|
حرمة عنوان البيع في الأعیان المتنجّسة
أمّا حرمة عنوان البيع، قال الاُستاذ (سلام الله علیه) إنّـه: لادليل على حرمة عنوان التجارة، كالبيع وغيره في المائعات المتنجّسة الغير القابلة للتطهير، كالدبس والسمن، فضلاً عمّا تقبله، عدا رواية تحف العقول([317]) والرضويّ([318])، على إشكال في الثانية ([319]). وهما غير صالحتين لإثبات حكم؛ لضعفهما، بل عدم إحراز كون الثانية رواية، لقرب احتمال كونه كتاب فتوى لفقيه جمع بين الروايات، إلّا فيما نسبه إلى المعصوم، فيكون مرسلة غير معتمدة. وعدا ما عن الجعفريّات، عن عليّ بن أبي طالب (صلوات الله عليه)، قال: «بائع الخبيثات ومشتريها في الإثم سواء»([320]). وفيه ما مرّ من الإشكال في دلالته؛ لكونه في مقام بيان الحكم بالتسوية، فلا يستفاد منه أنّ الإثم لنفس البيع والشراء، مضافاً إلى أنّ في سنده إشكالاً بجهالة بعض رواته. وأمّا إجماعات الغنية والمنتهى والمسالك فليس شيء منها على هذا العنوان، أي حرمة البيع، كما يأتي([321]). ولا يخفى: أنّ مراده من قوله: «فلا يستفاد منها أنّ الإثم لنفس البيع والشراء» أنّـه لا يستفاد منها ترتّب الإثم على بيع الخبيثات في جميع الموارد حتّى تكون الرواية دليلاً على الحرمة في بيعها، بل غاية ما يستفاد منها أنّ الإثم لبيع الخبيثات في الجملة، أي فيما كان في بيعه إثم، كان المشتري والبائع في ذلك الإثم سواء؛ وذلك لكونها في مقام بيان الحكم بالتسوية بينهما بعد الفراغ عن أصل وجود الإثم، لا بيان وجود الإثم حتّى يؤخذ بإطلاقه في جميع موارد بيوع الخبيثات، كما لا يخفى عليك أنّ ما ذكره (سلام الله علیه) إشكالاً في سند الجعفريّات من الجهالة في بعض رواته هو الوسط الأوسط الأقوى من بين النظرين في سندها من الإفراط، وهو الذى ما ذهب إليه المحدّث النوري من أنّـه من الكتب القديمة المعروفة المعوّل عليها ([322]). ومن التفريط، وهو الذي ذهب إليه صاحب الجواهر في الاستدلال على عدم حاكميّـة الفقيه وولايته بقوله: وأغرب من ذلك كلّه استدلال من حلّت الوسوسة في قلبه... وببعض النصوص الدالّة على أنّ الحدود للإمام(علیه السلام)، خصوصاً المرويّ عن كتاب الأشعثيّات، لمحمّد بن محمّد بن الأشعث... الضعيف سنداً، بل الكتاب المزبور على ما حكي عن بعض الأفاضل، ليس من الاُصول المشهورة، بل ولا المعتبرة، ولم يحكم أحد بصحّته من أصحابنا، بل لم تتواتر نسبته إلى مصنّفه، بل ولم تصحّ على وجه تطمئنّ النفس بها، ولذا لم ينقل عنه الحرّ في الوسائل، ولا المجلسي في البحار، مع شدّة حرصهما ـ خصوصاً الثاني ـ على كتب الحديث. ومن البعيد عدم عثورهما عليه([323]). ثمّ إنّ الوجه في كون الوسط؛ أي ما ذهب إليه سيّدنا الاُستاذ (سلام الله علیه) من جهالة بعض رواته([324])، هو الوسط الأقوى. إنّ كتاب الجعفريّات لإسماعيل بن جعفر، وصل إلينا بواسطة سهل بن أحمد بن سهل الديباجي، عن محمّد بن الأشعث بن محمّد الكوفي، عن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر. قال النجاشي في رجاله: إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين(علیهم السلام)، سكن مصر وولده بها، وله كتب يرويها عن أبيه عن آبائه، منها: كتاب الطهارة، كتاب الصلاة، كتاب الزكاة، كتاب الصوم، كتاب الحجّ، كتاب الجنائز، كتاب الطلاق، كتاب النكاح، كتاب الحدود، كتاب الدعاء، كتاب السنن والآداب، كتاب الرؤيا. أخبرنا الحسين بن عبيدالله، قال: حدّثنا أبو محمّد سهل بن أحمد بن سهل، قال: حدّثنا أبو عليّ محمّد بن محمّد بن الأشعث بن محمّد الكوفي بمصر ـ قرائة عليه ـ قال: حدّثنا موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر(علیهم السلام)، قال: حدّثنا أبي بكتبه([325]). وقال الشيخ(قدس سرّه) في الفهرست ما يكون قريباً ممّا ذكره النجاشي([326]). فلا بدّ من ملاحظة سند الجعفريّات، فنقول: أمّا سهل بن أحمد بن سهل الديباجي، فلم تثبت وثاقته، ولم توجد قرائن وشواهد تدلّ على وثاقته. نعم، لا يبعد قيام القرائن والشواهد على مرتبة من حسنه، وإن لم تكن دالّة على حسنه، ولذا قال المحقّق المامقاني: «حسن على الأقوى»([327])، مع أنّـه (قدس سرّه) ممّن كان يحاول توثيق الرواة. وأمّا محمّد بن محمّد بن الأشعث بن محمّد الكوفي، فلا كلام في وثاقته. وأمّا موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر، فمجهول، لم يذكر بمدح ولا ذمّ([328]). وأمّا إسماعيل بن موسى بن جعفر(علیهم السلام) وإن قال في تنقيح المقال في حقّه: فإن لم نعدّ رواياته في الصحاح فلا أقلّ من كونها من أعلى الحسان.([329]) لكنّه لم تثبت وثاقته. فتلخّص ممّا ذكرنا أنّـه لم تثبت صحّة سند الحديث؛ لما ذكرناه. ------------------ [317]. تحف العقول: 331. وراجع: وسائل الشيعة 17: 83، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 2، الحديث 1. [318]. فقه الرضا: 250، باب التجارات والبيوع والمكاسب؛ مستدرك الوسائل 13: 65، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 1، الحديث 1. [319]. المكاسب المحرّمة 1: 32. [320]. كتاب الجعفريّات (المطبوع في ضمن قرب الإسناد): 285/1187؛ مستدرك الوسائل 13: 64، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 1، الحديث 4. [321]. المكاسب المحرّمة 1: 32 ـ 33. [322]. خاتمة مستدرك الوسائل 1: 15. [323]. جواهر الكلام 21: 397 ـ 398. [324]. المكاسب المحرّمة 1: 33. [325]. رجال النجاشي: 26، الرقم 48. [326]. الفهرست: 45، الرقم 30. [327]. تنقيح المقال 2: 73، الرقم 5389. [328]. راجع: تنقيح المقال 3: 252، الرقم 12217. [329]. تنقيح المقال 1: 145، الرقم 916.
|