Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: دروس خارج الفقه
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: الشرائط المعتبرة في القصاص (درس56)
الشرائط المعتبرة في القصاص (درس56)
الدرس دروس خارج الفقه
_AyatollahSanei
القصاص
الدرس 56
التاريخ : 2008/12/03

بسم الله الرحمن الرحيم

وأمَّا الأعمى، ففي (الشرائع): (وفي الأعمى تردُّد، أظهره أنّه كالمبصر في توجّه القصاص بعمده، وفي رواية الحلبي عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ: ((أنَّ جنايته خطأ تلزم العاقلة)))[1].
ومنشأ التردُّد ما أشار إليه (الشرائع) من العمد، وعمومات القصاص، ومن روايةالحلبي[2].
وعن أبي علي[3] والشيخ في (النهاية)[4] والصهرشتي والطبرسي المحكي عنهما في (الجواهر)[5] وابني البرّاج[6] وحمزة[7] بل والصدوق في ظاهره العمل بها; لنقلها في (الفقيه)[8] المحتوي على ما يفتى به، ويحكم بصحّته، حيث قال: (ولم أقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جميع ما رووه، بل قصدت إلى إيراد ما أُفتي به وأحكم بصحّته، وأعتقد فيه أنّه حجّة فيما بيني وبين ربّي تقدَّس ذكره وتعالت قدرته)[9].
بل وفي (غاية المراد): (هذا القول مشهور بين الأصحاب)[10].
لكنَّ المتأخرين يقولون بكون الأعمى كالمبصر، وأنَّ عليه القود وطعنوا بتلك الرواية ورواية أبي عبيدة[11]، اللتين كانتا دليل المتقدمين.
وكيف كان، فلتحقيق الحقّ في المسألة وبيانه ننقل عبارة (المسالك) أوّلاً، ونتبعها بعبارة (الجواهر) مع ما فيه من الإيراد ثانياً، ونبيّن الحقّ ثالثاً.
ففي (المسالك): (وفي الأعمى تردُّد الخ، ذهب الشيخ في (النهاية) إلى أنَّ عمد الأعمى وخطأه سواء، تجب فيه الدية على عاقلته، وتبعه ابن البرّاج، وهو قول ابن الجنيد وابن بابويه. والمستند رواية الحلبي عن الامام الصادق ـ عليه السلام ـ أنَّهقال: ((والأعمى جنايته خطأ يلزم عاقلته، يؤخذون بها في ثلاث سنين، في كلِّ سنة نجماً، فإنْ لم يكن للأعمى عاقلة لزمته دية ما جنى في ماله، يؤخذ بها في ثلاث سنين))[12]. الحديث.
وروى أبو عبيدة عن الامام الباقر ـ عليه السلام ـ قال: سألته عن أعمى فقأ عين رجل صحيح[13] متعمداً،فقال: ((ياأبا عبيدة، إنَّ عمد الأعمى مثل الخطأ، هذا فيه الدية من ماله، فإنْ لم يكن له مال فانّ دية ذلك[14] على الإمام، ولا يبطل حق مسلم))[15].
وهاتان الروايتان مشتركتان في الدلالة على أنَّ عمد الأعمى خطأ، وفي ضعف السند، ومختلفان للحكم، ومخالفتان للاُصول، لاشتمالالاُولى على كون الدية تجب ابتداءً على العاقلة، ومع عدمها تجب على الجاني، وهذا مخالف لحكم الخطأ.
وفي الثانية مع جعله الجناية كالخطأ أوجب الدية على الجاني ومع عدم ماله على الإمام، ولم يوجبها على العاقلة. وظاهرٌ اختلاف الحكمين ومخالفتهما لحكم الخطأ.
وذهب ابن ادريس وجملة المتأخرين إلى أنّ الأعمى كالمبصر في وجوب القصاص عليه بعمده، ولوجود المقتضي له، وهو قصده الى القتل وانتفاء المانع; لأنّ العمى لا يصلح مانعاً مع اجتماع شروط القصاص من التكليف والقصد ونحوهما، ولعموم الأدلّة من الآيات والروايات المتناولة له، وانتفاء المخصِّص، لما ذكرناه من الموجب لاطراحه، مع أنّ الرواية الاُولى ليست صريحة في مطلوبهم، لجواز كون قوله: خطأ حالاً، والجملة الفعليّة بعده الخبر، وإنّما يتمُّ استدلالهم بها على تقدير جعله مرفوعاً على الخبريّة، وأمّا نصب خطأ على التمييز ـ كما فعله بعضهم ـ فهو خطأ واضح)[16].
والظاهر أنّ وضوح الخطأ من جهة اعتبار الجمود في التمييز والخطأ مشتق.
وفي (الجواهر): (وعن (المختلف): الجواب عن الرواية الاُولى بالحمل على قصد الدفع،وفيه: ـ مع أنَّه مناف لظاهر الترتيب ـ أنّه مخالف لما فيه من إلزام العاقلة الدية، بل لا شيء فيه حينئذ، كما أنَّ في احتمال النصب منافاة لقوله ـ عليه السلام ـ: ((هذان متعديان)) وللاستدلال، بلولقوله: ((فوثب المضروب)). بل لعلَّ المناقشة في السند ضعيفة; لأنَّ الاُولى رواها في (الفقيه) عن العلاء بن رزين عن الحلبي، وطريقه إليه صحيح، والثانية موثّقة بعمار، واختلافهما في الخارج عن موضوع المسألة غير ضائر، خصوصاً بعد اتّفاق القائلين على أنَّه على العاقلة، عدا الصدوق في ظاهره; لأنَّه روى رواية الحلبي، ومقتضاه ـ إنْ كان باقياً على ما قدّمه في كتابه من العمل بما يرويه فيه ـ العمل به، وعلى تقديره فهو شاذٌّ; لأنَّ المعروف بين القائلين كونه على العاقلة، كعمد الصبي والمجنون، وعلى كل حال لا قدح في الرواية من هذه الجهة.
ودعوى عدم صلاحية أخبار الآحاد وإنْ صحّت لتخصيص الكتاب قد ذكرنا فسادها في الاُصول، ولكن الإنصاف مع ذلك كلّه عدم الجرأة بها على تخصيص العمومات، بعد مخالفة المتأخرين، واحتمال إرادة أنَّ الأعمى غالباً لا يعلم تعمُّده إلاَّ بإقراره منها، والله العالم)[17].
ودفعه ـ قدس سره ـ إشكال (المسالك) باختلافهما في الحكم، بانّ الاختلاف في الخارج عن موضوع المسألة، وهو غير ضائر كما ترى، حيث إنَّ الكلام في الخارج إنْ كان بدلالة مستقلة فالاختلاف فيه غير ضائر بحجيتها بالنسبة إلى غيره، كالموضوع في المسألة، فإنَّ التبعيض في حجية المتن ممَّا لا بأس به، وعليه بناء العقلاء في موارد، مثل التبعيض في قوله: غسل الجنابة واجب، وغسل الجمعة واجب، بحجّيّته في وجوب الجنابة دون الجمعة.
وأمّا التبعيض فيما تكون الجملات مترابطة ارتباطاً دلالياً، كارتباط المطابقة مع الإلتزام، واسم الإشارة مع المشار اليه فغير ثابت، بل خلافه ثابت من العقلاء، فإنّهم لا يتعبّدون بحجّيّة الجملة والحديث مثلاً في دلالتها الإلتزاميّة دون المطابقة أو في الإشارة دون المشار إليه.
ففي مثل قوله في الخمر: ((الفقّاع خمر، فلا يكون نجساً))، لا يصحّ القول بحجيّة الخبر بالنسبة إلى نجاسة الفقاع دون الخمريّة أو العكس، كما لا شك في عدم بناء العقلاء على التبعّض في أعمال الترجيح في مورد التعارض في العامَّين من وجه، كما لا يخفى.
ومن المعلوم أنَّ مسألة دية الخطأ، وأنّها على العاقلة من اللوازم الواضحة لها، وأنَّ الخطأ يُعرف بذلك اللازم قبل أنْ يُعرف بعدم القود، بل عدم القود فيه واضح عقلاً وشرعاً، وغير محتاج إلى البيان، فالاختلاف فيه في الروايتين مضرٌّ كما ذكره (المسالك)، فتدبّر جيّداً.
والحق في المسألة كون الأعمى كالمبصر في توجُّه القصاص عليه بعمده، وفاقاً لمن عرفت من المتأخرين، وعدم المانع، والمخصّص لها.
وفي الخبرين ـ مع قطع النظر عمّا ذكره (الجواهر) في آخر كلامه من الإنصاف ـ احتمال كون الألف واللام للعهد، ففي خبر الحلبي إشارة إلى الأعمى الذي صار أعمى بضربة المقتول، وفيالثاني إلى الأعمى الذي فقأ عين رجل صحيحة متعمّداً.
وعليه، فليس في شيء منهما تخصيص لعمومات القصاص مطلقاً، لعدم العمد ولا القتل بما يقتل به غالباً ممّا هو شرط في القصاص في الأوّل، وعدم المحلّ للقصاص في الثاني، بل ليس فيهما مخالفة لقواعد اُخرى أيضاً إلاّ في مورد خاص فيالأوّل فقط.
بيان ذلك: أنَّ تحقُّق قصد القتل والعمد فيه لمن ضرب رأسه بمعول فسالت عيناه على خدّيه فوثب على ضاربه بعيداً جدّاً ثبوتاً، والعمد منه إحرازه إثباتاً، حيث إنَّه لغضبه وسخطه بصيرورته بالضرب أعمى كأنَّه ليس له قدرة الاختيار والتعمُّد في القتل، بل يكون تمام هدفه المقابلة بالمثل والاعتداء عليه، بل كأنَّه غافل عن العمد في القتل، ومتحيّر في الانتخاب، كما أنّه لما لا يعلم ولا يبصر محلّ ما يقتل به بالضرب فالأعمى في الحديث ليس عامداً ولا قاصداً إلى ما يقتل به غالباً آلةً ومحلاً، لعدم القود عليه، ليس تخصيصاً لعمومات القصاص بل تخصُّصاً وخروجاً موضوعيّاً.
نعم، ما فيه من كون ديته على العاقلة مع أنَّ قتله على ذلك شبه العمد، للقصد إلى الفعل لا خطأ محض، مخالف لقاعدة (ضمان المتلف).
هذا كلّه في صحيح الحلبي، وأمَّا خبر أبي عبيدة، فعدم القصاص فيه على القاعدة، كما هو واضح; لعدم البصر والعين للأعمى حتى يقتصّ منه، فإنّ الألف واللام للعهد على المفروض.
نعم، على كونه للجنس في الخبرين، وأنَّ عمد الأعمى خطأ مطلقاً فلابدّ من التخصيص في أدلّة العمد والقصاص به، لكن الاستدلال بهما مع ما ذكر من الاحتمال وإنْ لم نقل بترجيحه على الجنس لإخراج الحديثين عن المخالفة للقواعد، وإعمال التعبُّد في الأعمى مشكل، بل ممنوع، فإنّ الاحتمال مضرٌّ بالاستدلال، واذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - شرائع الاسلام 4: 991.
[2] - وسائل الشيعة 29: 399، كتاب الديات، أبواب العاقلة، الباب 10، الحديث 1.
[3] - مجموعة فتاوى ابن الجنيد: 358.
[4] - النهاية: 760.
[5] - جواهر الكلام 42: 189.
[6] - المهذّب (ضمن الينابيع الفقهيّة) 1: 196، كتاب القصاص والديات.
[7] - كتاب الوسيلة: 455.
[8] - من لا يحضره الفقيه 4: 107، الباب 33، الحديث 6.
[9] - من لا يحضره الفقيه 1: 3.
[10] - غاية المراد 4: 343.
[11] - وسائل الشيعة 29: 89، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 35، الحديث 1.
[12] - وسائل الشيعة 29: 399، كتاب الديات، أبواب العاقلة، الباب 10، الحديث 1.
[13] - في الكافي: عين صحيح.
[14] - في الكافي: ديته.
[15] - الكافي 7: 302، الحديث 3.
[16] - مسالك الإفهام 15: 167.
[17] - جواهر الكلام 42: 189.
الدرس اللاحق الدرس السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org