|
المقدمة
التمييز بين الرجل والمرأة في حقّ الطلاق من الموضوعات التي تثير في الفقه التساؤلات والاستفهامات، حيث يُسأل: كيف يكون للرجل الحق في قطع العلاقة بين الزوج والزوجة، في أيّ زمان شاء بدفع المهر، أما المرأة فليس لها الانفصال عن زوجها عندما لا تغدو راضيةً عن حياتها مع شريكها؟! هل يعطي الإسلام ـ وهو القائم على أساس كرامة الإنسان وتساوي الرجل والمرأة([6]) في الاستفادة من المواهب المادية والمعنوية ـ للرجل حق إبادة حياة المرأة فيما لا سبيل لهذه المرأة للخلاص من حياة سوداء تعيشها؟!
لقد حاول بعضهم الإجابة عن هذه الشبهة بالقول: إذا كان الطلاق بيد المرأة وأمكنها أن تطلق نفسها، فإن هذا معناه ـ عندما نلاحظ الجانب العاطفي النشط والحساس عندها ـ ميلٌ لديها للطلاق عند بروز أدنى مشكلة، ولا تكون متوازنةً في هذا الأمر... جاء في الحديث: «... ومحاباتهنّ النساء في الطلاق..»([7])، وهذا ما يوجب تزلزل مؤسسة الأسرة والحياة. إلا أن هذا الجواب لا يرفع إشكالية التمييز وشبهة ظلم النساء; وذلك: أوّلا: إن الحديث عن رغبة النساء وميلهنّ للطلاق ادّعاء بلا دليل، ولا يوجد بأيدينا أي مستند أو دليل معتبر على ذلك على مستوى علم النفس وعلم النفس التحليلي والإحصائي، فهو ليس سوى صرف احتمال لا أكثر. كذلك الحال في الحديث المستند إليه هنا، فهو مناقش سنداً ودلالة. ثانياً: إن هذا الجواب لا يمكنه رفع إشكال أولئك الذين لا يعتقدون إطلاقاً بالإسلام، فكيف بالأخبار والروايات؟! ثالثاً: إن تزلزل مؤسسة الأسرة أمر حاصل أيضاً مع جعل الطلاق بيد الرجل; ذلك أن المرأة لا اطمئنان عندها باستمرار حياتها المشتركة مع زوج يمكنه في أيّ لحظة أن ينفصل عنها، وعليه فهذا الحقّ عندما يعطى للرجل فسوف يهزّ أركان الحياة العائلية. بدورنا، ما نسعى له في هذه الدراسة، هو مارسة قراءة جديدة في النصوص الفقهية وفي مستندات حكم الطلاق، بهدف العثور على منفذ وطريق لرفع هذا الاختلاف، ورفع شبهة التمييز في البين، من هنا سوف نحاول تفسير القانون الإلهي هنا في حدود فهمنا وإدراكنا. ويبدو أن السبيل الوحيد لرفع إشكالية التمييز هنا هي الحكم بوجوب طلاق الخلع ـ مع توفر شروطه وظروفه ـ على الرجل، والشرط الرئيس في طلاق الخلع هو كراهة المرأة وعدم رضاها باستمرار حياتها الزوجية، ولا يوجد أيّ قيد لهذه الكراهة وعدم الرضا، حتى أن أيّ سبب ينتجهما يحقق القضية هنا; فلو تحققت الكراهة لأن المرأة تريد الزواج من رجل آخر ـ ولذا تريد الطلاق من الأول - حصل الحكم. ومع إثبات هذا القول الذي هو مختار الأستاذ المعظم «دام ظلّه» أيضاً، يرتفع معضل التمييز; إذ كما أن الرجل يمكنه في أيّ وقت أراد دفع مهر المرأة وتطليقها، كذلك الحال في الزوجة أيضاً، فإن بإمكانها ـ بإعادة المهر أو هبته والتنازل عنه للزوج ـ جعل الرجل ملزماً بالطلاق. وبناءً عليه، فالمرأة والرجل متساويان في امتلاك حق الطلاق ولا اختلاف، وهنا قد يقال بأنه في حالة إرادة المرأة للطلاق يفترض أن يكون لها الحقّ أيضاً في الحصول على مهرها من الزوج. لكن يمكن الجواب بأن هذا الكلام واضح البطلان; لأن إعطاء مثل هذا الحق للمرأة ليس فقط لا يعدّ عدلاً ومساواة في حق الطلاق، بل هو ظلم فاحش على الرجل; ذلك أنه لم يصدر منه أو يحصل لديه أية كراهة في الاستمرار في الحياة الزوجية، بل هو راض بذلك، وعليه فوجود حكم من هذا النوع وإلزامه ـ مع هذا الوضع ـ بدفع المهر لتنفصل زوجته عنه... أشبه ـ تقريباً ـ بالجمع بين العوض والمعوّض لأحد طرفي العقد، وبطلان الجمع بين العوض والمعوّض في العقود والمعاملات هو أيضاً حكم عقلي وعقلائي وإجتماعي. والحمد لله __________________________________________ [6] . (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ...)(الإسراء: 70); (أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِل مِنْكُمْ مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى...) (آل عمران: 195) (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَر أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً...) (نحل: 97). [7] . وسائل الشيعة 27: 365، كتاب الشهادات، باب 24، ح 50.
|