Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة عامة
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: عدم تساوي شهادة الرجل والمرأة، الأدلّة العامّة

عدم تساوي شهادة الرجل والمرأة، الأدلّة العامّة

الكتاب الكريم

قال تعالى:


(..واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجلٌ وامرأتان ممّن ترضون من الشهداء أن تضلّ إحداهما فتذكّر إحداهما الاُخرى....ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه...)(46)

لقد استدل بهذه الآية على أن شهادة المرأتين تساوي شهادة رجل واحد في تمام الموارد والحالات أو في مورد الآية وهو الدَّين، وعدم التساوي هنا ينشأ من خصوصية الأنوثة في المرأة، لا من خصوصيّة عارضة، وبعبارة أخرى:

إن المرأة لأنها امرأة تساوي شهادة الإثنين منها شهادة الواحد.

وكيفية الاستدلال بالآية أنها فرضت للكتابة شاهدين من الرجال، وعلى تقدير عدم توفر رجلين لزم اختيار رجل واحد مع امرأتين بوصفها شاهداً; فهذه الآية نصّ في أن شهادة المرأتين تساوي شهادة الرجل الواحد مطلقاً، أو على الأقل تكون كذلك في باب الدَّين، ومع الأخذ بعين الاعتبار صراحة الآية لا يمكن ادّعاء أن ذكر كلمة الرجل هنا إنما جاء من باب الغلبة.

شبهات ونقود


وقد أورد على الاستدلال بالآية الشريفة إشكالات ثلاثة:

أ ـ الاشكال الأول ونقده


ليست الآية في مقام بيان الشهادة وحجيّتها في المحكمة، وإنما هي في مقام الاستشهاد وطلب الشاهد وتحمّل الشهادة، فالأمر هنا أمر إرشادي، فمن الممكن أن يقول شخص بأن الآية مرتبطة بالمحكمة والقضاء من باب الملازمة العقلائية; إذ عندما تطالب بالإتيان بشاهد فإن غرضها أن يستند لحلّ الاختلاف قضائياً إلى هذا الشاهد; ذلك أنه لا مصلحة في الجعل نفسه. لكننا نجيب بأن هناك

احتمالان متصوّران هنا: الأول أن يكون الشاهد بهدف رفع الاختلاف في المحكمة. والثاني عدم ارتباط الآية بالقضاء ولا المحاكم وإنما تهدف تذكير الطرفين، أي يكون ذلك لتذكير الطرفين، ومع وجود هذا الاحتمال لا يغدو الاستدلال بالآية صحيحاً، بل إن الاحتمال الثاني إن لم نقل بأنه نصّ، فلا أقلّ من أنه ـ لعدة شواهد ـ غريب وظاهر، وهذه الشواهد هي:


الشاهد الأول: جاء في صدر الآية:(..يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمّى فاكتبوه..(47) حيث لا حديث أساساً عن وجود مخاصمة أو دعاوي، وإنما جاء الأمر بالكتابة للاطمئنان وراحة البال وإقناع الطرف الآخر، وإلا فلا يمكن في المحكمة الحكم طبقاً لهذه الكتابة، إذ من الممكن للطرف الآخر أن يُنكر الكتابة، وهو ما أشير إليه في استفتاءات الميرزا القمّي.(48)


الشاهد الثاني: إن أمر المديون بالكتابة في قوله تعالى: (..فليكتب وليُملل الذي عليه الحقّ..(49) يمثل شاهداً آخر على عدم ارتباط الآية بالحجية وباب القضاء، بل تتصل بأمر شخصي ورفع قلق فردي، بغية حصول الاطمئنان.


الشاهد الثالث: جاء في ذيل الآية: (..ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألاّ ترتابوا..(50) وهو واضح أنه ليس من شؤون القضاء والمحاكمات; ذلك أن الوصول إلى الحق وعدم زواله «إنه لا يصلح ذهاب حقّ أحد»،(51) وإحياء الحق: «أكرموا الشهود; فإنّ الله تعالى يحيى الحقوق بهم»،(52) لا علاقة له بالأقسط والأقوم (وأدنى ألا ترتابوا..)،(53)وهي من أفعل التفضيل، فالقاضي ملزم بالحكم مع قيام البينة والشاهد، والقسط كاف في باب القضاء، ولا حاجة إلى الأقسطية والأقومية.


وهذا الإشكال ـ مع كل مؤيداته وشواهده ـ ليس وارداً لسببين:


الأول: تدلّ الآية ـ في الجملة ـ على أن المرأتين تساويان رجلاً واحداً، حتى لو لم يكن ذلك في المحكمة وفي مجال القضاء.

الثاني: إن ظاهر الشهادة عند العقلاء أنها للحجية والاحتجاج، ذلك أن الأمر بالشهادة ملازم للحجية، أي أن المشهود عليه مسؤول عن قبول الشهادة، سواء كان هناك اطمئنان أم لم يكن، فما قيل من أن الشهادة لكي «به ينظر» ليس تاماً; ذلك أن ظاهرها الحجية لا الإرشاد، وعليه فإشكال عدم التساوي ما زال قائماً باقياً، والاستدلال بالآية تام.

ب ـ الإشكال الثاني ونقده


إن الآية الشريفة مربوطة ببحث تحمّل الشهادة لا أدائها، وذلك بمعنى أنه في مقام حمل الشهادة يلزم وجود امرأتين، وذلك بسبب احتمال النسيان في النساء، ذلك أنهنّ ينسين غالباً، أما عند أداء الشهادة فإن المرأة الواحدة تكون كافية، ووجود امرأة أخرى إنما يكون للحيلولة دون حصول اشتباه، وعندما لا يحصل اشتباه ولا يطرأ النسيان، وتكون الشاهدة امرأة حافظة ملتفتةً متنبّهة للجزئيات التي تحتاجها المحكمة وتستجوبها فيها، فإن شهادتها تكون كافيةً حينئذ، وعليه، فالآية ساكتة عن مقام الأداء، وتحتمل الوجهين والاحتمالين، «وإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال».

وقد أجيب عن هذا الإشكال بأن كلمة (تذكّر) تدلّ على أن التعدّد ضروري في مرحلة أداء الشهادة، ذلك أن الآية تبيّن أنه لو عرض النسيان على المرأة الأولى ذكّرتها الثانية، وإلاّ فلو لم تكن هناك حاجة للتعدّد في الأداء، كان من المفترض بالآية أن تقول: إذا نسيت إحداهما شهدت الأخرى، لا ذكّرتها الأخرى.

ج ـ الإشكال الثالث ونقده


ويقوم هذا الإشكال على أنّ عدم تساوي الرجل والمرأة في الشهادة إنما هو بسبب خصوصية عارضة، لا لكون المرأة امرأةً، فعندما تنتفي هذه الخصوصية لا يعود هناك أي امتياز بين الرجل والمرأة في الشهادة، وعليه فالاستدلال بالآية لإثبات مطلوبكم غير صحيح.

وتوضيح ذلك، أولاً:
إننا نوافق على أن الآية تجعل شهادة المرأتين مساويةً لشهادة رجل واحد، بل إن هذا الحكم منحصر بمورد الآية، ذلك أن كل حكم يقع على خلاف الأصل، لابد من الاقتصار فيه على مورده، وهو باب الدَّين.

ثانياً: إن العلّة تخصّص كما أنها تعمّم، فإذا قلت: «لا تأكل الرمان; لأنه حامض» دلّ ذلك على عدم جواز أكل سائر الحوامض أيضاً; والذي أرشدنا إلى ذلك ارتباط حكم عدم جواز الأكل بكون الرمان حامضاً،

وهذا ما من شأنه ـ من جهة أخرى ـ أن يخصّص تحريم الرمان بحالة الحموضة; فيجوز أكله لو لم يكن كذلك، ومع الأخذ بعين الاعتبار ما قلناه، نلاحظ أن الآية الشريفة:


(...أن تضلّ إحداهما فتذكّر إحداهما الأخرى..)(54)


بيّنت العلّة، وهذه العلّة هي النسيان وقلّة الحافظة وعدم الدقة والمهارة في الأمور المالية والاقتصادية، وهو ما كان طبع النساء عليه في زمان نزول الآية، أي أن ذاكرتهنّ كانت في المتعارف منها أقلّ من ذاكرة الرجال، ونتيجة ذلك انخفاض معدّل الاطمئنان في شهادتهنّ وهو ما يجعل شهادة اثنتين منهما معادلةً لشهادة رجل واحد.

أما اذا جاء زمان وظرف بحيث صارت ذاكرة النساء والرجال متساويةً أو كانت ذاكرة النساء أقوى من ذاكرة الرجال، بحيث ارتفع معدّل الوثوق بشهادتهنّ ليساوي معدّله عند الرجال، ويتساوى ـ نتيجةً لذلك ـ احتمال النسيان في الرجال والنساء، بما يلحق المقدار الموجود من النسيان بعدمه; هنا تصبح شهادة النساء مساويةً لشهادة الرجال، بل قد تكون شهادة المرأة الواحدة مساويةً لشهادة رجلين، وحصيلة الاستنتاج أن الآية مربوطة بالنسيان الذي جعل العلّة في التنصيف المذكور، وليس المراد به النسيان الطبيعي، بل نسيان خاص; لأن النسيان الطبيعي موجود في الرجال أيضاً كما هو عند النساء، وهو نسيان يُلحِقه العقلاء في احتجاجاتهم بالعدم، فإذا كان المقصود من الآية هذا النوع من النسيان فسيكون بطلان التعليل واضحاً جداً; لأن النسيان بهذا المعنى موجود عند الرجال والنساء معاً، ولا يمكن للشارع ـ انطلاقاً من وجود علّة النسيان هذه ـ أن يحكم بقبول شهادة المرأة على أن تكون على النصف من شهادة الرجل. وبصيغة عامة: إن المعلول ـ وهو الحكم ـ دائر مدار العلّة وسعتها وضيقها، فيكون وجوده ومعدّل وجوده تابعاً لها.

ويؤيد هذا الكلام كله:


أولاً: إن الفقهاء لم يستدلّوا بهذه الآية على نحو شائع في الموضوعات الفقهية المختلفة.

ثانياً: إن الروايات كافة التي وردت حول هذه الآية والتي استندت إليها، أو كان السؤال فيها عنها، ضعيفة السند وليست معتبرة، فليس عندنا أيّ رواية معتبرة يستدلّ فيها الأئمة(عليهم السلام) بهذه الآية على عدم تساوي شهادة النساء مع الرجال، وسوف نذكر في بحث أدلّة المستدلّين على عدم التساوي، هذه الروايات مع ذكر الإشكالات حولها.

ثالثاً: إن لدينا موارد في الفقه تقبل فيها شهادة المرأة الواحدة، وفي هذه الموارد لم تكن شهادة الرجل حجةً، وهذا ما يدفعنا لاستنتاج أن عدم تساوي شهادة المرأة والرجل في باب الدَّين كان لخصوصية عارضة، مربوطة بالدَّين والأمور المالية، لا لكون المرأة أنثى، وإلا كان المفترض في هذه الموارد أن يحكم الشارع هنا أيضاً بكون شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل، وبعض هذه الموراد.

1 ـ شهادة المرأة الواحدة في ربع وصية الوارث، حيث يثبت بها ربع الوصية، أما شهادة الرجل هنا فلا تثبت شيئاً.(55)


2 ـ شهادة القابلة الواحدة في العيوب الخاصّة بالنساء.(56)


استنتاج


توصلنا بدراسة هذه الآية إلى أنّها ـ أولاً ـ خاصة بهذه الموارد، وأن حكمها الذي أصدرته في هذه الموارد إنما هو لخصوصية عارضة توجب انخفاض معدّل الاطمئنان بشهادة النساء، وهذه الخصوصية هي قلّة معرفة النساء بالأمور المالية، وهي خصوصية توجب عدم القدرة والدقة المتعارفتين في الشهادة بلا فرق بين الرجل والمرأة. وإذا ساوت القدرة العلمية والرياضية للنساء في مورد الدَّين نفسه ـ وهو مورد الآية ـ معدّل الوثوق الموجود في أقوال الرجال في القضايا المالية فإن شهادة امرأة واحدة ستحلّ حينئذ محلّ شهادة الرجل الواحد وستكون مقبولةً.

وبناءً عليه، لا يعتبر القرآن العلّة هنا في كون المرأة امرأةً، وإنما في وصف عارض سبق بيانه; ولهذا حكم بقبول شهادة امرأتين مكان شهادة الرجل الواحد في الحالات التي يكون فيها هذا الوصف العارض (النسيان العارض) موجوداً، ولا تكون الآية شاملةً لتمام حالات شهادة المرأة حتى تلك التي لا وجود لهذه الخصوصية فيها; ذلك أن الملاك هو النسيان العارض لا أنوثة الأنثى.

الروايات


الدليل الثاني هنا الذي استند إليه في مسألة مساواة شهادة المرأتين لشهادة الرجل الواحد هو مجموعة من الروايات التي يلزمنا البحث فيها، لكن قبل ذلك من الجدير الإشارة إلى بعض النقاط وهي:


النقطة الأولى: إن رؤية القرآن للمرأة رؤية إيجابية تماماً، فالمرأة والرجل في القرآن الكريم متساويان في الإنسانية والحقوق، ففي القرآن نجد الخطابات التي تحمل عناوين: الإنسان، الناس، بني آدم، أولي الألباب، ولا توجد فيه أيّ من أشكال التمييز لصالح الرجال على النساء.

فإذا رأينا في الروايات والأحاديث أحياناً في بعض المواضع ما يدلّ على تمييز في حق النساء وظلم، بحيث كانت معارضةً للرؤية القرآنية للمرأة في حقوقها وشرفها وتكاملها العقلاني، فإن أمامنا أحد سبيلين:


الأول: في كل حالة تتعارض فيها الأحاديث والآيات تكون الآيات القرآنية ـ كما يقول العلماء الكبار(57)ـ هي الأصل والبناء الرئيسي، ومن ثم يجب أن تُفهم الأحاديث في ضوء القرآن، وعلى تقدير المخالفة يجب طرحها جانباً، أو إحالة علمها إلى أهل البيت(عليهم السلام)، ونتيجة الأمرين معاً عدم حجية هذا النوع من الروايات.

الثاني: إذا لم تنسجم الروايات مع القرآن أو العقل القطعي أو سيرة المعصومين(عليهم السلام)، فإنها تقبل حينئذ إعادة النظر فيها بشكل أساسي مجدداً; فكيف يمكن أن يصدر عن أمير المؤمنين(عليه السلام)ـ مع كل هذه المحبّة والاحترام للسيدة فاطمة(عليها السلام) ومع كل تأكيداته على مشورة النساء في سيرته الشخصية مثل: سودة الهمدانية، وأم الخير و..(58)ـ ما يفيد تجنّب المرأة السيئة و «كونوا من خيارهنّ على حذر».(59)


النقطة الثانية: إنّ وضّاعي الأحاديث كانوا موجودين في عصر النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله)إلى حدّ أنه(صلى الله عليه وآله) ـ كما يقول الإمام علي(عليه السلام) في كلامه (210) في نهج البلاغة ـ قام يوماً وقال:

«من كذب عليّ متعمداً فليتبوّأ مقعده من النار».

ثم يضيف الإمام علي(عليه السلام)نفسه بعد ذلك:


«ثم كُذب عليه من بعده».

ليكمل حديثه بوصف حال الرواة والمحدّثين، وأن بعض رواة الحديث منافقون، وبعضهم مخطئون، وبعضهم أهل شبهة، وفقط الفريق الرابع هو الفريق الحافظ الصدوق.

وثمة أمر يحوز قدراً كبيراً من الأهمية فيما يتعلّق بروايات المرأة وحقوقها، وهو أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) كانت من مهماته الكبرى التي صرف عمراً في سبيلها، الحيلولة دون تحقير المرأة ووأد البنات و... وقد كان النبي يقدّم للمرأة احتراماً خاصاً، سيما للسيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام)، وعندما لم يتمكّن مخالفو الإسلام من الهجوم على فاطمة بشكل مباشر لعدم تقبل المجتمع آنذاك لذلك، وكان ذلك سبباً لمشاكل أمامهم، فقد استخدموا طريقاً آخر عندما شنّوا حملاتهم على أهل البيت(عليهم السلام) عبر الحمل على المرأة ـ ومن مصاديقها الزهراء(عليها السلام) ـ وبذلك حاربوا الثقافة النبوية في الدفاع عن المرأة، كما كشفوا عن حقدهم الدفين للنبي عبر الهجوم على محبوبته فاطمة، ولكي يتحقق الهجوم على الثقافة النبوية فلا سبيل أفضل من جعل الأحاديث على لسان النبي، وبجعل الأحاديث الكثيرة، أحكموا عملهم بإتقان عبر عدم اهتمام أحد بسند الحديث، فجاء وضّاعون من نوع أحمد بن عبد الله الجويباري الذي وضع لوحده أكثر من ألف أو عشرة آلاف حديث.

وقد عدّ العلامة الأميني في المجلد الخامس من كتاب الغدير(60)الوضاعين حتى بلغوا أكثر من سبعمائة شخص وبعضهم وضع لوحده أربعة آلاف حديث، وبعضهم عشرة آلاف حديث،(61) وقد نبّه الأئمة المعصومون(عليهم السلام)في روايات مختلفة على خطر الوضاعين، عبر بيانات مختلفة، ما نشير إلى بعضه هنا.

فعن الإمام الصادق(عليه السلام) أنه قال:


«إنّا أهل بيت صديقون، لا نخلوا من كذاب يكذب علينا».(62)


وفي روايات أخرى له أنّه قال:


«إنّ الناس أولعوا الكذب علينا; كأنّ الله افترض عليهم ولا يريد منهم غيره»(63)


من هنا، فالأنسب في دراسة الروايات هو الاهتمام ـ أكثر فأكثر ـ بالأسانيد، ومقارنة محتواها ومضمونها مع القرآن.

ومع الأخذ بعين الاعتبار هذه النقاط، نشرع في بحثنا للروايات الواردة هنا، ولابد من الانتباه إلى أن الروايات المستدل بها هنا على عدم التساوي بين الرجل والمرأة تقع على مجموعتين:

إحداهما ما تعلّق بذيل الآية الشريفة رقم 282 من سورة البقرة، وثانيهما ما جاء في الأبواب الفقهية المختلفة والتي استدلّ بها هناك على عدم التساوي.

أ ـ الروايات المتعلّقة بالآية 282 من سورة البقرة


1 ـ رواية الإمام الحسن العسكري(عليه السلام)


نقل عن الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) عن أمير المؤمنين أنه قال:


«(فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان)، عدلت امرأتان في الشهادة برجل واحد، فإذا كان رجلان أو رجل وامرأتان أقاموا الشهادة قضى بشهادتهم، قال أمير المؤمنين(عليه السلام): كنّا نحن مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) وهو يذكرنا بقوله: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم)قال:أحراركم دون عبيدكم; فإن الله عزوجل قد شغل العبيد بخدمة مواليهم عن تحمّل الشهادات وعن أدائها وليكونوا من المسلمين منكم، فإنّ الله ـ عزوجل ـ إنما أشرف المسلمين العدول بقبول شهاداتهم، وجعل ذلك من الشرف العاجل لهم ومن ثواب دنياهم، قبل أن ينقلوا (يصلوا خ ل) إلى الآخرة، إذ جاءت امرأة فوقفت قبالة رسول الله، وقالت: بأبي وأمي يا رسول! أنا وافدة النساء إليك، ما من امرأة يبلغها مسيري هذا إليك إلا سرّها ذلك، يا رسول الله! إن الله ـ عزوجل ـ ربّ الرجال والنساء وخالق الرجال والنساء، رازق النساء والرجال، وإن آدم أب الرجال والنساء، فما بال امرأتين برجل في الشهادة (في) الميراث؟ فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): يا أيتها المرأة; ذلك قضاءٌ من عدل حكيم لا يجور لا يحيف ولا يتحامل، لا ينفعه ما منعكنّ ولا ينقصه ما بذله، لكن يدبّر الأمر بعلمه، يا أيتها المرأة! لأنكنّ (لا تكنّ) ناقصات الدين والعقل، قالت: يا رسول الله! وما نقصان ديننا؟ قال: إن إحداكنّ تكون تقعد نصف دهرها لا تصلي بحيضة (ولا تصلّي بحيض عن الصلاة لله خ)، وإنكنّ تكثرن اللعن وتكفرن النعمة، تمكث إحداكنً عند الرجل عشر سنين فصاعداً يُحسن إليها وينعم عليها، فإذا ضاقت يده يوماً أو خاصمها، قالت له: ما رأيت منك خيراً قط; فمن لم يكن من النساء هذه خُلُقها فالذي يصيبها من هذا النقصان محنة عليها وتصبر فيعظم الله تعالى ثوابها، فأبشري، ثم قال لها رسول الله(صلى الله عليه وآله): إنه ما من رجل ردي إلا والمرأة الردية أردى منه، ولا من امرأة صالحة إلا والرجل الصالح أفضل منها، وما سوّى الله قط امرأة برجل إلا ما كان من تسوية فاطمة بعلي(عليه السلام)، أي في الشهادة».(64)


كيفية الاستدلال


إن الاستدلال بهذه الرواية لدعم مساواة المرأتين الشاهدتين للرجل الشاهد الواحد واضح جداً; لذا لا داعي لإطالة الكلام في هذا المجال.

دراسة الاستدلال وإشكاليّاته


في هذا الحديث من ناحيتي: السند والمتن، إشكالات عديدة توجب سقوطه عن الاعتماد عليه في الاستدلال.

1 ـ 1 ـ دراسة سند الرواية


لم يثبت ـ سندياً ـ أن هذا التفسير للإمام العسكري(عليه السلام)، ولم يكن هذا الكتاب معروفاً حتى لا يحتاج ـ أمثال كتاب الكافي، والتهذيب، والاستبصار، ومن لا يحضره الفقيه ـ إلى سند له، وعليه فلا سند لنا ـ أولاً ـ إلى هذا الكتاب، كما أن هذه الرواية ليست ـ ثانياً ـ سوى خبر مرسل، وعدم حجيته من الضروريات والبديهيات، ذلك أنه حتى مع وجود سند للروايات يلزم أن يكون تمام الرواة ثقات ومحل وثوق، كما أن وثاقتهم لابد أن تحرز، وعليه فكيف يمكن بمجرّد نسبة كتاب إلى إمام، أن نعتمد على رواياته، رغم أن سند الرواية غير معلوم، ولا سند الكتاب أيضاً.

2 ـ 1 ـ دراسة متن الرواية


ثمة مواضع في هذه الرواية تخالف الأصول والضوابط المعتبرة شرعاً وعقلاً، كما تخالف الوقائع الخارجية، والأمور المسلّمة، إلى جانب مخالفة الكتاب والسنّة.

المورد الأول: جاء في الرواية:


«..فإن الله إنما شرّف المسلمين العدول بقبول شهادتهم، وجعل ذلك من الشرف العاجل لهم ومن ثواب دنياهم...».(65)


أولاً: إن هذا التمييز بين المسلمين وغيرهم ظالم وغير سليم; ذلك أنه لا وجه لهذا الامتياز هنا مع فرض أن غير المسلم لا تقصير لديه في عقيدته، فأغلبية غير المسلمين قاصرون; فكيف يمكن القبول بأن الرحمن الرحيم والإله الذي وسعت رحمته كل شيء قد حرم هؤلاء من لطفه هذا؟ أليس هذا الانحصار ترجيح بلا مرجح كما أن اللطف بالبعض دون الآخر لا وجه له؟ أفهل لله علاقة قرابة ببعض الناس فلا يرحم ولا يرأف ولا يحب غيرهم؟

وبعبارة أخرى، إن هذه الأنواع من الحصر تقوم على خلاف العدل في اللطف والرأفة، كما أن إعطاء الامتيازات للبعض بلا جهة ولا وجه كذلك، ولا يفوتنا أنه كما يكون العذاب والمجازاة والعقوبة بلا جهة ودون ارتكاب جرم ظلماً وجوراً; كذلك إعطاء الشرف بلا مبرّر لبعض الأفراد، لا سيما فيما يخصّ ذات الباري تعالى وهو المنزه عن كل ظلم، مخالفاً للعدالة والحكمة.

ثانياً: إن هذا التشريف والاحترام للمسلمين يوجب تضييع حقّ من له الحقّ في الدعاوى; ذلك أنه إذا كان لدى من له الحقّ شاهد عادل غير مسلم ولم تقبل شهادته، فإنّ حقّ من له الحقّ سوف يزول ويذهب ويضيع، وبعبارة أخرى: أيّ تشريف هذا الذي يجعل للمسلمين فيبعث على تضييع حقوق الآخرين؟ إن هذا الأمر مخالف للعدالة وموازين المولى الحكيم. وإذا أشكل أحد وقال: إنه لا يضيع حقّ هذا الشخص، بل يكون كمن لم يجد شاهداً، قلنا له: إن عدم وجود شاهد لهذا الشخص إنما هو بسبب ضعفه الشخصي لا لضعف في القانون ولا لظلم من المقنّن له، إنّ ضعف الإنسان في عمل يوجب حتى عدم استجابة الدعاء، كما جاء في حديث عن الإمام الصادق(عليه السلام):

«أربعة لا تستجاب لهم دعوة: رجل جالس في بيته يقول: اللهم! ارزقني، فيقال له: ألم آمرك بالطلب؟..»(66)


وهذا على خلاف من حصل على شاهد لكنّ المقنّن أسقط عن شهادة هذا الشاهد الاعتبار والقيمة.

ثالثاً: في هذه الفقرة من الرواية اعتبر قبول شهادة المسلم العادل ناتجاً عن احترامه ومنحه القيمة والشخصية، مع أنه ثبت في موضعه أن حجية شهادة العدول إنما كانت من باب البناء العقلائي والارتكازات العرفية، ومع الأخذ بعين الاعتبار هذا المعيار فإن شهادة المسلم العادل إنما اعترف بها ببناء العقلاء، وليست بحاجة إلى ملاك آخر للاعتراف بها حتى تكون هناك منّة إضافية في رقبته.

رابعاً: إن هذا الحصر في قبول شهادة المسلمين ينافي قبول شهادة غير المسلمين في قضاياهم; ذلك أن شهادة غير المسلم مقبولة في المحكمة الإسلامية في حقّ غير المسلم، ويحكم على طبقها.

المورد الثاني: جملة: «إن إحديكن تكون تقعد نصف دهرها لا تصلي بحيضة» وهي جملة غير مطابقة للواقع الخارجي، وذلك:


أولاً: إذا رأت المرأة في تمام عمرها حيضاً، وكان ذلك في كل شهر عشر أيام، وهي أعلى معدّل للحيض، وكانت تصلّي عشرين يوماً في الشهر، فسوف يكون ثلث حياتها بلا صلاة لا نصف عمرها.

ثانياً: مع الأخذ بعين الاعتبار أن بلوغ المرأة قبل الرجل، وأن توجّه التكليف عندهنّ يسبق ـ كما تدل عليه أحاديث البلوغ المشيرة إلى ذلك ـ توجّهه للرجال، فهذا معناه أن النساء سوف يقمن الصلاة قبل الرجال بعدة سنوات.

ثالثاً: إذا أردنا استنتاج معيار كمّي لأيام الصلاة عند المرأة طبقاً لعدد الأيام، وجعلنا ذلك معياراً، فهو معارض لروايات أخرى ترفض هذا المعيار، وترى أن الهدف والصلاح ـ وهما ثمرة العبادة الصحيحة ـ هما الميزان لتديّن الإنسان، بل حتى على الصعيد الكمي لا يمكن الجزم بأن الرجال يقيمون الصلاة أكثر من النساء، لأن المرأة تشرع بالصلاة قبل الرجال، وهذا ما يجبر النقصان المسبّب عن أيّام العادة الشهرية.

رابعاً: يجب على النساء وفي فترات اليأس إقامة الصلاة والصيام، وعليه تتساوى المرأة والرجل في هذه الأيام من ناحية التكاليف، وهذا الواقع الخارجي ينافي ما قيل من أن النساء لا يصلّين نصف عمرهنّ.

خامساً: إن عدم إقامة المرأة للصلاة في أيام العادة وظيفة شرعية، فيجب عليها ترك الصلاة، بل إنها لو صلّت تكون مذنبةً تعصي الله تعالى، وعليه فترك الصلاة منهنّ علامة قوّة الإيمان والتسليم أمام القانون والتكليف الموضوع عليهنّ من جانب الباري تعالى; فكيف يمكن أن يترك الإنسان عملاً بأمر إلهي وهو ما يدلّ على كمال دينه وإيمانه، ويكون تركه هذا في الوقت عينه دليلاً على قلّة الإيمان وعدم التدين؟!

المورد الثالث: جملة: «ما من رجل ردي إلا والمرأة الردية أردى منه، ولا من امرأة صالحة إلا والرجل الصالح أفضل منها، وما سوّى الله قط امرأةً برجل». وهنا:


أولاً: إن هذا الكلام يخالف أصول الإسلام والعقل المسلّمة، وهي تدلّ على تساوي المرأة والرجل في الاختيار في أعمالهم الحسنة والسيئة، ذلك أنه عندما يكون تمام النساء ـ بلا استثناء ـ أسوأ من الرجال السيئين، وتمام الرجال الصالحين أحسن من تمام النساء الصالحات. سيكون التفاضل في الحُسن والسوء جبرياً غير اختياري، وإلا فإذا كان الحُسن والقبح اختياريين، فلابد أن تنتقض القاعدة المذكورة في بعض الموارد.

وبعبارة أخرى: إذا أخذنا هذا المقطع من الرواية بعين الاعتبار فسوف تكون خصوصيات الأفضلية والأحسنية على نحو العلّة التامة التي لا تخلّف فيها، كما لا اختيار، وفي غير هذه الحالة، إذا كانت هذه الخصوصيات دخيلة على نحو الاقتضاء كان فيها اقتضاء التخلّف، ولم تعد القضية إطلاقية في الأحسن والأسوأ.

ثانياً: تخالف هذه الجملة الكثير من الآيات القرآنية، ولعلّه يمكن القول: إنها تعبر عن أحد النماذج البارزة من الأحاديث المخالفة للقرآن، والتي أمرنا ـ طبقاً لأوامر الأئمة(عليهم السلام) ـ بطرحها وضربها عرض الجدار; ذلك أنّ هذا الحديث يخالف روح الآيات القرآنية الرائعة الدّالة على العدالة واللطف الإلهيين، مثل قوله تعالى:

(إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر وأنثى..)(67)

(من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينّه حياةً طيبة..)(68)


(إنّ المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدّقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعدّ الله لهم مغفرةً وأجراً عظيماً
)(69)

إن هذه الآية من الآيات التي ركّز الله فيها عبر تكرار الصفات على صيغة المذكر والمؤنث، كي يُفهم أنّ الإسلام يرى الرجل والمرأة متساويين في صفات الخير والحسن الموجبة للمغفرة الإلهية.

وثمة آية أخرى يمكن الاستفادة منها هنا، وهي قوله تعالى:

(ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفوراً رحيماً)(70)


وكذلك ما جاء من أن الأفضلية لها معيارٌ واحد هو التقوى لا الجنس والعرق والقومية، كقوله تعالى:

(يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم..)(71)


المورد الرابع: إنّ هذه الرواية تجعل تمام النساء ناقصات العقول وناقصات الدين، ومتهمات باللعن وعدم الشكر، ولم تستثن سوى البعض، إنّ هذه الطريقة في الحديث مع امرأة جاءت إلى محضر النبي(صلى الله عليه وآله)وقدّمت نفسها ممثلةً عن النساء، مستخدمةً كلمات مثل «بأبي وأمي» دالّة على محبتها ومحبّة المجتمع النبوي للرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله).. إن هذه الطريقة غير مناسبة، ولا تنسجم مع خُلق النبي الذي وصفه الله تعالى في القرآن الكريم بـ (وإنك لعلى خلق عظيم)(72)


المورد الخامس: الشيء المثير للعجب في هذه الرواية أن النبي(صلى الله عليه وآله)ـ ولتبرير عدم تساوي الشهادة بين الرجل والمرأة ـ لم يُشر إطلاقاً إلى الآية الكريمة، وإنما استعاض عنها بسلسلة وجوه تخالف الموازين الشرعية والعقلية; وهذا بنفسه دليل محكم على بطلان هذه الرواية وعدم صدورها عمّن هو محلّ نزول الوحي.

ومع الأخذ بعين الاعتبار تمام هذه الإشكاليات المثارة حول هذه الرواية، فإن هذه الرواية تصبح محل استفهام جاد في صدورها، كما أن في دلالتها إشكالات أيضاً، ذلك أن الحديث لا يشمل ذيل الآية الشريفة وغير موردها، أي أنه مختص بذاك المورد الخاص، وهو قضية النسيان في باب الدَّين، لا عدم التساوي في تمام الموارد والموضوعات.

نتيجة البحث


ما تقدّم بتمامه يخدش في صحّة هذه الرواية ونسبتها إلى الإمام المعصوم(عليه السلام)، وشبيه هذه الرواية في مخالفة القرآن والقواعد والارتكازات العقلائية، بعض الفقرات الواردة في نهج البلاغة(73)عن الإمام علي(عليه السلام) حول النساء، ذلك أنّ هذه الصورة للمرأة تخالف صورتها التي رسمها القرآن الكريم، ومناخ هذه الصورة مناخ مليء بفتن الزمان ودسائس شياطين السياسة.

إن المرأة في نهج البلاغة وصفت بأوصاف مثل: العقرب، الشرّ، ناقصات العقول، ناقصة الإيمان، ناقصة الحظ، ومع الأسف فقد انبرى أكثر شرّاح نهج البلاغة لإثبات هذه المقولات، على أساس أن النساء أنقص من الرجال في مقام العبودية، والعروج والتكامل، والتلقي الذهني، والانتزاعات العقلية، غافلين عن كيفية تفسير الآيات القرآنية في هذا المضمار، أليس معيار معرفة كلام الأئمة عن غيرهم في أدعيتهم وأحاديثهم هو الانسجام مع القرآن والكلام الإلهي في المفاهيم والمعاني؟ أين قدّم القرآن المرأة حقيقةً ناقصةً وماهيةً غير كاملة؟!

من هنا; فالإشكالات التي ذكرناها سابقاً حول الحديث المتقدم، من مخالفة الأصول المسلّمة للإسلام ومذاق الشرع والآيات القرآنية، يجري في هذه الخطبة أيضاً، يضاف إلى أنه قد جاء هناك أنهنّ «نواقص الإيمان ونواقص الحظوظ»، وهذا ما يضاعف الإشكالات; ذلك أنه ـ وكما يقول العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان(74) ـ يتساوى الرجل والمرأة في الحظ والملك، أو أن المرأة تحظى بمالكية أكبر; لهذا كانت هذه الرواية مخالفةً للواقع الخارجي; من هنا لا يمكن أن يكون مثل هذا الكلام صادراً عن أمير الكلام وباب مدينة علم الرسول(صلى الله عليه وآله).

2 ـ رواية داوود بن الحصين


عن داوود بن الحصين عن أبي عبد الله(عليه السلام):


«...وكان أمير المؤمنين(عليه السلام)يجيز شهادة المرأتين في النكاح عند الإنكار، ولا يجيز في الطلاق إلا شاهدين عدلين، فقلت: فأنّى ذكر الله تعالى قوله: (فرجل وامرأتان)؟ فقال: ذلك في الدّين، إذا لم يكن رجلان، فرجل وامرأتان، ورجلٌ واحد ويمين المدّعي، إذا لم يكن امرأتان، قضى بذلك رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين(عليه السلام)بعده عندكم».(75)


كيفية الاستدلال


وقالوا: إنه حيث سأل السائل عن الآية الشريفة، وأقرّه الإمام في سؤاله، عنى ذلك أن الآية ـ بإمضاء المعصوم ـ تدل على أن شهادة المرأتين في باب الدَّين تساوي شهادة الرجل الواحد، وفي كافة الموارد الأخر كذلك، فتساوي شهادتهما شهادته.

دراسة في متن الحديث


عندما يكون السؤال عن الآية والجواب في موردها، يرتبط تقرير الإمام تلقائياً بالآية نفسها، فكل ما يفهم من الآية سوف يكون حجةً; وقد ذكرنا أن في الآية علّةً وسبباً، وأن الحكم فيها تابع لهذه العلّة، وبعبارة أخرى:
إن تقرير المعصوم لا يضيف شيئاً على معطى الآية، والآية تدل على تساوي قيمة شهادة المرأتين مع شهادة رجل واحد انطلاقاً من خصوصية النسيان، لا لمحض كون المرأة امرأةً، وهذه الخصوصية موجودة في نصّ الآية بوصفها سبباً ومبرراً للحكم.

ب ـ الروايات الواردة في الأبواب المختلفة

1 ـ روايات باب الحدود والوصية والإرث والديات


من جملة الروايات التي يمكن الاستناد إليها في مجال مساواة شهادة المرأتين لشهادة الرجل الواحد، ما جاء في أبواب مختلفة من الفقه الإسلامي; إذ يستنبط من هذه الروايات أن شهادة المرأتين تساوي شهادة رجل واحد في تمام الموارد والمواضع، انطلاقاً من كونها امرأة.

أ ـ باب الحدود: لقد وردت في باب الحدود أحاديث تدلّ على أن شهادة ثلاثة رجال وامرأتين يمكنها أن تثبت عقوبة الجلد أو الرجم في الزنا، ومع الأخذ بعين الاعتبار لزوم توفر أربعة شهود من الرجال في إثبات جريمة الزنا، يُعلم أن المرأتين قد جعلتا هنا في موضع الرجل الواحد، وذلك مثل روايات: أبي بصير،(76)وإبراهيم الحارثي (الحارقي)،(77)ومحمد بن الفضيل،(78)وعبد الله بن سنان،(79)وزرارة.(80)


ب ـ باب الوصية: وهي الأحادث التي نقلت حول شهادة المرأة في باب الوصايا، والتي قُبِل فيها بشهادة المرأة الواحدة في ربع الوصية، مثل صحيحة السندي التي يرويها محمد بن قيس عن الإمام الباقر(عليه السلام) أنه قال:

«قضى أمير المؤمنين(عليه السلام) في وصية لم يشهدها إلا امرأة، فقضى أن تجاز شهادة المرأة في ربع الوصية».(81)


ج ـ باب الإرث: تُثبت شهادة المرأة القابلة في ولادة الطفل ـ كما هي الحال في مجال الوصايا ـ ربع الإرث للولد، ففى خبر ابن سنان عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه قال:

«تجوز شهادة القابلة في المولود إذا استهل وصاح في الميراث، ويورث الربع من الميراث بقدر شهادة امرأة واحدة»، قلت: فإن كانت امرأتين؟ قال: «تجوز شهادتهما في النصف من الميراث».(82)


د ـ باب الديات: ثمة مجموعة من الروايات تقبل ـ أيضاً ـ شهادة المرأة الواحدة في ربع دية القتل، من قبيل رواية عبد الله بن الحكم أنه قال:

سألت أبا عبد الله(عليه السلام)عن امرأة شهدت على رجل أنه دفع صبياً في بئر فمات، قال: «على الرجل ربع دية الصبي بشهادة المرأة».(83)


ولا يفوتنا أنه سينتج بالدلالة الالتزامية من هذه المجموعات الثلاث من الروايات (الوصية ـ الإرث ـ الديات) أنه بشهادة أربع نساء تثبت الوصية والإرث والدية بتمامها، إذ عندما يثبت بشهادة المرأة الواحدة ربع هذه الموراد الثلاثة، فإن اللازم العرفي لذلك أن تكون شهادة أربع نساء موجبةً لثبوت الوصية والإرث والدية كاملةً. من ناحية أخرى، حيث إن هذه المواضيع تثبت بشهادة رجلين كان لازم ذلك أن تساوي شهادة الأربع نساء شهادة رجلين اثنين.

الانتقادات والإشكالات

1 ـ النقد المشترك


الجواب الإجمالي والمشترك الذي يتناول هذه الروايات كافة، هو أنها تدل على أزيد مما دلّت عليه الآية القرآنية، فقد جاء في كتاب الله تعالى أن علّة عدم المساواة هي إمكان النسيان في النساء، والآية واردة في الدَّين وهذه الروايات واردة في الدية والوصية والإرث، وهي أنحاء من الدين وتعدّ من القضايا المالية، فعبر الشهادة يثبت مال أو حق مالي للمشهود له، فتضيف مطلباً للآية، لكن الروايات عندما تريد بيان حكم على خلاف الآية، سواء بالإضافة أو الإنقاص، أو تريد أن تؤسس حكماً تعبدياً، فإنها تحتاج لحشد من الروايات والأدلة أكثر وضوحاً; فلابد أن تكون النصوص صحيحةً صريحةً في هذا المضمون عن الأئمة المعصومين(عليهم السلام)، ذلك أنه ثبت في محلّه أن الشارع عندما يريد بيان حكم على خلاف القواعد والبناءات العقلائية فإنه يبرزه ببيانات مختلفة، وفي أزمنة متفاوتة، وأمكنة متنوّعة، وبعبارات صريحة ونصّ قويم، مثل الردع عن القياس في استنباط الأحكام الشرعية، وإلاّ فإذا لم يكن الأمر كذلك، فسوف يحمل العقلاء والعرف تلك الأدلة الخاصة المحدودة التي تخالف بناءاتهم.. على مبانيهم وعلى ما لا يخالف تلك الارتكازات العقلائية.

وبعبارة أخرى، إن الارتكاز العقلائي مانع عن التعبّد، وأيّ دليل لا يكون بهذه القوة والمتانة والاستحكام بحيث يمكنه أن يثبت ما يخالف البناءات العقلائية، فسوف يكون بنفسه دليلاً وتقريراً للأعمال العقلائية من قبل الشارع.

وخلاصة الكلام أن مدلول الروايات لا يدلّ على أكثر مما تفيده الآية الشريفة، وأن العلّة التي أبدتها الآية الكريمة تعود لتلعب دوراً في التعميم والتخصيص، كما بيّناه في الأبحاث السابقة، فنصرف النظر عنه فعلاً.

2 ـ الانتقادات الخاصة


وفي مجال الحديث عن الانتقادات الخاصة بكل باب من هذه الأبواب لابد من القول: إن روايات باب الحدود ليس فيها سوى إشعار بالأمر، ولا يمكن ـ بسبب الخصوصيات القائمة في باب الحدود، سيما تلك المجموعة من الحدود التي ترتبط بسمعة الأشخاص ومكانتهم الاجتماعية ـ التعدّي منها إلى أي باب آخر، ذلك أن بعض الخصوصيات من نوع «درء الحدّ بالشبهة» و«التخفيف» مما جاء في الحدود، وهي تفرض أن يكون الشاهد رجلاً بل متعدداً وأن يُعمل بالإقرارات، وهذا ما يميز هذا الباب عن سائر الأبواب، ولذلك لا تكون الشهادة في الحدود العرضية جائزةً إلا عندما يكون هناك وضوح تام لدى الشاهد، بحيث رأى الميل في المكحلة، كما أنه في الأبواب الأخرى لابد أن تكون الشهادة عن علم واطلاع كافيين; وبناءً عليه لا يمكننا ـ مع وجود اعتبارات خاصة بباب الحدود ـ أن نعدّي هذا النوع من الشهادة إلى الأبواب الأخرى في الفقه ونلغي الخصوصية; ذلك أن الخصوصية واضحة ومعلومة، وإلغاء الخصوصية العرفية مع احتمالها غير صحيح ولا تام، فكيف مع العلم بها؟!

وهكذا الحال في الروايات الراجعة إلى نفوذ شهادة المرأة في ربع الإرث والوصية والدية، فليس فيها أكثر من إشعار، وإلا فالحكم في هذه الروايات لا علاقة له بحجية الخبر وشهادة المرأة، ذلك أنه عندما تكون شهادة أربع نساء حجةً، فإن خبر إحداهنّ لن يكون له أثر من الحجية والاعتبار، مع أنّ الشارع جعله حجةً; وعليه فنفوذ خبرها في الربع حكم تعبدي خاص; لأن الحجية لا تقبل التبعيض عند العقلاء، كما أنها غير معقولة في بعض المدلول دون بعض، رغم أنه لا مانع من تبعّضها من طرف الشارع في الأمور الاعتبارية، إلا أن هذا التعبد لابد له أن يثبت بالكثير من الأدلة والنصوص المحكمة.

2 ـ صحيح منصور بن حازم


ثمة رواية أخرى يرويها منصور بن حازم ـ وهو من الأصحاب والمحدّثين الكبار ـ عن أبي الحسن(عليه السلام)، قال:

حدثني الثقة، عن أبي الحسن(عليه السلام) قال: «إذا شهد لصاحب الحق امرأتان ويمينه فهو جائز».(84)


وظاهر هذه الرواية أنها تبيّن أن شهادة المرأتين تساوي شهادة رجل واحد، ذلك أنه قد ثبت في محلّه أن شهادة الرجل الواحد تكفي ـ إذا صاحبتها يمين المدعي ـ في إثبات حقّه.

أ ـ دراسة سند الرواية


لا تخلو هذه الرواية من إشكال من ناحية السند; ذلك أنها مرسلة، ولا يُعلم من هو الثقة الذي نقل الرواية لمنصور بن حازم، ولعلّه لا يكون ثقةً عندنا، ويمكن القول: إن توثيق منصور كتوثيق النجاشي يعتبر حجةً بالنسبة إلينا.

ب ـ دراسة متن الرواية


تعاني الرواية من مشكلة لغوية ودلالية; ذلك أنه جاء فيها:

«إذا شهد لصاحب الحق امرأتان ويمينه فهو جائز» ولا يُعلم مرجع الضمير «هو» الوارد فيها; ذلك أن الشهادة مؤنث ولا يرجع ضمير «هو» إليها، كما أن رجوع هذا الضمير إلى صاحب الحق أمر لا معنى له، من هنا ثمة احتمال في حصول سقط أو زيادة في الرواية، وهو احتمال قوي، وإنما يجري أصل عدم الزيادة وعدم النقيصة وعدم تصرّف الراوي في الرواية عندما لا تكون هناك حجة على خلافه، وهذه المشكلة اللغوية الموجودة هنا تصلح حجةً على الخلاف; من هنا لا يمكن الاعتماد على هذه الرواية.

والإشكال الرئيس في هذا الحديث هو أنه في مقام بيان أنه لو اجتمعت شهادة المرأتين مع القسم كان ذلك في نفع المدّعي، وليست في مقام بيان أن شهادة المرأتين تساوي شهادة الرجل الواحد في تمام الحالات; وعليه لا إطلاق في الحديث من هذه الزاوية حتى نأخذ به ونحكم بمساواة شهادة المرأتين للرجل الواحد في تمام الموارد; وفي نتيجة الأمر لا يمكن أن يدلّ هذا الحديث على أزيد مما دلّت عليه الآية الكريمة، وقد تقدم أنّ الآية الشريفة قد جعلت النسيان في النساء هو العلّة للحكم، والحكم يدور مدار علّته وجوداً وعدماً، كما أنّ صحته وضيقه يتبعانها تلقائياً.

نتيجة البحث


ومع الأخذ بعين الاعتبار ما تقدم حتى الآن، نرى أن شهادة المرأتين لا تساوي شهادة الرجل الواحد بوصفها قاعدةً عامة، وأنه عندما جعل الشارع هذا القانون جعله في موارد خاصة لأسباب ترجع إلى المرأة، لا لمحض كون المرأة امرأةً.

في الفصل القادم، ومع الاعتماد على ما توصّلنا إليه، سندرس ونعالج فقهياً الموارد والموضوعات التي طرح فيها قانون مساواة شهادة المرأتين للرجل الواحد، وكذلك تلك الموارد التي لم تقبل فيها شهادة المرأة مطلقاً، ونرصد أدلّتها وبراهينها، لعلّنا نخرج بنتيجة تخالف ما توصّل إليه الفقهاء في هذا المضمار />____________________________________________________________

(46) البقرة: 282 ـ 283.

(47) البقرة: 282.

(48) جامع الشتات 2: 711، الطبعة الحجرية.

(49) البقرة: 282.

(50) البقرة: 282.

(51) وسائل الشيعة 27: 389 ـ 390، كتاب الشهادات، باب 40، ح1، 4.

(52) المبسوط 16: 112.

(53) البقرة: 282.

(54) البقرة: 282.

(55) جواهر الكلام 41: 173.

(56) المصدر نفسه: 170.

(57) وسائل الشيعة 27، باب 9، من أبواب صفات القاضي، ح10، 11، 14، وغيرها من أحاديث هذا الباب.

(58) لمزيد من الاطلاع هنا انظر: جوادي آملي، زن در آينه جلال وجمال: 295 ـ 298، 306 ـ 316.

(59) نهج البلاغة، الخطبة: 80.

(60) الغدير 5: 301; سلسلة الكذابين والوضاعين.

(61) علم الحديث ودراية الحديث: 114.

(62) بحار الأنوار 2: 217.

(63) المصدر نفسه: 246.

(64) تفسير البرهان 1: 263.

(65) وسائل الشيعة 27: 399، كتاب الشهادات، باب 41، ح22.

(66) أصول الكافي 2: 511، كتاب الدعاء، باب من لا تستجاب دعوته، ح 2.

(67) آل عمران: 195.

(68) النحل: 97.

(69) الأحزاب: 35.

(70) الاحزاب: 73.

(71) الحجرات: 13.

(72) القلم: 4.

(73) نهج البلاغة، الخطبة: 80.

(74) الميزان 4: 207.

(75) وسائل الشيعة 27: 360، كتاب الشهادات، باب 24، ح35.

(76) وسائل الشيعة 27: 351، كتاب الشهادات، باب 24، ح4.

(77) المصدر نفسه: 352، ح5.

(78) المصدر نفسه، ح7.

(79) المصدر نفسه: 353، ح10.

(80) المصدر نفسه: 354، ح 11.

(81) المصدر نفسه: 355، ح 15.

(82) المصدر نفسه: 364، ح45.

(83) وسائل الشيعة 27: 359، كتاب الشهادات، باب 24، ح33.

(84) وسائل الشيعة 27: 359، كتاب الشهادات، باب 24، ح31.

العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org