Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة عامة
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: أدلّة حليّة الربا الاستثماري

أدلّة حليّة الربا الاستثماري

أدلّة حليّة الربا الاستثماري
والسؤال الأساسي هنا هو: هل يمكن القول بأنّ أدلّة حرمة الربا تشمل مثل هذا النوع من المعاملات أم لا؟

يذهب مشهور الفقهاء إلى تحريم هذا اللون من المعاملات; اعتماداً على إطلاقات وعمومات الآيات والروايات، إلا أنّنا ندّعي أنّ هذا القسم ليس بحرام، ولا تشمله أدلّة المنع عن الربا، ولنا على ذلك شواهد وأدلّة هي:


الدليل الأوّل: إن الآيات القرآنية الذامّة للربا، وقد أسلفنا ذكرها سابقاً، وإن دلّت على مبدأ الحرمة، إلا أنّها مجملة من حيث بيان المصاديق والموارد، ومن ثم فليس لها دلالة على حرمة تمام أنواع القرض، استهلاكياً كان أم إنتاجيّاً وذلك:


أولاً: إنّها مجملة، وذلك أنّ الربا يعني مطلق أنواع الزيادة، الأمر المتيقّن من عدم حرمته، كما أشرنا إلى ذلك فى بداية هذه المقالة، وهذا معناه أنّ بعض أقسام الزيادة حرام والبعض الآخر حلال، وحيث لم يبيّن في الآيات ما هو المحرّم أخذنا بالقدر المتيقّن منه، ألا وهو الربا الاستهلاكي، وهذا ما توضحه مطالعة آيات سورة آل عمران، والنساء; ذلك أنّه ليس فيها آية إشارة لوجود معاملة أو مبادلة في البين.

ثانياً: يمكن القول: إن آية (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ) تدل على حرمة الربا الاستهلاكي، لا على نحو القدر المتيقّن، كما أسلفناه آنفاً، بل على نحو الظهور القرآني، ولكي يتّضح الأمر نلاحظ أنّ جملة: (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا )جملة استئنافية، وليست حالاً للجملة السابقة عليها، وإلاَّ كان اللازم ذكرها مع كلمة «قد»، ذلك أنّه كلّما كانت الجملة الفعلية الماضوية حالاً، لزم ـ طبقاً للقواعد العربية ـ إضافة حرف «قد» إلى مطلعها، وحيث لم يكن الأمر كذلك، كانت الجملة استئنافية[27].

والتغير الذي سيحصل ما بين كون الجملة المشار إليها حالاً أو استئنافاً هو أنّها لو كانت حالاً سيكون معنى الآية: إن خداع الشيطان لهم أن قالوا البيع مثل الربا، والحال أنّ الله قد أحلّ البيع فيما حرّم الربا، ومعنى ذلك أن هلاكهم وضلالهم كان في حال تشريع هذا الحكم، والحال أنّ هلاكهم كان قبل هذا التشريع وبعده معاً.

أمّا لو كانت الجملة استئنافيةً فستكون جملة: أحلّ الله البيع، منقطعة الصلة عمّا سبقها.

جاء في تفسير المنار أنّ الواو هنا يمكن أن تكون حاليةً فتكون الجملة اللاحقة لها جواباً عن إشكال آكلي الربا، الذين يقولون:

إنّ بيع النسيئة التي تكون القيمة فيها أكبر منها فى المعاملة النقدية مثل الربا[28].

وعلى أيّة حال، فسواء كانت الجملة مستأنفةً أو حالية، فهي تجيب عن ما أورده آكلو الربا، وهذا الجواب يمكن أن ينظر إليه بمنظارين:

أحدهما: أنّ الله تعالى يريد أن يقدّم لهم جواباً تعبّدياً، وأنّه ليس بصدد وضع حدود فاصلة تميّز ما بين البيع والربا، الأمر الذي يخالف العادة القرآنية في بيان الأحكام، ذلك أنّ النص القرآني يسعى جاهداً على الدوام لإقناع مخاطبه إلى جانب إبلاغه بالحكم الشرعي، وكمثال على ذلك، عندما يتحدّث الله تعالى عن وجوب الصيام يرفق حديثه ببيان فلسفته فيقول:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 183]، وهكذا الحال عندما تحدّث عن وجوب الحج، أشار إلى منافعه وعوائده الخيّرة على الإنسان، فقال: (وَللهِِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبيلاً) [آل عمران: 97]، مضيفاً في آية أخرى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ...)][لحج: 28]، وعلى المنوال نفسه حكم القرآن بوجوب إقامة الصلاة، حيث عدّ المنع عن المنكرات والفحشاء فلسفةً لها، فقال: (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45].

وبذلك يتبيّن أنّ الله تعالى إنّما كان يدعو الناس إلى مرتكزاتهم عندما ميّز بين البيع والربا، وهذا معناه أن الناس يدركون بأنفسهم أنّ هناك اختلافاً بين بيع بضاعة نسيئةً مع زيادة في القيمة وبين إقراضهم شخصاً مشترطين عليه ـ بدايةً ـ الزيادة، أو عجز المقترض عن تسديد المستحق في الموعد فيأخذون منه مبلغاً مقابل منحه فرصةً أخرى، وهكذا...، والسبب أنّ الصورة الثانية قبيحة ومنكرة، أمّا الصورة الأولى فليس حالها كذلك.

ولهذا أمكن القول: إن الأوّل بيع ومعاملة تقتضيها ضرورات الحياة، حيث لا يمكن للفرد وحده تأمين احتياجاته تمامها، وفقط بعض حاجات المجتمع يجري تأمينها عبر مقايضة البضائع بعضها ببعضها الآخر، كما هو الحال في المعاملات الأولية والبدائية، أو مبادلة عين بنقد، كما هو الحال في المعاملات بصورتها المتطوّرة، تماماً كما أشار إليه الإمام الخميني لدى جمعه بين أخبار خيار الحيوان، فكل إنسان يأخذ ما يريد[29].

إن هذه المعاملة والمبادلة ضرورية ولازمة لتنمية الحضارة البشرية.

أما الثاني فهو ربا، ينبعث من الاستغلال السيء للفقر والعجز الذي يواجهه ضعفاء الناس، فيشرط مبلغاً إضافياً مقابل دفع القرض، وهو ما لا يساعد على تقدّم الحضارة الإنسانية، بل يقف سدّاً عالياً ومنيعاً أمامه.

وبذلك يتبين أن الآية الكريمة تدلّ على حرمة الربا الاستهلاكي، ولا تشمل ـ بأيّ وجه من الوجوه ـ أنواع الربا الإنتاجي الاستثماري.

ثالثاً: يمكن القول: إنّ ما تضيفه آيات سورة البقرة يكشف عن أنّ علّة حرمة الربا هي الظلم، قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنْتُم مُؤْمِنِينَ* فَإِن لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْب مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ)[البقرة: 278ـ279].

وبناءً عليه، فالظلم هو علّة الحرمة، وهو ما يتصوّر في الربا الاستهلاكي، دون الربا الإنتاجي الاستثماري، وبعبارة أخرى، إنّ القرآن يقول: إنّ الربا ظلم عرفي وعقلائي، وإذا ما تاب المتعاملون به فليس لهم سوى رؤوس أموالهم، لا أكثر من ذلك، ذلك أنّ أخذ الزيادة عن ذلك ظلم.

الدليل الثاني: بيّنا ـ إلى هنا ـ دلالة الآيات القرآنية بثلاثة تقريبات على حرمة الربا الاستهلاكي، وعدم حرمة الربا الإنتاجي الاستثماري، وقد بلغ بنا المطاف الحديث عن الروايات، ومَدَيَات دلالتها في هذا المضمار.

والذي نلاحظه أنّ الإجمال يغطّي دلالات الروايات أيضاً، كما كان الحال في الآيات، ذلك أنّ الروايات الدالّة على حرمة الربا على مجموعتين:

--------------------------------------------------------------------------------
العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org