الإجزاء (درس71)
الدرس دروس خارج الأصول مباحث الدليل اللفظي الدرس 71 التاريخ : 2008/12/21 بسم الله الرحمن الرحيم القول بالتفصيل وأمّا التفصيل بين العلم ببقاء العذر وعدم العلم ببقاء العذر، فإذا علم بارتفاع العذر قبل الغروب فلا يجوز البدار، وإذا لم يعلم بارتفاع العذر جاز البدار سواء كان على يقين ببقاء العذر أو كان شاكاً في ذلك. الدليل على هذا التفصيل هو انصراف إطلاقات الكتاب والسنة عن حالة العلم بارتفاع العذر، الآية: (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا)[1] لا تشمل حالة ما إذا كان الإنسان على يقين من حصوله على الماء قبل الغروب بساعة. الروايات التي تأمر بالتيمم عند عدم الماء منصرفة عن حالة العلم بارتفاع العذر. وإذا قال أحد بهذا الانصراف قال بالتفصيل، وبعدم جواز البدار في حالة العلم بارتفاع العذر، وإذا رفض الانصراف وبقي شاكاً فعندئذٍ عليه بالاحتياط. تذنيبان أحدهما: فيما يخص أدلة الاضطرار وجعل البدل، مثل التيمم فيما إذا لم يجد ماءً، ومثل القعود في الصلاة فيما إذا لم يقدر على القيام، ومثل الغسلات الثلاث بالماء القراح بالنسبة إلى الميت إذا لم يجد الكافور والسدر، ومثل الصلاة باللباس المتنجس إنْ لم يجد لباساً طاهراً، وما شابه ذلك من الأحكام الاضطرارية والبدلية، هل تختص بما إذا كان عن اضطرار لا عن إرادة واختيار، ولا تشمل الاضطرار عن إرادة، أم أنها أعم من ذلك؟ الاضطرار لا عن إرادة من قبيل عدم وجدان الماء في الطريق، والاضطرار عن إرادة من قبيل نقل الميت إلى مكان آخر عمداً، حيث لا يوجد سدر ولا كافور. في المجال وجهان، وجه الأعمية إطلاق دليل (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً)، فهو شامل للاضطرار عن إرادة، الاضطرار عن غير إرادة، ووجه الاختصاص الانصراف، فالعرف يفهم من أدلة المضطر كون المراد الاضطرار لا عن اختيار. أوجههما الثاني حسب السياق والمعيار. أمّا حسب الصناعة فالأوّل. وعلى هذا إذا أهرق شخص ماء وضوئه مع علمه بعدم إمكانية حصوله على ماء، وعليه أن يتيمم، فإذا كنّا نحن والقواعد قلنا: لا فائدة بالتيمم لهذا، ويتخذ حكم فاقد الطهورين، أو الذي يكسر رجله عمداً لكي يصلي قاعداً، فهذا مثل الذي لا يمكنه الصلاة بالكلية؛ لأن أدلة القعود لا تشمل هذا الشخص، مع انتفاء موضوع أدلة القيام. هذا بحسب القواعد، أمّا بحسب باب الصلاة بالخصوص فانها لا تترك على أي حال[2]، ولذلك على هذا الإتيان بالصلاة ولو مع التيمم ومع القعود، وصلاته حينئذٍ صحيحة. ثانيهما: التقية من الأحكام الاضطرارية والواقعية الثانوية، حتى تقية المداراة، فهي برأيي اضطرارية وإن كان برأي الإمام ـ عليه السلام ـ قسماً خاصاً من التقية، فهل هي خاصة بحالة الاختيار أم شاملة للأعم من الاختيار وغير الاختيار؟ البحث في الدليل على سبيل التفصيل موكول إلى محله، لكن لأجل ألاّ تخلو المسألة من الوجه ننقل عبارة ورواية وردتا في هذا المجال، والعبارة هي للشيخ الأعظم في (رسالة التقية)، حيث جاء هناك: (وإن اُريد به عدم التمكن من العمل على طبق الواقع في مجموع الوقت المضروب لذلك العمل حتى لا يصح العمل تقيةً إلاّ لمن يتمكن في مجموع الوقت من الذهاب إلى موضع مأمون، فالظاهر عدم اعتباره؛ لأن حمل أخبار الإذن في التقية في الوضوء والصلاة على صورة عدم التمكن من إتيان الحق في مجموع الوقت ممّا يأباه ظاهر أكثرها، بل صريح بعضها)[3]. يُستظهر من عبارة الشيخ أن المسألة أعم من الاضطرار الاختياري والاضطرار اللااختياري، وكأن هذا إجماعي، ويتفق مع ظاهر الأخبار، بل مع صريحها. أما الروايات، فهي صحيحة زرارة، قال: كنت جالساً عند أبي جعفر ـ عليه السلام ـ ذات يوم إذ جاءه رجل فدخل عليه فقال له: جُعلت فداك، إني رجل جار مسجد لقومي، فإذا أنا اُصلي معهم وقعوا فيّ وقالوا: هو كذا وكذا، فقال: ((أما لئن قلت ذلك لقد قال أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ: من سمع النداء فلم يجبه من غير علة فلا صلاة له))، فخرج الرجل فقال له: ((لا تدع الصلاة معهم، وخلف كلّ إمام)). فلمّا خرج قلت له: جُعلت فداك، كبر عليّ قولك لهذا الرجل حين استفتاك، فإن لم يكونوا مؤمنين؟ قال: فضحك ثم قال: ((ما أراك بعد إلاّ هاهنا. يا زرارة، فأي علة تريد أعظم من أنه لا يأتم به)) ثم قال: ((يا زرارة، أما تراني قلت: صلّوا في مساجدكم، وصلوا مع أئمتكم))[4]. مضمون الرواية أنّ شخصاً يدخل المسجد فتُقام الجماعة، فيأمره الإمام بالالتحاق تطوعاً إذا كان الإمام عادلاً، وإذا كان غير عادل فاقتد به وصلاتك صحيحة. ومنها: موثقة سماعة قال: سألته عن رجل كان يصلي فخرج الإمام وقد صلّى الرجل ركعة من صلاة الفريضة فقال: ((إن كان إماماً عدلاً فليصلِّ اُخرى وينصرف ويجعلها تطوعاً، وليدخل مع الإمام في صلاته كما هو، وإن لم يكن إمام عدلٍ فليبنِ على صلاته كما هو، ويصلي ركعة اُخرى، ويجلس قدر ما يقول: أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ثم ليتمّ صلاته معه على ما استطاع، فإن التقية واسعة، وليس شيء من التقية إلاّ وصاحبها مأجور عليها إن شاء الله))[5]. هذه الرواية تشهد بأن الاضطرار يشمل التقية حالة الاختيار كذلك. -------------------------------------------------------------------------------- [1] - المائدة: 6. [2] - الوسائل 2: 373 ، أبواب الاستحاضة، ب1، ح5. [3] - كتاب المكاسب 3: 150 ، طبع دانش (إسماعيليان). [4] - الوسائل 8: 300، أبواب صلاة الجماعة، ب5، ح5. [5] - الوسائل 8: 405 ، أبواب صلاة الجماعة، ب56 ، ح2.
|