Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: دروس خارج الفقه
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: قصاص النفس (درس8)
قصاص النفس (درس8)
الدرس دروس خارج الفقه
_AyatollahSanei
القصاص
الدرس 8
التاريخ : 2008/12/11

قصاص النفس (درس8)

بسم الله الرحمن الرحيم
(مسألة 4: في مثل الخنق وما بعده لو أخرجه منقطع النفس أو غير منقطع لكن متردد النفس فمات من أثر ما فعل به فهو عمد عليه القَوَد).
وجه القَوَد في منقطع النفس واضح، وأمّا في غير المنقطع مع تردد النفس وموته من أثر ما فعل به فلكونه عمداً أيضاً، وكونه مثل الموت مع الخنق ومقارناً للاشتراك في كون الفعل مما يُقتل به غالباً.
(مسألة 5: لو فعل به أحد المذكورات بمقدار لا يقتل مثله غالباً لمثله ثمّ أرسله فمات بسببه؛ فإنْ قصد ولو رجاء القتل به ففيه القصاص، وإلاّ فالدية. وكذا لو داس بطنه مما لا يُقتل به غالباً, أو عصر خصيته فمات, أو أرسله منقطع القوة فمات).
ممّا ذكرناه في ذيل المسائل السابقة يظهر وجه الأحكام في هذه المسألة والمسائل الآتية إلى المسألة الثالثة والثلاثين من الباب, وأنَّ المناط نسبة القتل والعمد فيه وكون المقتول مظلوماً. وما في تلك المسائل ليس إلاّ بياناً للمصاديق وبيان النسبة.
ولا يخفى عليك أنَّه مع كون المقتول مظلوماً القصاص ثابت بالآية: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً)[1] وإنْ كان العمد في القتل أو كون القتل عمداً مشكوكاً وغير ثابت. فافهم ذلك وتدبّر فيه واغتنمه فإنَّه دقيق جداً.
هذا، ولكن مع ذلك نبحث في بعض المسائل منها؛ لما فيه من الكلام والبحث اللائق بالذكر، ونحيل البقيّة إلى ما في المسائل السابقة وإلى ما ذكرناه من المناط، ونسأل اللّه تعالى أن يجعل مستقبلنا خيراً ممّا فينا.
(مسألة 6: لو كان الطرف ضعيفاً لمرض أو صغر أو كبر ونحوهما, ففعل به ما ذُكر في المسألة السابقة، فالظاهر أنّ فيه القصاص ولو لم يقصد القتل مع علمه بضعفه، وإلاَّ ففيه التفصيل المتقدم.
مسألة 7: لو ضربه بعصا مثلاً فلم يقلع عنه حتى مات, أو ضربه مكرراً مالا يتحمله مثله بالنسبة إلى بدنه ككونه ضعيفاً أو صغيراً, أو بالنسبة إلى الضرب الوارد ككون الضارب قويّاً, أو بالنسبة إلى الزمان كفصل البرودة الشديدة ـ مثلاً ـ فمات, فهو عمد).
وجه القصاص في المسألة كون الفعل مع الخصوصيّات المفروضة فيها ممّا يقتل به غالباً. هذا، مع ما فيها من النصوص المختصّة بالفرع الأوّل وهو الضرب بالعصا مع عدم القلع إلى أنْ يموت, كمرسل يونس عن الامام الصادق ـ عليه السلام ـ: ((إنْ ضرب رجل رجلاً بعصا أو بحجر فمات من ضربة واحدة قبل أن يتكلَّم فهو يشبه العمد، فالدية على القاتل, وإنْ علاه وألحّ عليه بالعصا أو بالحجارة حتى يقتله فهو عمد يُقتل به، وإنْ ضربه ضربة واحدة فتكلّم ثمّ مكث يوماً أو أكثر من يوم فهو شبه العمد))[2].
وصحيح أبي الصباح الكناني عنأبي عبد اللّه عليه السلام, قال: سألناه عن رجل ضرب رجلاً بعصا فلم يقلع عنه الضرب حتى مات، أيُدفع إلى ولي المقتول فيقتله؟ قال: ((نعم، ولكن لا يُترك يعبث به, ولكن يجيز عليه بالسيف))[3].
وخبر العلاء بن فضيل[4]، وخبر موسى بن بكر[5]، وخبر سلمان بن خالد[6].
(مسألة 8: لو ضربه بما لا يوجب القتل فأعقبه مرضاً بسببه ومات به, فالظاهر أنّه مع عدم قصد القتل لا يكون عمداً ولا قَوَد، ومع قصده عليه القَوَد).
وجه الظهور أنَّ المعتبر في القصاص عند صاحب المتن كما يظهر من (مسألة 1) وبعض آخر ـ كما تقدم ـ إمّا القصد إلى القتل أو فعل ما يُقتل به غالباً، وليس في المفروض شيء منهما، وإنّما المفروض حدوث القتل من المرض المتحقق عقيب الضرب، ومن المعلوم أنَّ المرض ليس من فعل الضارب وإنْ كان سبباً فيه.
وأمّا على المختار من كفاية القتل ظلماً فيه، فقد مرّ منّا في تفصيل الصور في المسألة الأولى عدم كون المقتول كذلك مقتولاً ظلماً أيضاً، وإنّما هو مضروب كذلك عرفاً.
والتعبير بالظهور ـ لا الإرسال المسلّم كغيره من الموارد ـ إنما هو للوجوه الثلاثة المستدلّ بها, التي عرفت عدم تماميتّها مفصلاً في ذيل المسألة الثانية.
نعم، صريح (القواعد) وشرحه (اللثام) و(التحرير) و محكي (المبسوط) الحكم بالقصاص.
(مسألة 9: لو منعه عن الطعام أو الشراب مدة لا يحتمل لمثله البقاء فهو عمد وإنْ لم يقصد القتل، وإنْ كان مدة يتحمل مثله عادة ولا يموت به, لكن اتفق الموت أو أعقبه بسببه مرض فمات, ففيه التفصيل بين كون القتل مقصوداً ولو رجاءً أولا).
كون المنع عمداً وإنْ لم يقصد القتل لكونه مما يُقتل به غالباً، ولا يخفى أنَّ عدم التحمّل لمثله البقاء مختلف بحسب حال الأشخاص صحةً ومرضاً, وشبعاً وجوعاً, وريّاً وعطشاً, وغيرها من الحالات. هذا في المدّة التي لا يحتمل لمثله البقاء.
وأمّا في المدة القابلة للتحمّل, فتفصيل المتن في محلّه، ووجهه ظاهر، لكن مع تقييد المرض بكونه غير قابل للمعالجة أو قابلاً لها, لكنّ المانع منعه عنها أيضاً, وإلاّ فمع كون المرض قابلاً لها ولم يعالج المرض ليموت فالظاهر كونه شريكاً مع المانع في القتل; لدخالة المنع وعدم المعالجة في الموت معاً, فتأمل.
(مسألة 10: لو طرحه في النار فعجز عن الخروج حتى مات, أو منعه عنه حتى مات, قُتل به).
من جهة القصد أو كون الفعل ممّا يُقتل به غالباً. نعم, مع عدم القصد ولو رجاءً وجهل الفاعل بالسببيّة فالظاهر الدية والتعزير دون القصاص.
أمّا عدم القصاص، فلعدم نسبة العمد في القتل أو القتل عمداً إليه عرفاً, فضلاً عن كون قتله له ظلماً, وكون المقتول ممن قُتِل مظلوماً.
وأمّا الدية، فلكون الملقي في النار قاتلاً وإنْ لم يكن قاتلاً عمداً، والدية تابعة لنسبة أصل القتل وإنْ كان القتل خطأً. هذا مع أنّه لا يبطل دم امرئ مسلم.
وأمّا التعزير فوجهه ظاهر.
(ولو لم يخرج منها عمداً وتخاذلاً فلا قَوَد ولا دية قَتْل، وعليه دية جناية الإلقاء في النار، ولو لم يظهر الحال واحتُمل الأمران لا يثبت قَوَد ولا دية).
نفي القَوَد والدية إنّما يكون لأنَّ الموت إنّما حصل بلبثه وهو مستند إليه لا إلى الجاني، وأمَّا لو شك في التخاذل وعجزه للشكّ في تمكّنه وعدمه, بأنْ احتُمل عدم تمكنّه أصلاً للشكِّ في التمكن, أو احتُمل حصول الذهول أو الضعف عن الخروج وإنْ كان قادراً عليه ـ وبالجملة، التخاذل غير محرز ـ ففي (الشرائع)[7] وعن (التحرير)[8] و(الإرشاد)[9] و(التلخيص)[10] ثبوت القصاص حيث, إنَّ السبب المهلك معلوم, والدفع مجهول وإنْ كان موثوقاً به كحسن السباحة؛ لما مرّ من حصول الظهور والدهشة.
وفي (المسالك): (لوجود السبب المقتضي للضمان وهو الإلقاء, مع الشكّ في المسقط وهو القدرة على الخروج مع التهاون فيه، ولا يسقط الحكم بثبوت أصل القدرة ما لم يعلم التخاذل عن الخروج; لاحتمال أن يعرض له ما يوجب العجز عن دهشة أو تحيّر أو تشنج أعضائه ونحو ذلك)[11].
وعلى كلّ حال، فمقتضى الجميع ثبوت القصاص، ولكن عن (الخلاف)[12] القطع بعدمه، بل هو ظاهر (القواعد) أو صريحها أيضاً, حيث قال: (ولو تركه في نار يتمكن من التخلّص منها؛ لقلّتها أو لكونه في طرفها يمكن الخروج بأدنى حركة, فلم يخرج فلا قصاص، وفي الضمان إشكال أقربه السقوط إنْ عُلم أنَّه ترك الخروج تخاذلاً، ولو لم يُعلم ضَمِنه وإنْ قدر على الخروج; لأنَّ النار قد ترعبه وتدهشه وتشنّج أعضائه بالملاقاة فلا يظفر بوجه المخلص)[13].
ومن هنا قال في (كشف اللثام): (ثمّ هذه العبارة تعطي القطع بعدم القصاص مطلقاً, وهو موافق لـ(الخلاف)، والتردد في سقوط الدية، ثمّ استقرابه إذا علم الإهمال تخاذلاً).
ثمّ قال: (ومبنى الوجهين على تعارض ظاهِرَين وأصلين، فإنّ الظاهر من حال الإنسان أنْ لا يتخاذل عن الخروج حتّى يحترق، وظاهر النار المفروضة سهولة الخروج عنها، وأنَّه لا يحترق بها إلاّ من تعمّد اللبث فيها، والأصل براءة الذمّة، والأصل عدم الشركة في الجناية. والاحتياط يقوي ما في الكتاب)[14].
قلت: الظاهر ثبوت القصاص مطلقاً, حيث إنّ كون السبب في مثل الإلقاء في النار ـ المحتمل فيها حصول الدهشة والتشنّج والذهول ـ ممّا يُقتل به غالباً ممّا يساعده العرف, فيكون القتل عمداً وإنْ لم يقصد به ذلك.
نعم، ما كان ذلك الاحتمال فيه ضعيفاً من حيث الشخص أو النار مثلاً، فليس السبب كذلك عرفاً، فالعمد فيه دائر مدار القصد.
وأمّا الدية مع عدم القصد فالظاهر عدمه؛ لعدم ثبوت النسبة.
ولعلّ مراد (الجواهر) من أنّ مبنى المسألة على تحقق صدق قتله, فإنْ حصل ففيه القصاص، ما ذكرناه أي صدق القتل عمداً، ولذلك قال: (وإنْ لم يحصل ـ أي الصدق ـ فالمتّجه سقوطهما)[15].
فليس في كلامه الضمان بالدية, وعليه يتحد ما قلناه مع قوله. وأمّا إنْ كان مراده من الصدق في النسبة ففيه: كيف الصدق في النسبة مع الشكّ؟!.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - سورة الإسراء: 33.
[2] - وسائل الشيعة 29: 37، أبواب القصاص في النفس، ب11، ح5.
[3] - وسائل الشيعة 29: 36، أبواب القصاص في النفس، ب11، ح2.
[4] - وسائل الشيعة 29: 37، أبواب القصاص في النفس، ب11، ح4.
[5] - وسائل الشيعة 29: 39، أبواب القصاص في النفس، ب11، ح10.
[6] - وسائل الشيعة 29: 39، أبواب القصاص في النفس، ب11، ح12.
[7] - شرائع الإسلام: 361.
[8] - تحرير الأحكام 2: 241.
[9] - إرشاد الأذهان (ضمن الينابيع الفقهية) 3: 428، القصاص والديات.
[10] - تلخيص المرام (ضمن الينابيع الفقهية) 3: 467، القصاص والديات.
[11] - مسالك الأفهام 2: 362.
[12] - كتاب الخلاف 5: 162/ المسألة 20.
[13] - قواعد الأحكام 2: 279.
[14] - كشف اللثام 2: 261.
[15] - جواهر الكلام 42: 26.
الدرس اللاحق الدرس السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org