Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: دروس خارج الفقه
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: الشرائط المعتبرة في القصاص (درس49)
الشرائط المعتبرة في القصاص (درس49)
الدرس دروس خارج الفقه
_AyatollahSanei
القصاص
الدرس 49
التاريخ : 2008/12/11

بسم الله الرحمن الرحيم

وأمّا البلوغ: وهو الخامس منها على ترتيبه فنقول: شرطيّة التمييز ممّا لا كلام ولا بحث فيه أصلاً، بل ضرورة العقل والعقلاء على شرطيّته، وعدم القصاص على الصبيّ مع عدم تمييزه، فانّه ـ مع عدم التمييز ـ كالبهائم والجدران والآلات والأدوات الجمادات، فكيف تصحّ نسبة القتل إليه، وأنَّه قاتل، وأنَّ عليه القصاص؟
وأمَّا شرطية البلوغ زائداً على التمييز والإدراك ففيها خلاف.
ففي (الجواهر): (البلوغ شرط في المشهور أيضاً، بل عليه عامّة المتأخّرين، بل نسبه بعض إلى الأصحاب مشعراً بالإجماع عليه، بل عن (الغنية) دعواه عليه صريحاً، بل عن (الخلاف): عليه إجماع الفرقة وأخبارهم)[1].
وفي (اللثام) بعد نقل ما رواه السكوني، الدّال على الاقتصاص إذا بلغ الغلامخمسة أشبار، وعليه الدية ما لم يبلغ خمسة أشبار قال: (وعليه الشيخان والصدوق وجماعة)[2] ، وبعد نقله ـ رحمه الله ـ صحيح أبي بصير[3]قال: (فيحتمل ان يكون في غلام وامرأة علم انّهما تعمدا القتل، وأنَّ الغلام قد اُدرك، وزعم السائل أنَّه لم يدرك، وأنهما قتلاه خطأً)[4].
وفي (الجواهر): (ولكن في رواية مقطوعة ومرسلة في الكتب يقتصّ من الصبيّ إذا بلغ عشراً، وإنْ حُكي عن الشيخ في (النهاية) و(المبسوط) و(الاستبصار) الفتوى بمضمونها)[5].
ولا يخفى أنَّ المستفاد من عبارات (اللثام) مخالفة الشيخين والصدوق وجماعة في الصبيّ البالغ خمسة أشبار، وأنَّ عليه القصاص، بل مخالفة الشيخ في (التهذيب)[6] و(الفقيه)[7] و(الكافي)[8] في عمد الغلام غير المدرك مطلقاً، وأنَّ في عمده القصاص، ومن عبارة (الجواهر) مخالفة الشيخ في كتبه الثلاثة بالنسبة إلى قصاص الصبيّ البالغ عشراً،فالمسألة خلافيّة، هذا كلّه في أقوال المسألة.
وأمَّا أدلّة الطرفين، فقد استدلّ للمشهور بالأصل والاحتياط في الدّماء وحديث رفع القلم[9] المجمع عليه، كما عن (السرائر)[10] وخصوص قول الامام الصادق ـ عليه السلام ـ في صحيحابن مسلم: ((عمد الصبيّ وخطأه واحد))[11] وقول أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ في خبر إسحاق بن عمّار: ((عمد الصبيان خطأ تحمله العاقلة))[12] كقوله في المروي عن (قرب الإسناد): ((والصبيّ الذي لم يبلغ: عمدهما خطأ تحمله العاقلة))[13].
الأصل والاحتياط لا محلّ لهما مع الدليل ولو على الوفاق، فضلاً عن الخلاف، فهما ليسا بدليل اصطلاحيّ قابل للمعارضة مع الدليل المخالف، كما هو أوضح من أن يُبيَّن.
وأمَّا حديث رفع القلم، فمضافاً إلى عدم كونه بأزيد من عموم قابل للتخصيص أنّه قد مرَّ في الاستدلال به لشرطيّة العقل عدم كون القصاص مرفوعاً به بما هو هو; لعدم كونه وضعاً على القاتل أوَّلاً، واحتمال اختصاصه بالتكليفيّات ثانياً، بل غاية الأمر في الاستدلال به إنّما هو القول برفعه باعتبار رفع الحرمة، وقد بدا لي الآن في الاستدلال به كذلك للمقام نظراً وإشكالاً، حيث إنَّ الحديث بما هو حديث امتنان لا يناسبه رفع التكليف والنهي في المحرّمات والمعاصي التي فيها مفاسد عن الصبيّ، وجعلها له مباحةً. وهذا بخلاف التكاليف الواجبة، فرفع التكليف فيها رفع لعدم وجوب جلب المصلحة، وذلك بخلاف رفع الحرمة حيث إنَّه إذنٌ وإجازةٌ في جلب المفسدة، وهو كما ترى غير مناسب في مقام التشريع من الحكيم الرؤوف اللطيف بعباده، فضلاً عن مقام الامتنان فيه.
نعم، شمول حديث الرفع لرفع قلم الحرمة عن المجنون أو الصبيّ غير المدرك قضاءً لإطلاقه لا بأس به، ولا يتنافى مع الامتنان; لعدم كون الحرمة بالنسبة اليهما زاجراً ومانعاً عن ارتكاب الحرام ودفع المفسدة، لعدم إلتفاتهم وإدراكهم الحرمة والمفاسد المترتّبة عليها، والعواقب اللاّزمة لها، كما لا يخفى.
هذا مع ما في أخبار البلوغ من اشتراط الحدود التامّة به لا أصل الحدود، وكذلك ما في مثل أخبار[14] سرقة الصبيّ من حَكّ أنامله وإدمائه وقطعه من التأييد; لاختصاص الرفع بالواجبات وعدم شموله للمحرّمات، كما لا يخفى، فراجعها.
وكيف كان فحديث رفع القلم ليس بأزيد من عموم وإطلاق قابل للتخصيص والتقييد.
وأمَّا صحيح ابن مسلم فعلى تسليم التنزيل في الآثار وإنْ كان مقتضى إطلاقه عدم القصاص على عمد الصبيّ كخطائه، وكون ديته في العمد على عاقلته، لكنّه ليس بأزيد من الإطلاق، إلاّ أنَّ الشأن مع ذلك في وجه التنزيل، فمن المحتمل كون المراد: لا قيمة لأعماله، بمعنى أنَّه كما لا قيمة لخطأ الصبيّ فكذلك الحال في عمده، فلا قيمة لأفعاله وأقواله من حيث الحقوق المدنيّة، فعقده وإيقاعه غير موجب للإلزام وترتيب الأثر، لكونها فاقدة للقيمة، فالصبيّ مسلوب العبارة والأفعال بذلك المعنى، فلا ارتباط للحديث بمسألة نفي القصاص وإثبات الدية على العاقلة من رأس. ومع هذا الاحتمال يبطل الاستدلال، فضلاً عن القول بظهور الحديث في ذلك.
وأمّا مثل خبر اسحاق بن عمّار فالظاهر أو المحتمل من حيث القواعد العقلائيّة في باب ضمان السبب إنْ كان أقوى من المباشر أنْ يكون مختصّاً بالصبيان الذين لم يكن لهم تمييز ولا إدراك ممَّن تُنسَب أعمالهم إلى أوليائهم، ويكونون هم السبب الأقوى من المباشر عند العرف، مثل ما مرَّ في دية العاقلة في قتل المجنون.
وإنْ أبيت عن الفهم كذلك وجمدتَ على ظاهر الألفاظفنقول: الإطلاق كذلك مخالف للكتاب والسنّة والقواعد، فلابدّ من تقييد الحديث، مثل ما مرّ من التقييد في حديث المجنون، فتدبّر جيّداً.
وممَّا ذكرناه يظهر حال خبر أبي البختري،عن جعفر، عن أبيه، عن الامام عليّ ـ عليه السلام ـ: أنّه كان يقول في المجنون والمعتوه الذي لا يفيق والصبيّ الذي لم يبلغ: ((عمدهما خطأ تحلمه العاقلة))[15] ، وعدم تماميّة الاستدلال به على شرطيّة البلوغ; لأنَّه على تسليم إطلاقه، وعدم انصرافه ـ بقرينة مقارنة الصبيّ مع المجنون ـ إلى الصبيّ غير المدرك المماثل للمجنون والمعتوه فإطلاقه غير حجّة; للمخالفة مع الكتاب وقوله تعالى (وَلاَ تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ اُخْرَى)[16] على ما مَّر بيانه.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - جواهر الكلام 42: 178.
[2] - كشف اللثام 2: 276.
[3] - وسائل الشيعة 29: 87، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 34، الحديث 1.
[4] - كشف اللثام 2: 276.
[5] - جواهر الكلام 42: 180.
[6] - تهذيب الأحكام 10: 233، كتاب الديات، الباب 18، الحديث 55.
[7] - من لا يحضره الفقيه 4: 90، أحكام الدعاء والقود والقصاص، باب من خطأه عمد، الحديث5226.
[8] - الكافي 7: 302، كتاب الديات، باب نادر، الحديث 1.
[9] - وسائل الشيعة 29: 90، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 36، الحديث 2، وأيضاً وسائل الشيعة 1: 45، كتاب الطهارة، أبواب مقدمة العبادات، الباب 4، الحديث 11.
[10] - كتاب السرائر 3: 369.
[11] - وسائل الشيعة 29: 400، كتاب الديات، أبواب العاقلة، الباب 11، الحديث 2.
[12] - وسائل الشيعة 29: 400، كتاب الديات، أبواب العاقلة، الباب 11، الحديث 3.
[13] - وسائل الشيعة 29: 90، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 36، الحديث 2.
[14] - وسائل الشيعة 28: 293، كتاب الحدود والتعزيرات، أبواب حدّ السرقة، الباب 28.
[15] - وسائل الشيعة 29: 90، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 36، الحديث 2.
[16] - الزمر 39: 7.
الدرس اللاحق الدرس السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org