة مع تحقّق دخول قول المعصومين (عليه السلام) في جملة قولهم ـ إلى أن قال: ـ وبهذا يظهر جواز مخالفة الفقيه المتأخّر لغيره من المتقدمين في كثير من المسائل التي ادّعوا فيها الإجماع إذا قام عنده الدليل على ما يقتضى خلافهم وقد اتّقق ذلك لهم كثيراً، لكن زلّة المتقدم متسامحة عند الناس دون المتأخّرين، انتهى.
فانظر إلى ما بينه وبين هذا الكلام المنحلّ الزمام من الغفلة ممّا حقّقه في ذلك المقام، الذي هو الحقيق بالأخذ به والالتزام، ثمّ إنّا لو تنزّلنا عن القول بمقتضى قواعدهم من أنّه لا يجمع بين الأخبار إلاّ بعد تحقّق المعارض بينها، وقلنا بثبوت التعارض بين روايات القول الآخر وموثّقة رفاعة، فالواجب الرجوع إلى طرق الترجيح الواردة في
----------------------------------------------
[1] ـ راجـع الكافي 1: 294 / 3، وسائل الشيعة 27: 33، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضـي، الباب5، الحـديث 9، والباب 13، الحديث 77، مسند الإمام أحمد بـن حنبل 3: 14 و17.

(217)


مقبولة عمر بن حنظلة (1) ورواية زرارة ونحوهما، ومن الطرق المذكورة الترجيح بالأعدل والافقه والأورع.
ومنها: الترجيح بالشهرة، ولا ريب في حصول الترجيح بهاتين الطريقتين لروايات القول الآخر (2) دون رواية رفاعة، فإنّ روايات عدم الهدم قد رواها كثير من فقهاء أصحابهم (عليهم السلام) كزرارة وعلي بن مهزيار ومنصور بن حازم وجميل بن درّاج وعبد الله بن علي بن أبي شعبة وأخيه محمّد، فتكون روايات عدم الهدم بذلك أشهر رواية وأعدل وأفقه وأورع رواة، والمراد بالشهرة التي هي إحدى طرق الترجيح إنّما هي الشهرة في الرواية، لا العمل كما حقّق في محلّه، وكذا المجمع عليه، وهو حاصل لروايات عدم الهدم خاصّة.
وبالجملة فالترجيح بهاتين الطريقتين ممّا لا إشكال في اختصاصه بالروايات المذكورة.
ومنها: الترجيح بموافقة الكتاب، وهو أيضاً مخصوص برواية عدم الهدم بالتقريب الذي قدمناه، وقد استفاضت الأخبار بالردّ إلى الكتاب (3) ، وأنّ ما خالف كتاب الله زخرف.
ومنها: الترجيح بالاحتياط كما تضمّنته مرفوعة زرارة (4) وهو أيضاً مخصوص بالرواية المذكورة.
-----------------------------------------
[1] ـ الكافي 1: 67 / 10، وسائل الشيعة 27: 106، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب9، الحديث1.
[2] ـ ومقتضاها هو طرح رواية رفاعة بالكلية لعدم نهوضها بالمعارضة سنداً وعدداً، إلاّ أنّا لو تنزلنا عن ذلك وقلنا بمعارضتها فلنا أن نقول أيضاً ما عرفت في الأصل. (منه دام ظله)
[3] ـ الكافي 1: 69، وسائل الشيعة 27: 106، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب9.
[4] ـ مستدرك الوسائل 17: 303، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب9، الحديث2.

(218)

ومنها: أيضاً الأخذ بقول الأخير من الإمامين (عليهما السلام) (1) . وهذه القاعدة ذكرها الصدوق في كتابه، وهو أيضاً حاصل الروايات المذكورة.
وبيانه: أنّ صحيح علي بن مهزيار قد اشتمل على عرض القولين المذكورين على أبي الحسن الهادي (عليه السلام) فصدّق روايات القول الآخر، وبقي روايات القول المشهور.
أمّا الترجيح بالتقيّة، فهو أقوى ما يمكن أن يتمسّك به لترجيح خبر رفاعة.
وفيه أولاً: أنّه مبنىّ على ثبوت ذلك، وهو غير معلوم، فإنّ المستند بكونه حكم عمر إنّما هو رواية عبد الله بن عقيل، وهي غير مستندة إلى الإمام (عليه السلام) بل المخبر بذلك إنّما هو عبد الله المذكور، وقوله ليس بحجة شرعيّة، سيّما مع معارضة خبر زرارة الدالّة على أنّ عليّاً (عليه السلام) كان يقول إنّها على ما بقي من الطلاق، وهي صريحة في أنّ مذهب الإمام علي (عليه السلام) هو القول بعدم الهدم، والراوي عنه ابنه ألامام الباقر (عليه السلام) ، ولا تعارضه رواية عبد الله بن عقيل عنه (عليه السلام) خلافه.
-----------------------------------------

[1] ـ ومن أخبار هذه القاعدة ما رواه الحسين بن المختار عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام «قال: أرأيتك لو حدثتك بحديث العام، ثم جئتني من قابل فحدثتك بخلافه، بأيهما كنت تأخذ ؟ قال: قلت كنت آخذ بالأخير، فقال لي: رحمك الله». (الكافي 1: 67 / 8، وفيه اختلاف يسير) .
و عن المعلى بن خنيس، قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام: «إذا جاء حديث عن أولكم وحديث عن آخركم بأيهما آخذ ؟ فقال: خذوا به حتى يبلغكم عن الحي فخذوا بقوله !. قال: ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: أنا والله لا ندخلكم إلا فيما يسعكم». (الكافي 1: 67 / 9 وفيه اختلاف يسير) .
والصدوق ـ رحمة الله عليه ـ أشار إلى هذه القاعدة في باب الرجل يوصي لرجلين حيث نقل فيه خبرين توهم أنهما مختلفان فقال: ولو صح الخبران جميعاً لكان الواجب الأخذ بقول الأخير كما أمر به الصادق عليه السلام. (الفقيه 4: 151) . منه «دام ظله».

(219)


وثانياً: أنّ العامّة مختلفون في المسألة أيضاً على ما نقله الشيخ في الخلاف (1) ، والقول بالهدم منقول عن أبي حنيفة وأبي يوسف وابن عمر، وليس حمل أخبار عدم الهدم على التقيّة كما ذكره الشيخ بأولى من حمل رواية رفاعة الشاذة النادرة عليه، سيّما مع ما علم من كتب السير والتواريخ من شيوع مذهب أبي حنيفة في زمانه و قوته، وهو في عصر الإمام الصادق (عليه السلام) المروىّ عنه القول بالهدم، وحينئذ فلا يبعد حمل رواية رفاعة الدالّة على الهدم على التقيّة.
ويؤيّده أنّ المنقول في كتاب السير والاخبار أنّ شهرة هذه المذاهب الأربعة إنّما كان قريباً من سنة خمس وستّين وستمائة، واستمرّ الأمر إلى هذا الزمان وأمّا في الأعصار السابقة فإنّ المعتمد في كل زمان على من اعتنت به خلفاء الجور وقدموه للقضاء والفتيا وإليه يرجع الحكم في جميع البلدان، وكان المعتمد في زمن أبي حنيفة على فتاويه، وفي زمن هارون الرشيد وهو في عصر مولانا الإمام الكاظم (عليه السلام) على فتاوي أبي يوسف تلميذ أبي حنيفة، قالوا: قد استقضاه الرشيد واعتنى به حتّى لم يقلّد في بلاد العراق والشام ومصر إلاّ من أشار إليه أبو يوسف، وفي زمن المأمون كان الاعتماد على يحيى بن أكثم القاضي، وفي زمن المعتصم على أحمد ابن أبي داود القاضي، وإذا كان الأمر كذلك فيجوز أن يكون المشهور في عصر مولانا الإمام الصادق (عليه السلام) الذي عليه عمل العامّة، وإليه ميل قضاتهم وحكّامهم هو القول بالهدم بل هو الواقع، لأنّ اعتماد العامة في وقت الإمام الصادق (عليه السلام) كان على أبي حنيفة القائل بالهدم، فالتقية منه لشيوع مذهبه في تلك الأيّام، وإن كان نادراً في وقت آخر، وهذا بحمد الله ظاهر لاسترة عليه.
وثالثاً: أنّه من الممكن عدم الترجيح هنا بهذه القاعدة ـ أعني التقيّة وعدمها ـ فإنّ طرق الترجيح التي اشتملت عليها مقبولة عمر بن حنظلة مترتّبة، فأولها الترجيح
----------------------------------------------
[1] ـ الخلاف 4: 488، مسألة 59.

(220)


بالأعدل والأفقه والأورع، ثمّ بعدها الترجيح بالأشهر والمجمع عليه، ثمّ الترجيح بمخالفة العامّة، فالترجيح بمخالفة العامّة إنّما وقع في المرتبة الثالثة وهو لا يصار إليه إلاّ مع تعذر الترجيح بما قبله من المراتب.
و قد عرفت أنّ الترجيح بالمرتبتين الأولتين حاصل لروايات عدم الهدم، وحينئذ فلا يصار إلى الترجيح بالتقيّة. فإن قلت: إنّ جملة من الأخبار قد دلّت على الترجيح بمخالفة العامّة مطلقاً، قلنا: يجب تقييد ما أطلق بما دلّت عليه هذه الأخبار الناصّة على الترتيب بين هذه المراتب.
وكيف كان فقد ظهر لك ممّا حقّقناه في المقام بما لم يسبق إليه سابق من علمائنا الأعلام قوة القول بأخبار عدم الهدم، وأنّه هو الذي لا يحوم حوله نقض ولا إبرام» (1) انتهى كلام صاحب الحدائق (قدس سره) .
أقول: لا يخفى أنّ تمام ما في كلامه مورد للمناقشة والاشكال وإن أتعب نفسه بل ولم يراع ما ينبغي رعايته بالنسبة إلى الأعاظم من العلماء الذين هم أئمة الحديث والفقه، أمّا ما أورده على المسالك ففيه أوّلاً: أنّ أصحابنا كلهم يعتقدون بالكتاب والسنة ويستدلون بهما لا بغيرهما فذكره ذلك توضيح للواضح، كيف وحتّى أنّ حجّيّة العقل أيضاً لهما والإجماع للسنّة كما لا يخفى.
وثانياً: أنّ حديث الثقلين متواتر لا مستفيض.
وثالثاً: أنّ الفرق بين ما نحن فيه وباب الوصيّة موجود فإنّه قال في وصية المسالك ما هذا لفظه: «والأقوى ما اختاره المصنف ولا يقدح دعواه الإجماع في فتوى العلاّمة بخلافه، لأنّ الحقّ أنّ إجماع أصحابنا إنّما يكون حجّةً مع تحقق دخول المعصوم في جملة قولهم فإنّ حجيته إنّما هي باعتبار قوله عندهم، ودخول قوله في قولهم في مثل
------------------------------------------
[1] ـ الحدائق الناضرة 25: 336 ـ 341.

(221)


هذه المسألة النظرية غير معلوم» (1) حيث إنّ تلك المسألة نظرية ومصبّ الاجتهاد والدراية، فالإجماع فيه غير حجّة فإنّه حجة فيما ليس للعقل إليه سبيل ولا للنقل فيه دليل، فمناقشته في ذلك الإجماع في محلّه، وأمّا المسألة المبحوث عنها فالشهرة والإجماع كاسرتان للروايات المخالفة وموجبان للاعراض عنها وللسقوط عن الحجيّة، فالروايات المقابلة أي الدالّة على الهدم حجّة، بلا معارض، ولك أن تقول: إنّ في مسألة الوصية مناقشته كانت في الإجماع المستدلّ به وفي المقام الدليل هو الاخبار والمناقشة في المعارضة لها باعتبار الاعراض ; فتأملّ جيّداً حتى تكون على بصيرة في دقّة مثل الشهيد (قدس سره) .
وأمّا المرجّحات المذكورة في كلامه ففيه أنّ الترجيح من جهة الصفات مربوط بباب الحكومة لا الرواية، وأمّا الترجيح بالشهرة فالمرجّح هو العمليّة منها لا الروائية كما حقق في محلّه، وأمّا موافقته الكتاب فلا محلّ لها بعد الشهرة والاعراض كما لا يخفى، فإنّ الترجيح فرع الحجّية واعراض الأصحاب عن الموافق مسقط لحجّيته فأين محلّ التعارض والترجيح ؟ واعلم أنّ الشهرة من المميزات لا المرجحّات فهي قبل الوفاق للكتاب.
وأمّا موافقته الاحتياط ففيه: أنّه لا اعتبار به أصلاً لأنّ رتبة الأُصول بعد الامارات، وأمّا التأخر فليس بمرجح هنا أصلاً فإنّ الترجيح به تختصّ بمورد صدور الروايتين على القطع دون ما نحن فيه ممّا لا يكون التعارض بين القطعيّين، بل لك أن تقول: إنّ مع العلم بالصدور فإنّ التعبير بالترجيح مسامحة، وصحيحة علي بن مهزيار وإن كانت مشتملة على نقل الحديثين وجواب الهادي (عليه السلام) بصدق الدالّ على عدم الهدم فلا بدّ من الأخذ بقوله (عليه السلام) المتأخر عن الإمام الصادق (عليه السلام) ومن سبقه من الأئمة (عليهم السلام)
----------------------------------------------
[1] ـ مسالك الإفهام 6: 299.

(222)

لكنّها حجة ظنيّة فهي كغيرها من الاخبار المعارضة.
هذا كلّه فيما ذكره من الترجيح بالمرجّحات الخمسة من صفات الراوي وموافقة الشهرة والكتاب والاحتياط والأخذ بالأخير.
وأمّا ما ذكره اشكالاً للترجيح بالتقية من الوجوه الثلاثة المبيّنة بقوله «أوّلاً» و«ثانياً» و«ثالثاً» ففيه أوّلاً: أنّ الترجيح بالتقية ليس في نصوص الترجيح منه اثر ولا خبر وليس فيها أزيد من الترجيح بمخالفة العامّة، ولم يعلم بعد أنّ الوجه فيه التقية أو غيرها ؟ ففي مقبولة ابن حنظلة تعليل الأخذ بالمخالف بقوله «فإنّ الرشد في خلافهم» والاحتمالات فيه كما ذكره الشيخ الأعظم في خاتمة الرسائل وجوه احدها التقية، ولا يخفى أنّ المخالفة اعم من الخوف والتقيّة.
وثانياً ما نقله من التاريخ والسيرة تأييداً لقوله ففيه أنّ التأييد مفيد على فرض ثبوت الترجيح بالتقيّة وهذا حال الكلام فكيف حال المؤيد بعد الكلام في الأصل والمؤيَّد !
وثالثاً أنّ ما ذكره من عدم الترجيح بالتقية لتأخر الرتبة ففيه أنّ العدم ليس لما ذكره بل لسقوط الموافق للعامّة والتقية عن الحجّية من رأس بالاعراض فأين التعارض والتقدم والتأخر في الترجيح ؟
ورابعاً ما ذكره من طرق الترجيح في المقبولة وأنّها مترتبة فأوّلها صفات الراوي وثانيها الأشهر والمجمع عليه وثالثها الترجيح، بمخالفة العامّة فهي في المرتبة الثالثة والترجيح بالمرتبتين المتقدمتين ثابت فلا تصل النوبة إلى المخالفة، ففيه أنّه ليس في المقبولة إلاّ الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامّة دون غيرهما ; هذا مع أنّها ليس فيه الدلالة على الترتيب. وقد ظهر ممّا ذكرناه أنّ المشهور هو المنصور وكيف يجترء الفقيه بالمخالفة لائمة الحديث والفقه مع وجود الرواية والدليل، ومخالفة الحدائق ناشئة

(223)


من عدم معرفة العلماء العظماء حق المعرفة ونسأل الله التوفيق في المعرفة له جلّ وعلا ولعلماء دينه زائداً على الحال وأن يجعل مستقبلنا خيراً من ماضينا.
(مسألة 6 ـ قد مرّ ان المطلّقة ثلاثاً تحرم حتى تنكح زوجاً غيره، وتعتبر في زوال التحريم به أُمور ثلاثة: الأول أن يكون الزوج المحلل بالغاً، فلا اعتبار بنكاح غير البالغ وان كان مراهقاً) .
فإنّ على عدم كفاية غير المراهق من الصبيان الذين لا يلتذّون بالنكاح ولا يلتذّ بهم إجماع المسلمين فضلاً عن المؤمنين وهو الحجّة مضافاً إلى ما ستعرف في المراهق.
أمّا المراهق للبلوغ وهو من قارب الحلم فالمشهور أيضاً عدم الكفاية، والمحكي عن ابن الجنيد والشيخ في احد قوليه الكفاية كما هو مذهب العامّة أيضاً، والمشهور هو المنصور، وذلك مضافاً إلى الأصل، وإلى ما يقال من انصراف الكتاب والسنة إلى كون المحلّل زوجاً مستقلاًّ بالعقد ومن أنّ الظاهر من نسبة الفعل الواقعة في السنّة الاستقلال لاسيّما مع قوله تعالى: (فإن طلّقها) الظاهر في البالغ حيث إنّ طلاق الصبي لا نفوذ له لا أصالة ولا ولاية، خبر علي بن الفضل الواسطي، قال: كتبت إلى الإمام الرضا (عليه السلام) : «رجل طلق امرأته الطلاق الذي لا تحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره فتزوّجها غلام لم يحتلم، قال: لا، حتى يبلغ، فكتبت إليه: ما حدّ البلوغ ؟ فقال: ما أوجب الله على المؤمنين الحدود» (1) .
وضعفه بعلي بن الفضل منجبر بعمل الأصحاب. هذا ولا يخفى أنّ الاستدلال بظاهر الكتاب ليس بتمام لأنّ ظهور الفعل في الاستقلال ممنوع لاسيّما في مثل هذه الأفعال التي
----------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 130، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب8، الحديث1.

(224)


ليست مشروطة بالمباشرة، والاستشهاد بالتطليق المذكور في قوله تعالى (فان طلّقها) اخص من المدّعى فمن الممكن وقوع الزواج قبل البلوغ والطلاق حينه فالآية غير دالّة إلاّ على بلوغ المحلّل حين الطلاق لا المحلّل مطلقاً إلاّ أن يقال، بل يقال: إنّ المحلّل محلّل حين الطلاق فالدليل مساوق. إلاّ أن يقال، إنّ المورد مورد صحة طلاق المحلل.
واستُدلّ للآخر بإطلاق الكتاب والسنّة، وبضعف الخبر، وبذوق الزوج المراهق العسيلة الذي هو الشرط في صحة الطلاق.
اقول: أمّا الاطلاق ففيه ما مرّ من الانصراف وتقييده بالخبر المنجبر، والعسيلة لها تفسيران ; المنيّ واللّذة، أمّا عدم تحقّقها على الأول فواضح وأمّا على الثاني فلانّ الظاهر منها اللّذّة الكاملة المتعارفة وهي غير حاصلة فيه أيضاً. فالمشهور هو المنصور وعمدة الدليل عليه خبر علي بن الفضل الواسطي كما مرّ آنفاً.
(الثاني: أن يطأها قبلا وطأً موجباً للغسل بغيبوبة الحشفة أو مقدارها من مقطوعها، بل كفاية المسمى في مقطوعها لا يخلو من قوّة والاحتياط لا ينبغى تركه وهل يعتبر الإنزال ؟ فيه اشكال والاحوط اعتباره) .

الكلام في هذا الشرط يقع تارة في أصله وأخرى في خصوصياته الثلاث من القبل وإيجاب الغسل والإنزال ; أمّا أصل شرطية الدخول فعليه إجماع المسلمين عدا سعيد بن المسيّب حيث اكتفى بمجرّد العقد عملاً بظاهر الآية لأنّ النكاح حقيقة في العقد، وفيه مضافاً إلى أنّ النكاح في الآية الوطىء كما قيل، إنّ إطلاقه مقيّد بالإجماع والروايات من الطرفين الدالّة على اعتبار ذوق العسيلة، وكيف كان فالدليل على

(225)


الشرطيّة مضافاً إلى الكتاب بناءً على أنّ المراد منها هنا الوطىء، وإلى إجماع المسلمين، الاخبار الصريحة وهي خبر أبي حاتم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته «عن الرجل يطلّق امرأته الطلاق الذّي لا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره ثم تزوّج رجلاً لا يدخل بها، قال: لا حتى يذوق عسيلتها» (1) .
ومنها موثق زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) «في الرجل يطلّق امرأته تطليقة ثم يراجعها بعد انقضاء عدّتها فإذا طلّقها الثالثة قال: لم تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره فإذا تزوّجها غيره ولم يدخل بها وطلّقها أو مات عنها لم تحلّ لزوجها الأول حتى يذوق الآخر عسيلتها» (2) .
وصحيح محمّد بن قيس، قال سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «من طلّق امرأته ثلاثاً ولم يراجع حتى تبين فلا تحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره فإذا تزوّجت زوجاً ودخل بها حلّت لزوجها الأول» (3) .
وموثق سماعة، قال: سألته «عن رجل طلّق امرأته فتزوّجها رجل آخر ولم يصل إليها حتّى طلّقها تحلّ للأوّل ؟ قال: لا، حتّى يذوق عسيلتها» (4) .
وخبر العسيلة أيضاً مروىّ عندهم كما هو مروي عندنا، فروى غير واحد منهم
-------------------------------------------------
[1] ـ الكافي 5: 425 / 4، وسائل الشيعة 22: 129، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب7، الحديث1.
[2] ـ وسائل الشيعة 22: 113، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب3، الحديث9.
[3] ـ وسائل الشيعة 22: 129، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب7، الحديث2.
[4] ـ وسائل الشيعة 22: 130، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب7، الحديث3.

(226)


«أنّه جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت: كنت عند رفاعة، فبتّ طلاقي، فزوّجت بعده عبد الرحمن بن الزبير، فطلقني قبل اَن يمسّني ـ وفي رواية: وأنا معه مثل هدية الثوب ـ فتبسّم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: أتريدين أن ترجعى إلى رفاعة ؟ لا، حتى تذوق عسيلته، ويذوق عسيلتك» (1) . وصحيح الفضيل، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سألته «عن رجل زوّج عبده أمته ثم طلّقها تطليقتين، يحلّ له أن يراجعها إن أراد مولاها ؟ قال: لا، قلت: أفرأيت إن وطأها مولاها أيحلّ للعبد أن يراجعها ؟ قال: لا، حتى تزوّج زوجاً غيره ويدخل بها فيكون نكاحاً مثل نكاح الأول، وإن كان قد طلّقها واحدة فأراد مولاها راجعها» (2) .
وهذا وإن كان مربوطاً بطلاق الأمة التي يكون المحرّم منه المحتاج إلى المحلّل اثنين لكن دلالته على لزوم الوطىء فيه أيضاً وإن لم يكن صريحاً في محل البحث لكنّه مؤيّد لتلك الاخبار الكثيرة.
وأمّا اعتبار كونه في القبل فلا خلاف فيه لأنّه المنساق والمنصرف إليه مـن نصـوص ذوق العسيلة لاسيّما المتضمّن منها ذوق الزوجين كالمروي عـن طرق العامّة، سواء كان المراد منه لذّة الجماع كما عـن النهاية وغيرها مـن كتب اللغة مـن تفسيره بما هـو كناية عنها أو الإنزال كما قيل، لعدم كـون ذوق اللذّة والعسيلة أو الإنزال مـن الجانبين مـع الوطىء في الدبـر على المتعارف بل ولا اللذّة لذة كاملـة بل القول بانصراف نفس الدخول أيضاً إلى القبل غير بعيد، وبذلك يظهر ما في المسالك
-----------------------------------------

[1] ـ اُنظر الحدائق الناضرة 25: 329، سنن أبي داود 2: 294 / 2309، سنن البيهقي 7: 373، النهاية لابن الأثير 3: 237.
[2] ـ وسائل الشيعة 22: 166، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب27، الحديث2.

(227)


من الاستدلال بانتفاء ذوق العسيلة من الجانبين.
ففيه: أنّ الانتفاء من الأصل ممنوع وإنّما الانتفاء بالنسبة إلى الكامل كما لا يخفى، وبالجملة الانصراف في ذوق العسيلة ممّا لا كلام فيه وهو الحجّة في المسألة، ويعضده الانصراف في الدخول أيضاً.
وأمّا اعتبار إيجابه الغسل بغيبوبة الحشفة أو مقدارها وعدم كفاية ما دونه من المسمّى لأنّ ذلك مناط احكام الدخول والوطىء في كل مقام اعتبرا فيه، فالإطلاق منصرف إليه ولانتفاء ذوق العسيلة من الجانبين بدونه غالباً ولعدم معهودية ما دونه في الشرع فوقوعه بمنزلة العدم، فالإطلاق منصرف عنه.
وفيه: أنّ الانصراف بدوي ناشىء من كثرة الافراد لا من كثرة الاستعمال، وأمّا انتفاء ذوق العسيلة فخروج من البحث لأنّ الكلام في كفاية ما دونه مع تحقق بقية الشروط كما لا يخفى وإلاّ فمع عدم ذوق العسيلة فعدم الكفاية يرجع إلى انتفائه لا انتفاء الموجب للغسل، وأمّا عدم المعهودية في الشرع فهو راجع إلى عدم كونه مشمولاً للموضوع منهما في الاحكام الشرعية الثابتة لهما وأنّي ذلك بالمقام فإنّ الموضوع محمول على العرف مفهوماً ومصداقاً، كيف مع أنّ العمدة في المقام هو ذوق العسيلة المفروض حصوله ولعلّ العمدة في غيره من الاحكام أُمور أُخرى غير حاصلة بدخول ما دون المقدار من الحشفة فما في المتن من أنّ كفاية المسمّى في مقطوعها لا يخلو من قوّة.
وأمّا اعتبار الإنزال ففيه الاشكال من إطلاق الأدلّة والفتاوى، ومن لزوم ذوق العسيلة حتى على تفسيره بلذة الجماع لأنّ المراد منها كما قيل اللذّة الكاملة اللّتي لا تحصل إلاّ بالإنزال ولا اقل من الشك في شمول أخباره للمورد إن لم يكن إجماع والأصل الحرمة فالاحوط اعتباره.

(228)


(الثالث: أن يكون العقد دائماً لا متعة) .
والمعتبر في الأمر الثالث شيئان، العقد وكونه دائماً واحترزنا بالعقد عن ملك اليمين والتحليل فلا يحصل التحليل بهما فضلاً عن الوطىء حراماً أو شبهة ولو بالعقد الفاسد بلا خلاف أجده بل الإجماع بقسميه عليه كما في الجواهر، واعتباره لعدم صدق الزوج في الكتاب والسنّة عليه فانّه لا يسمّى واحد منهما زوجاً ولقوله تعالى: (حتى تنكح زوجاً غيره) والنكاح حقيقة في العقد وعلى تقدير كونه حقيقة في الوطىء أو المراد منه في الآية ذلك فيدلّ على ذلك قوله تعالى: (فان طلّقها) والنكاح بملك اليمين أو التحليل لا طلاق فيه، ولخصوص خبر فضيل عن احدهما (عليهما السلام) ، قال: سألته «عن رجل زوّج عبده أمته ثم طلّقها تطليقتين، أيراجعها إن أراد مولاها ؟ قال: لا. قلت: أفرأيت إن وطأها مولاها اَيحلّ للعبد اَن يراجعها ؟ قال: لا، حتى تزوّج زوجاً غيره ويدخل بها فيكون نكاحاً مثل نكاح الأول، وإن كان قد طلقّها واحدة فأراد مولاها راجعها» (1) .
والتقريب فيها أنّ الأمة تحرم بتطليقتين ولا تحلّ إلاّ بالمحلّل، وقد منع نكاح المولى أن يكون تحليلاً موجباً لجواز مراجعة الزوج الأول لها، وأوجب زوجاً غيره مثل التزويج الأول، ونحوها أيضاً رواية عبد الملك بن أعين (2) .
-------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 166، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب27، الحديث2.
[2] ـ وسائل الشيعة 22: 165، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب27، الحديث1.

(229)


ونحوها خبر الحلبي (1) بعد تقييدهما بكون الطلاق مرّتين. ولما تسمعه من استفاضة النصوص المشتمل بعضها على تفسير الآية بما لا يشمل العقد المنقطع فضلاً عنهما بقرينة قوله تعالى: (فان طلّقها) .
واحترزنا بالدائم عن نكاح المتعة، فالتحليل غير حاصل به كالسابقين اتفاقاً ويدل على اعتباره الكتاب والسنّة، أمّا الكتاب فلقوله تعالى (فان طلّقها) والطلاق غير متحقق في المتعة، ومن السنّة صحيح محمّد بن مسلم، عن احدهما (عليهما السلام) قال: سألته «عن رجل طلّق امرأته ثلاثاً ثمّ تمتّع فيها رجل آخر هل تحلّ للأوّل ؟ قال: لا» (2) .
و خبر حسن الصيقل قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) «عن رجل طلّق امرأته ثلاثاً لا تحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره وتزوّجها رجل متعة، أيحلّ له أن ينكحها ؟ قال: لا، حتّى تدخل في مثل ما خرجت منه» (3) .
وخبر هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل تزوّج امرأة ثمّ طلّقها فبانت ثمّ تزوّجها رجل آخر متعة هل تحلّ لزوجها الأول ؟ قال: لا، حتى تدخل فيما خرجت منه» (4) .
-----------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 166، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب27، الحديث3.
[2] ـ وسائل الشيعة 22: 131، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب9، الحديث2.
[3] ـ وسائل الشيعة 22: 131، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب9، الحديث1.
[4] ـ وسائل الشيعة 22: 131، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب9، الحديث3.

(230)

وخبر الحسن الصيقل أيضاً، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت: «رجل طلّق امرأته طلاقاً لا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره فتزوّجها رجل متعة، أتحلّ للأوّل ؟ قال: لا لأنّ اللّه يقول: (فان طلّقها فلا تحلّ له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره فان طلّقها) والمتعة ليس فيها طلاق» (1) .
وفي الخبر أيضاً دلالة على عدم الاعتبار بشيء من الثلاثة في التحليل لمكان الطلاق.
وخبر الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه سئل «عن الرجل يطلّق امرأته على السنّة فيتمتع منها رجل أتحلّ لزوجها الأول ؟ قال: لا، حتّى تدخل في مثل الّذي خرجت منه» (2) .
ولا يخفى عليك دلالة الاخبار على عدم التحليل بشيء من الثلاثة المذكورة من الملك والإباحة والمتعة.

فرع


مقتضى اتفاقهم وما فهموه من نصوص العسيلة من ارادة الدخول كون الخصي يحلّل المطلّقة ثلاثاً إذا وطأها وحصلت فيه الشرائط السابقة ولكن في رواية محمّد بن مضارب دلالة على عدمها ; قال: «سألت الإمام الرضا (عليه السلام) عن الخصىّ يحلّل ؟ قال:
-----------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 132، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب9، الحديث4.
[2] ـ وسائل الشيعة 22: 132، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب9، الحديث5.
[3] ـ وسائل الشيعة 22: 132، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب10، الحديث1.

(231)

وهي ضعيفة السند فإنّ ابن المضارب مجهول ومحض نقل صفوان من أصحاب الإجماع عنه غير كاف في الاعتبار إلاّ على تفسير خاص في أصحاب الإجماع لكنّه غير تمام كما حقّق في محله، ولا جابر لها بل لم أجد عاملاً بها إلاّ ما عساه يظهر من الشيخ الحرّ في وسائله فلا بأس بحملها على خصي لا يحصل منه الجماع أو اللّذة الكاملة المتعارفة، على أنّ الرواية قد رواها الشيخ في زيادات النكاح من التهذيب بهذا الإسناد عن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: سألته «عن الخصيّ يحلّ ؟ قال: لا يحلّ» (1) .
وإرادة التحليل منه خلاف المتعارف في التعبير، فلذا احتمل ارادة حلّ نظره إلى المرأة أو عقده من دون الاختبار بحاله، بل ربّما احتمل ارادة سلّ الانثيين الذي لا يجوز في الإنسان، أو أكل الخصيتين، وإن كان رسم الكتابة بالياء في النسخ الصحيحة يأباهما. وعلى كل حال فهو شاذ ضعيف مضطرب.
ثم إنّ الظاهر من اطلاق الدخول في الفتاوى والمتن وعدم التقيّد بالالتذاذ عدم اعتباره، لكنّ الظاهر اعتباره ولزوم تقييد الدخول به فلا اعتبار بالدخول من دونه قضاءً للانصراف من الدخول وكونه القدر المتيقن من ذوق العسيلة ; فتأمّل.
( مسألة 7 ـ لو طلّقها ثلاثاً وانقضت مدة وادّعت أنّها تزوّجت وفارقها الزوج الثاني ومضت العدّة واحتمل صدقها صدّقت ويقبل قولها بلا يمين، فللزوج الأول أن ينكحها، وليس عليه الفحص، والأحوط الاقتصار على ما إذا كانت ثقة أمينة) .
وفي المسألة احتمالات ووجوه، ثالثها التفصيل بين الثقة الأمينة وغيرها ورابعها
-------------------------------------------

[1] ـ وسائل الشيعة 22: 133، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب10، الحديث2.

(232)


التفصيل بين الحرجىّ من الفحص وغيره بالقبول في الأول منهما دون الثاني والأوّل هو المشهور وظاهر المحقق في الشرائع والنافع التوقف في ذلك واليه يميل كلام الفاضل الخراساني في الكفاية.

واستدلّ للمشهور بوجوه:

احدها: أنّ في جملة ذلك ما لا يعلم إلاّ منها كالوطئ وانقضا العدّة فالمورد مشمول لقاعدة حجّية قولها في ما لا يعلم إلاّ من قبلها.
ثانيها: قاعدة قبول قول من لا منازع له فإنّها مستفادة من الاخبار في جزئيات الاحكام ومنها صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت: «عشرة كانوا جلوساً وفي وسطهم كيس فيه ألف درهم فسأل بعضهم بعضاً: ألكم هذا الكيس ؟ فقالوا كلهم: لا، وقال واحد منهم: هو لي فلمن هو ؟ قال: هو الذي ادّعاه» (1) .
وثالثها: لزوم العسر والحرج عليها مع عدم السماع وفي المسالك في تعليل القول المشهور «ولأنّها مؤتمنة في انقضاء العدّة والوطئ ممّا لا يمكن إقامة البيّنة عليه، وربما مات الزوج أو تعذّر مصادقته بغيبة ونحوها، فلو لم يقبل منها ذلك لزم الإضرار بها والحرج المنفيّان» (2) .
ورابعها: وهو العمدة، صحيحة حمّاد عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل طلّق امرأته ثلاثاً فبانت منه فأراد مراجعتها فقال لها: إنّي أُريد مراجعتك فتزوّجي زوجاً غيري، فقالت له: قد تزوّجت زوجاً غيرك وحلّلت لك نفسي، أيصدّق قولها ويراجعها ؟
-------------------------------------------

[1] ـ وسائل الشيعة 27: 273، كتاب القضاء، أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى، الباب17، الحديث1.
[2] ـ مسالك الإفهام 9: 180.

(233)

وكيف يصنع ؟ قال: إذا كانت المرأة ثقة صدّقت في قولها» (1) .
والصحيحة متفردة في الأدلة الأربعة باشتراط الوثاقة وهي مخالفة في الاشتراط للمشهور أيضاً لإطلاق فتاواهم بل في الجواهر عدم القائل به وما في الحدائق من الحمل على الأفضلية في المتّهمة جمعاً بينها وبين الاخبار الدالّة على كراهة السؤال ولو مع التهمة (2) بأنّ الأفضل مع التهمة المشعر عليها رغبتها في الرجوع إلى الزوج بعد أمره إيّاها بالتحليل الفحص والتثبّت والعمل بقولها مع ذلك الشرط.
ففيه أوّلاً أنّه لاملازمة بين إظهار الرغبة بعد الأمر واتّهامها حيث إنّ غالب النساء قلوبهنّ مائلة إلى الزوج الأول، فتأمّل.
وثانياً لا تعارض بينها وبين الصحيحة لاختلاف الموضوع فإنّها مربوطة بخلوّها عن الزوج وهو غير اشتراط الحلّ في الطلاق الثلاث بالنكاح المصرّح به في الكتاب والسنّة، والصحيحة مربوطة بالثاني، فكم بينهما من الفرق، نعم عدم القائل به وعدم مدخلية الوثاقة في تصديق ما لا يعلم إلاّ من قبلها وتصديق قول من لا منازع له ممّا يوهن الاشتراط، لكنّ الاحتياط كما في المتن في محلّه، والمشهور هو المنصور للصحيحة وأمّا بقية الوجوه وإن كانت مطلقة وموافقة للمشهور إلاّ أنّ الاستدلال بها غير تمام لأنّ مثل الزواج والطلاق من الأُمور الأربعة في الحلّيّة ليس من الأُمور التي لا يعلم إلاّ من قبلها، فالقاعدة غير شاملة لمحل البحث. هذا في الوجه الأول.
وأمّا الثاني فإنّما القاعدة مختصّة بالمتناول من المدّعي الذي لا معارض له لعدم
------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 133، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب11، الحديث1.
[2] ـ وسائل الشيعـة 21: 31، كتاب النكاح، أبـواب المتعـة، الباب10، الحديث3 و4.

(234)


تعلّق خطاب مخصوص بالمتناول، لا عامّة لمطلق التناول ولو مع الخطاب المخصوص ولذلك لا يجوز دفع الوديعة إليه مثلاً بمجرّد دعوى الوكالة أو الانتقال إليه مع أنّ دعواه الوكالة بلا معارض، لكن حيث إنّ الدافع له التكليف والخطاب بدفع المال إلى صاحبه مباشرة أو نيابة فعليه العمل بذلك التكليف عن حجّة شرعيّة وهي غير موجودة يكون الدفع غير جايز والمقام من هذا القبيل حيث إنّ جواز النكاح للزوج وحلّية الزوجة المطلّقة له مشروطة بالمحلّل ونكاح الغير وهو مكلّف بالعلم والحجة عليهما، وبعبارة أُخرى، القاعدة مخصوصة بما لا يلزم فيه إلاّ الدعوى مع عدم المعارض، مثل ما في الصحيحة المنقولة.
وأمّا الثالث ففيه: أنّه اخصّ من المدّعى لإمكان عدم الحرج لها في التزوّج بغير الزوج من الأجانب، نعم في مورد الحرج دعواها مسموعة بانتفاء الحرج كما لا يخفى (1) .
(مسألة 8 ـ لو دخل المحلّل فادّعت الدخول ولم يكذّبها صدّقت وحلّت للزوج الأول) .
بلا خلاف ولا اشكال (2) . لكونه أمراً لا يعلم إلاّ من قبلهما وعدم تكذيبه إيّاها ولو
---------------------------------------
[1] ـ هذا ويمكن أن يقال أنّ لزوم العسر والحرج إنّما هو في إلزامها بإقامة البينة عليه ولاسيّما مع عدم وجوب الإشهاد على عقد النكاح عندنا ولعدم الإعلان والحفلة في غير الزوج الأول غالباً، ومن ذلك يظهر ما في الجواب عن الوجه الأول لأنّه لو تمّ ذلك في مثل الطلاق وكذا الزواج الأول في مثل الباكرة ولكنه في مثل الثاني والثالث فيمكن المنع منه فإنّ كثيرة من الثيّبات يتزوّجن عن خفاء ولا اقلّ عن عدم إعلان وإظهار. «المقرّر»
[2] ـ هذا ولا يخفى ما في عبارة المتن من نحو مسامحة في التعبير فإنّه على تقدير الدخول لا معنى لادّعائه وتكذيبه أو تصديقه فالمراد من دخول المحلّل إمّا الدخول والورود عليها
أو مقدّماته أو نحو ذلك من المعاني القريبة منه. ولقد أجاد في الشرائع حيث قال: «إذا دخل المحلّل فادّعت الإصابة فإن صدّقها حلّت للأول» «المقرر».

(235)

بالسكوت كاف في التصديق فإنّ قولها قول بلا منازع وأمّا مع تصديقه لها فالحكم واضح.
(وإن كذّبها فالأحوط الاقتصار في قبول قولها على صورة حصول الاطمئنان بصدقها) .
وفي المسألة ثلاثة أقوال، احدها: القبول ففي الشرائع أنّه حسن وفي القواعد أنّه الأقرب وفي المسالك هو الأقوى.
ثانيها: العمل بما يغلب على ظنّه من صدقها أو صدق المحلل كما عن الشيخ في المبسوط.
ثالثها: العمل بالاطمئنان دون الظنّ، واستدلّ للشيخ بأنّ الفرض تعذّر البيّنة على مثل تلك الدعوى فلابدّ من مراعاة الظنّ لاعتباره في الشرع غالباً، وهو كما ترى لعدم الانسداد أوّلاً واختصاصه على التمامية بالاحكام دون الموضوعات ثانياً (1) .
------------------------------------------
[1] ـ الظاهر أنّ مراد الشيخ (قدس سره) ليس حجية مطلق الظنّ شرعاً ولو في الموضوعات بل عندما لا يمكن إقامة البينّة عادة ونرى أنّ الشارع قد اذن في العمل بالظن في الأحكام الشرعية وكذا بكثير من الظنون في الموضوعات فلا بأس بأخذ الظن الحاصل من قولها ويؤيّده ما مرّ آنفاً في صحيحة حمّاد من الأخذ بقولها إذا كانت ثقة مع أنّها في خصوص ادّعاء التزوّج لا الدخول وإقامة البينة على ذلك أيسر منها على هذا. ومن ذلك يظهر أن تنظير الدعوى بمثل انقضاء العدّة في الاستدلال لقول المحقق يرجع إلى إلغاء الخصوصية منه لا القياس عليه وقد مرّ في التعليق السابق ما في انتفاء نفي الضرر والحرج بغيره فإنّ الضرر والحرج هو في إلزامها بالزوج الأول. ثم إنّ الفرق بين الإعطاء والأخذ كما أشار إليه الأستاذ فيه تأمل ظاهر. وعلى كل حال فالظاهر انّه لا حاجة إلى إحراز الدخول والعلم به بل يكفي الظن بصدقها ويؤيده بل يدل عليه ما أشار إليه الأستاذ في نهاية المطاف من إلغاء الخصوصية من الصحيحة. «المقرر»

(236)


واستدل للمحقق بتعذّر إقامة البينة عليه أوّلاً، وانّه لا يعلم إلاّ من قبلها وأنّ دعواها بلا معارض فهي حجة ثانياً، وأنّ قولها كما هو حجة في انقضاء العدّة فهو حجة في سببها أيضاً، ثالثاً، ولأنّه لولا القبول لزم الضرر والحرج رابعاً.
أقول: وفي الكل اشكال ; أمّا الأول فضعفه ظاهر والثاني فإنّه مختص بدعوى لا معارض لها والمعارض هنا وهو دعوى المحلّل موجود، وأمّا مثل الضرر والحرج ففيه ما مرّ، وأمّا تنظير الدعوى بانقضاء العدّة فأشبه شيء بالقياس.
هذا ولقائل أن يقول: الإيراد بوجود المعارض ليس بتمام لأنّه ليس بمعارض لها إلاّ في تنصيف المهر أو في أصل النكاح وهو لا يرتبط بالبحث فإنّ الزوج الثاني لا يعدّ منكراً. ثم إنّ مقتضى القاعدة عدم الجواز إلاّ أن يحرز الدخول ولو بالاطمئنان، نعم يمكن إلغاء الخصوصية من صحيحة حمّاد المذكورة آنفاً والقول بسماع قول المرأة إن كانت ثقة، فتأمّل.
(ولو ادّعت الإصابة ثم رجعت عن قولها فإن كان قبل أن يعقد الأول عليها لم تحلّ له، وان كان بعده لم يقبل رجوعها) .
وجه عدم الحلّية له مع الرجوع قبل العقد واضح فإنّ رجوعها كادّعائها يكون مسموعاً وحجّة، وأمّا عدم قبول الرجوع بعد العقد فلانّه إقرار في حق الغير.
فرع: لو رجـع هو أو هي عـن التكذيب إلى التصديق حلّت لأصالة صحـة قول المسلم.

(237)


(مسألة 9 ـ لا فرق في الوطئ المعتبر في المحلل بين المحرم والمحلل، فلو وطأها محرّماً كالوطئ في الإحرام أو في الصوم الواجب أو في الحيض ونحو ذلك كفى في التحليل) .
قضاءً لإطلاق الأدلة وهو المشهور بين الأصحاب إلا ما حكي عن الشيخ وابن الجنيد من تقييد ذلك بالحلّية، واستدل الشيخ بالأصل، وباشتراط ذوق العسيلة والشارع لا يجوّز ذوق العسيلة المحرّم، وبالنهي عن الوطئ وهو يوجب الفساد، وبتنظيره بباب العقد حال الإحرام فإنّه باطل لحرمته فهنا أيضاً هكذا.
أقول: والكل كما ترى، فإنّ الأصل هو بَعْدَ الدليل، ومحلّليّة الذوق منافية لحرمته إن كانت مختصّة بالحرام منه لكنّها شاملة للحرام كالحلال بالإطلاق ولا بأس به، والنهي عن المعاملات غير موجب لفسادها فضلا عن مثل الوطئ، والتلازم في الأخير غير ثابت فيكون أشبه شيء بالقياس، فالأقوى حينئذ الحلّ في المحرّم الذاتي كالصور المذكورة في المتن فضلاً عن الحرمة في العارض لضيق وقت صلاة مثلاً بل الظاهر عدم الفرق بين الحرمة بما عرفت وبينها بعدم بلوغ البنت تسعاً وإن افضاها، لاطلاق الادلّة، ودعوى ظهور الآية (1) في استقلال نكاح المحلّلة بنفسها دون الصغيرة التي يعقدها المولى واضحة الفساد، إذ الظاهر أنّ امثال هذه الخطابات شاملة للوكالة والولاية وغيرهما، كما في غير المقام.
ومن هنا لم يكن فرق في المحلّل والمحلّلة بين الجنون والعقل، نعم قد يتوقف في حصول التحليل في الصغيرة لا من هذه الجهة، بل لعدم بلوغها حد ذوق العسيلة،
---------------------------------------------
[1] ـ البقرة (2) : 228 ـ 230.

نحو ما سمعته في المراهق دون البلوغ، ومقتضاه عدم الاشكال في عدم حصوله فيها إذ لم تكن مراهقة إلاّ أنّ الذي يظهر من غير واحد من الأصحاب المفروغية من حصول التحليل فيها وإن كانت صغيرة، بناءً على عدم اعتبار الحلّ في الوطئ، خصوصاً عند تعرّضهم للشرائط واقتصارهم على اعتبار البلوغ في المحلّل، ولم يتعرّضوا للمحلّلة فإن تمّ إجماعاً وإلاّ كان للنظر فيه مجال.
اللهم إلاّ أن يقال: إنّ عدم التعرض للبلوغ في المحلّلة لتحققه فيها غالباً وفرض عدمه فرض نادر فلا فرق بينها وبين المحلل في اعتبار البلوغ وذوق العسيلة. وقد ظهر ممّا ذكرناه عدم اعتبار العقل ولا الرشد فيهما قضاءً لإطلاق الأدلّة ولتحقق ذوق العسيلة (1) .
(مسألة 10 ـ لو شك الزوج في إيقاع أصل الطلاق لم يلزمه ويحكم ببقاء علقة النكاح) .
استصحاباً لعلقة النكاح.
--------------------------------------------
[1] ـ لا يخفى انّه على قول ابن بكير وكذا الصدوق كما مرّ لا معنى للكلام في اشتراطه وعدمه لأنّ الزوج لا يرجع إلى غير البالغة إلاّ بعقد جديد وهو هادم للطلاق السابق وإن وقع ماة مرّة، على ما مرّ من التفصيل ; فلا يأتي حكم التحليل فيها أصلا حتى يقع الكلام في شرائطه. وأمّا على ما ذهب إليه المشهور من عدم الفرق بين الرجوع في العدّة والعقد بعدها من الزوج فيمكن أن يقال إنّ المحللّة إذا كانت غير بالغة وان حرمت على الزوج الأول بالتطليقة الثالثة ولكن لا يجوز للثاني وهو المحلّل، الدخول بها لانجراره إلى أفضائها أحياناً وهذا يختلف عن مثل الدخول في حال الإحرام أو في الصوم الواجب أو في الحيض فإنّ غير البالغة غير مستعدّة للدخول بها موضوعاً أيضاً لا حكماً فقط. فعدم تعرّض الأصحاب لاشتراط البلوغ في المحلّلة إنّما هو لانتفاء الموضوع في غير البالغة ظاهراً لا عدمه حكماً. «المقرّر»

(239)


(ولو علم بأصله وشكّ في عدده بنى على الأقل، سواء كان الطرف الأكثر الثلاث أو التسع، فلا يحكم بالحرمة على الأول وبالحرمة الأبدية في الثاني) .
للبناء على الأقل وللشك في الشرط الراجع إلى الشك في المشروط.
(بل لو شك بين الثلاث والتسع يبني على الأول وتحلّ بالمحلّل على الأشبه) .
لا يخفى أنّ اليقين بالثلاث لمّا أنّه يقين بأصله وبنحو القدر المتيقن بينه وبين التسع المعلومين بالإجمال لا على الثلاث بشرط عدم الزيادة عليه المحتاج إلى المحلل فلا يكون موجباً لصحّة المحلّل وبذلك يظهر أنّ التمسك باستصحاب عدم الزيادة على الثلاث غير مفيد في المحلّل لكونه مثبتاً كما لا يخفى ; نعم استصحاب بقاء الثالث في الاحتياج إلى المحلّل يكون محكّماً وهو الوجه لما في المتن من قوله «على الأشبه».

العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org