|
إشكالات دلالة مقطوعة ابن أذينة
الإشكال الأوّل: إنّ لفظ “أعطين” ـ من حيث المادّة والهيئة ـ ظاهر في الاستحباب؛ لأنّ الإعطاء من العطاء والبذل، والبذل يتناسب مع عدم الوجوب. وعليه، فإنّ قوله: “أعطين من الرباع” أمر استحبابيّ، وليس أمراً لازماً، كي يمكنه تقييد الأوامر الإلزاميّـة في سائر الروايات. ولو قال شخص: لا أقبل بهذا الظهور! قلنا له: إذا لم يقع ظهور “أعطين” في الاستحباب مورداً للقبول، يبقى احتماله قائماً، وهو كافٍ في بطلان الاستدلال على عدم تماميّـة الاستدلال بمقطوعة ابن أذينة، من باب إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال. الإشكال الثاني: لو سلّمنا ظهور لفظ “الإعطاء” في اللزوم والوجوب القانوني، علينا أن نذعن بأنّ مفهوم مقطوعة ابن أذينة يؤدّي إلى تخصيص الكثير من الأخبار الدالّة على حرمان الزوجة، في حين أنّ هذا التخصيص حيث يؤدّي إلى خروج أغلب الأفراد من شمول العام، يكون مستهجناً، والتخصيص المستهجن قبيح على الشارع الحكيم. وبعبارة أخرى: إنّ مفهوم المقطوعة يدلّ على عدم إرث الزوجة غير ذات الولد من تركة الزوج من الرباع (الأرض والدار). ومن ناحية أخرى: هناك روايات كثير تدلّ على عدم إرث الزوجة مطلقاً (ذات الولد وغيرها) من أموال الزوج غير المنقولة. وبالتالي فإنّ هذه الروايات الكثيرة العامّة يتمّ تخصيصها، ولا تعود تشمل إلّا الزوجات غير ذوات الولد، وهذا النوع من الزوجات أقلّ بكثير من الزوجات ذوات الولد. وعليه، لا يبقى تحت العام سوى القليل من الأفراد، وهو كما ترى. كما يمكن بيان هذا الإشكال بطريقة أخرى؛ إذ نقول أوّلاً: نحن لا نقول بمفهوم الشرط. وثانياً: لو سلّمنا وجود مفهوم للشرط، إلّا أنّ تخصيص العمومات بواسطة المفهوم الدالّ على الحرمان يوجب التخصيص المستهجن. وبالتالي لا يمكن القول: إنّ هذه الروايات لا تخصص بمفهوم مقطوعة ابن أذينة. وعلى هذا الأساس فإنّ منطوق المقطوعة يوافق الروايات الأربعة الصحيحة، ويبيّن بعض أفراد العام والمطلق في هذه الروايات الصحيحة ويؤيّد ويعضد هذه الصحاح، لا أنّه يعارضها. الإشكال الثالث: إذا لم نقل إنّ العقلاء لا يبنون على تقييد النصوص الكثيرة المطلقة العامّة برواية واحدة، فلا أقلّ من القول: إنّ مثل هذا البناء (تقييد الروايات الكثيرة برواية واحدة) غير ثابت عندنا. مضافاً إلى أنّ التعبير بلفظ “الزوجة” في هذه الروايات له ظهور في الزوجة ذات الولد وغيرها. فإذا كان مراد الإمام (ع) من الزوجة خصوص غير ذات الولد، كان عليه ـ إذ هو في مقام بيان حكم الله ـ أن يبيّن ذلك، في حين لم يرد في أيّ واحدة من هذه الروايات قرينة ولا حتّى إشعار بهذا التفصيل. وهذا لوحده دليل محكم على عدم تخصيص وتقييد هذه العمومات. الإشكال الرابع: إنّ غاية رواة الحديث والذين يسألون المعصومين (ع) هي الوصول إلى الإحكام الإلهيّـة من طريق الروايات، كما أنّ سؤالهم من الأئمّة (ع) يهدف إلى إيضاح التكليف الشرعي بالنسبة لهم، وبيان تلك الأحكام إلى سائر الناس، وليس رواية الحديث لمجرّد التسلية أو الاحتفاظ به للذكرى. من هنا فإنّنا نقول: إذا تمّ تخصيص هذه العمومات بالمقطوعة، فإنّ هذا سيؤدّي إلى تأخير البيان عن وقت الحاجة، وفي تأخير البيان عن وقت الحاجة إغراء بالجهل، وهو قبيحٌ على الشارع. ومن الواضح أنّ لهذه الروايات الكثيرة ظهوراً في العموم، وأنّ السائلين كانوا بعد الصدور يعملون بها، فإذا قلنا: إنّ جواب الإمام (ع) عام، ولكنّه أراد منه الخاصّ، وإنّ هذا الخاصّ سوف لا يصدر إلّا في الأزمنة اللاحقة! فما هو الموقف الذي يجب على المكلّف أن يتّخذه في مثل هذه الحالة؟ في حين أنّ وظيفة الإمام (ع) هي بيان حكم الله للمكلّف لكي يباشر العمل به في لحظته الراهنة، وليس من شأن الإمام بيان الألغاز والأحاجي وترك المكلّف في حيرة من أمره. قد يقول شخص: إنّ الحكم العام في زمن الصدور هو حكم ظاهري مؤقت، وإنّ الحكم الواقعي الخاصّ، قد تمّ تأجيل بيانه انطلاقاً من بعض المصالح الخاصّة، ولن يكون في ذلك تأجيل وتأخير للبيان عن وقت الحاجة؛ لأنّ المكلّف في زمن الصدور يعمل بالعام، وفي زمن مجيء الخاصّ يعمل بالحكم الخاصّ، ويكون عمل المكلّف في زمن صدور العام مجزياً ومبرئاً للذمّة. نقول في الجواب: إنّ هذا الأسلوب، كما كان يحصل في صدر الإسلام وعصر النبيّ الأكرم (ص) وأمير المؤمنين (ع)، بحيث كان العام يصدر في ذلك الزمن، ثمّ يأتي الخاصّ في ذلك الزمن أو في زمن الأئمّة (ع)، هو أسلوب صحيح ومنطقيّ. أمّا أن يصدر بيان العام وإرادة الخاصّ في زمن الإمام الباقر والإمام الصادق (ص)، حيث يدخل عليهما السائل ـ بعد أن يقطع مسافة بعيدة قادماً من منطقة نائيّـة ـ ويطرح عليهما بعض الأسئلة الملحّة، ليتعرّف على الإشكال الخامس: لو قلنا بتخصيص عموم روايات الحرمان بهذه المقطوعة، للزم من هذا التخصيص قول جديد لم يقل به أحد من الفقهاء أبداً. توضيح ذلك: إنّ عموم روايات الحرمان يدلّ على منع أمرين، وهما: 1 ـ حرمان الزوجة من عين وقيمة الأرض. 2 ـ حرمان الزوجة من عين الآلات والأدوات وأبنية الدور السكنية، دون قيمتها. وإنّ المقطوعة فيما نحن فيه إنّما تتعرّض لعدم الحرمان من عين وقيمة الأرض، ولم تتعرّض لحكم الأبنية والآلات وأمثالها. من هنا فإنّ المقطوعة إذا أرادت أن تقيّد العمومات فإنّما يمكنها أن تقيّد حرمان الزوجة من عين وقيمة الأرض، بالزوجة غير ذات الولد، وسيقى عموم حرمان الزوجة من عين الأبنية والآلات وغيرها على عمومه. وبالتالي يجب علينا القول: إنّ الزوجة ذات الولد، ترث من عين الأرض، ولكنّها لا ترث من عين الأبنية والأدوات، وإنّما ترث من قيمتها فقط. في حين لم يقل بذلك أيّ واحد من الفقهاء. وإنّ أدلّة الحرمان بالنسبة إلى الزوجة غير ذات الولد باقية على عمومها؛ لأنّ الزوجة غير ذات الولد لا ترث من عين وقيمة الأرض، ولا نصيب لها من عين الأبنية والأدوات، وإنّما ترث من قيمة الأبنية والأدوات فقط.
|