Loading...
error_text
پایگاه اطلاع رسانی دفتر حضرت آیت الله العظمی صانعی :: کتابخانه عربی
اندازه قلم
۱  ۲  ۳ 
بارگزاری مجدد   
پایگاه اطلاع رسانی دفتر حضرت آیت الله العظمی صانعی :: مناقشة الاستدلال

مناقشة الاستدلال

لا شک في وضوح وصراحة دلالة هذه الروايات على حرمة الغناء، ولكنّ المشكلة تكمن في المصداق الذي حُمل عليه هذا الحكم الصريح والواضح. بعبارة أخرى: إنّ موضوع هذا الحكم غير واضح. فهل المراد منه مطلق الغناء؟ أم هو يُشير إلى موارد خاصّة؟

بالالتفات إلى أنّ الإمام (ع) كان في كلّ واحدة من هذه الروايات الثلاثة في مقام الإجابة عن سؤال السائل، وكان «الغناء» في جميع هذه الموارد محلّى بـ «أل»، يحتمل أن يكون معناه ومفهومه واضحآ حتى للسائل نفسه، والدليل الذي يمكن افتراضه هو رواج ذلک النوع الوحيد والمتعارف للغناء في فرض السؤال والذي كان متداولا في لسان الروايات في عصر صدورها. من هنا كان الإمام يستعمل الغناء معرفآ بـ «أل»، ويحتمل أن يكون المراد من «أل» في هذه الموارد هي ما يستعمل للعهد الذهني أو العهد الخارجي، وعليه يكون المراد هو ذلک النوع من الغناء المعهود في ذهن السائل.

وقد سبق أن ذكرنا أنّ الغناء الذي كان شائعآ في زمن صدور هذه الروايات، هو إقامة مجالس الشرب واللّهو واللعب وغناء الجواري وما إلى ذلک، والأماكن المعدّة لأمثال هذه الأمور، فتكون «أل» العهدية ناظرةً إلى هذا النوع من المجالس والغناء السائد في ذلک الحين، وعليه لا يكون له إطلاق يشمل غير هذا النوع من الغناء. علاوة على ذلک أنّه حتى إذا اعتبرنا المراد من «أل» هو استغراق الجنس، يمكن القول: إنّ هذه الروايات كانت تعني هذا النوع من الغناء أيضآ، وعليه فإنها تنصرف انصرافآ كاملا عن الغناء المجرّد عن سائر المحرّمات.

بعبارة أخرى: هناک دليلان على الدعوى القائلة بأنّ هذه الروايات في مقام بيان حرمة نوع خاص من الغناء، وهما :

1ـ إنّ لفظ «الغناء» ناظرٌ إلى نوع خاص، وهو الغناء المقرون بالمحرّمات الأخرى.

2ـ إنّ لفظ «الغناء» منصرف عن نوع خاص من الغناء المجرّد عن سائر المحرّمات.

كيف يمكنک التخلّي عن هذا الاحتمال، وعدم اعتباره قويآ أو مظنونآ وظاهرآ عرفآ، في وقتٍ تعرّض له المحقّقون الكبار من أمثال السبزواري والفيض الكاشاني في كتبهم على أحسن وجه؟!

قال المحقق السبزواري 1 في هذا الشأن:

«المذكور في تلک الأخبار الغناء، والمفرد المعرّف باللام لا يدل على العموم لغة، وعمومه إنما يستنبط من حيث إنه لا قرينة على إرادة الخاص، وإرادة بعض الأفراد من غير تعيين ينافي غرض الإفادة وسياق البيان والحكمة، فلابدّ من حمله على الاستغراق والعموم. وههنا ليس كذلک؛ لأنّ الشائع في ذلک الزمان الغناءُ على سبيل اللّه‌و، من الجواري المغنّيات وغيرهنّ في مجالس الفجور والخمور، والعمل بالملاهي، والتكلّم بالباطل، وإسماعهنّ الرجال، وغيرها، فحمل المفرد على تلک الأفراد الشائعة في ذلک الزمان غير بعيد».[1]

وعلى كلّ حال، فلبّ كلامه وجوهره هو أنّه حيث إنّ استفادة العموم من اللفظ المحلّى بـ «أل» لم يكن من خلال الظهور اللفظي، وإنما من مقدّمات
الحكمة، وإنّ إحدى تلک المقدمات عدم وجود قرينة على عدم إرادة بعض الأفراد. وفي موضوع بحثنا، فإنّ شيوع قسم وفرد خاص من الغناء ـ أي الغناء اللّهوى ـ يشكّل قرينة حالية على عدم العموم فيه، واختصاصه بالفرد الشائع والسائد بسبب الانصراف.

وقال الفيض الكاشاني في الوافي:

«والذي يظهر من مجموع الأخبار الواردة فيه اختصاص حرمة الغناء وما يتعلّق به من الأجر والتعليم والاستماع والبيع والشراء كلّها بما كان على النحو المعهود المتعارف في زمن بني أمية وبني العباس من دخول الرجال عليهنّ وتكلّمهن بالأباطيل ولعبهنّ بالملاهي من العيدان والقضيب وغيرهما، دون ما سوى ذلک، كما يشعر به قوله (ع) : ليس بالتي يدخل عليها الرجال».[2]

ثمّ استطرد بعد نقل كلام الشيخ وتفسيره قائلا :

«وعلى هذا، فلا بأس بسماع التغنّي
بالأشعار المتضمّنة ذكر الجنة والنار، والتشويق إلى دار القرار، ووصف نعم اللّه الملک الجبار، وذكر العبادات والترغيب في الخيرات والزهد في الفانيات ونحو ذلک».

وهو شبيه بما ذكره في «مفاتيح الشرائع»،[3]

و«المحجّة البيضاء»[4] أيضآ.

وقد اختار السيد مهدي الكشميري 1 رأيَ الفيض الكاشاني، معتبرآ إيّاه أفضل الأقوال في المسألة، قائلا: إنّ أحد الأدلة على ذلک هو انصراف الروايات إلى الغناء المعهود في زمن سلاطين الجور، وإليک نصّ كلامه :

«لانصراف أدلّة الغناء إلى ما كان متعارفآ في زمن خلفاء الجور، من كونه مشتملا على الملاهي، ومقترنآ بالمعاصي. والظاهر أنّ هذا هو منشأ لتفصيل المحدّث، ومن ساق مساقه في هذه المسألة، بين أفراد الغناء..

وهو يضيف بأن كل من تأمل في هذا الكلام بعد تفريغ ذهنه من الشبهات فسوف يتوصّل إلى عدم حرمة الغناء بشكل مطلق ومن حيث هو (الحرمة الذاتية)، وسيرى أنّ الحرمة إنما هي لما يقارنه من المحرمات الأخرى التي تثبت حرمتها مستقلاً واتحدت في الخارج مع مصداق الغناء. ثم يقول: معترف بعدم دلالة دليل على حرمة الغناء على إطلاقه ومن حيث هو، بل من حيث عنوان آخر محرّم من المحرمات المستقلّة الخارجية، متحد معه في مصداقه الخارجي».[5]

وهناک من القائلين بعدم الحرمة الذاتية للغناء، من استدلّ على وجود حقيقة عرفية للغناء في زمن الروايات، أي أنهم يدّعون شيوع الغناء اللّهوى في ذلک الزمن على شكل حقيقة عرفية، بحيث يكون للنهي الوارد في الروايات ظهورٌ في تلک الحقيقة العرفية. ومعه فلا يكون ما تمّ النهي عنه في هذه الروايات مطلقَ الغناء، بل خصوص الغناء اللّهوى الذي تحوّل إلى حقيقة عرفية. قال السيد ماجد البحراني 1 في هذا الشأن :

«وبالجملة، شيوع التغنّي بالملهيّات من الأصوات بلغ حدّآ حتى صار إطلاق الغناء على هذا الفرد حقيقة عرفية. وهذا يظهر لمن تتبّع التواريخ والسير. فالمراد من الغناء في الأحاديث التي وردت في ذمّه، إنما هو الغناء العرفي، أعني: الأصوات الملهية التي يزيّنها ضرب آلات اللّه‌و والتصدية والرقص».[6]

إنّه 1 يسعى هنا في الحقيقة إلى لفت انتباه مخالفيه إلى هذه النقطة، وهي أنّ الغناء المقترن بسائر المحرّمات في عصر الأئمة : قد تحوّل إلى حقيقة عرفية، وبذلک فهو يدّعي أنّ ظهور الروايات إنّما هو في هذا النوع من الغناء. وهو بعد صفحات من ذلک يذكر أمرآ في تأييد هذه العبارة المتقدّمة، الأمر الذي يعكس عمق اهتمامه الكبير بمدّعاه ومبناه الذي هو اختصاص الحرمة ـ من باب الحقيقة الثانوية (العرفية) ـ بالغناء اللّهوى. «نحن معاشر القائلين بالتفصيل في هذا الغناء، ندّعي أنّ الغناء المنهيّ عنه هو الأصوات الملهية التي تتصدّاها الفتيات، وفسّاق الرجال، ويزيّنها ضرب الدفوف والعيدان، ولكثرة إطلاق الغناء على هذا الفرد الأخص، صارت حقيقة عرفية فيه».[7]

إنّ الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء من القائلين بنفي الحرمة الذاتية، بل هو يرى أنّ أحكام الغناء على ثلاثة أقسام، فمنه المحرّم، ومنه المباح، ومنه المستحبّ أيضآ، فالحرام منه هو ما عبّر عنه الشرع في بعض النصوص بـ «ألحان أهل الفسق والكبائر»، قال :

«والخلاصة، أنّ مدّ الصوت وتحسينه وترجيعه هو الغناء مطلقآ، ولكن قسم منه حرام، وهو ما يوجب الخفّة والطيش وفقد التوازن العقلي، وإليه الإشارة في الشرع بـ «لحون أهل الفسق والكبائر». وقسم مباح أو مستحب، وهو كلّ ما لم يبلغ تلک المرتبة، وإن أوجب سرورآ وارتياحآ، أو جلب حزنآ وبكاءً وموعظة وعبرة، فإنه مستحسن مطلقآ، سيّما في القرآن والدعاء والشعر، كلّ مقام بحسب ما يناسبه.

وعلى هذا يُنزّل ما ورد من تقرير النبي 8 عبداللّه بن رواحة على الحداء، وكان حسن الصوت، وما ورد من جواز غناء المغنيات في الأعراس والأفراح، ولا يكون من باب الاستثناء من حرمة الغناء، كما ذكره الفقهاء. والمشكوک أنه من الحرام أو المباح، تجري فيه أصالة الإباحة».[8]

ب ) قوله تعالى: ( وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ).[9]

--------------------------------------------------------------------------------

[1] . كفاية الأحكام، ج1، ص432.

[2] . الوافي، ج17، ص205.

[3] . مفاتيح الشرائع، ج2، ص20.

[4] . المحجّة البيضاء، ج5، ص226.

[5] . ميراث فقهي 2 (التراث الفقهي 2)، الغناء والموسيقى، ص890.

[6] . ميراث فقهي 1 (التراث الفقهي 1)، الغناء والموسيقى، ص516.

[7] . المصدر أعلاه، ص520.

[8] . ميراث فقهي 3 (التراث الفقهي 3)، الغناء والموسيقى،ص1870.

[9] . الفرقان: 72.

عنوان بعدیعنوان قبلی




کلیه حقوق این اثر متعلق به پایگاه اطلاع رسانی دفتر حضرت آیت الله العظمی صانعی می باشد.
منبع: http://saanei.org