|
الأحكام الأربعة لطلاق الخلع
1 ـ الخلع المحرّم
عندما يجبر الزوج زوجته ـ كي يطلّق ـ أن تهبه مالاً ما أو تتنازل عن مال ما، والحال أن الزوجين متفاهمان مع بعضهما في حياتهما الزوجية، ولا تكون المرأة متنفرةً من زوجها. في هذه الحالة يحكم الفقهاء جميعاً بأن الطلاق الذي يقع ليس ـ بالجزم والقطع واليقين ـ خلعاً أبداً، وأن هذا المال الذي قدّمته الزوجة للزوج في سياق الطلاق ما زال على ملكية الزوجة، ولا يجوز للزوج التصرّف به إطلاقاً([26])، لكن بمجرد أن يجري المطلّق أو وكيله صيغة الطلاق على لسانه يحكم الفقهاء بوقوع الطلاق رجعياً، ويقولون: لا يملك الرجل المال، رغم أن صاحب كشف اللثام([27]) يحتمل بطلان هذا الطلاق من رأس، تماماً كما ذهب إليه أهل السنّة([28]); وذلك أن قصد الزوج من وراء إجراء صيغة الطلاق إيقاع الطلاق المؤدي إلى أن يأخذ في مقابله شيئاً، ومع الأخذ بعين الاعتبار حرمة المال المأخوذ ـ في صورة إجبار الزوجة ـ وعدم مالكيته له، سيصبح طلاقه مجانياً; وعليه فما بنى عليه صيغة الطلاق لم يقع في الخارج، بمعنى أن ما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد; وبعبارة أخرى عندما يكون طلاقه صحيحاً فإنّ لازم ذلك صحة وحليّة المال الذي أوقع الطلاق له; لكن بطلان هذا اللازم ـ نظراً لإجماع الفقهاء على حرمة المال المأخوذ ـ واضح وبيّن يوجب بطلان الملزوم، وهو صحة مثل هذا الطلاق. 2 ـ الطلاق الخلعي المباح ويكون عندما تتنفر الزوجة من زوجها وتخاف أن لا تقدر على أداء حقوق زوجها، أي يفضي ذلك بها إلى المعصية، فهنا تهب مهرها أو أموالا أخرى للرجل حتى يطلّقها. 3 ـ الطلاق الخلعي المستحب ويقع فيما إذا قالت الزوجة: إنها سوف تدخل شخصاً عليه يكرهه ويتنفر منه، كنايةً عن افتراشها لرجل آخر، وهذا القول ذهب إليه ابن إدريس([29])، والمحقق الحلي([30])، رغم أن صاحب كشف اللثام([31])يقول في نهاية حديثه عن هذا التقسيم بأنه لا وجود له ولا لهذه المراتب من الكراهة في كلمات أيّ من الفقهاء، سوى كلام العلامة. 4 ـ الطلاق الخلعي الواجب وموضوعه عين موضوع الطلاق السابق، لكنّ بعض الفقهاء قائل هنا بالوجوب، حيث يذهبون إلى أنه إذا بلغت الكراهة هذا الحدّ وجب على الزوج طلاق زوجته بعد قبولها بهبة المال. ومع الأخذ بعين الاعتبار هذه التقسيمات، لابد أن نجعل مورد البحث وجوب الطلاق في مطلق حالات كراهة الزوجة للزوج، حتى لو أخذت شكلا ظاهرياً مختلفاً، سواء التنفر الظاهري أم إرادة إدخال رجل آخر، وليس من الضروري أن يبلغ هذا التنفر حداً يحتمل معه المعصية من طرف الزوجة في الأمور الواجبة عليها تجاه زوجها. إذا تمكّنا ـ عبر دراسة أدلّة الطرفين ـ من التوصل إلى وجوب الخلع في هذه الصورة فإنه لا مجال بعد ذلك لشبهة التمييز بين الرجل والمرأة في حكم الطلاق، ومن ثمّ لا يضيع أيّ حق من المرأة حينئذ في هذا المجال، ولا يعرض عليها أيّ حيف أو ظلم; إذ كما يمكن للزوج أن يطلّق زوجته لأي سبب بدفعه المهر لها، كذلك يمكن للمرأة عندما تكون كارهة لزوجها بأيّ شكل من أشكال الكراهة، ولو الكراهة الناشئة من إرادتها الزواج من شخص آخر، يمكنها بدفع المهر لزوجها أو مقداره على تقدير التلف، المطالبة بالطلاق من الرجل، وعلى الرجل الاستجابة لمطالبتها بإجراء الطلاق حتى تتمكن المرأة من العيش بحرية تامة والاستمرار بحياتها كذلك... حتى لو كان الرجل راضياً عن حياته مع هذه الزوجة وليس عنده أيّ نفرة منها. وطبقاً لهذه النظرية، لا يضيع على الرجل أيّ حقّ، إذ في الحدّ الأدنى سوف يرجع إليه المهر الذي أعطاه للمرأة، ولا يضيع حق الزوجة; لأنها لو طلقت من طرف الرجل ستأخذ مهرها وعوض بضعها حينئذ. والآن، وبعد تحديد محلّ النزاع، وهو مهم جداً في فتح مغالق الموضوع والجواب عن إحدى الشبهات المسجلة على النظام الحقوقي الإسلامي، نواصل بحثنا باستعراض الأقوال في المسألة والأدلّة من الطرفين مع ذكر الإشكالات والإيرادات; وفي خاتمة البحث نذكر أدلّتنا ونحلّل تحليلا ماهوياً جوهرياً رواية «الطلاق بيد من أخذ بالساق»([32]) التي تمثل أحد أهم أدلة القائلين بعدم وجوب طلاق الخلع هنا __________________________________________ [26] . شرائع الإسلام 3: 41. [27] . كشف اللثام 8: 185. [28] . الحاوي الكبير 10: 6. [29] . السرائر 2: 724. [30] . شرائع الإسلام 3: 40. [31] . كشف اللثام 8: 187. [32] . سنن الدارقطني 4: 37، ح 103
|