Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة عامة
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: دليل الإجماع على بلوغ البنت بتسع سنوات

دليل الإجماع على بلوغ البنت بتسع سنوات ب ـ دليل الإجماع على بلوغ البنت بتسع سنوات

الدليل الثاني للمشهور هنا هو الإجماع; فقد ذكر صاحب (مفتاح الكرامة) أنه ادّعي هنا ثمانية إجماعات، يقول: «ويدلّ على بلوغ الأنثى بالتسع، الإجماعات من صريح وظاهر، وهي ثمانية معتضدة بما سمعته من الشهرات»(13).

وفي مقام الجواب عن الاستدلال بالإجماع، يجب القول:

أولاً: يمكن القول بضرس قاطع: إن مستند الإجماعات والشهرات المدّعاة هو الظهور البدوي للروايات التي استدلّ بها على أمارية البلوغ في سنّ التسع، وأنهم قدّموا هذه الروايات على رواية عمار الساباطي ـ الدالة على البلوغ في سنّ الثالثة عشرة ـ انطلاقاً من كثرة هذه الروايات وغير ذلك، وبناءً عليه يغدو الإجماع هنا مدركياً، ولا يكون تعبدياً ولا دليلاً مستقلاً; ذلك أنّ الإجماع إنما يكون حجةً حيث لا سبيل للعقل إليه، كما لا دليل نقلي يثبت مؤداه، فيكون حينئذ حجةً بوصفه كاشفاً عن رأي المعصوم أو يكون دليلاً معتبراً.

ثانياً: أنّ تحقُّق الإجماع هنا ـ بقطع النظر عن الحجية ـ يقع محلّ إشكال وخدشة، بل منع، ذلك أنّ بعض كتب القدماء لم تطرح السنّ علامةً على البلوغ عند البنات; وإنّما جعلت المعيار في بلوغهنّ هو الحيض، وعدم ذكر السنّ في الكتب الفقهية ـ حيث تطرح علامات البلوغ ـ يعدّ بنفسه دليلاً على عدم اعتباره في رأي الفقيه ونظره، وإلاّ كان لابدَّ له من ذكره على تقدير أنَّه يراه من علائمه.

إنَّ دراسة كتب القدماء والبحث فيها يدلّل على أنه لا وجود لعلامية السنّ في البلوغ قبل عصر الشيخ الطوسي في الكتب الفقهية، ونذكر هنا بعض العبارات الراجعة إلى الفقهاء القدماء.

يكتب الشيخ الصدوق (381هـ) في كتاب (المقنع): «اعلم أنّ الغلام يؤخذ بالصيام إذا بلغ تسع سنين على قدر ما يطيقه، فإن أطاق إلى الظهر أو بعده صام إلى ذلك الوقت، فإذا غلب عليه الجوع والعطش أفطر، وإذا صام ثلاثة أيام ولاءً أخذ بصوم الشهر كلّه، وروي أنّ الغلام يؤخذ بالصوم ما بين أربع عشرة سنة إلى خمسة عشرة إلى ستة عشر سنة، إلاّ أن يقوى قبل ذلك، وروي عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال: على الصبيّ إذا احتلم الصيام وعلى المرأة إذا حاضت، الصيام والخمار»(14).

إن دلالة هذا الحديث على عدم بلوغ البنات قبل الحيض واضح وبيّن: انطلاقاً من حصرها وجوب الصيام والحجاب به لا غير، والظاهر أنَّ الشيخ الصدوق قد أفتى بمضمون هذه الرواية.


ويقول السيد المرتضى (355 ـ 436 هـ) في (جمل العلم والعمل): «إذا أسلم الكافر قبل استهلال الشهر كان عليه صيامه كلّه، وإن كان إسلامه وقد مضت منه أيام صام المستقبل، ولا قضاء عليه في الفائت، وكذلك الغلام إذا احتلم، والجارية إذا بلغت المحيض»(15).

وكما يلاحظ من هاتين العبارتين، لا حديث إطلاقاً لدى فقهاء الشيعة البارزين في صيام البنات بناءً على السنّ، بل إنّهم يعتبرون الحيض وحده ملاكاً ومعياراً لوجوب الصيام، ومع مخالفة هذين الفقيهين الكبيرين من قدماء الأصحاب لا يمكن اعتبار الإجماع تامّاً، بل لا بدَّ من القول: إنّ هذه المسألة ليست إجماعيةً.

من جهة أخرى، ثمة عدد من الفقهاء السابقين يعتبرون سنّ العاشرة ـ وليس التاسعة ـ علامةً على بلوغ البنات، فالشيخ الطوسي يذكر في مبحث الصوم من كتاب (المبسوط)، فيقول: «وأما البلوغ، فهو شرط في وجوب العبادات الشرعية، وحدّه هو الاحتلام في الرجال، والحيض في النساء، أو الإنبات أو الإشعار، أو يكمل له خمس عشرة سنة، والمرأة تبلغ عشر سنين، فأما قبل ذلك فإنما يستحبّ أخذه به على وجه التمرين له والتعليم، ويُستحبّ أخذه بذلك إذا أطاقه، وحدّ ذلك بتسع سنين فصاعداً»(16).

ويقول ابن حمزة في مبحث الخمس من كتاب (الوسيلة): «وبلوغ الرجل يحصل بأحد ثلاثة أشياء: الاحتلام، والإنبات، وتمام خمس عشرة سنة، وبلوغ المرأة بأحد شيئين: الحيض، وتمام عشر سنين، والحَبَل علامة البلوغ»(17).

ويقول ابن سعيد الحلّي في مبحث الصوم من كتاب (الجامع للشرائع): «وبلوغ المرأة والرجل بالاحتلام، وإنبات العانة، وتختصّ المرأة بالحيض وبلوغ عشر سنين، والرجل بخمس عشرة سنة»(18).

والجدير ذكره أنّ ابن حمزة في مبحث النكاح من كتاب (الوسيلة)(19)، وابن سعيد في مباحث الحَجْر من كتاب (الجامع للشرائع)(20)، يعتبران سنّ البلوغ عند البنات هو بلوغ التسع، ويذهب صاحب الجواهر إلى أنّ الشيخ الطوسي وابن حمزة قد عدلا عن سنّ العشر سنوات في بلوغ الفتيات إلى اعتبار التسع سنوات سنّ البلوغ لديهنّ(21).

إنَّ القبول بكلام صاحب الجواهر يدلّ على عدم استقرار الإجماع والشهرة على القول بتسع سنوات، ولهذا ذهب هؤلاء الفقهاء البارزون إلى الإفتاء بسنّ العاشرة في بلوغ البنت، ثم العدول بعد ذلك إلى الفتوى بالتسع.

من جهة أخرى، يذكر ابن حمزة في (الوسيلة) لدى حديثه عن التسع سنوات، فيقول:
«وبلوغ المرأة يعرف بالحيض، أو بلوغها تسع سنين فصاعداً»(22)، فهذه الجملة تدلّ على أنّ التسع سنوات لا موضوعية لها، وإلاّ كانت كلمة «فصاعداً» لغواً، وإنما الملاك والمعيار هو التهيؤ الجسدي والفكري.
__________________________________________
([13]) مفتاح الكرامة 12: 424.
([14]) الصدوق، المقنع: 195; والينابيع الفقهية 6: 21 ـ 22.
([15]) رسائل المرتضى 3: 57; والينابيع الفقهية 6: 93.
([16]) الطوسي، المبسوط 1: 266.
([17]) ابن حمزة، الوسيلة: 127.
([18]) ابن سعيد الحلي، الجامع للشرائع: 152.
([19]) ابن حمزة، الوسيلة: 301.
([20]) ابن سعيد الحلي، الجامع للشرائع: 362.
([21]) النجفي، جواهر الكلام 26: 9.
([22]) ابن حمزة، الوسيلة: 301.
العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org