Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة عامة
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: الفصل الأول ـ تساوي الدية بين الرجل والمرأة والمسلم وغيره

الفصل الأول ـ تساوي الدية بين الرجل والمرأة والمسلم وغيره

الفصل الأوّل

تساوي الدية بين الرجل والمرأة والمسلم وغيره


ظلّ القرآن الكريم ملتزماً الصمت إزاء مقدار دية الرجل والمرأة والمسلم وغيره، وما يمكن أن يجعل مستنداً لتعيين مقدارها ليس سوى الأصول والقواعد الإسلامية العامة، إلى جانب الروايات الخاصة والإجماع.
وقد جرى التركيز في المصنّفات الفقهية التي درست الموضوع على الإجماع والروايات الخاصة; لتأكيد عدم التساوي في الدية بين الرجل والمرأة والمسلم وغيره. بدورنا، سوف نرصد هذه الأدلة «الروايات والإجماع» في الفصلين الثاني والثالث إن شاءالله تعالى. وندّعي فعلاً أن الأدلّة الدالّة على تشريع مبدأ الدية، أو تلك التي تبيّن الأصول الإسلامية والقواعد العامة تدلّ برمّتها على تساوي الدية بين الرجل والمرأة والمسلم وغيره، وهذه الأدلّة هي ما سيكون محور بحثنا في هذا الفصل.

الأول: روايات تشريع الدية

لم ينصّ القرآن الكريم على أمرالدية إلاَّ في آية واحدة، بيّن فيها أصل تشريعها، دون تعرّض لمقدارها.
قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِن أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَة مُؤْمِنَة وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُوا فَإِن كَانَ مِن قَوْم عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَة مُؤْمِنَة وَإِن كَانَ مِن قَوْم بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَة مُؤْمِنَة فَمَن لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً)(1).
إن هذه الآية رغم سكوتها عن بيان مقدار الدية، إلاَّ أنَّها ـ في الوقت عينه ـ لا تضع فرقاً أو تمييزاً بين قتل الإنسان المؤمن وغيره ممّن هو محترم الدم، أما الروايات التي تتحدّث عن مقدار الدية وحجمها فهي تدلّ أيضاً وبوضوح على تساويها في الرجل والمرأة، والمسلم والكافر، ولا يُرى فيها أيّ تمييز أو تفاوت(2).
وهذه الروايات ذكرها الشيخ الحرالعاملي في بداية كتاب الديات من «وسائل الشيعة»، وعددها أربعة عشرة رواية(3)، ومن بينها عدّة روايات معتبرة، وهذه بعضها:

الرواية الأولى: محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد جميعاً، عن ابن محبوب، عن عبدالرحمن بن الحجاج، قال: سمعت ابن أبي ليلى يقول: «كانت الدية في الجاهلية مائةً من الإبل، فأقرّها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم إنه فرض على أهل البقر مائتي بقرة، وفرض على أهل الشاة ألف شاة ثنية، وعلى أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق عشرة آلاف درهم، وعلى أهل اليمن الحلل، مائتي حلّة»(4).
الرواية الثانية: محمد بن علي بن الحسين بإسناده، عن حماد بن عمرو وأنس بن محمد، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن آبائه، في وصيّة النبي (صلى الله عليه وآله) لعليّ (عليه السلام) قال: «يا علي! إنّ عبدالمطلب سنّ في الجاهلية خمس سنن، أجراها الله له في الإسلام، إلى أن قال: وسنّ في القتل مائة من الإبل، فأجرى الله ذلك في الإسلام»(5).
وهذه الرواية صحيحةٌ، وقد نقلها المشايخ الثلاثة في كتبهم.
وتجدر الإشارة إلى أنه من بين هذه الروايات الأربعة عشرة، ثمة حديثان يمكن أن يستفاد منهما أن مقدار الدية مختصّ بالرجل أو المسلم، فقد ورد التعبير بـ «دية الرجل» في الحديث الثاني عشر، فيما جاء التعبيربـ «دية المسلم» في الحديث الثاني، من الباب الاول ونسعى هنا لدراسة هذين الحديثين على الشكل التالي:

1 ـ وقفة مع الحديث الثاني عشر

وهذا نصّه: وبإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن إبراهيم، عن أبي جعفر، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، قال: «دية الرجل ماءة من الإبل، فإن لم يكن فمن البقر بقيمة ذلك، فإن لم يكن فألف كبش، هذا في العمد، وفي الخطأ مثل العمد ألف شاة مخلطة»(6).

قد يقال: إن التعبير بـ «دية الرجل» يدلّ على اختصاص هذا المقدار للدية بالرجال، وليس شاملاً للنساء. إلاّ أنه لابدّ من القول: إنّه لا يمكن الاستناد إلى هذه الرواية، وإثبات اختصاص هذا المقدار من الدية بالرجل، وذلك:

أولاً: لا دلالة لمفردة «رجل» على الاختصاص; ذلك أن ماكان من قبيلها يكثر استعماله لبيان الأحكام العامة والمشتركة، وهو أمر شائع ومتداول.
ثانياً: لم يتّضح لنا صدور هذا الحديث عن المعصوم (عليه السلام)، ذلك أنّ أبا بصير لم ينقله عن شخص آخر، حتى نتأكّد أنّه الإمام أو غيره.
ثالثاً: إنَّ هذه الرواية غير معتبرة، ذلك أن أبا بصير مشترك بين الثقة والضعيف، ولا توجد قرينة في البين تساعد على تحديده هنا، كما أنَّ إبراهيم، وأبا جعفر، الواردين قبل علي بن أبي حمزة، كلاهما ضعيفان.
رابعاً: إنَّ هذا الحديث يدلّ على الترتيب بين موارد الدية، أي أنّه يجعلها في البداية مائةً من الإبل، وعند عدم توفرها يُنتقل إلى ما يساويها من البقر، ومع عدم توفرها ينتقل إلى ألف شاة، والحال أنَّ الترتيب المذكور بين موارد الدية يتنافى مع جملة من الروايات الأخرى، كما أنَّ الفقهاء أنفسهم أعرضوا عن مضمون هذه الرواية; وعليه، فمفادها مرفوض عند الفقهاء.

2 ـ وقفة مع الحديث الثاني

وهذا نصّه: وعن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن عليّ بن الحكم، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير ـ في حديث ـ قال: سألت أباعبدالله(عليه السلام)عن الدية، فقال: «دية المسلم عشرة آلاف من الفضّة، وألف مثقال من الذهب، وألف من الشاة على أسنانها أثلاثاً، ومن الإبل ماءة على أسنانها، ومن البقر مائتان»(7).

ومن الممكن أن يستفاد هنا من كلمة «المسلم» ليدّعى أنّ هذا المقدار الذي ذكرته الرواية للدية مختصّ به، لايشمل غيره، إلاَّ أنَّ الحق أنَّه لا يمكن أن يستفاد من هذه الرواية ذلك، لأسباب عدّة:

أولاً: لا مفهوم للّقب، فإثبات حكم للمسلم لا ينفيه عن غيره، وأما عدم بيان حكم غير المسلم فهو لعدم الابتلاء به.
ثانياً: ولنفرض أننا سلّمنا بأنّ للحديث مفهوماً، وأنها تنفي هذا المقدار للدية عن غير المسلم، إلاَّ أنَّه مع ذلك لا إطلاق في المفهوم، فالمتكلّم بالمنطوق إنَّما هو في مقام بيان المنطوق لا المفهوم، حتى يتمسك بالإطلاق في الثاني، ومعنى ذلك أنّ افتراضه في مقام بيان المفهوم، والتمسك بالإطلاق في مورده يحتاج إلى قرينة ودليل، وهوما لا نجده في هذه الرواية، ولا في أكثر الروايات ذات المفهوم. وبناءً عليه، فلا دلالة في الرواية على أزيد من التفاوت في الدية مع غير المسلم في الجملة، مثل الكافر غير المؤتمن وغيرالمحترم والمعاهد، ومعه فلا تشمل غير المسلمين جميعاً.

ثالثاً: لو سلّمنا بدلالة الحديث على الإطلاق، وإن كان خلاف التحقيق، إلاَّ أنَّ هذا الإطلاق مقيّد في مورد الذمّي بالفعل وبالقوّة، وذلك لورود الروايات في تساوي دية هذا الذمّي مع المسلم. وهذه هي الروايات:

1 ـ محمد بن الحسن بإسناده عن ابن محبوب، عن أبي أيّوب، عن سماعة، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن مسلم قتل ذمياً؟ فقال: «هذا شي شديد لا يحتمله الناس، فليعط أهله دية المسلم حتى ينكل عن قتل أهل السواد، وعن قتل الذمي»، ثم قال: «لو أنَّ مسلماً غضب على ذمي، فأراد أن يقتله ويأخذ أرضه ويؤدي إلى أهله ثما نمائة درهم إذاً يكثر القتل في الذميين»(8).

2 ـ وبإسناده عن إسماعيل بن مهران، عن ابن المغيرة، عن منصور، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال: «دية اليهودي والنصراني والمجوسي دية المسلم»(9).
ولا بدّ هنا من الالتفات إلى أنّ الذمي في هذه الروايات لا خصوصية له بعد إلغاء الخصوصية وتنقيح المناط، بل يتعدّى منه إلى مطلق غير المسلم ممّن يكون محترم النفس والمال، ذلك أنَّ مناط الدية في الذمىّ هو الاحترام، وهو أمر عقلائي، أمضاه الشرع، فالعقلاء يقبلون الدية عندما يكون الدم محترماً، بوصفها جبراناً للخسارات الواردة، دون أن يميّزوا في ذلك طبقاً لديانة المقتول، وإذا ما جاء الحديث في هذه الرواية عن الذمي فإنما ذلك لكونه مورد ابتلاء المسلمين.

الثاني: الأصول والقواعد الإسلامية العامّة

وإضافةً إلى الروايات المتقدّمة الدالّة على تساوي الدية، يمكن التمسك ببعض الآيات والروايات التي تؤكد مفهوم مساواة الناس في الشخصية والإمكانات، وسائر السمات والخصائص الإنسانية، فكلّها شواهد دالّة هنا على ما نريد.
وبعبارة أخرى: إنّ الأصول والقواعد الإسلامية الأولية تدلّ أيضاً على التساوي هنا، ونذكرهنا بعض هذه الآيات والرويات.
لقد اعتبر القرآن الكريم البشر جميعاً أولاد آدم وحواء، ولم يضع أيّ فرق بينهم في مبدأ الخلقة والإمكانات والطاقات البشرية، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفْس وَاحِدَة وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بهِ)(10).
وفي آية أخرى، اعتبر القرآن التقوى أساس التفاضل، فقال: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِن ذَكَر وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ)11(.
كما يمكن الإشارة هنا إلى بعض الروايات، مثل قول النبي (صلى الله عليه وآله): «أيها الناس! إنّ ربكم واحد، وإنَّ أباكم واحد، كلّكم لآدم، وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربىّ على عجمي فضل إلاّ بالتقوى»(12).
وقوله (صلى الله عليه وآله): «الناس سواء كأسنان المشط»(13).
وقوله (صلى الله عليه وآله) أيضاً: «فالناس اليوم كلّهم، أبيضهم وأسودهم، وقرشيهّم وعربيّهم وعجميّهم من آدم، وإن آدم (عليه السلام) خلقه الله من طين، وإنَّ أحبَّ الناس إلى الله عزوجل يوم القيامة أطوعهم له وأتقاهم»(14).
وعنه (صلى الله عليه وآله): «إنَّ الناس من آدم إلى يومنا هذا مثل أسنان المشط، لا فضل للعربي على العجمي، ولا للأحمر على الأسود إلاَّ بالتقوى»(15).
وعن الإمام علي(عليه السلام) أيضاً، أنه قال: «الناس إلى آدم شرع سواء»(16).
وخلاصة القول: إن الروايات الدَّالة على أصل الدية ومقدارها تثبت ـ مع ضمّها إلى القواعد والأصول الإسلامية العامة المستقاة من الآيات والروايات ـ تساوي دية الرجل والمرأة، والمسلم وغيره.
والآن، ولكي نكمل هذه النظرية، لابدّ لنا من دراسة الرأي المشهور عند الفقهاء في المسألة، ومستند هذا الرأي ومدركه، وهو ما يختصّ به كلٌّ من الفصل الثاني والثالث.
_____________________________________________

1 ـ النساء: 92.

2 ـ سوف نتحدّث عن الروايات الدالّة على تفاوت مقدار الدية ونسبتها إلى هذه الروايات المذكورة هنا، وذلك في الفصل الثاني القادم إن شاءالله تعالى.
3 ـ وسائل الشيعة 29: 193 ـ 199، باب 1.
4 ـ المصدر نفسه: 193، باب1، ح 1.
5 ـ المصدر نفسه: 198، باب 1، ح 14.
6 ـ المصدر نفسه: 197، باب 1، ح 12.
7 ـ المصدر نفسه: 194، باب 1، ح 2.
8 ـ المصدر نفسه: 221، باب 14، ح 1.
9 ـ المصدر نفسه: 221، باب 14، ح 2.
10 ـ النساء: 1.

11 ـ الحجرات: 13.

12 ـ تحف العقول: 34، خطبة في حجة الوداع; بحار الأنوار 73: 350، ح 13.
13ـ كنزالعمال 38:9،ح24882،وبحارالأنوار215:75، ح108.
14 ـ بحارالأنوار 22: 118، ح 89.
15 ـ المصدر نفسه: 348، ح 64.
16 ـ المصدر نفسه 75: 57، ح 119.
العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org