Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: دروس خارج الفقه
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: قصاص النفس (درس12)
قصاص النفس (درس12)
الدرس دروس خارج الفقه
_AyatollahSanei
القصاص
الدرس 12
التاريخ : 2008/12/19

قصاص النفس (درس12)

بسم الله الرحمن الرحيم

مسألة 21: لو كان في بيته طعام مسموم فدخل شخص بلا إذنه فأكل ومات فلا قَوَد ولا دية، ولو دعاه إلى داره لا لأكل الطعام فأكله بلا إذن منه وعدواناً فلا قَوَد.
عدم القَوَد والدية مع الدخول من دون الإذن لعدم نسبة المباشرة ولا التسبيب في قتله وأكله لصاحب البيت, حيث إنَّ المقتول هو المباشر في أكل السمّ وفي قتل نفسه اختياراً، فلو لم يدخل البيت لم يُقتل, فلا دخالة مؤثرة لصاحب البيت في قتله، وإنَّما يكون عمله شرطاً ومعدّاً للقتل لا دخيلاً في المؤثّر والعلّة.
وبالجملة، هو قاتل نفسه, حيث إنَّ له أنْ لا يدخل البيت، بل كان ممنوعاً لكونه عدواناً وظلماً، بل لا ضمان لصاحب البيت والطعام أيضاً إنْ كان الأكل عاديّاً, بأنْ لم يكن مأذوناً في أكله وإنْ كان مأذوناً في الدخول؛ لعين ما ذكر قبيل ذلك, حيث إنّه مباشر في قتل نفسه, ويكون عادياً في الأكل مثل العادي في الدخول، فلو لم يأكل لم يُقتل، وصاحب البيت لم يكن داعياً ومؤثّراً في أكله حتى يكون سبباً أقوى من المباشر.
وبذلك يظهر وجه قوله ـ رحمه الله ـ في المتن: (ولو دعاه إلى داره لا لأكل الطعام...).
وأمَّا فيما لو كان الأكل مأذوناً فيه فعليه الدية مع عدم قصد القتل; لنسبة القتل إليه وكونه دخيلاً فيه ولو من جهة الإذن، وأنَّ السبب أقوى من المباشر؛ لضعف المباشرة بالغرور والجهل، ومحض النسبة كافية في الدية من دون اعتبار القصد والعلم، وغالبية الآلة المعتبرة في القصاص. وأمَّا مع قصد القتل فالقصاص غير بعيد.
مسألة: مثل الطعام المسموم غيره من السموم القاتلة بغير الأكل والشرب, كمسمومية المكان والمحيط أو الوسائل والأدوات وغيرها ممّا يوجب الموت سريعاً أو بطيئاً بعد مدة غالباً، فحكم ذلك المكان أو العامل بتلك الآلات والوسائل والمواد السامّة حكم الطعام المسموم، فالداعي لهما إلى المكان وإلى العمل بها كالمستأجر وصاحب العمل إنْ كان عالماً بذلك وكان المقتول جاهلاً فعلى مثل المستأجر ـ السبب ـ القَوَد؛ لضعف المباشرة بالغرور والجهل.
وأمّا إنْ كان المقتول عالماً فلا ضمان على السبب أصلاً، لإقدامه على قتل نفسه، ويكون كمن أعطاه الغير سكيناً فقتل نفسه به متعمداً, فلا ضمان على المعطي كما لا يخفى.
وأمّا إنْ كانا جاهلين فلا ترجيح لضمان السبب مع اشتراكه مع المباشر في الجهل وعدم الغرور، أمّا إنْ كان السبب ـ أي مثل المستأجر وصاحب العمل ـ شاكاً ومردّداً في السميّة فضمانه بالدية مما لا ينبغي الإشكال فيه، لأقوائية السبب على المباشر، وأمَّا الضمان بالقصاص فمحلّ إشكال؛ من قوله تعالى: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِّيِّهِ سُلْطَاناً), فهذا مقتول بظلم السبب باعتبار عدم إعلامه الاحتمال والترديد في السميّة, مما يحتمل كونه داعياً لترك المباشر العمل والمباشرة. ومن عدم قصد القتل وعدم إحراز القابليّة في الوسيلة والآلة.
والحقّ التفصيل بأنَّه مع إحراز ترك المباشرة لو أخبره السبب بالاحتمال بحيث كان الاحتمال له موجباً للترك وعدم المباشرة فعلى السبب القَوَد; لأنَّ عدم الإعلام من جانب السبب هو المنشأ، فالمباشرة ضعيفة بهذا المقدار من الغرور, وكيف لا يكون أقوى من المباشر مع أنَّ في تركه الإعلام تمام الدخل على المفروض، مع إحراز عدم التأثير للإعلام على تحقّقه وأنَّ العامل ـ أي المباشر ـ لم يكن يترك ذلك المحلّ متعمداً بذلك الاحتمال؛ لضعفه عنده أو لجهة أخرى، فلا قود على السبب؛ لعدم الأقوائية وعدم الغرور أصلاً.
وبذلك يظهر عدم القَوَد مع عدم إحراز شيء من التقديرين.
(مسألة 22: لو حفر بئراً مما يقتل بوقوعه فيها ودعا غيره الذي جهلها بوجه يسقط فيها بمجيئه, فجاء فسقط ومات, فعليه القَوَد).
وجه القَوَد على الداعي مع جهل المدعو بوجه يسقط في البئر كون الفعل مما يُقتل به غالباً مع أقوائية السبب؛ لضعف المباشرة بالجهل والغرور.
(ولو كانت البئر في غير طريقه ودعاه لا على وجه يسقط فيها, فذهب الجائي على غير الطريق فوقع فيها, لا قود ولا دية)
عدم القَوَد والدية في هذا الفرع لعدم نسبة القتل إلى الداعي وعدم دخالته فيه عرفاً لا سبباً ولا مباشرة، فالداعي بما أنَّه أجنبيٌّ عن النسبة فأجنبيّ عن الضمان أيضاً. لكن لا يخفى أنَّ عدم الضمان على الداعي في هذا الفرع إنَّما هو بما هو داع.
وأمَّا بالنسبة إلى الحافر فضمانه دائر مدار عدم الإنذار والحذر الـلازم المتعارف، فإنَّ مع الإنذار أقوائية السبب منتفية: ((وقد أعذر من حذّر))[1].
ولا فرق في ضمان الحافر وعدمه بين كونه هو الداعي أو غيره، وبين كون الحفر للحافر جائزاً أم حراماً, من جهة أنَّ المناط السببية والدخالة المرتفعة بالإنذار, فتدبّر جيداً.
(مسألة 23: لو جرحه فداوى نفسه بدواء سُمّي مجهَّز بحيث يستند القتل إليه لا إلى الجرح, لا قود في النفس، وفي الجرح قصاص إنْ كان مما يوجبه، وإلاّ فأرش الجناية. ولو لم يكن مجهّزاً لكن اتفق القتل به وبالجرح معاً سقط ما قابل فعل المجروح، فللولي قتل الجارح بعد ردّ نصف ديته).
لهذه المسألة صور, أربع وما في المتن صورتان.
أحدها: أنْ يكون الجرح الأوّل متلفاً مستقلاً من دون تأثير للدواء في القتل أصلاً, فالجارح هو القاتل وعليه القَوَد مع قصده القتل جزماً أو رجاءً، أو مع كون الفعل ممّا يُقتل به غالباً، والدية مع عدمها.
وفي (الجواهر) نقلاً عن (المسالك)[2] قال: (إنْ كان الجرح الأوّل متلفاً وقد انتهى المجروح إلى حركة المذبوح فالأوّل هو القاتل، وهو كذلك مع فرض صحة الفرض)[3].
وفيه: أنَّ الفرض صحيح واقعاً لا فرضاً، فإنَّ انتهاء الجرح غير مناف مع تداوي المجروح, كما فيما لو كان الانتهاء ببطء وبعد مدّة وزمان، وإنّما المنافاة فيما لو كان الجرح موجباً لحالة المذبوح سريعاً أوّلاً، والعبارة مطلقة, وأنَّ محلّ البحث أعم من التداوي بنفسه أو بالغير ثانياً.
ثانيها: أنْ يكون الدواء قاتلاً مستقلاًّ عكس السابقة، مثل المداواة بدواء سمّي مجهّز بحيث يستند القتل إليه، ففي (الشرائع) ـ كما في المتن أيضاً ـ: (فالأوّل جارح, والقاتل هو المقتول فلا دية له، ولوليّه القصاص في الجرح إنْ كان الجرح يوجب القصاص، وإلاَّ كان له أرش الجراحة)[4].
وصريحه كصريح غيره في عدم ضمان النفس على الجارح, وإنّما عليه ضمان الجرح من دون إشكال أصلاً, بل أرسلوه إرسال المسلّم.
وفيه: أنَّ المفروض إن كان مع سبق العلم بسميّة الدواء وكونه مجهّزاً وقاتلاً فعدم القَوَد والدية على الجارح في محلّه، لكنّه بعيد بل مخالف لظاهر المداواة، وإنْ كان مع الجهل بذلك فكان التداوي بذلك السمّ كالتداوي بغيره من الأدوية, ففي عدم الضمان على الجارح ـ قضاءً لمباشرة المقتول ـ إشكال بل منع; لضعف المباشرة بالجهل، والمعالجة والتداوي به إنَّما يكون مسبّباً عن جرح الجارح, فإنّه إنْ لم يجرح لم يحصل التداوي المنجر إلى القتل، فالسبب أقوى من المباشر، وضمان القتل منسوب إليه لا إلى المقتول, كالضمان في أكل الطعام المسموم للجاهل على المناول والمقدِّم العالم، فلا فرق بينهما ظاهراً.
نعم، فيما لم يكن الجرح لقلّته مثلاً ممَّا يتعارف فيه التداوي بأنْ كان التداوي خارجاً عن المتعارف فالحق فيه عدم الضمان على السبب; لقوة المباشر وضعف السبب بعدم التعارف.
وكيف كان, فضمان الجارح والسبب من القَوَد والدية تابع لموضوعه وموجبه من العمد في القتل, وكون التداوي ممّا يقتل به غالباً أو احتمال القتل ورجائه مما يكون عمداً وموجباً للقود، ومن عدم العمد الموجب للدية. ولا يخفى أنَّ قصد السبب قصد للمسبب من حيث الضمان وكيفيته.
ثالثها: استناد القتل إليهما, وبما أنَّ الجناية بينهما بالسواء مع عدم ضمان الجاني لما قابل فعل المجروح وهو نصف الدية كما في نظائره, فيقتصّ من الجاني بعد ردّ نصف الدية عليه كما في (القواعد) و(الشرائع) والمتن, مع تصريحهما بعدم الفرق بين كون الدواء مما يغلب معه السلامة أو يغلب معه التلف[5].
نعم، عن العامة قول بنفي القصاص مطلقاً; لأنَّ أحد الجنايتين غير مضمونة. وآخر بنفي القصاص إذا كان الغالب مع السم السلامة؛ لحصول الموت من عمد وخطأ شبيه به. ولا ريب في ضعفهما.
ولكن لا يخفى عليك ممَّا مرَّ أنَّ مقتضى اشتراط الجناية بالعلم بكونها سبباً للقتل إناطة اشتراك الجناية بينهما بعلم المجروح بكون الدواء ممّا يحصل معه التلّف، أمّا مع عدم العلم بذلك بأنْ كان التداوي به كالتداوي ببقيّة الأدوية فتكون نسبة القتل إلى الجارح أقوى من المباشر والمقتول ولو بالنسبة إلى النصف, فلا اشتراك في القتل كما مرّ بيانه.
رابعها: الشك في الاستناد من أنَّه على الشركة أو على استقلال الجرح أو التداوي، فمقتضى القاعدة فيه براءة الجارح، للشكّ في ضمانه؛ وذلك لاحتمال كون التداوي مستقلاً في القتل.
اللهم إلاَّ أنْ يقال: إنَّ الجرح ـ لكونه سبباً ـ موجب للضمان حتى مع استقلال التداوي في القتل، فالضمان مطلقاً بالنسبة إلى النصف على الجارح، فتأمل جيّداً.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - وسائل الشيعة 29: 69، أبواب القصاص في النفس، ب26، ح1.
[2] - مسالك الأفهام 2: 362.
[3] - جواهر الكلام 42: 40.
[4] - شرائع الإسلام: 362.
[5] - قواعد الأحكام: 280.
الدرس اللاحق الدرس السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org