|
النتيجة
جاء في الحديث الشريف: «إنّ اللّه جميلٌ يحبّ الجمال».[1] فقد اهتم الإسلام بموضوع الجمال اهتمامآ كبيرآ، من هنا فإنّ الإسلام لم يقتل الذائقة الجمالية، وعليه يجب التدبّر في محاربة الإسلام للغناء بشكل دقيق. فهل كانت مخالفة النصوص الدينية الإسلامية لمقولة الغناء من ناحيته الجمالية، أم لاشتماله على أمور أخرى تقتل الطاقات الفردية والاجتماعية في الإنسان؟ إنّ «مفهوم الغناء» أحد أبرز مصاديق المفاهيم المجملة في الفقه الإسلامي. فإننا من خلال الرجوع إلى علماء اللغة، والتعريفات التي أبداها الفقهاء، لا نتوصّل إلى تعريف واضح وحاسم في هذا الشأن. بيد أنّ بعض الفقهاء الكبار أحال في تعريف الغناء إلى العرف، وأنّ الفقهاء إنما يراجعون أصحاب اللغة ـ لفهم ما يريده العرف ـ باعتبارهم اللغويين من أهل العرف أيضآ. ومن بين المصادر الأربعة المذكورة لاستنباط الحكم الشرعي (أي: الكتاب والسنّة والإجماع والعقل) لايمكن الاستناد في استنباط حكم مسألة الغناء لغير السنّة والروايات؛ لأنّ ماهية الغناء لاتبقي مجالا للرجوع إلى العقل. والإجماعُ في المسألة هو في أفضل حالاته لا يدلّ إلا على القدر المتيقن، وذلک لأنّ المسألة محلّ نزاع واختلاف بين المجتهدين، هذا فضلا عن كونه مدركيآ. أما القرآن الكريم فالبحث فيه في الحقيقة بحثٌ في الروايات المفسّرة للايات الدالّة على حكم الغناء، وعليه يعود البحث بشأنها إلى الروايات أيضآ. وقد انقسم الفقهاء في استنباط الحكم بحرمة الغناء من هذه الروايات إلى طائفتين، فمنهم من ذهب إلى القول بحرمة مطلق الغناء، بينما ذهب آخرون إلى التفصيل والقول بحرمة خصوص الغناء اللّهوى والشهوي والمقترن بسائر المحرّمات. ويبدو أنّ جميع هذه الروايات ـ علاوة على الإشكالات التي ترد على كلّ واحدة منها في مقام استنباط الحرمة الذاتية ـ منصرفة إلى نوع خاص من الغناء الرائج في زمن صدور الروايات. وأنّ النماذج الموجودة في الكتب التاريخية وكتب السّيَر تشهد على هذه الحقيقة. وأنّ الروايات الدالة على استثناء بعض مصاديق الغناء من قبيل: الغناء في الأعراس، والحداء، والعيدين (الفطر والأضحى)، وقراءة القرآن، تدلّ على أنّ الغناء لم يحرّم لذاته وبقول مطلق، وإنما المحرّم منه خصوص نوع خاص، وذلک لاقترانه بأمور محرّمة أخرى. وقد ذهب كلّ من المحقق السبزواري، والفيض الكاشاني، والسيد ماجد البحراني، والسيد مهدي الكشميري.. إلى القول بأنّ الروايات الدالّة على الحرمة، تشير إلى نوع خاص من الغناء كان سائدآ في زمن صدور الروايات، وكان الغرض منه إشاعة الفساد والفحشاء والتهتک، أي الغناء اللّهوي المقرون بالمحرّمات اللّهوى. كما يمكن أن نتوصل ـ من خلال وقوع الغناء المحرّم مصداقآ ل «الزور»، و«قول الزور»، و«لهو الحديث» في بعض الروايات ـ إلى القول باستنباط حرمة الغناء إذا اقترن بهذه الأمور، وذلک عن طريق التوسّع في تنقيح المناط، وتوسيع دائرة الملاكات. -------------------------------------------------------------------------------- [1] . الكافي، ج6، ص438، باب: التجمّل وإظهار النعمة، ح 1؛ الحرّالعاملي، وسائل الشيعة، ج5، ص5، باب: استحباب التجمّل، ح2.
|