Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: دروس خارج الأصول
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: أقسام الوضع (درس11)
أقسام الوضع (درس11)
الدرس دروس خارج الأصول
مباحث الدليل اللفظي
الدرس 11
التاريخ : 2008/12/26

بسم الله الرحمن الرحيم

لأجّل أن يضع الواضع اللفظ للمعنى لابدّ له من تصوّر المعنى
واللفظ، غاية الأمر كونه إمّا أن يتصور معنًى عاماً، وإمّا خاصاً. وباعتبار هذا التصوّر ينقسم الوضع إلى أربعة أقسام:
تارة:
يكون المعنى واللفظ عامين.
وتارة اُخرى: يكون كلاهما خاصين، بأن يتصوّر الواضع معنًى عاماً أو خاصاً ويضع له لفظاً معيناً، فيكون الوضع عاماً والموضوع له عام، أو الوضع خاص والموضوع له خاص كذلك.
وتارة اُخرى: يتصوّر الواضع معنًى عاماً ويضع له لفظاً خاصاً، فيكون الوضع عاماً والموضوع له خاصاً.
وتارة: يكون بالعكس، بأن يتصور الواضع معنًى خاصاً ويضع له لفظاً لمعنًى عام وكلّي، أي يكون الوضع خاصاً والموضوع له عاماً.
وهذه أربعة أقسام ذكرها الاُصوليون، ونقوم هنا بدراسة ما يدور حول هذه الأقسام من أُمور، لنرى ـ وفقاً للمناهج الاُصولية ـ أيّاً منها صحيح وأيّاً غير صحيح، ثمّ نبيّن مختارنا في النهاية.
نذكّر هنا بأنّ الأقسام حسب التصوّر والاحتمال أربعة، لكنها ثلاثة في مقام الثبوت والإمكان كما هو معروف، أمّا وفقاً لمبنى الإمام فهي اثنان، وهي محل كلام وبحث في مقام الإثبات يأتي في محله.
وقبل الخوض في البحث لابدّ من بيانٍ مختصر لأمرٍ قد يصحل منه التباس عند القراء الكرام، وهو أن قولنا: (وضع عام) أو (وضع خاص) توصيف يتعلّق بالحال، لكن في هذا التوصيف مسامحة قطعاً؛ لأنَّ المعنى المتصوّر هو الذي يكون عاماً أو خاصاً لا الوضع نفسه، والتصور مرحلة تسبق نفس الوضع، وقد كانت العمومية والخصوصية المذكورة قبل الوضع، لكن يُطلق على الوضع أنّه خاص أو عام مع أن الوضع مرحلة متأخرة على تصوّر المعنى، هذا كلّه لأجّل التسامح المعمول به هنا.
الأقسام بحسب إمكان الوقوع
المعروف أنَّ ثلاثة من الأقسام ممكنّة في مقام الثبوت، وهي: كون الوضع عاماً والموضوع له عاماً، وكون الوضع خاصاً والموضوع له خاصاً، وكون الوضع عاماً والموضوع له خاصاً. والأخير يعني تصور الواضع معنًى عاماً لكنه يضع لفظاً لمصاديق خاصة، أمّا عكس ذلك فغير ممكن، فلا يمكن تصوّر معنًى جزئياً ووضع لفظ لمعنًى كلّي.
تصوّر المعنى إمّا أن يكون بنفسه أو بوجهه، أي تصوّر معنًى يشير إلى ذلك الشيء، وبهذا يمكن تصوّر معنًى عامٍ مثل (ناطق) ووضع لفظ لمعنًى خاص مثل (إنسان)؛ لأنّ العام مرآة للخاص، وعندما يتصوَّر معنًى عاماً كأنّما دخل في التصوّر المعنى الخاص، والاندماج بينهما بمثابة اندماج الكلمات المكتوبة بحبر القلم، فإذا كان بالإمكان استخدام الحبر لكتابة مائة كلمة كان ذلك يعني اندماج المائة كلمة في حبر القلم الذي بيدي، ولذلك أمكن القول بأنّ الحبر في القلم كالمرآة للكلمات التي ستوجد فيما بعد. أمّا إذا عكسنا القضية أصبحت غير ممكنة، فلا يمكن القول بأنَّ الجزئي مرآة للكلّي، بل هو مرآة لنفسه فحسب.
رأي الإمام في هذا المجال هو كون الممكن قسمين لا أكثر، نبدأ بالبحث فيهما، وهما: 1 ـ الوضع عام والموضوع له عام.
2 ـ الوضع خاص والموضوع له خاص.
أمّا كون الوضع عاماً والموضوع له خاصاً فقد تقدّم وجه صحته، لكنّه بناءً على الوجه الذي نذكره هنا يكون غير صحيح.
العام في عالم التصوّر والمفهوم يباين الخاص فكيف يكون مرآة له، وهذا التباين حاصل بين الكلي وأفراده والطبيعي وأفراده، فمفهوم (إنسان) غير مفهوم (زيد)، ومهما سعينا عند تصوّر مفهوم (إنسان) لا يمكننا القول بأنّه نفس مفهوم (زيد) أو (عمرو)، رغم كونهما متطابقين في عالم المصداق. إذن لا يمكن للمفهوم العام أن يكون مرآة للخاص أو لأفراده، بل يُحكم بالتباين بينهما.
من المدهش أن يصدر هكذا خطأ فاحش من بعض الاُصوليين رغم ما بيَّنا من تباين بين مفهوم العام ومصاديقه. نعم، الطبيعي موجود في الخارج بعين وجود أفراده، فأنا إنسان وأنت إنسان وكذا بكر وعمرو، عكس ما هو عليه مفهوم (الإنسان)، فنحن نرى حيثية الإنسان الخالصة ولم نر طول عمرو وشكله وشمائله.
إشكال وجواب
لا يقال: لا يوجد وضع عام، وكل ما موجود هو وضع خاص؛ لأنّ الواضع عندما يتصوّر معنًى ما ـ سواء كان كلّياً أو جزئياً ـ يصبح المتصوَّر موجوداً ذهنياً، وعندما أصبح موجوداً ذهنياً أصبح جزئياً، لأنَّ الوجود مساوق للتشخّص. وبذلك يثبت أنَّ الوضع جزئي دائماً.
في الإجابة على ذلك يقال: الباب باب الاصطلاح، ومردانا العمومية والخصوصية في الوضع، وهما ملحوظان بالعرض، أي المتصوّر بالعرض تارة يكون كلياً فيكون الوضع عاماً، وتارة أخرى يكون المتصوّر بالعرض جزئياً فالوضع يكون خاصاً.
كلَّما تصوَّر الإنسان شيئاً كان تصوّره لشيء بالذات، فعلمي بوجود سماء يعد معلوماً بالعرض، أمّا وجوده في الذهن فيّعُّد معلوماً بالذات. وعندما نقول بأنَّ الوضع عام لا نقصد المتصوَّر بالذات، بل نريد الإشارة إلى عمومية الوضع باعتبار المتصور بالعرض، وفي هذه الحالة قد يكون المتصوَّر بالعرض عاماً وكلياً، وقد يكون خاصاً وجزئياً. وإشكالات من هذا القبيل في باب الاصطلاح محلولة.
هذا كله بحسب التصوّر والثبوت، أمّا بحسب الإثبات فلا إشكال في كون الوضع عاماً والموضوع له عاماً كذلك، مثل أسماء الأجناس كالرجل والمرأة. وكذلك لا إشكال إثباتاً في كون الوضع خاصاً والموضوع له خاصاً، مثل الأسماء الشخصية كعمرو وزيد.
وإنّما الإشكال والخلاف في القسم الثالث وهو: الوضع عام والموضوع له خاص، فهل ذلك موجود أم لا؟
قال البعض بوجود هكذا وضع، ومثاله الحروف والأسماء المشبَّهة بالحروف. وأنكر البعض هكذا وضع.
وقبل الولوج في البحث نذكر الشبهة التي أشار إليها الإمام من شبهة عندما يكون الوضع خاصاً والموضوع له خاصاً، حيث قال: (لا إشكال في ثبوت عموم الوضع والموضوع له. قالوا: وكذا في ثبوت خصوصهما، ومثلّوا له بالأعلام الشخصية. وفي كونها منه إشكال؛ للزوم كون نحو: (زيد موجود) قضية ضرورية كقولنا: (زيد زيد)، وكون حمله عليه كحمل الشيء على نفسه، ومجازية مثل قولنا: (زيد معدوم)، وقولنا: (زيد إما موجود وإمّا معدوم)، مع عدم الفرق وجداناً بينه وبين قولنا: (زيدٌ إمّا قائم أو قاعد) في عدم العناية فيه، فلا يبعد أن يلتزم بأنّها وضعت للماهية الكلية التي لا تنطبق إلاّ على الفرد الواحد.
وتوهُّم أنَّ الماهية الكذائية مغفول عنها حين الوضع بالوجدان مدفوع بأنَّ الارتكاز مساعد لذلك، كما نرى من إخبار العوام والنساء بمعدومية المسمّيات في الأعلام وموجوديتها، والموضوع في هذا الحكم ليس الماهية الكلية القابلة للانطباق على الكثيرين، ولا الشخص الموجود بما هو كذلك، بل الماهية التي لا تنطبق إلاّ على الفرد الخارجي، وهي متصوّرة ارتكازاً، والأعلام الشخصية موضوعة لها.
وهذا أهون من الالتزام بمجازية كثير من الاستعمالات الرائجة بلا عناية وجداناً)[1].
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - مناهج الوصول 1: 67 ـ 68.
الدرس اللاحق الدرس السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org