الإجزاء (درس73)
الدرس دروس خارج الأصول مباحث الدليل اللفظي الدرس 73 التاريخ : 2008/12/21 بسم الله الرحمن الرحيم إشكالات المرحوم النائيني على الحكومة (أوّلاً: بأن هذا لا يستقيم على مسلكه من تفسير الحكومة من كون أحد الدليلين مفسراً للدليل الآخر على وجه يكون بمنزلة قوله: (أي) أو (أعني) أو (اُريد) وما شابه ذلك من أدوات التفسير، لوضوح أن قوله: (كلّ شيء طاهر أو حلال) ليس مفسراً لما دل على أن الماء طاهر والغنم حلال، ولا لما دل على أنه يعتبر الوضوء بالماء المطلق الطاهر، والصلاة مع اللباس المباح وأمثال ذلك، فتأمل. وثانياً: أن التوسعة والحكومة إنما تستقيم إذا كانت الطهارة أو الحلية الظاهرية مجعولة أوّلاً، ثم يأتي دليل على أن ما هو الشرط في الصلاة أعم من الطهارة الواقعية والطهارة الظاهرية، فيكون حينئذٍ هذا الدليل موسعاً وحاكماً على ما دل على اعتبار الطهارة الواقعية، والمفروض أنه لم يقم دليل سوى ما دل على جعل الطهارة الظاهرية، وهو قوله عليه السلام: (كلّ شيء لك طاهر)، والسر في اعتبار كون الطهارة الظاهرية مجعولة في التوسعة والحكومة، هو أن الطهارة الظاهرية بناءً على التوسعة والحكومة تكون بمنزلة الموضوع للدليل الحاكم، فتأمل. وثالثاً ـ وهو العمدة ـ: أن الحكومة التي نقول بها في الطرق والإمارات والاُصول غير الحكومة التي توجب التوسعة والتضييق، فإن الحكومة التي توجب التوسعة والتضييق إنما هي بالنسبة إلى الأدلة الأوّلية الواقعية بعضها مع بعض، كما في مثل قوله: (لا شك لكثير الشك)، حيث يكون حاكماً على مثل قوله: (إن شككت فابن على الأكثر)[1] ، وأين هذا من حكومة أدلة الأحكام الظاهرية على أدلة الاحكام الواقعية؟ وإجمال الفرق بينهما ـ وإن كان تفصيله موكولاً إلى محله ـ هو أن الحكمين اللذين تكفلهما الدليل الحاكم والدليل المحكوم في الأدلة الواقعية إنما يكونان عرضيين، بأن يكونا مجعولين في الواقع في عرض واحد؛ لأن الحكومة بمنزلة التخصيص، وحكم الخاص إنما يكون مجعولاً واقعياً في عرض جعل الحكم العام من دون أن يكون بينهما طولية وترتب، فكان هناك حكم مجعول على كثير الشك، وحكم آخر مجعول على غير كثير الشك، وتسمية ذلك حكومة لا تخصيصاً إنما هو باعتبار عدم ملاحظة النسبة بين الدليلين، وإلاّ فنتيجة الحكومة التخصيص. وأمّا الحكومة في الأدلة الظاهرية، فالمجعول فيها إنما هو في طول المجعول الواقعي وفي المرتبة المتأخرة عنه، خصوصاً بالنسبة إلى الاُصول التي أخذ الشك في موضوعها. وبعبارة اُخرى: المجعول الظاهري إنما هو واقع في مرتبة إحراز الواقع والبناء العملي عليه بعد جعل الواقع وانخفاضه على ما هو عليه من التوسعة والتضييق، فلا يمكن أن يكون المجعول الظاهري موسعاً أو مضيقاً للمجعول الواقعي، مع أنه لم يكن في عرضه، وليس هناك حكمان واقعيان مجعولان. ولتفصيل الكلام محل آخر، والغرض في المقام مجرد بيان أن الأحكام الظاهرية ليست موسعة للأحكام الواقعية ولا مضيقة لها، ولا توجب تصرفاً في الواقع أبداً. ورابعاً: أنه لو كانت الطهارة المجعولة بأصالة الطهارة أو استصحابها موسعة للطهارة الواقعية، لكان اللازم الحكم بطهارة ملاقي مستصحب الطهارة وعدم القول بنجاسته بعد انكشاف الخلاف وأن الملاقَى ـ بالفتح ـ كان نجساً؛ لأنّه حين الملاقات كان طاهراً بمقتضى التوسعة التي جاء بها الاستصحاب، وبعد انكشاف الخلاف لم تحدث ملاقات اُخرى توجب نجاسة الملاقي ـ بالكسر ـ فينبغي القول بطهارته، وهو كما ترى)[2]. جواب الإشكالات أمّا الجواب على الأوّل: فإن صاحب (الكفاية) لا يعتقد بما قاله النائيني قدس سره، فهو لا يرى لزوم كون الدليل الحاكم بمنزلة قوله: (أي) أو (أعني)، فهو يقول في باب التعادل والتراجيح: الدليل الحاكم ينبغي أن يكون ناظراً إلى الدليل المحكوم ومفسراً له، ولا يقول: أن يكون بمثابة تضمنه لـ(أي) أو (أعني). ما نحن فيه ـ أي (كلّ شيء طاهر) ـ ناظر إلى الأدلة الواقعية؛ لأن معنى العبارة هو: رتب آثار الطهارة الواقعية على الطهارة المشكوكة في الشرطية والجزئية وجواز البيع وجواز الاستظلال، ولو لم يكن ناظراً إلى جميع الآثار فلا معنى له. وأمّا الجواب عن الثاني: فإن الحكومة لم تثبت عندنا بدليل لفظي، بل الحكومة دأب وديدن للعقلاء في تفاهمهم ومكالماتهم، وفي مجال الجمع بين الأدلة لا يرون مانعاً من القول تارة: ((لا صلاة إلاّ بطهور))[3] واُخرى: (كلّ شيء طاهر) فذلك جعل للطهارة ولازمه كذلك، أي التوسعة في الشرطية. وأمّا الجواب عن الثالث: سلمنا عدم صحة الحكومة في المتأخر رتبة، لكنا نقول: لا علاقة لهذا بما نحن فيه؛ لأنه لا حكومة هنا، أي أنا لا نريد جعل (كلّ شيء طاهر) حاكماً على أدلة النجاسات، فموضوع الطهارة الظاهرية الشك في الطهارة الواقعية، ونحن نريد الحكومة للطهارة الواقعية، ونريد توسعة الطهارة الواقعية. للإمام الخميني ـ قدس سره ـ نكتة لافتة هنا حيث يقول: على فرض قبولنا للحكومة في المتأخر الرتبي، فإنّه لا علاقة لهذا بمحل بحثنا، فالتأخر الرتبي مقام والحكومة مقام آخر. فالتأخُّر للطهارة الظاهرية قياساً بالطهارة الواقعية، والحكومة للشرطية، والشرطية هنا لم تقع في الموضوع ولا في المحمول. وأمّا الجواب عن الرابع، الذي كان مضمونه: لسان أدلة الاُصول حاكمة على لسان الأدلة الواقعية، ويلزم الحكم بطهارة ملاقي مشكوك الطهارة والنجاسة، ولو انكشف بعد ذلك نجاسته. بيان الملازمة: إذا لاقت اليد مشكوك الطهارة المحكوم عليه بالطهارة طبقنا قاعدة (كلّ شيء لك طاهر)، فاليد تكون طاهرة حتى لو انكشف بعد ذلك نجاسة الملاقي؛ وذلك من باب أن الدليل قال: كل ما لاقى طاهراً فهو طاهر. يجيب السيدالبروجردي على هذا الإشكال بأنّ الإجزاء خاص بالماضي لا بما بعد العلم، فالشخص المفروض في المثال لم يكن له علم بالخلاف ويده محكوم عليها بالطهارة، لكن من الآن فما بعد تترتّب عليها آثار النجاسة[4]. هذا الجواب يبدو غير تامّ برأينا، كما أن المقرر[5] اعتبره غير صحيح. وجه عدم تماميته هو: أنّ الإجزاء إذا اعتبرناه خاصاً بالماضي، فينبغي القول بطهارة الملاقي إلى الأبد؛ لأن الملاقاة قد حصلت سابقاً، ولم تحصل الملاقاة حالياً، مع أنّ الحكم السابق الإجزاء والطهارة، ولا إجزاء ولا ملاقاة من الآن فما بعد؛ لكون الفرض أنه لا يريد وضع يده على مشكوك الطهارة، والبحث حالياً في الملاقاة السابقة. وذلك يكون من قبيل باب الصلاة، بأن يأتي بالصلاة بثوب مشكوك في طهارته، فصلاته آنذاك صحيحة، ثم يكتشف خلاف ذلك، فلا حاجة لإعادة صلاته. نعم، لا يجوز له الصلاة بنفس الثوب في الصلوات الآتية؛ ليقينه بنجاسته، وعليه الصلاة بثوب طاهر، وهذا يتبع العلم، ولا علاقة له بالإجزاء. -------------------------------------------------------------------------------- [1] - الوسائل 8: 212، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ب8، ح1. [2] - فوائد الاُصول 1و2: 249 ـ 251. [3] - الوسائل 1: 365، أبواب الوضوء، ب1، ح1. [4] - نهاية الاُصول 1: 142. [5] - سماحة آية الله المنتظري.
|