Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: دروس خارج الأصول
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: دلالة الأمر على الفور والتراخي (درس60)
دلالة الأمر على الفور والتراخي (درس60)
الدرس دروس خارج الأصول
مباحث الدليل اللفظي
الدرس 60
التاريخ : 2008/12/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الإشكالات الواردة على هذه الاستدلالات غير تامة، وإحدى الإشكالات ما ورد في (محاضرات)، حيث قال بأن آية المسارعة تعني المسارعة إلى التوبة، ولا تتضمن الواجبات؛ لأن الواجبات لا تكون سبباً للمغفرة، بل سبباً للرحمة[1].
والعجيب من سماحة السيد الخوئي ـ قدس سره ـ رغم علمه الغزير وسعة معارفه في مجالات وأبواب وعلوم شتى لم يُراجع الآية الشريفة ولم ينظر فيها جيداً؛ لأنا نقول: مع أن آية المغفرة لا تتضمن الواجبات إلاّ أنها تضمّنت للواجبات في ذيلها قطعاً، مضافاً إلى أن ذيلها أي قوله تعالى: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[2] يشمل الواجبات والمستحبات معاً.
لكن الجماعة لم يتعبوا أنفسهم لينظروا إلى ذيل الآية، فقال بأن الاستدلال بهذه الآية غير تام؛ لكون الواجبات سبباً للرحمة لا للمغفرة.
وعلى أي حال، ذيل الآية دليل على الشمول.
وفي (تهذيب الاُصول) أشكل وقال: دلالة آية المسارعة غير تامة؛ لأنّ المغفرة جاءت نكرة، والنكرة ليست من ألفاظ العموم، ثم استشهد على ذلك بأقوال المفسرين، فإن بعضهم فسّر المغفرة بالتوبة وبعضهم فسّرها بالصلوات الخمس، وبعضهم فسرها بالتكبيرة الاُولى، واختلاف الأقوال أدل دليل أو شاهدٍ على أن النكرة ليست دليلاً على العموم[3].
قال الاُستاذ: سلمنا النكرة ليست من أدوات ألفاظ العموم، لكنّا هاهنا نثبت العموم بمقدمات الحكمة، والآية أيضاً في مقام البيان.
وبناءً على ذلك إشكالات العلمين الأعلمين غير واردة، أضف إلى ذلك كلّه بأنّ المفسرين غالباً، بل دائماً يبيّنون مصاديق الآية لا مفهومها، وهو موجود في لسان الأئمة ـ عليهم السلام ـ إلى ما شاء الله، هذا مع أن بحثنا في المفهوم، وقلنا ونقول بأن مفهوم المغفرة شامل لكلّ أسباب المغفرة ولا يختص بمورد واحد.
ومن الإشكالات غير الواردة إشكال صاحب (الكفاية) حيث اعتبر الأمر في آية المسارعة وكذا في آية الاستباق غير وجوبي، بل كلاهما مستحبان؛ لأنه لا ذكر للغضب والشر والعذاب في الآية، بل ذكر فيها الرحمة والمغفرة، وهما يتناسبان مع الأمر الاستحبابي لا الوجوبي، ولو أراد الله تبارك وتعالى الوجوب لقرنه بالغضب والشر والعذاب لا الرحمة والمغفرة[4].
قلت في جواب صاحب (الكفاية) مع احترامات فائقة: كلامكم ليس بصحيح، وهو غير تام؛ لأن الواجبات تستفاد من الأوامر، والأمر حجة في الوجوب على المختار، أو ظاهر في الوجوب على مبنى بعض الاُصوليين، وقلنا سابقاً ـ تبعاً لسيدنا الاستاذ ـ: إنّ العقلاء يقولون: لابد من الجواب العملي للأمر، ولذلك نقول: الأمر حجة على الوجوب، أو الأمر ظاهر في الوجوب على مبنى البعض، واللفظ يُستعمل في الوجوب كما هو مختار صاحب (الكفاية) وغيره أيضاً.
وبوجود الإشعار الواحد لا ترفع اليد عن الحجة والظهور؛ لأنّك قلت بما أنّه لم يتعرض للغضب والعذاب والشر، بل للرحمة والمغفرة، فهو أراد الاستحباب، وهذا يعبّر عن ذوق أحد، وهذا الذوق لا يمكنه رفع اليد عن ظهور اللفظ أو رفع اليد عن الحجة العقلائية.
تنبيه بناءً على دلالة الأمر على الفورية إن لم يأتِ فوراً هل يلزم الإتيان في الزمان اللاحق فوراً ففوراً أم لا؟ وهو من قبيل قضاء الصلوات الخمس أو سجدة السهو. والبحث في هذا الموضوع نراه في (المعالم)[5]، بل في كلّ كتب الاُصول.
قال صاحب (الكفاية) في هذا المجال بأن المسألة مبتنية على أن الفورية كانت على نحو التعدد المطلوب أو وحدة المطلوب؟
بيان ذلك: أن المولى مطلوبه من العبد الصلاة مع الفورية أم لا؟ مطلوب المولى من العبد الإتيان بطبيعة الصلاة لا بقيد الفورية ولا بدونها؛ لأنّ المولى إذا أمر عبده بفعل كذا ولم يقيّده بالفور كان معنى ذلك وحدة المطلوب لا تعدده، وإذا لم يأتِ بالفعل في الفور الأوّل لم تبقَ فورية اُخرى.
أمّا إذا اعتقد بتعدد المطلوب فنقول: المولى إذا أمر عبده بفعل كذا وقيّده بالفورية، فكان معناه واضحاً، من حيث إن للمولى مطلوبين، أحدهما: أصل طبيعة الفعل، وثانيهما: قيد الفورية.
ثم قال: إن قلنا: إنّ صيغة الأمر تدل على الفورية فلا تدل على كيفية الفورية، فصيغة الأمر ساكتة عن بيان الفوريات اللاحقة؛ لأن المسألة ـ كما قلنا سابقاً ـ مبتنية على أن الفورية كانت على نحو وحدة المطلوب أو تعدده.
قال الاُستاذ: إن سلمنا أن صيغة الأمر تدل على الفورية وأصلها فإنها لا تدل على كيفية الفورية.
ولا يخفى عليكم أنّ هذه المسألة مبتنية على مبنى آخر، ونقول في هذا المجال: إنّ من يقول بكون الفورية مدلولاً للصيغة، أي كون الصيغة بما هي هي دليل على الفور، فإذا خالف الفور الأوّل لا يكون لنا دليل على الفور اللاحق.
أمّا إذا قال: الفورية مدلول لآية المسارعة والاستباق استلزم ذلك القول بالفور اللاحق إنْ لم يكن الفور الأوّل.
وكيف كان فالأمر سهل؛ لأنّا لا نسلم بأصل الدلالة، لا بنفسها ولا بمعاضدة الغير، أي الكتاب، وقلنا: المادة بنفسها تدل على المادة، والهيئة تدل على الطلب، فأين الفور أو التراخي؟
إذن، في آيتي المسارعة والاستباق ثلاثة إشكالات قلنا بأن جميعها غير وارد، والأمر سهل.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - محاضرات 2: 215.
[2] - آل عمران: 134.
[3] - تهذيب الاُصول 1: 175.
[4] - الكفاية: 80.
[5] - معالم الدين في الأصول: 249.
الدرس اللاحق الدرس السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org