Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: دروس خارج الأصول
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: الإجزاء (درس64)
الإجزاء (درس64)
الدرس دروس خارج الأصول
مباحث الدليل اللفظي
الدرس 64
التاريخ : 2008/12/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الأمر الآخر: ظاهر كلمات المتأخرين في باب الاضطراري وفي باب الظاهري أن لهما أمرين، ألا ترى يستخدمون التعبير التالي لبيان البحث: هل المأمور به بالأمر الظاهري مجزٍ عن الأمر الواقعي أم لا؟ وهل الأمر الاضطراري مجزٍ عن الأمر الاختياري أم لا؟ ومعنى هذا الكلام وجود أمرين: ظاهري وواقعي، اضطراري واختياري.
ويشهد على ذلك، بل يدل عليه التعبير التالي في تعيين محل النزاع، فهم يقولون: هل المأمور به بالأمر الظاهري مجزٍ عن الواقع أم لا؟ وهل المأمور به بالأمر الاضطراري مجزٍ عن الواقع أم لا؟
ولا يخفى عليكم عدم وجود أمرين في الواقعي وعدم وجود أمرين في الظاهري كذلك، ومنشأ توهم بعض الأعاظم هو قولهم بعدم قابلية الجزئية والشرطية للجعل إلاّ بمنشأ الانتزاع، وهم يعتبرون منشأ الانتزاع أمراً بالمركب، ويقولون كذلك: إذا أراد المقنن جعل شيء جزءاً فعليه الأمر به ضمن الأمر بالمركب، فيقال مثلاً: (صلِّ مع السورة)، فينتزع منه الجزئية، أو: (صلِّ مع الطهارة) فيُنتزع منه شرطية الطهارة، كما صرح بذلك صاحب (الكفاية)[1].
وفي باب الاستصحاب بعد اختيار هذا المبنى من باب اللابدية قال صاحب (الكفاية): للتعبد أمر بعدما يكون أمر واحد للشارع بالصلاة مع الطهارة المائية، كالآية الشريفة: (إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ)[2] ، فالموجود هنا أمر واحد بالصلاة مع الطهارة المائية. وكأن صاحب (الكفاية) يريد القول بأن الطهارة الترابية شرط في حال الاضطرار.
ولا يخفى عليكم أن لصاحب (الكفاية) طريقاً غير ما ذكر؛ لأن الشرطية ليست قابلة للجعل، ولذلك لا يمكن لصاحب (الكفاية) أن يقول: جعلت الطهارة الترابية شرطاً للصلاة في حال الاضطرار، ولابد له من الأمر بالمركب، أي في الدفعة الاُولى يأمر بالصلاة مع الطهارة المائية، وفي الثانية يأمر بالصلاة مع الطهارة الترابية.
وعلى هذا، يكون أمر بالمأمور به بالأمر الاضطراري، ويكون أمر كذلك بالمأمور به بالأمر الاختياري، وهما أمران مختلفان أحدهما: أمر بالصلاة مع الطهارة المائية، وثانيهما: أمر بالصلاة مع الطهارة الترابية كما تقدم ذكره.
إذا جعل الشارع السورة جزءاً خاصاً بالعالمين بالجزئية وقال: أيها العلماء السورة جزء للصلاة، وأراد نفي الجزئية عن الجاهلين بالجزئية، فذلك غير صحيح؛ لأن الجزئية غير قابلة للجعل، كما لا يمكن القول: جعلت عدم الجزئية؛ لأن عدم الجزئية غير قابل للجعل كذلك.
لكن المولى إذا أراد نفي الجزئية عن الجاهلين فلابد له من أمرين، يقول في أحدهما: أيها الجاهلون صلوا بلا سورة، عندئذ نسأل: هل المأمور به بالأمر الظاهري مجزٍ عن الأمر الواقعي أم غير مجز؟
لكن الحق أن الأمر ليس إلاّ أمراً واحداً؛ لأن الأمر الواحد لا يكون إلاّ بطبيعة الصلاة الواحدة، بل يمكن أن يقال بكون متعلقه ذات المصاديق، نظير صلاة الحاضر والمسافر، فإن للصلاتين أمراً واحداً، لكن صلاة الحاضر أربع ركعات، وصلاة المسافر ركعتان، فصلاة الحاضر والمسافر لها أمر واحد، ولكن مصاديقها مختلفة، ومصداق كلّ شيء بحسب حاله، والأمر كذلك في باب الاضطرار والاختيار، أي للمولى أمر واحد بالطبيعة، غاية الأمر أن للطبيعة مصداقين، أحدهما: الصلاة مع الطهارة المائية للمكلف المختار، وثانيهما: الصلاة مع الطهارة الترابية للمكلف المضطر.
لا يقال: لِمَ يقال الأمر واحد بالطبيعة الواحدة مع أن الجزئية والشرطية قابلان للجعل المستقل؛ ولأن المولى مثلاً يجعل شيئاً جزءاً في حالة واحدة ويرفع هذه الجزئية في حالة اُخرى؟
لأنا نقول: إن الجزئية والشرطية غير قابلة للجعل البتة كما تقدم، ويمكن أن يكون الأمر واحداً بطبيعة واحدة مختلفة المصاديق.
لا يقال: لا ثمرة للكلامين المذكورين، سواء قلنا بتغيير أمره أم تغيير مصداقه. وعلى أي حالٍ، فإن الصلاة مع الطهارة الترابية مصداق الطبيعة للمضطر سواء على مبناكم أو على المبنى الآخر، دون فرق بين المبنيين، ولابد للمكلف أن يأتي بالصلاة متيمّماً.
لأنا نقول: تظهر الثمرة في مسألتين:
أحدهما
: في خطاب الغافل والناسي.
ثانيهما: في البراءة والاشتغال.
أمّا الاُولى، فإن قلنا بأن للظاهري أمراً واحداً فيحتاج الجاهل إلى خطاب جديد، وبعد قبول هذا الكلام يأتي هذا البحث: هل يمكن تكليف الغافل أم لا؟ بعضهم قال بإمكان الأمر بالنحو التالي: (أيها الجهلاء أو أيها الناسون صلوا بلا سورة) مثلاً، لكن البعض الآخر قال بعدم إمكان ذلك.
وأمّا الثانية، فإذا قلتم بالأمرين فالقاعدة هي البراءة، وإذا قلتم بالأمر الواحد فالقاعدة هي الاشتغال؛ لأنه إذا قلتم: أمر واحد، فأنا أشك في انتفاء ذلك الأمر، فتشتغل ذمتي. وإن قلتم: للمضطر أمر واحد على حدة، فنحن نشك في الأمر الآخر في أنه جاء أم لم يجئ، وهذا شك في التكليف، ومجراه أصالة البراءة.
وبناءً على هذا، تظهر الثمرة في البراءة والاشتغال وفي خطاب الغافل والناسي. وإن شئت التفصيل فراجع (تهذيب الاُصول)[3] للإمام الخميني قدس سره.
خلاصة الكلام: نحن نبحث عن حكم المسألة ما إذا كان لها أمران أم أمر واحد؟ وقد نقلنا سابقاً رأي الإمام ـ قدس سره ـ في اختيار الأمرين للظاهري والواقعي أو الاضطراري والاختياري[4].
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - الكفاية: 402.
[2] - المائدة: 6.
[3] - تهذيب الاُصول 1: 138.
[4] - تهذيب الاُصول 1: 138.
الدرس اللاحق الدرس السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org