الإجزاء (درس77)
الدرس دروس خارج الأصول مباحث الدليل اللفظي الدرس 77 التاريخ : 2008/12/21 بسم الله الرحمن الرحيم المسألة الرابعة: هل العمل بالإمارة سواء كانت الشبهة حكمية أو موضوعية مجزٍ أم لا؟ لنفرض قيام خبر الثقة على عدم جزئية السورة، وقد عملت وفقاً لهذا الخبر فترة ما ثم انكشف الخلاف بدليل قطعي سواء كان آية أو رواية وثبتت جزئية السورة، ومثاله في الموضوعات: قيام البينة على أنك متوضئ فصليت بنفس الوضوء، ثم انكشف خطأ البينة وأنك لم تتوضأ. المعروف بين المحققين مثل صاحب (الكفاية)[1] والنائيني[2] ـ قدس سره ـ وسيدنا الاُستاذ[3] عدم الإجزاء، لكن البروجردي ـ قدس سره ـ قال بالإجزاء[4]. لكن الحق ما ذهب إليه السيد البروجردي، خلافاً لبعض المحققين، والوجه في ذلك أنه قيل في باب الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي: إن المقنن يرفع اليد عن الحكم الواقعي، وإلاّ يلزم التناقض في الإرادة والجعل، فهو من جانب يريد الإتيان بالسورة حتى من الذي قامت عنده الأمارة، ومن جانب آخر يقول: على الذي قامت عنده الأمارة أن يعمل وفقها، مع علمه بأن الأمارة تخالف الواقع أحياناً، وهذا تناقض، وهو محال من المولى الحكيم. فلنفرض أن قتل النبي من المحرمات التي لا يرضى الشارع بارتكابها في آن من الآنات، ولا في حال من الحالات، ومن جانب آخر لا يمكن اعتبار خبر الثقة حجة هنا؛ لأن خبر الثقة قد يجعل غير النبي نبياً، وإلاّ فلا يمكن أن يكره الشارع قتل النبي على أي حال وزمان أو مكان، ويجعل في ذات الوقت خبر الثقة حجة، فذلك التناقض بعينه في الإرادة والجعل. إذن، أينما ثبت حكم ظاهري بأمارة أو أصل فلابد من القول بأن المولى غضّ النظر عن الحكم الواقعي قطعاً، وإلاّ يلزم التناقض في الإرادة. لنفرض قيام الأمارة على عدم جزئية السورة، فصلّى أحد دون سورة استناداً للأمارة، ثم انكشف له جزئية السورة، فلا قضاء على هذا الشخص؛ لأن السورة لم تكن فعلية في الوقت بحكم قيام الأمارة على عدم جزئيتها، ولذلك تُرفع اليد من جزئيتها. كان ذلك بالنسبة إلى القضاء، أمّا بالنسبة إلى الإعادة، فمثلاً أتى بصلاة الظهر في أوّل الوقت دون سورة لقيام خبر ثقة على عدم جزئيتها، ثم عثر على دليل قطعي من آية أو رواية على جزئية السورة في الصلاة، فلا إعادة هنا؛ قضاءً لإطلاق دليل الحجية. إطلاق دليل الحجية يقول: خبر الثقة حجة مطلقاً في أوّل الوقت ووسطه وآخره، وبما أن مصداق الأمر قد تحقق فيسقط الأمر، ولا وجه عندئذٍ للإعادة، باعتبار أن منشأ الإعادة القول بعدم حجية خبر الثقة في أوّل الوقت، وهو كما ترى، أو أن منشأ الإعادة القول بأن الأمر في أوّل الوقت ليس أمراً بالطبيعة، وهو أيضاً كما ترى، أو أن منشأها القول بأن خبر الثقة حجة، وجزئية السورة فعلية كذلك، وهو أيضاً كما ترى. وعلى هذا، لابد من القول بسقوط الأمر بعد الإتيان بالمأمور به. وممّا ذكرناه يظهر عدم تمامية ما في (الكفاية)[5] وما في (تهذيب الاُصول)[6] وما في (فوائد الاُصول)[7] ، بل ما في (نهاية الاُصول)[8] كذلك، لكن عدم التمامية من باب المبنى لا من باب البناء، كما سيظهر لك ذلك إن شاء الله تعالى. كلام صاحب الكفاية جاء في (الكفاية): (وهذا بخلاف ما كان منها بلسان أنه ما هو الشرط واقعاً، كما هو لسان الأمارت، فلا يجزي، فإنّ دليل حجيته حيث كان بلسان أنه واجد لما هو شرطه الواقعي فبارتفاع الجهل ينكشف أنه لم يكن كذلك، بل كان لشرطه فاقداً. هذا على ما هو الأظهر الأقوى في الطرق والأمارات، من أن حجيتها ليست بنحو السببية، وأمّا بناءً عليها وأن العمل بسبب أداء أمارة إلى وجدان شرطه أو شطره يصير حقيقة صحيحاً كأنه واجد له مع كونه فاقده فيجزي ....). -------------------------------------------------------------------------------- [1] - كفاية الاُصول: 86. [2] - فوائد الاُصول 1: 248. [3] - تهذيب الاُصول 1: 146. [4] - نهاية الاُصول 1: 136. [5] - كفاية الاُصول: 86. [6] - تهذيب الاُصول 1: 146. [7] - فوائد الاُصول 1: 248. [8] - نهاية الاُصول 1: 136.
|