Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة عامة
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مصباح [ 3 ]

مصباح [ 3 ] [ في وجوب الأغسال الخمسة لما يجب له الوضوء ]

تجب الخمسة(1) لما يجب له الوضوء.

أمّا وجوب الأربعة الأُول للواجب من الصلاة والطواف، فمعلوم بالنصّ والإجماع.

وأمّا وجوبها لمسّ كتابة القرآن، فلما تقدّم من تحريمه على المحدث مطلقاً(2)، مع عدم ظهور خلاف فيه هنا إلاّ من ابن الجنيد(3) وهو شاذّ، وكلامه ليس صريحاً في الجواز.

وقد حكى جماعة من الأصحاب إجماع علماء الإسلام على تحريمه على الجنب والحائض(4). والنُفَساء في حكم الحائض إجماعاً(5)، وكذا المستحاضة، فإنّها قبل الغُسل كالحائض، كما ستعرفه إن شاء الله(6).

[ هل يجب غسل المسّ لما يجب له الوضوء؟ ]

وأمّا وجوب غسل المسّ لهذه الغايات، فلما تقرّر من أنّ مسّ الميّت حدث ينتقض به الطهارة، فكان الغسل له شرطاً لكلّ ما يشترط بها، من صلاة وغيرها.

وقد ناقش في ذلك جملة من المتأخّرين(7)، واحتملوا وجوب هذا الغسل تعبّداً، وإن لم يشترط به شيء من العبادات. وهو خلاف الإجماع; فإنّ القائلين بوجوب غسل المسّ ـ وهم المعظم ـ اتّفقوا على أنّ المسّ حدث ناقض للطهارة، وعباراتهم طافحة بذلك تصريحاً وتلويحاً. وقد وقع التصريح بذلك في المقنعة(8)،

والنهاية(9)، والاقتصاد(10)، والجمل والعقود(11)، والكافي(12)، والغنية(13)،

والإشارة(14)، والوسيلة(15)، والسرائر(16)، والمنتهى(17)، والدروس(18)، والذكرى(19)،

والبيان(20)، والروض(21)، وكفاية الطالبين(22)، وجامع المقاصد(23)، وفوائد الشرائع(24)، ومنهج السداد(25)، والرسالة الفخريّة(26)، وغيرها من كتب القدماء والمتأخّرين(27). وهو أمر مقطوع به في كلامهم، ولا خلاف فيه إلاّ ممّن نفى وجوب غسل المسّ، كالسيّد المرتضى ومن وافقه على ذلك(28); فإنّ المسّ عندهم ليس بحدث، ولا موجب للغسل، فالقول بوجوب غسل المسّ وأنّ المسّ ليس بحدث خرق للإجماع.

فأمّا ما قاله الشيخ في المبسوط(29) من أنّ المسّ ناقض للطهارة على خلاف بين الطائفة، فلم يرد به وقوع الخلاف في ذلك بين القائلين بوجوب الغسل، بل بينهم وبين من قال بالندب. وينبّه على ذلك احتجاجه في الخلاف على الوجوب بطريقة الاحتياط، قال: «فإنّ من اغتسل من المسّ لا خلاف في أنّه طاهر، بخلاف ما إذا لم يغتسل فإنّ فيه خلافاً»(30). وقال في موضع آخر: «إنّه إذا اغتسل أدّى الصلاة بيقين، وإذا لم يغتسل لم يؤدّيها بيقين»(31).


فعُلِم أنّ وجوب الغسل وحَدثيّة المسّ متلازمان.

ويشير إلى ذلك أيضاً كلام السيّد في الجمل; فإنّه في فصل الأحداث الناقضة للطهارة ذكر ما يوجب الوضوء منها، وما يوجب الغسل، ثمّ قال: «وقد ألحق بعض أصحابنا بذلك مسّ الميّت»(32)، مشيراً به إلى من قال بوجوب غسل المسّ.

ويدلّ على أنّ المسّ حدث ناقض للطهارة: التزام الإماميّة بغسل المسّ فيما يشترط بالطهارة في جميع الأعصار، ولو وجب تعبّداً لجاز تأخيره إلى ظنّ الوفاة، ولم يلتزم فعله في شيء من العبادات; لأنّه ليس بفوريّ إجماعاً، ولا هو شرط في الصلاة وغيرها على هذا الفرض، واللازم باطل; فإنّه خلاف السيرة المتقرّرة والعمل المستمرّ في الأعصار والأمصار.

ويدلّ عليه أيضاً: اتّفاق الأصحاب على أنّ الطهارات ـ أجمع ـ إنّما تجب لوجوب ما يشترط بها، من عبادة أو غيرها، وأ نّ شيئاً منها لا يجب لنفسه إلاّ ما كان من غسل الجنابة، فقد وقع فيه الخلاف أنّه واجب لنفسه أو لغيره، والحقّ فيه أنّه واجب لغيره كغيره من الطهارات.

ومن ثَمّ قال المحقّق (رحمه الله): «إنّ إخراج غسل الجنابة من ذلك كلّه تحكّم بارد»(33).

وهو صريح فيما قلناه من الإجماع على الوجوب الغيري فيما عدا الجنابة.

وقد ذكر نحواً من ذلك جماعة من الأصحاب، كالشهيد في القواعد(34) والذكرى(35)، والمحقّق الكركي في الجامع(36) وغيره(37)، على أنّ الخلاف في وجوب الغسل لنفسه ليس إلاّ في ثبوت الوجوب النفسي وعدمه.

وأمّا وجوبه لغيره فهو أمر ثابت مسلّم بين الفريقين، لا يختلفون في ذلك، وهو كاف في المطلوب من كون السبب الموجب للغسل حدثاً ناقضاً للطهارة، ومتى ثبت أنّ المسّ حدث ناقص للطهارة ثبت وجوب غسل المسّ للصلاة والطواف الواجبين، لاشتراطهما بالطهارة إجماعاً، ولما يجب من مسّ كتابة القرآن; لتحريم مسّه على المحدث، كما بيّنّاه(38).

وقد نصّ على وجوب غسل المسّ لهذه الغايات، أو تحريمها قبل الغسل غير واحد من الأصحاب.

ففي الكافي لأبي الصلاح التصريح بأنّ المسّ حدث مانع من الصلاة، والطواف، ومسّ كتابة القرآن(39).

وفي الموجز(40)، وغاية المرام(41)، ومعالم الدين(42): أنّه يحرم بالمسّ مشروط الوضوء.

وفي الجعفريّة(43)، والطالبيّة(44)، والروض(45): إنّ هذه الغايات الثلاث مشتركة بين الوضوء والغسل مطلقاً، حتّى المسّ. وهو قضية عبارة الشرائع(46)، والقواعد(47)، والتذكرة(48)، والتحرير(49)، والإرشاد(50)، ونهاية الإحكام(51)، والدروس(52)، والذكرى(53)، والبيان(54)، وجامع المقاصد(55)، وفوائد الشرائع(56)، وحواشي التحرير(57)، ومنهج السداد(58)، وغيرها(59)، كما يعلم بمراجعة كلامهم في أوائل الكتب في مباحث الغايات.

وقال الشيخ المتقدّم الجليل علي بن بابويه في رسالته: «وإذا اغتسلت من غسل الميّت فتوضّأ واغتسل كغسلك من جنابتك، وإذا نسيت الغسل فذكرته بعدما صلّيت فاغتسل وأعد صلاتك»(60).

وهذا صريح في اشتراط الصلاة بهذا الغسل، ولا يقول ذلك مثله إلاّ عن ثبت ونصّ وارد.

وقد جاء اشتراط الصلاة به بهذه العبارة بعينها في كتاب فقه ألامام الرضا (عليه السلام) كما تقدّم نقله في أخبار وجوب غسل المسّ(61)، وهو نصّ في المطلوب.

والظاهر من سائر الروايات إرادة الاشتراط، كما هو المعهود والمفهوم من الأخبار الواردة في جميع أبواب الطهارات; فإنّها وردت على نمط واحد، وقد فهم الكلّ منها الوجوب للغير، وإخراج هذا الغسل من بينها مع عدم الفارق تحكّم ظاهر.

وممّـا يدلّ على أنّ المسّ حدث ناقض للطهارة: ورود النصّ بوجوب الوضوء مع كلّ غسل إلاّ الجنابة(62)، واتّفاق الأصحاب على ذلك إلاّ من شذّ(63)، وغسل المسّ داخل في العموم، وقد نصّوا على وجوبه فيه بالخصوص(64). وصرّحوا ببطلان الصلاة لو ترك الوضوء معه ولو سهواً، ولولا أنّ المسّ ناقض لم يجب به الوضوء قطعاً; فإنّه لا يجب إلاّ على المحدث بالاتّفاق.

ولا يرد على ذلك الأغسال المندوبة; لأنّ الوضوء إنّما يجب معها مع وجود الحدث الموجب له، فإنّ المغتسل للجمعة ـ مثلا ـ إذا كان على طهر، لم يجب عليه الوضوء إجماعاً، بخلاف الغسل الواجب.

ويشهد لما قلناه أيضاً ما تقدّم في روايتي الفضل بن شاذان، ومحمّد بن سنان(65) من تعليل الأمر بغسل المسّ، وأنّ العلّة فيه الطهارة لما أصابه من نضح الميّت، وقوله (عليه السلام): «فلذلك يتطهّر منه ويطهر».


وأمّا حديث موت الإمام في أثناء الصلاة(66)، فلا تصريح فيه بصلاة الماسّ قبل الغسل، فيحمل على أنّه يغتسل ثمّ يصلّي ولو منفرداً.

وبالجملة، فالمسألة من القطعيّات المعلومة باليقين، وإنّما بسطنا القول فيها دفعاً للشبهة المعترضة من بعض المتأخّرين(67).

--------------------------------------------------------------------------------

(1). أي: الأغسال الخمسة الواجبة.

(2). وهو ما رواه الطبرسي مرسلاً عن الباقر (عليه السلام)، انظر: الصفحة 76.

(3). نقل عنه العلاّمة في مختلف الشيعة 1: 192، المسألة 137، وقد تقدّم نصّ كلامه في الصفحة 72.

(4). ذكر المحقّق الحلّي في المعتبر 1: 187 أ نّ وجوب غسل الجنابة للمسّ ممّا اتّفق عليه علماء الإسلام. وادّعى العلاّمة في منتهى المطلب 2: 220 أ نّ تحريمه على الجنب مذهب علماء الإسلام، وادّعى في منتهى المطلب 2: 354، الإجماع على تحريمه على الحائض.

(5). قال المحقّق في المعتبر 1: 257: « النفساء كالحائض فيما يحرم عليه ويكره، كذا ذكره في المبسوط. وبمعناه قال في النهاية والجمل، وهو مذهب أهل العلم، لا أعلم فيه خلافاً ».

(6). سيأتي في الصفحة 249.

(7). منهم: السيّد في مدارك الأحكام 1: 16، والمحدّث الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1: 53، والمحقّق السبزواري في ذخيرة المعاد: 5، السطر 44.

(8). المقنعة: 38.

(9). النهاية: 18.

(10). الاقتصاد: 380.

(11). الجمل والعقود (المطبوع ضمن الرسائل العشر، للشيخ الطوسي): 160.

(12). الكافي في الفقه: 126.

(13). غنية النزوع: 34 و 40.

(14). إشارة السبق: 68.

(15). الوسيلة: 53.

(16). الكافي في الفقه: 126.

(17). منتهى المطلب 1: 183.

(18). الدروس الشرعيّة 1: 117.

(19). ذكرى الشيعة 1: 217.

(20). البيان: 82، وهو قضية عبارته: « ويجب غَسل العضو اللامس كسائر الأخباث، وغُسل البدن كسائر الأحداث، ويجب معه الوضوء ».

(21). روض الجنان 1: 306.

(22). كفاية الطالبين: 35، السطر 10. (مخطوطة مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي، رقم 8284).

(23). جامع المقاصد 1: 72.

(24). لم نقف على التصريح بذلك في حاشية شرائع الإسلام (للمحقّق الكركي). نعم، ذكر في الصفحة 19 من الكتاب (المطبوع ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره 10): « إنّ حدث المسّ غير مانع من اللبث في المساجد على الأصحّ »، فإطلاق الحدث عليه مشعر بما أفاد المؤلّف.

(25). منهج السداد (مخطوط): 4.

(26). الرسالة الفخريّة (لفخر المحقّقين): 39.

(27). منها: الحدائق الناضرة 3: 339، معتمد الشيعة: 337.

(28). تقدّمت أقوالهم في الصفحة 182.

(29). المبسوط 1: 26.

(30). الخلاف 1: 223، مع تفاوت.

(31). الخلاف 1: 701، المسألة 489 (كتاب الجنائز).

(32). جمل العلم والعمل (المطبوع ضمن رسائل الشريف المرتضى، المجموعة الثالثة): 25.

(33). المسائل العزّية (المطبوعة ضمن الرسائل التسع): 100.

(34). لم نعثر عليه في القواعد والفوائد.

(35). ذكرى الشيعة 1: 194، حيث قال: « ظاهر الأصحاب أنّ وجوب الغسل مشروط بهذه الأُمور، فلا يجب في نفسه، سواء كان عن جنابة أو غيرها ».

(36). جامع المقاصد 1: 263.

(37). كما في حاشية مختلف الشيعة (المطبوع ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره 8): 289.

(38). راجع: الصفحة 69 وما بعدها.

(39). الكافي في الفقه: 126. وفيه مانعيّه المسّ من الصلاة ومسّ المصحف، لا كتابة القرآن. ولم يذكر أيضاً ما نعيّته للطواف. نعم، ذكر في موضع آخر (الصفحة 195) أ نّه لا يصحّ طواف فرض ولا نفل لمحدث، والظاهر بقرينة عدّ المسّ من الأحداث، ما نعيّته أيضاً من الطواف، ولكنّه بعد نقل الأحداث المانعة من الصلاة، ومسّ المصحف، وأسماء الله تعالى، والجلوس في المسجد ممّا يشترط فيه الطهارة قال: «ويكره فيما عداها ».

(40). الموجز (المطبوع ضمن الرسائل العشر، لابن فهد): 53.

(41). غاية المرام 1: 68.

(42). قال في معالم الدين في فقه آل ياسين 1: 52: « ومنه ما يجب لما وجب له الوضوء خاصّة وهو غسل مسّ الميّت ».

(43). الجعفريّة (المطبوعة ضمن رسائل المحقّق الكركى 1): 81، حيث قال فيه: « والواجب من الغسل: ما كان أحد الأُمور الثلاثة، أو لدخول المساجد... ».

(44). المطالب المظفريّة (مخطوط) : 26.

(45). روض الجنان 1: 56.

(46). شرائع الإسلام 1: 3.

(47). قواعد الأحكام 1: 178.

(48). تذكرة الفقهاء 2: 136.

(49). تحرير الأحكام 1: 43.

(50). إرشاد الأذهان 1: 220.

(51). نهاية الإحكام 1: 21.

(52). الدروس الشرعيّة 1: 86.

(53). ذكرى الشيعة 1: 193.

(54). البيان: 35.

(55). جامع المقاصد 1: 72.

(56). حاشية شرائع الإسلام (المطبوع ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره 10): 19.

(57). لا يوجد لدينا.

(58). منهج السداد (مخطوط): 4.

(59). كما في حاشية الإرشاد (المطبوع ضمن غاية المراد) 1: 11.

(60). لم نقف على حكاية هذه العبارة عن الرسالة. نعم، وردت بعينها في فقه الرضا (عليه السلام): 175.

(61). راجع: الصفحة 189.

(62). وهو ما رواه في الكافي 3: 45، باب صفة الغسل والوضوء...، الحديث 13، في الصحيح، عن ابن أبي عمير، عن رجل، عن الصادق (عليه السلام)، قال: « كل غسل قبله وضوء إلاّ غسل الجنابة ». وراجع: وسائل الشيعة 2: 248، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 35.

(63). قال المحدّث البحراني في الحدائق الناضرة 3: 118: « المشهور بين الأصحاب وجوب الوضوء مع كل غسل إلاّ غسل الجنابة، فإنّه لا يجب معه إجماعاً ». وقال في الصفحة 119: « الأوّل: في وجوب الوضوء مع كل غسل، وعليه جلّ الأصحاب ». ثمّ الظاهر أ نّ مراده من الشاذّ هو السيّد المرتضى ومن تبعه، المنكرون لأصل وجوب غسل المسّ. انظر: الصفحة 182 ـ 183.

(64). قال الشهيد الثاني في الروضة البهيّة 1: 398: « ويجب فيه، أي في غسل المسّ الوضوء، قبله أو بعده، كغيره من أغسال الحيّ غير الجنابة ».

(65). تقدّم الكلام فيهما في الصفحة 188.

(66). تقدّم في الصفحة 193.

(67). منهم: السيّد السند في مدارك الأحكام 1: 16، والسبزواري في ذخيرة المعاد: 5، السطر 44، والمحدّث الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1: 53، حيث قال: « ولم نقف على ما يقتضي اشتراطه في شيء من العبادات، فلا مانع من أن يكون واجباً لنفسه، كغسل الجمعة والإحرام عند من أوجبهما ». وقريب منه عبارة المدارك.

العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org