الإجزاء (درس74)
الدرس دروس خارج الأصول مباحث الدليل اللفظي الدرس 74 التاريخ : 2008/12/21 بسم الله الرحمن الرحيم موارد اُخرى وقد أضاف صاحب (محاضرات)[1] موارد، هي: المورد الأوّل: الإجزاء مختص بباب الصلاة لا من باب قاعدة ((لاتعاد))[2] ، بالطبع لم يصرح بحديث ((لا تعاد)) لكن يبدو أن مراده هو هذا، والقاعدة لو اقتضت الإجزاء على الحكومة فلا مفر من الحكم بصحة الوضوء الذي تحقق بالماء المشكوك الطهارة والنجاسة؛ وذلك بحكم أصالة الطهارة بعد انكشاف الخلاف، وكذلك الصلوات اللاحقة، فبالإمكان الإتيان بها بنفس الوضوء؛ وذلك لأنه قال تارة: الطهارة شرط ماء الوضوء، وقال تارة اُخرى: كلّ شيء طاهر، فمقتضى القاعدة هو صحة الوضوء، وهذا مورد للنقض. المورد الثاني: إذا شك شخص في أن الشيء الفلاني ملك لفلان لكي يجوز شراؤه أم ليس ملكاً له فلا يجوز شراؤه، فيجري استصحاب الملكية ليصح شراؤه، فينكشف الخلاف بعد ذلك، وإذا قلنا بالإجزاء ينبغي القول بوقوع البيع صحيحاً. ويمكن إضافة موارد اُخرى، مثلاً يشك شخص في حصول الرضاع بالنسبة إلى امرأة لكي يرتب على ذلك جواز الزواج منها أو عدم جوازه، فيستصحب عدم الرضاع ويتزوجها ثم ينكشف حصول الرضاع وأنها رضيعته. وعلى هذا ينبغي القول بصحة الزواج، مع أنه لا أحد من الفقهاء قال بصحته، ولا يجوّز واحد منهم هكذا زواج. المورد الثالث: إذا شك شخص في أن هذا العبد له أم لا، فيستصحب كونه عبداً له، ويحرره ككفارة، ثم انكشف أنه لم يكن له، فينبغي الالتزام هنا بصحة العتق وسقوط الكفارة؛ وذلك لأنه ((لا عتق إلاّ في ملك))[3]. المورد الرابع: إذا لم أعلم بحياة شخص فأستصحب حياته، فانفق من ماله على زوجته، ثم انكشف أنه كان ميتاً منذ تلك الأيام، فينبغي القول هنا بأن زوجته غير مديونة للورثة بناءً على الاستصحاب، مع أن الفقهاء يفتون بعدم صحة هذا الإنفاق. ولكن الحق عدم ورود موارد النقض المتقدمة؛ لوجهين: الوجه الأول: لا يوجد في بعض الموارد المتقدمة دليل محكوم لكي يكون لسان الأصل حاكماً عليه. بيان ذلك: الحكومة بحسب اللب والواقع تخصيص، أي أن تحديد الحكم السابق أو توسعته ليس تغييراً في الموضوع حقيقة، بل تخصيص، فالحديث: ((الطواف بالبيت صلاة))[4] لا يعني أن الطواف صلاة حقاً، بل يعني: اتخاذ الطواف حكم الصلاة، ويأتي حكم الصلاة في مجال الطواف، غاية الأمر أن لسان الدليل لسان حكومة. من هنا تظهر الأمور التالية: أوّلاً: الحكومة تخص حالة ما إذا كان للدليل لسان، ولا مجال للحكومة في الأدلة اللبية، ولا حكومة في بناء العقلاء وسيرتهم؛ لأن هذه الأدلة لا لسان لها، فهي أعمال خارجية. ثانياً: الحكومة تخص حالة ما إذا كان لسان لكلّ من الدليل الحاكم والدليل المحكوم عليه، وتفصيل ذلك يأتي في بحث التعادل والتراجيح إن شاء الله تعالى. أمّا إجمال المطلب، الحكومة بحسب اللب والواقع وفي مقام التضييق ليس إلاّ تخصيصاً، فهي تقول: لا حكم في المورد، ولا تقول: لا موضوع في المجال، فنفي الموضوع ليس حقيقياً، مثلاً: (لا شك لكثير الشك)[5] لا تعني عدم وجود الشك واقعاً، بل تعني عدم ترتب أحكام الشك على كثير الشك، لكن لسان الدليل كان لسان (لا شك)، أي نفي الموضوع. وكذا الحال في لسان التوسعة، فهي لا تريد القول بأن غير الموضوع موضوع واقعاً، بل تريد تسرية الحكم إليه. وعلى هذا، لا تأتي الحكومة فيما إذا كان الدليل فاقداً للسان؛ لأن تمام قوامها بلسان الدليل، أمّا واقعها فتخصيص أو تسرية للحكم. كما أنها لا تأتي فيما إذا كان الدليل الحاكم أو المحكوم فاقداً للسان، وفي بعض من تلك الموارد قد لا يكون فيها دليل محكوم، مثل ملاقاة اليد شيئاً مشكوك الطهارة، ولا دليل على أن الملاقي للطاهر طاهر، بل جعل ملاقي الطاهر طاهراً محالاً، وما اُقيم عليه الدليل هو أن الملاقي للنجس نجس. نعم، إذا كان ملاقي النجس نجس فملاقي الطاهر طاهر، لكن هذا الانتزاع منّا، وليس قانوناً، وهكذا بالنسبة إلى مسألة الوضوء، فلا دليل لنا على لزوم كون ماء الوضوء طاهراً (إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وَجُوهَكُمْ وَأيْدِيَكُمْ إلَى المَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤوسِكُمْ وَأرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ)[6] ، وما لدينا من دليل هو عدم جواز الوضوء بالماء النجس، ولا يتضمن الدليل مثل: لا وضوء إلاّ بماء طاهر، لكي يكون دليل (كلّ شيء طاهر) حاكماً عليه. كما أنه لا يوجد دليل يصرح بجواز الزواج من الأجنبية أو جواز الزواج مع غير الرضيعة لكي نستصحب عدم الرضاع، ويكون حاكماً على دليل جواز الزواج من غير الرضيعة، والذي في متناول أيدينا من دليل يقول: الزواج مع الرضيعة باطل، أو الزواج مع المحارم باطل، وهذا لا علاقة له بالاستصحاب. -------------------------------------------------------------------------------- [1] - محاضرات 2: 254. [2] - تهذيب الأحكام 2: 153، من لا يحضره الفقيه 1: 181، الوسائل 1: 371 ـ 372، أبواب الوضوء، ب3، ح8. [3] - عوالي اللآلي 2: 299/ 4. [4] - عوالي اللآلي 1: 214/ 70، و2: 167/ 3. [5] - الظاهر أنها قاعدة متصيدة، من حيث لم نعثر على هذا النص، فراجع الوسائل 8: 228، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ب16. [6] - المائدة: 6.
|