Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: دروس خارج الفقه
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: الشرائط المعتبرة في القصاص (درس33)
الشرائط المعتبرة في القصاص (درس33)
الدرس دروس خارج الفقه
_AyatollahSanei
القصاص
الدرس 33
التاريخ : 2008/12/14

الشرائط المعتبرة في القصاص (درس32)

بسم الله الرحمن الرحيم

ثانيهما: دية الأطراف والجراحات من المرأة
في (الخلاف):
(المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث ديتها في الاُروش المقدَّرة فإذا بلغتها فعلى النصف) إلى أنْ قال، بعد نقل اختلاف العامّة وأقوالهم: (دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم)[1].
وفي (الجواهر): (وكذا الجراحات والأطراف منها على النصف من الرجل ما لم تقصر ديتها عن ثلث دية الرجل، فإنْ قصرت دية الجناية جراحةً أو طرفاً عن الثلث تساويا قصاصاً ودية كما مرَّ الكلام فيه مفصَّلاً)[2].
مرَّ تفصيله في كتاب القصاص في مسألة اقتصاص الأطراف من الرجل والمرأة، ففيه: (ثمّ إنَّها إذا بلغته (أي الثلث) أو تجاوزته ديةً أو جنايةً ترجع إلى النصف من الرجل فيهما معاً، فلا يقتصُّ لها منه إلاّمع ردِّ التفاوت على حسب ما سمعته في النفس; للنصوص المستفيضة المعتضدة بعمل الأصحاب من غير خلاف محقَّق أجده فيه، بل عن (الخلاف) الإجماع عليه)[3]. انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه.
والظاهر من عدم نقله الإجماع إلاّ من (الخلاف) انحصار ادّعائه فيه، وإلاَّ لنقله كما لا يخفى على العارف، بدأبه وطريقته في نقله الإجماع دليلاً أو تأييداً، كما أنَّ من نقل (الخلاف) أقوال العامّة في المسألة اتّفاقهم على التفاوت في دية الأعضاء بين الرجل والمرأة بنقصانها في المرأة عن الرجل والرُّجوع إلى النصف فيما زاد عن الثلث كالمعروف بين الأصحاب أو بالرجوع إليه مطلقاً ولو فيما دون الثلث أو منحصراً بالزائد عن الثلث في أرش الجائفة والمأمومة أو في غير الجائفة فقط أو فيما لم تبلغ الدية نصف دية أرش اليد أو الرجل أو في غيرهما ممّا هو منقول عنهم في (الخلاف)، فأصل التفاوت والنقص مورد لاتّفاقهم وخلافهم في موارده.
إذا عرفت حال الأقوال في المسألة من الخاصّة والعامّة فنقول: في الاستدلال بتلك النصوص المستفيضة جهات من الإشكال والمنع.
الجهة الأُولى: أنّ ما يكون من تلك النصوص مربوطة بالدية لاتزيد عن اثنين، صحيحة أبان ومضمرة سماعة، وبقيتها على كثرتها ترتبط بقصاص الأطراف في الرجل والمرأة.
نعم، صحيح الحلبي المنقول في (الوسائل)[4] في الأعمّ من القصاص والدية، وفي تلك البقية محذور المخالفة مع الكتاب والسنّة بمثل المخالفة في قصاص النفس منهما حيث إنَّ الخبر الدال على لزوم ردِّ ربع الدية مثلاً في المرأة المقطوع يدها على الرجل القاطع إذا أرادت القصاص مخالف لقوله تعالى: (وَالحُرُمَاتُ قِصَاصٌ)[5] أو (والجُرُوحَ قِصَاصٌ)[6] بل ولقوله تعالى: (وَلَكُمْ فِي القِصَاصِ حَياةٌ يَا اُوْلِي الألبَابِ)[7] بناءً على أعمية القصاص فيه عن القصاص في النفس، كما أنَّه مخالف لآيات العدل والحقِّ وتساوي الرجل والمرأة، بل وكذلك الأمر في قصاص المرأة بالرجل في الأطراف; لأنَّ الاكتفاء بالقطع ليس بقصاص بل ظلم على الرجل المقطوع لعدم المقابلة بالمثل وهدر ربع يده المقطوعة مثلاً كما لا يخفى.
ومن الواضح عدم حجية الخبر المخالف للكتاب وإنْ بلغ من الكثرة ما بلغ، هذا مع أنَّها على التمامية مربوطة بالدية في قصاص الأطراف، وأين ذلك من الدية المجردة عن القصاص؟ وليس التعدي من الدية مع القصاص إلى المجردة عنه إلاَّ قياساً واضح البطلان.
وفي الصحيحة محذور الاختلال في المتن، فإنَّه يكون بحدِّ ذاته عن حجّيتها وعن جواز الاستدلال بها؛ للحكم الموافق مع الأصل فضلاً عن المخالف له كما في المسألة؛ وذلك الاختلال من جهات:
ألف: ما فيه من اعتراض أبان وإيراده على الامام الصادق ـ عليه السلام ـ بقوله: إنَّ هذا كان يبلغنا ونحن بالعراق فنبرأ ممَّن قاله ونقول: الذي جاء به شيطان[8] غير مناسب لما يحضى به أمثال أبان من شأن ومقام في الإطاعة والحبّ والفضل والفقهاهة، بل هو ليس شأن من هو دونه بدرجات كثيرة، فاعتراضه بذلك إنْ لم يرجع إلى هتك المعصوم ـ عليه السلام ـ وارتداد القائل به فلا أقل من أنّه خلاف الاحترام اللاّزم بالنسبة إلى العالم فضلاً عن الإمام المعصوم، فهل يتجرء أحد بتصحيح تلك النسبة إلى مثل أبان، بل هل يحتمل أحد صحتها؟
ففي (الفهرست)[9] و(الخلاصة)[10] جميعاً أنّه ثقة جليل القدر عظيم المنزلة في أصحابنا، لقي أبا محمّد علي بن الحسين و أبا جعفر و أبا عبد الله ـ عليهم السلام ـ وروى عنهم، وكان له عندهم حظوة وقدم، وقال له أبو جعفر ـ عليه السلام ـ: ((اجلس في مسجد المدينة وافتِ الناس، فإنِّي أُحبُّ أنْ يُرى في شيعتي مثلك)). ومات في حياة أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ وقال ـ عليه السلام ـ لما أتاه نعيه: ((أما والله لقد أوجع قلبي موت أبان)). ومات في سنة إحدى وأربعين ومائة، وزاد في (الخلاصة) قوله: وروي أنَّ الامام الصادق ـ عليه السلام ـ قال: ((يا أبان ناظر أهل المدينة، فإني أُحبُّ أنْ يكون مثلك من رواتي ورجالي)).
وفي (تنقيح المقال): (وقال النجّاشي بعد ذكر نسبه على ما مرَّ وذكر عظم منزلته في أصحابنا وملاقاته الأئمة الثلاثة ونقله الروايات المزبورة ما لفظه: (وكان أبان ـ رحمه الله ـ مقدّماً في كلِّ فنٍّ من العلم في القرآن والفقه والحديث والأدب واللّغة والنحو)، إلى أنْ قال: (ولأبان قراءة مقروّة مشهورة عند القراء)، ثمّ روى مسنداً عن محمّد بن موسى بن أبي مريم صاحب (اللّؤلؤ) أنّه قال: (سمعت أبان بن تغلب وما رأيت أحداً أقرء منه قطّ، يقول: إنَّما الهمزة رياضة).
ثمّ روى مسنداً عن أبان بن محمّد بن أبان بن تغلب قال: سمعت أبي يقول: دخلت مع أبي إلى أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ فلّما بصر به أمر بوسادة فأُلقيت له وصافحه واعتنقه وسائله ورحّب به، وقال: وكان أبان إذا قدم المدينة تقوضت إليه الحَلَق وأُخليت له سارية النبي صلى الله عليه وآله.
انتهى المهمّ ممّا في (رجال الكشي).
وفي رجال (ابن داود): أنَّه (ثقة جليل القدر سيد عصره وفقيهه وعمدة الأئمة ـ عليهم السلام ـ روى عن الامام الصادق ـ عليه السلام ـ ثلاثين ألف حديث) انتهى المهم ممّا فيه.
وروي عن أبان بن عثمان عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ: ((أنَّ أبان بن تغلب روى عنّي ثلاثين ألف حديث فاروها عنّي)).
وكفى في فضله تصديق جمع من العامّة إيَّاه مع اعترافهم بتشيّعه....) إلى أنْ قال: (وروى الكشي عنه أنَّه قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السلام ـ: أمّا إنِّى أقعد في المسجد فيجيئني الناس فيسألوني، فإنْ لم أجبهم لم يقبلوا منّي وأكره أنْ أجيبهم بقولكم وما جاء عنكم، فقال له: ((انظر ما علمت أنَّه من قولهم فأخبرهم بذلك)).
ثمّ لا يخفى عليك أنَّ أمر الامامين الباقر والصادق ـ عليهما السلام ـ إيَّاه بالفتيا دليل واضح وبرهان لا يخلو على علوّ مرتبته في العلم والعمل وثقته وعدالته وأمانته في الحديث، ويشهد بذلك أيضاً أمر الامام الصادق ـ عليه السلام ـ بإلقاء وسادة له ومصافحته ومعانقته والسؤال عن حاله والترحيب به وفي إخلاء سارية النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ له شأن عظيم)[11]. انتهى ما أردنا نقله منه.
فمع هذه المنزله المنيعة والدرجة الرفيعة هل يجوز له الكلام مع الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ بمثل تلك الجملات والاعتراض عليه بذلك النحو، وهل يجوز أنْ يكون المأمور بالفتوى من قبل الامام الباقر ـ عليه السلام ـ بل ومن قبل الامام الصادق ـ عليه السلام ـ نسبة الرواية الدالّة على ذلك الحكم إلى الشيطان؟ بل ومن ذلك يظهر عدم معروفيّته وشهرته بين الأصحاب في عصر الباقرين ـ عليهما السلام ـ ويكون ذلك إشكالاً جدليّاً على المستدلّين بالحديث، مع اعترافهم بأنَّه المشهور وأنَّ عليه عمل الأصحاب.
باء: أنَّ اللازم من أخذه الإمام ـ عليه السلام ـ بالقياس وقوله ـ عليه السلام ـ بأنَّ السنّة إذا قيست محق الدين جهل أبان بحرمة القياس وأنّه موجب لمحق الدين أو الجهل بها، وبأنَّ المورد من مصاديق القياس أو لا أقل من الجهل بالمورد والموضوع فقط، وجهل مثل أبان المفتي في زمان الامام الباقر ـ عليه السلام ـ ومن بلغ في المذهب إلى مرتبة من العلم والفقهاهة بحيث يحبّ الإمام ـ عليه السلام ـ جلوسه في المسجد وإفتائه ممّا لا يحتمله أحد في مَن دون شأنه فضلاً عن مثله قدس سره.
جيم: تعجُّبه ـ رحمه الله ـ من الثلاثين في قطع الثلاث والعشرين في قطع الأربع، وأنَّ اللازم الأربعين في الأربع كالثلاثين في الثلاث والعشرين في اثنين وعشرة في الواحد ليس تعجُّباً في غير محلّه، ولا الأربع مع الثلاث وما قبله في الدية مساوياً بزيادة العشرة في الأربع وكون ديته أربعين عملاً بالقياس بالحكم; لأنّ ذلك يكون من باب فحوى الدليل والمفهوم منه عرفاً أي من باب العمل بالظواهر الذي عليه رحى الكتاب والسنّة والفقه والفقاهة حيث قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلسَانِ قَوْمِهِ)[12] ، ومن باب القاعدة العقلية والعقلائية في الضمان بأنّه كلّما زادت الخسارة زاد مقدار الضمان، فكيف جعله الإمام ـ عليه السلام ـ مورداً للاعتراض وأنّه أخذ المعصوم ـ عليه السلام ـ بالقياس، فتدبّر جيّداً.
دال: أنَّه ـ عليه السلام ـ بعد اللّتيا والتي أجابه بالسنّة، ومن المعلوم عدم مناسبة الجواب مع السؤال حيث إنَّ إشكال أبان يرتبط بمقام الجعل والثبوت وأنَّه كيف يكون كذلك لا بمقام الإثبات وإلاّ فمحض قول إمامه ـ عليه السلام ـ له حجّة قطعية ضروريّة وإشكاله الثبوتي باق على كلام الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ أيضاً كما لا يخفى.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - كتاب الخلاف 5: 255.
[2] - جواهر الكلام 43: 32.
[3] - جواهر الكلام 42: 85.
[4] - وسائل الشيعة 29: 165 و 166، كتاب القصاص، أبواب قصاص الطرف، الباب 1 و 2، الحديث 6 و 1.
[5] - البقرة: 194.
[6] - المائدة: 45.
[7] - البقرة: 179.
[8] - وسائل الشيعة 29: 352، كتاب الديات، أبواب ديات الأعضاء، الباب 44، الحديث 1.
[9] - الفهرست: 57.
[10] - خلاصة الأقوال: 21.
[11] - تنقيح المقال 1: 4.
[12] - إبراهيم 14: 4.
الدرس اللاحق الدرس السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org