Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: دروس خارج الفقه
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: الشرائط المعتبرة في القصاص (درس28)
الشرائط المعتبرة في القصاص (درس28)
الدرس دروس خارج الفقه
_AyatollahSanei
القصاص
الدرس 28
التاريخ : 2008/12/17

بسم الله الرحمن الرحيم

كيفية مخالفة هذه الأخبار الكتاب
هذا كلُّه في الكبرى وشرطية عدم المخالفة للكتاب والسنّة في حجية الخبر.
وأما الصّغرى وهي العمدة في المسألة، ولبسط الكلام في كيفية مخالفة تلك الأخبار للكتاب نقول: إنَّ هذه الأخبار مخالفة لآيات كثيرة من الكتاب.
منها: قوله تعالى: (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً)[1].
ومنها: قوله تعالى: (إِنِ الحُكْمُ إلاَّ للهِ يَقُصُّ الحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الفَاصِلِينَ)[2].
ومنها: قوله تعالى: (وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ)[3] وغيرها من الآيات الدالّة على أنَّ كلماته وأحكامه تعالى عدل وحقٌّ وأنَّه تعالى ليس بظالم للعباد، لا في التكوين ولا في التشريع، و(إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)[4] ، وأنّه تعالى (لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ)[5] (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبَادِ)[6] و(لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)[7] ، إلى غيرها من الآيات الكثيرة الدالَّة على حرمة الظلم وقبحه، وأنَّه سبحانه وتعالى منزَّه عن ذلك.
إنَّ التفاوت في نظر العرف بين الرجل والمرأة في القصاص وإلزام أولياء المرأة بردِّ نصف الدية إلى أهل الرجل عند القصاص دون عكسه ظلم وخلاف العدل والحقِّ، فإنَّ المرأة تساوي الرجل في الحقيقة الإنسانية والحقوق الاجتماعية والاقتصادية وغيرها عقلاً وكتاباً وسنةً، كما أشار إليه قوله تعالى: (إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَاُنْثَى وَجَعَلَنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أتْقَاكُمْ)[8].
كيف لا يتساويان، مع أنَّ الله تعالى عندما ذكر مراحل خلقة الإنسان قال: (ثُمَّ أنْشَأنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أحْسَنُ الخَالِقينَ)[9] من دون اختصاص في ذلك بالرجل، ومنه يعلم أنَّ لكلٍّ منهما منزلةًواحدةً عند الله تعالى، أضف إليهما غيرهما من الآيات الدالّة على عدم الفرق بينهما بالصراحة أو بالظهور.
وعن النبيّ ـ صلى الله عليه وآله ـ: (النّاس سواء كأسنان المشط)[10] ، وعنه ـ صلى الله عليه وآله ـ: (فالناس اليوم كلُّهم أبيضهم وأسودهم وقرشَيُّهم وعربيُّهم وعجميُّهم من آدم، وأنَّ آدم ـ عليه السلام ـ خلقه الله من طين، وأنَّ أحبَّ الناس إلى الله ـ عزّ وجلَّ ـ يوم القيامة أطوعهم له وأتقاهم)[11].
وعنه ـ صلى الله عليه وآله ـ أيضاً: (إنَّ الناس من آدم إلى يومنا هذا مثل أسنان المشط، لا فضل للعربيّ على العجميّ ولا للأحمر على الأسود إلاَّ بالتقوى)[12].
وعنه ـ صلى الله عليه وآله ـ أيضاً: (أيُّها الناس! إنَّ ربَّكُم واحد، وإنَّ آبائكم واحد كلّكم لآدم وآدم من تراب، إنَّ أكرمكم عند اللّه أتقاكم، وليس لعربيٍّ على عجميٍّ فضل إلاَّ بالتقوى)[13].
مع وجود هذه الآيات والروايات لا ينبغي الشكّ في كون التفاوت في المسألة ظلماً في منطق الكتاب والسنّة فضلاً عن العرف والعقلاء فإنّهم بعد الالتفات إلى المسألة لا يشكّون في كونه ظلماً، ويخطر ببالهم أنَّه سبحانه وتعالى كيف أصدر هذا الحكم الموجب للتفاوت، ولتحقير النساء، وأنَّ قدرهنّ نصف قدر الرجال، بل في نفس عرض السؤال والشبهة واهتمام العلماء بالجواب عنها لَدلالة واضحة على تسليمهم بوجود الظلم في هذا التفاوت مع قطع النظر عن جوابهم.
ومنها: قوله تعالى: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيِهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالعَيْنَ بِالعَينِ وَالأنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالجُرُوحَ قِصَاصٌ)[14] ، فإنَّ مخالفة تلك الأخبار لهذه الآية واضحة غير محتاجة إلى بسط القول، فإنّ قتل الرجل بالمرأة قصاصاً مع ردّ نصف الدية إلى أهله ليس نفساً بنفس بل نفساً بنفس مع نصف الدية.
وبتعبير آخر: لك أنْ تقول: إنَّ الآية تدلُّ على أنَّه ليس دم إنسان أحمر من دم إنسان آخر كما هو الشائع في الألسنة، فإلزام أولياء المرأة المقتولة بردِّ نصف الدية إلى أهل الرجل القاتل كما هو مفاد الأخبار وعليه الفتاوى مخالف للآية ومغاير لها.
دفع توهُّم في الاستدلال بالآية
ثمّ إنَّ توهُّم عدم الإطلاق في الآية وأنَّها بصدد بيان القصاص في النفس في الجملة مدفوع بأنَّ الأصل في البيان وفي لسان التشريع هو الإطلاق لا سيَّما في الكتاب الذي وصف نفسه بكونه (تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ)[15] وأنَّه (عَرَبِيٌّ مُبِينٌ)[16] ، وبأنَّ في ذكر مصاديق قصاص الأعضاء واحدٍ بعد واحد ثم تكميله وتتميمه بقاعدة كلّية في قصاص الجروح شهادة واضحة على الإطلاق، وعلى أنَّ الآية في مقام البيان وإفادة الإطلاق.
ويؤيِّد مخالفة الأخبار للآية ما ذكره يالشخ ـ قدس سره ـ في (التهذيب) بعد نقل رواية أبي مريم الأنصاري عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ قال: في امرأة قتلت رجلاً قال: (تُقتل ويؤدي وليُّها بقية المال) وفي رواية محمد بن علي بن محبوب: (بقية الدية)، فانّه ـ قدس سره ـ قال هناك: (هذه الرواية شاذّة ما رواها غير أبي مريم الأنصاري وإنْ تكرّرت في الكتب في مواضع، وهي مع هذا مخالفة للأخبار كلِّها ولظاهر القرآن، قال الله تعالى: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالعَيْنَ بِالعَيْنِ)[17] الآية، فحكم أنَّ النفس بالنفس ولم يذكر معها شيء آخر)[18].
فكما أنَّ ما في الرواية من الحكم بردِّ بقية الدية إلى أهل الرجل المقتول قصاصاً مخالف للكتاب كذلك الأمر في أخبار العكس، والقول بالفرق في ذلك تحكُّم.
لا يقال: الآية في بني إسرائيل ومنسوخة بقوله تعالى: (يَا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِصَاصُ فِي القَتْلَى الحُرُّ بِالحُرِّ وَالعَبْدُ بِالعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى)[19].
وعن علي بن إبراهيم في تفسير قوله تعالى: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِم فِيها...) قال: (يعني في التوراة (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالعَيْنَ بِالعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ والجُروحَ قِصَاصٌ) فهي منسوخة بقوله: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِصَاصُ فِي القَتْلَى الحُرُّ بِالحُرِّ وَالعَبْدُ بِالعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى) وقوله: (والجُرُوحَ قِصَاصٌ) لم تنسخ)[20].
فإذا كانت الآية منسوخة فالمخالفة غير مضرّة.
لأنَّه يقال: الآية ليست منسوخة، لما في صحيح زرارة عن أحدهما ـ عليهما السلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ: (النَّفْسَ بالنَّفْسِ وَالعَيْنَ بِالعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ) الآية، قال: (هي محكمة)[21].
وما في (تفسير ابن إبراهيم) لا يقاومه في المعارضة: للضعف في السند وبعدم السند لنا إلى تفسيره، وبعدم الحجّة والدليل على انتساب كل ما فيه إلى المعصوم عليه السلام، ولما في ذيل الآية من قوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئكَ هُمُ الظَّالِموُنَ) فإنَّ في عموم الموصول لشهادة على وجوب الحكم بما أنزل الله من النفس بالنفس والعين بالعين إلى آخرها بلا فرق بين كون الحاكم من بني إسرائيل أو أُمَّة محمد صلى الله عليه وآله.
وفي (التهذيب) قال: (وليس لأحد أنْ يقول: إنَّ الآية إنَّما هي إخبار عمّا كتب اللّه تعالى على اليهود في التوراة، وليس فيها أنَّ ذلك حكمنا; لأنَّ الآية وإنْ تضمّنت أنَّ ذلك كان مكتوباً على أهل التوراة فحكمها سار فينا، يدلّ على ذلك ما رواه) ثمّ ذكر صحيح زرارة عن أحدهما الذي مضى نقله[22]، وهذا مناف للنسخ كما لا يخفى.
ويؤيّده ما ذكره الفاضل المقداد في تفسير قوله تعالى: (الحُرُّ بِالحُرِّ وَالعَبْدُ بِالعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى) بقوله: (قيل منسوخ بقوله: (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ). وأمّا ردّه ـ قدس سره ـ ذلك بقوله: (وليس بشيء، أمَّا أوّلاً: فلأنَّه حكاية ما في التوراة فلا ينسخ القرآن، وأمّا ثانياً: فلأصالة عدم النسخ; إذ لا منافاة بينهما، وأمَّا ثالثاً: فلأنَّ قوله: (النَّفْسَ بالنَّفْسِ) عامّ وهذا خاص، وقد تقرّر في الاُصول بناءُ العامّ على الخاصّ مع التنافي)[23].
ففيه أنَّه لا بأس بكون ما في التوراة ناسخاً حينما نقله للرسول الخاتم ـ صلى الله عليه وآله ـ فمن زمان نقله له ـ صلى الله عليه وآله ـ وجعله تعالى ناسخاً لما في القرآن يصير ناسخاً له، وما لا يصحّ إنّما هو ناسخيّة ما في الزمان السابق لما يأتي في الزمان اللاحق.
هذا كلّه مع ما في تفسير (الميزان) حيث قال: (ونسبة هذه الآية إلى قوله تعالى: (النّفسَ بالنَّفْسِ)[24] نسبة التفسير، فلا وجه لما ربّما يقال: إنَّ هذه الآية ناسخة لتلك الآية فلا يقتل حرٌّ بعبد ولا رجلٌ بامرأة)[25]. ولقد أجاد فيما أفاد من عدم المنافاة بين الآيتين أصلاً، فإنَّ الموضوع في سورة البقرة القصاص والردُّ بالمثل بعين ما في سورة المائدة مع الاختلاف في العمومية وفي بيان المصاديق المحتاجة إلى التفسير، فالظاهر من آية البقرة بيان مصاديق المماثلة; لأن لا يتعدى في الردِّ ويقتل الحُرُّ غير القاتل بالعبد المقتول مثلاً، بل يقتل الحُرُّ القاتل بالحُرِّ المقتول، أو يُقتل العبدُ غير القاتل بالحُرِّ المقتول.
فالآية ناظرة إلى رفع الأوهام والخرافات الشائعة في الجاهلية في أمر القصاص كحكمهم بلزوم قتل حرٍّ غير قاتل بعبد مقتول لما كانوا يرون لعبدهم قيمة وشخصية لا يقابلها إلاَّ الحرّ من طائفة القاتل، أو قصاص عبد غير قاتل بحرٍّ مقتول؛ لما كانوا يرون للحرِّ المقتول نقيصة في الشخصية الطائفيّة والاجتماعية، وكذلك الأمر في: (الأُنْثَى بالأُنْثَى).
ويشهد لذلك ما في شأن نزوله في (زبدة البيان): (وأمّا سبب النزول، فالظاهر منه أنَّ المقصود نفي تفاضل إحدى الحييّن على الآخر كما كان مرادهم، والمفهوم من قولهم: (كان لأحدهماطول)، ومن قولهم: (لنقتلن الحرّ منكم بعبد منّا)، وكذا (من الذكر بالأنثى)، وقولهم: (والاثنين بواحد) كما نقله في (الكشاف) بعد قوله: (بالأُنثَى)، وقال في (مجمع البيان): وأقسموا لنقتلنّ بالعبد منّا الحر منهم وبالمرأة منّا الرجل منهم، وبالرجل منا الرجلين منهم)[26].
وبالجملة، إنَّ الموضوع في آية البقرة هو القصاص والردُّ بالمثل، ومن المعلوم عدم التفاوت بين العبد والحرّ والرجل والمرأة في أصل المنزلة الإنسانية والحياة الإنسانية والشخصيّة الاجتماعية والاقتصادية والقوميّة، فإنَّ بني آدم كلّهم من تراب ولهم أب واحد وأُمٌّواحدة.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - الأنعام: 115.
[2] - الأنعام: 57.
[3] - فصّلت: 46، ويقرب منها قوله تعالى في الآية 182 من آل عمران و 51 من الأنفال و 10 من الحجّ و 29 من ق.
[4] - يونس: 44.
[5] - النساء: 40.
[6] - غافر: 31.
[7] - آل عمران: 57.
[8] - الحجرات: 13.
[9] - المؤمنون 23: 14.
[10] - كنز العمال الحديث 24822، بحار الأنوار 78: 215، الباب 23، الحديث 108 عن عليّ عليه السلام.
[11] - بحار الأنوار 22: 118، الباب 37، الحديث 89.
[12] - بحار الأنوار 22: 348، الباب 10، الحديث 64.
[13] - بحار الأنوار 76: 350، الباب 67، الحديث 13.
[14] - المائدة: 45.
[15] - النحل: 89.
[16] - النحل: 103.
[17] - المائدة: 45.
[18] - تهذيب الأحكام 10: 183، الباب 14، الحديث 14.
[19] - البقرة: 178.
[20] - تفسير علي بن إبراهيم القمي 1: 169، جامع أحاديث الشيعة 31: 187، كتاب القصاص، أبواب القتل والقصاص، الباب 17، الحديث 20.
[21] - تهذيب الأحكام 10: 183، الباب 14، الحديث 15.
[22] - تهذيب الأحكام 10: 183، الباب 14، الحديث 14.
[23] - كنز العرفان 2: 355.
[24] - المائدة: 45.
[25] - تفسير الميزان 1: 432.
[26] - زبدة البيان: 671.
الدرس اللاحق الدرس السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org