Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: دروس خارج الأصول
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: الحروف (درس13)
الحروف (درس13)
الدرس دروس خارج الأصول
مباحث الدليل اللفظي
الدرس 13
التاريخ : 2008/12/26

الحروف (درس13)

بسم الله الرحمن الرحيم


الأمر الثالث: للنسبة والربط أصناف مختلفة، فقد تكون نسبة فاعلية مثل: (قاتل زيد)، وقد تكون النسبة نسبة عرض ووصف للمعروض والموصوف مثل: (زيد قائم). ونسبة العرض إلى المعروض يمكن أن تكون إحدى النسب التسع.
قال النحويون : إن الظرف إمّا لغو وإمّا مستقر، والأخير هو الذي يكون في حالة نسبة وصف إلى موضوع، مثل: (زيد في الدار)، أو: (زيدٌ مع عمرو). والظرف اللغو هو الذي يكون في حالة نسبة ملابسات الفعل إلى الموضوع، مثل : (ضرب زيد غلامه في الدار)، أو: (نصر زيد بكراً في الجبهة). فـ (في الجبهة) بيان لملابسات الفعل، أي تبيّن أين وقع الفعل على المفعول، وهي تخلو من بيان الوصف ونسبته إلى الموضوع.

ومن ذلك يظهر أنَّه لا شيء مقدَّر في الظرف المستقرّ:فالذي يُراد بيانه موجود في الجملة ولا حاجة لتقدير شيء آخر؛ لكون نفس الجملة الخبرية وهيئتها تدلّ على الثبوت في مثل: (زيد في الدار)، فلا حاجة حينئذٍ لتقدير (كائن) وما شابه؛ لأنّ فيها نسبة الوصف إلى الموصوف. وهذا يعني الثبوت دون حاجة لتقدير شيء. وهم قد يتسامحون عندما يقولون بتقدير شيء في الظرف المستقر؛ لأنّ التقدير لفهم الثبوت، وعندمّا نسبنا الوصف إلى الموضوع فُهِم الثبوت من ذلك دون الحاجة لشيء آخر.

ثم إنَّ النسبة قد تكون من نسبة الظرف إلى المظروف، وقد تكون من نسبة المبتدأ إلى المبتدأ منه، أو من نسبة المنتهى إلى المنتهي منه، أو من نسبة المستعلي مع المستعلى عليه. وهذه كلّها نسب ومعانٍ حرفية.
الأمر الرابع: هل هناك مقدار جامع للنسبة والربط أم لا؟ فهل يمكن القول بأنّ المقدار الجامع للنسب الظرفية هو الظرفية، وللابتدائية الابتداء؟
ما يمكن أن يقال: إنّه لا وجود لجامع ذاتي بين النسب والروابط، ولا مفهوم يجمعها ويضّمها جميعاً؛ لأنّها معانٍ وحقائق تعليقية موجودة في الغير خارجاً وذهناً كما مرّ. وكلّ ما يفرض جامعاً كلّياً وطبيعياً وكان من سنخ تلك النسب كان مختصاً بطرفيه وبغيره ولا يشمل الغير.
الربط الموجود في زيد والقيام مختص بزيد والقيام ولا يشمل زيد والقعود ولا عمرو والقعود. وإن شئت قلت: إنَّ الربط والنسبة جزئي وشخصي؛ لأنّه ما لم يتشخَّص لم يوجد، وإذا وجد فقد تشخّص؛ لأنّ الوجود مساوق للتشخّص.
وأمّا إذا فرض هذا المعنى من غير الروابط والنسب، فلا يعقل أن يكون جامعاً وكلياً وطبيعياً للنسب؛ وذلك لأنَّ الحقيقة التي ليست جزءاً من حقائق النسب والروابط كيف يمكنها أن تكون جامعا ً كلياً وطبيعياً، فالجامع الكلّي الذاتي والطبيعي خاص بأفراده، فالجامع بين أنواع اللون الأسود ينبغي أن يكون أسودً كذلك ولا يمكنه أن يكون أبيض، والكلي الطبيعي لأفراد الإنسان ينبغي أن تكون من حقيقة الإنسان لا من كلي طبيعي آخر من قبيل (الفرس).
لا يقال: إنَّا نجد في الروابط والنسب معاني كلّية كما، إذا أخبرت بمبدأ سيرك ومنتهى سيرك في المستقبل بقولك: (إنّي أسير من البصرة إلى الكوفة)، وكما إذا أمرت بالسير من الكوفة إلى البصرة بقولك: (سر من البصرة إلى الكوفة). فلهذين الابتداءين والانتهاءين مصاديق كثيرة، فهذا جامع بين معانٍ حرفية.
لأنّا نقول: في مثل هذين المثالين النسبة كلّية وذات مصاديق، وينبغي القول بأنّ هناك كلياً في باب الجمع وألفاظ العموم مع أنَّها ليست كلّية، فمثل (مسلمون) ليست كلية. وإذا أردت اعتبار النسبة الموجودة في الأمر وفي الاستقبال كليّة وذات مصاديق كان عليك اعتبار الجمع وألفاظ العموم كلّيين وذات مصاديق، مع أنّه كما ترى. هذا الجواب بالنقض.
أمّا حلَّ القضية فهو: في مثل (إنسان) نقول: إنّه كلي طبيعي ذو معنًى واحد ومصاديق كثيرة، أمّا في مثل (مسلمون) فالموجود ليس معنًى واحداً ومصاديق كثيرة، بل معانٍ كثيرة مجتمعة في مفردة واحدة وقد استخدمت للاستغناء عن تكرار اللفظ، فبواسطة هذه المفردة نستغني عن الكلام بهذا الشكل: (مسلم ومسلم ومسلم و...) بل نجمعها في مفردة واحدة وهي (مسلمون). وكذا الحال بالنسبة إلى (ضربوا) فهي بمثابة القول : (ضَرَبَ ضَربَ ضَرَب...).
لكن الأمر يختلف في مسألة النسبة في الأمر والاستقبال، فالموجود فيهما ليس معنًى واحداً ومصاديق كثيرة، بل معانٍ كثيرة مجتمعة في نسبة واحدة. ففي قولنا: (سِرْ من البصرة إلى الكوفة) يُفْرض مائة مورد ومعنًى لهذه النسبة ونحن نشير إلى واحدة من هذه المائة. وبعبارة اُخرى: هي بمثابة قولنا (ضربوا) التي تتضمّن معاني للضرب كثيرة، وتحاشياً لتكرّر الألفاظ جمعناها في لفظ واحدٍ.
لا يقال: إنَّ الكلام السابق صحيح بالنسبة إلى الجمع وألفاظ العموم، أمّا بالنسبة إلى النسب المفروضة في الأمر والجملة الخبرية الاستقبالية فهو ادعاء بلا دليل.
لأنَّه يقال: لا نرى اختلافاً في استعمال (مِنْ) في جملة (سرتُ من البصرة إلى الكوفة) وفي جملة: (سِرْ من البصرة إلى الكوفة)، فهي جاءت في الجملتين بمعنًى واحدٍ، فمن أين حصلت الكثرة؟ الكثرة حاصلة من كثرة الطرفين، فالطرفان هما المؤهلان للتكثر دون أي شيء آخر. والأمر مختلف في (سار من البصرة إلى الكوفة) فلا نرى في ذلك تكثراً؛ لأنَّها عبارة عن قضية حصلت على سبيل الصدفة.
(كلّ) مفردة تقبل التكثر، فهي تستعمل في القليل والكثير، فالعبارة التالية: (أكرم كلّ عالم متقي)، زاهد استخدمت (كلّ) في القليل. بينما في العبارة التالية: (أكرم كلّ مسلم) استعملت (كلّ) في الكثير.
إذن، المثالان يدلان على معانٍ كثيرة مثل الجمع وألفاظ الاستغراق، وهذا ليس من قبيل الكلي الطبيعي الجامع ولا من قبيل الماهية، بل من باب دلالة اللفظ على معانٍ كثيرة.
لا يقال: كيف تنفي الجامع مع أنَّ الربط الابتدائي جامع بين جميع المعاني الابتدائية الحرفية، وكذا الانتهاء الحرفي فهو جامع بين جميع نسب الانتهاء، وكذا الظرفية والمعيَّة؟
فإنّه يقال: كلّ هذه العناوين المستقلة في التصوّر متباينة مع حقيقة النسبة والربط؛ لأنَّ حقيقة الربط وواقعه لا يحصل دون طرفين في الذهن وفي الخارج.
إذا تصوّرنا ربطاً مبدئياً فذلك لا علاقة له بالربط موضع بحثنا، فإنّا لو قلنا: (زيد قيام ربط) ـ وكررّنا ذلك مائة مرة ـ لا يحصل الربط المفروض.
إنَّ الربط الذي نتصوّره مبدئياً بالاستقلال ودون أطراف هو من المعاني الاسمية المستقلة في الذهن، وهو ليس حقيقة الربط ولا يتحقق به أي ربط. نعم، يمكن الإشارة بتلك المفاهيم إلى تلك الحقائق الموجودة في الخارج، إذن هي ليست جوامع، بل مباينة.
الدرس اللاحق الدرس السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org