Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة عامة
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: 1 ـ الاستناد إلى الروايات الخاصّة

1 ـ الاستناد إلى الروايات الخاصّة تقسّم الروايات الخاصة التي يمكن أن يستند إليها هنا إلى سبع مجموعات، هي:
المجموعة الأولى: نصوص منع إرث الكافر من المسلم

وتوجد بهذا المضمون ثلاث روايات هي:


1 ـ وعنه، عن الحسن بن صالح، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «المسلم يحجب الكافر، ويرثه، والكافر لا يحجب المسلم ولا يرثه»([39]).

2 ـ وبإسناده عن الحسن بن علي الخزاز، عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة، عن أبي عبدالله(عليه السلام): «لا يرث الكافر المسلم...»([40]).

3 ـ وبإسناده عن علي بن الحسن بن فضال، عن محمد بن عبدالله بن زرارة، عن القاسم بن عروة، عن أبي العباس، قال: سمعت أبا عبدالله(عليه السلام)يقول: «لا يتوارث أهل ملّتين يرث هذا هذا، ويرث هذا هذا، إلا أن المسلم يرث الكافر، والكافر لا يرث المسلم»([41]).

ولا يعني الكافر في هذه الروايات غير المسلم الشامل للقاصر والمقصّر، وإنما هو خاص ـ بقرينة الشواهد التي قدّمناها في الفصل الأوّل ـ بالمقصّر; لذا لا يمكن توثيق المدّعى العام للفقهاء هنا بهذا الدليل والمدرك.

المجموعة الثانية: نصوص منع إرث المشرك من المسلم

وهنا يستدلّ بروايتين:

1 ـ وبإسناده عن زرعة، عن سماعة، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: سألته عن المسلم، هل يرث المشرك؟ قال: «نعم، فأما المشرك فلا يرث المسلم»([42]).

2 ـ ورواه الشيخ بإسناده عن يونس، عن زرعة، عن سماعة، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل المسلم هل يرث المشرك؟ قال: «نعم، ولا يرث المشرك المسلم»([43]).

وفيما يخص هذه الروايات، لابد من الانتباه لأمرين:

أ ـ إذا لم ندّع في هاتين الروايتين القطع بأنهما رواية واحدة، لوحدة السائل والمجيب والمضمون، فلا أقل من أنه هو الظاهر منهما، والاختلاف البسيط في المضمونين لا يلحق ضرراً بذلك.

ب ـ إن هذه الروايات هنا حالها حال روايات المجموعة الأولى مختصّة بالمشرك المقصّر الذي أشرك بالله عن علم وعمد وتقصير، ولا تشمل الشرك المنطلق من الغفلة والقصور، فالله تعالى يقول في القرآن الكريم: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ)([44])، وحيث كان عنوان «المشركون» جمعاً محلّى بالألف واللام، دلّ على وجود النجاسة الروحية والخباثة النفسانية أينما حلّ شرك، ومن الواضح أن هذه الخباثة الروحية والانحطاط الروحي لا يمكن أن ينسبا إلى الأفراد الغافلين والقاصرين، تماماً فحيث تمنع الغفلة عن إنزال العقوبة والجزاء كذا تمنع عن أسبابها الموجبة لها. وعليه فدعوى عموم هذه الروايات لا يمكن تثبيتها.

المجموعة الثالثة: نصوص نفي التوارث بين أهل ملّتين [دينين]

وهناك أربع روايات دالّة على هذا المفهوم هي:

1 ـ وبإسناده عن موسى بن بكر، عن عبدالرحمن بن أعين، عن أبي عبدالله(عليه السلام)، قال: «لا يتوارث أهل ملّتين، نحن نرثهم ولا يرثونا، إن الله عزّ وجلّ لم يزدنا بالإسلام إلا عزّاً»([45]).

2 ـ محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل وهشام، عن أبي عبدالله(عليه السلام)، أنه قال فيما روى الناس عن النبي(صلى الله عليه وآله)أنه قال: «لا يتوارث أهل ملّتين» قال: «نرثهم ولا يرثونا; إن الإسلام لم يزده في حقّه إلاّ شدّة»([46]).

3 ـ وبإسناده عن علي بن الحسن بن فضال، عن محمد بن عبدالله بن زرارة، عن القاسم بن عروة، عن أبي العباس، قال: سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول: «لا يتوارث أهل ملتين، يرث هذا هذا، ويرث هذا هذا، إلا أن المسلم يرث الكافر، والكافر لا يرث المسلم»([47]).

4 ـ وبإسناده عن الحسن بن محمد بن سماعة، عن عبدالله بن حبلة، عن (ابن بكير)، عن عبدالرحمن بن أعين، قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن قوله(صلى الله عليه وآله) : «لا يتوارث أهل ملّتين»، قال: فقال أبو عبدالله(عليه السلام): «نرثهم ولا يرثونا، إن الإسلام لم يزده في ميراثه إلا شدّة»([48]).

وفي سياق توضيح مضمون هذه الروايات، يجب أن نعلم أن المراد بالملتين هنا: ملّة الكفر وملّة الإسلام، لا ملّة الإسلام وملّة غير الإسلام من سائر الملل; وذلك:

أوّلا: إذا كان المقصود عدم التوارث بين ملّة الإسلام وملّة غير الإسلام كان ينبغي في التعبير أن يقال: «لا يكون التوارث بين الملل».

ثانياً: إن الكفر قدّم في النصوص بأنه ملّة واحدة، كما قال صاحب مفتاح الكرامة; فإن الإمام الصادق(عليه السلام) عرّف الكفر بأنه ملّة واحدة، وهذا ما دلّ عليه القرآن الكريم أيضاً حين قال: (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ)([49])، ليس شيء بعد الحق سوى الضلالة([50]).

إذن، فليس المقصود الإسلام وعدمه، بل الإسلام والكفر، وقد تقدم أن الكافر قاصر ومقصّرٌ معاند، ولا يشمل الكفر القاصر، هذا بصرف النظر عن أن الرواية الثالثة ـ وهي خبر أبي العباس ـ فسّرت الملتين بالمسلم والكافر فقالت: «لا يتوارث أهل ملتين، إلا أن المسلم يرث الكافر، والكافر لا يرث المسلم».

المجموعة الرابعة: نصوص منع إرث الذمي من المسلم

وتدل على هذا المضمون روايتان:

1 ـ محمد بن علي بن الحسين، بإسناده عن الحسن بن محبوب، عن أبي ولاد، قال: سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول: «المسلم يرث امرأته الذمية، وهي لا ترثه»([51]).

2 ـ محمد بن يعقوب، عن أحمد بن محمد ـ يعني
العاصمي ـ عن علي بن الحسن التيمي، عن أخيه أحمد بن الحسن، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن ابن رباط رفعه، قال: قال أمير المؤمنين(عليه السلام): «لو أن رجلا ذمياً أسلم، وأبوه حيّ، ولأبيه ولد غيره، ثم مات الأب، ورثه المسلم جميع ماله، ولم يرثه ولده ولا امرأته مع المسلم شيئاً»([52]).

وحول هذه الروايات لابدّ من القول:

أوّلا: إن موردها خاص; لأن مورد الرواية الأولى هو الزوجة، ومورد الرواية الثانية هو الولد والزوجة; ومن ثم لا يمكن استنتاج قاعدة عامة منها.

ثانياً: إن موردها الذمي والذمية اللذين لا ابتلاء بهما في عصر الغيبة; إذ إما لا توجد قدرة على إيقاع عقد الذمة، أو أن شرعية هذا العقد مختصّة بزمان الحضور، كما هو رأينا; وعليه فلا يمكن الاستدلال بهاتين الروايتين حتى بالنسبة لموردهما الخاص.

وإذا قيل بأن حكم هاتين الروايتين محقق بالنسبة لغير الذمي في عصر الغيبة، كالمستأمن والمعاهد عبر تنقيح المناط; فيتمّ التعميم; لأن الاستئمان والمعاهدة كالذمة تماماً، سببٌ لحصول احترام النفس والعرض والمال وسائر الحقوق
الاجتماعية، فإذا كان الذمي ـ رغم احترام حقوقه ـ لا يرث المسلم، فإن المستأمن والمعاهد سيكونان كذلك أيضاً. وبعبارة أخرى: إذا لم يصر عقد الذمة الذي هو مناط احترام الحقوق الاجتماعية لأهل الذمة، سبباً لإرث الذمي من المسلم، فإن الأمر على الوزان نفسه في الاستئمان والمعاهدة; بل يمكن استخدام الأولوية هنا; لأن الذمي رغم دفعه الجزية لا يمكنه أن يرث من المسلم; فبطريق أولى لا يمكن ذلك للمعاهد والمستأمن بعد أن لم يكونا ليدفعا الجزية.

لكننا نقول في الجواب عن هذا الكلام:

أوّلا: إن إلغاء الخصوصية ـ فضلا عن الأولوية ـ ممنوع; لوجود اختلاف واضح بين أهل الذمة وسائر غير المسلمين كالمستأمن والمعاهد في بعض الموارد، ومحل بحثنا من هذا القبيل، ففي هذه الروايات كانت الزوجة من أهل الذمة وكذلك الولد ومنعا من الإرث، وظاهر الرواية المرفوعة أن المراد من الولد الصغيرُ، فحيث كانت الزوجة والوُلْد الصغار من أهل الذمة لا يعطون الجزية، فمن المحتمل أن تكون الممنوعية من الإرث في مقابل هذا الامتياز، لكن هذا العفو غير موجود في مورد المستأمن والمعاهد; لهذا لا معنى للمنع عن الإرث فيهما.

ثانياً: إن تعميم حكم الذمي لغيره مبنيّ على تمامية مستند الحكم في أهل الذمة أنفسهم; والحال ليس كذلك; لأن الحديث الثاني ضعيف سنداً لوجود الرفع فيه ومجهولية ابن رباط أيضاً، أما الحديث الأوّل فرغم تمامية سنده إلا أن هناك تردداً حقيقياً في اعتباره; لأن لازم الأخذ به القبول بعدم إرث الزوجة غير المسلمة أعم من الذمية وغير الذمية، وهذا ما يوجب تقييد وتخصيص الكثير من الروايات الواردة في إرث الزوجة من الزوج، والعقلاء قد لا يقبلون تخصيص أو تقييد الروايات الكثيرة بخبر واحد ولو كان سنده صحيحاً، فيتردّد الأمر.

ثالثاً: على فرض الأخذ بالتعميم، من المحتمل اختصاص ذلك بزمان الحضور، تماماً كما اختص عقد الذمة به; لأن الذمة مربوطة بما بعد الدعوة الابتدائية وقبل القتال والحرب، والرأي المشهور ـ وهو مختارنا ـ أن الدعوة الابتدائية مختصة بزمان الحضور; وعليه فالتعميم يختص ـ تلقائياً ـ بذلك الزمان أيضاً.

رابعاً: إذا قبلنا التعميم لغير أهل الذمة ولم نخصّص ذلك بعصر الحضور، فسوف تعارض هذه الصحيحة هاتين الروايتين وهما:

أ ـ علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي نجران، عن غير واحد، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في يهودي أو نصراني يموت، وله أولاد مسلمون وأولاد غير مسلمين، فقال: «هم على مواريثهم»([53]).

ب ـ وفي «المقنع» قال: قال أبو عبدالله(عليه السلام) في الرجل النصراني (تكون) عنده المرأة النصرانية; فتسلم، أو يسلم، ثم يموت أحدهما، قال: «ليس بينهما ميراث»([54]).

إن مرسلة ابن أبي نجران مثلها مثل الرواية الصحيحة; من حيث إنها نقلت عن غير واحد من أصحابنا، أما مرسلة الصدوق فحيث أرسلها بصيغة الجزم وبتعبير «قال» واعتضدت برواية ابن أبي نجران، صارت معتبرة، رغم أن مرسلة ابن أبي نجران كافية في المعارضة. ومع الأخذ بنظر الاعتبار هذه المعارضة تترجّح مرسلة ابن أبي نجران; لالتئامها مع القرآن والسنّة.

المجموعة الخامسة: نصوص عدم إرث اليهودي والنصراني من المسلم
ويمكن الاستناد ـ في إطار هذا المضمون ـ إلى ثلاث روايات:

1 ـ وبإسناده عن عاصم بن حميد، عن محمد بن قيس، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال: سمعته يقول: «لا يرث اليهودي والنصراني المسلمين، ويرث المسلمون اليهود والنصارى»([55]).

2 ـ عبدالله بن جعفر في (قرب الإسناد)، عن عبدالله بن الحسن، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر(عليه السلام)، قال: سألته عن نصراني يموت ابنه وهو مسلم، هل يرث؟ فقال: «لا يرث أهل ملّة»([56]).

3 ـ محمد بن علي بن الحسين، بإسناده عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن عبدالملك بن أعين ومالك بن أعين جميعاً، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: سألته عن نصراني مات، وله ابن أخ مسلم، وابن أخت مسلم، وله أولاد وزوجة نصارى، فقال: «أرى أن يعطى ابن أخيه المسلم ثلثي ما تركه، ويعطى ابن اخته المسلم ثلث ما ترك إن لم يكن له ولد صغار، فإن كان له ولد صغار، فإنّ على الوارثين أن ينفقا على الصغار مما ورثا عن أبيهم حتى
يدركوا»، قيل له: كيف ينفقان على الصغار؟ فقال: «يخرج وارث الثلثين ثلثي النفقة، ويخرج وارث الثلث ثلث النفقة، فإذا أدركوا قطعوا النفقة عنهم»، قيل له: فإن أسلم أولاده وهم صغار؟ فقال: «يدفع ما ترك أبوهم إلى الإمام حتى يدركوا، فإن أتموا على الإسلام إذا أدركوا دفع الإمام ميراثه إليهم، وإن لم يتموا على الإسلام إذا أدركوا دفع الإمام ميراثه إلى ابن أخيه وابن أخته المسلمين، يدفع إلى ابن أخيه ثلثي ما ترك، ويدفع إلى ابن أخته ثلث ما ترك»([57]).

وفي إطار الجواب عن هذه الروايات يمكن القول:

أوّلا: إن صحيحة محمد بن قيس وخبر علي بن جعفر، رغم صراحتهما الدلالية على عدم إرث اليهودي والنصراني من المسلم، إلا أنهما يعارضان مرسلة ابن أبي نجران المتقدمة، وحيث كانت المرسلة منسجمة مع إطلاق الكتاب
والسنّة في إرث الأولاد، فترجّح عليهما، يضاف إليه أن للمرسلة نقولات متعددة ]عن غير واحد من أصحابنا[ أما الصحيحة هنا فلم تنقل سوى عن عاصم بن حميد.

ويجيب الشيخ الطوسي في كتاب (تهذيب الأحكام)([58]) عن التعارض، بأن المراد من جملة «هم على مواريثهم» الواردة في مرسلة ابن أبي نجران، إرث اليهود والمسيحيين فيما بينهم، وإذا قلنا بأن المراد إرثهم من المسلم فلابد من حمل الرواية على صورة التقية.

ويجاب عن كلام شيخ الطائفة(رحمه الله) بأن تفسير المرسلة بما تقدّم أعلاه من التوارث فيما بينهم يخالف ظهور الرواية، وهو ما صرّح به الشيخ نفسه، أما الحمل على التقية فلا يكون إلا عندما لا يكون هناك في المرحلة الأسبق ما يوافق القرآن والسنّة من أحد طرفي التعارض، ومرسلة ابن أبي نجران مطابقة لإطلاقات الكتاب
والسنّة، فلا تصل النوبة إلى الترجيح بمخالفة أهل السنّة.

قد يقال: يترجح في المعارضة تقديم هاتين الروايتين على المرسلة; لأن الشهرة الفتوائية بين الأصحاب مطابقة لهما، إلا أن هذا الكلام غير صحيح; ذلك أن موضوع الشهرة في عبارات الفقهاء هو الكفر، أما موضوع الروايتين فهو اليهودي والنصراني، يضاف إليه: إن وجود نقولات متعددة للمرسلة بين الأصحاب ]عن غير واحد من أصحابنا [يمنع عن القبول بشهرة الرأي المقابل; لأن نقل الروايات في عصر الحضور شاهد بنفسه على الإفتاء على طبق الرواية، وهذا التعبير يدل على أن هناك مجموعة كبيرة من أصحاب الأئمة في عصر الحضور كانوا يعملون بهذه المرسلة، وعليه فكيف يمكن القول بأن الرأي الآخر ـ على خلاف المرسلة ـ يحظى بشهرة عملية وفتوائية؟!

ثانياً: وعين ما تقدم يمكن ذكره فيما يخص خبر مالك بن أعين ـ أي الرواية الثالثة ـ وقد قال المحقق الأردبيلي بعد نقله هذه الرواية: «هي مخالفة للقوانين; فيمكن طرحها لعدم الصحّة; لعدم توثيق مالك، بل يُفهم ذمه. قال في الخلاصة([59]): روى الكشي: إن مالك بن أعين ليس من هذا الأمر في شيء، وعن علي بن أحمد العقيقي أنه كان مخالفاً; فالقول بالصحة ـ كما فعله في الشرح([60]) والمختلف([61]) ـ مشكل. لعلّ المراد: إليه صحيح، ولكن حينئذ لا تصلح للحجية في مثل هذه الأحكام المخالفة للقوانين، وهو ظاهر. على أن في متنه أيضاً قصوراً; حيث حكم أولا بتوريث ابن الأخ وابن الأخت، ولم يفصّل بأنه أسلم الأولاد أم لا. وحكم بعده بأنه إذا أسلموا يعطى الإمام... إلخ. ويفهم وجوب الإنفاق على ابني الأخ والأخت مع عدم العلم بأنهم أسلموا. ولم يفهم وجوب الإنفاق على الإمام مع علمه بالإسلام، بل ظاهر دفع الميراث إليهم إن بقوا على الإسلام، وإليهما بالتثليث إن لم يبقوا، يشعر بعدم الإنفاق فتأمل; فلا يحتاج إلى التأويل والتنزيل»([62]).

المجموعة السادسة: نصوص الإسلام قبل تقسيم الإرث

وهناك روايات كثيرة تدور حول هذا المضمون، نذكر منها ثلاثاً:

1 ـ محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، وعن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد جميعاً، عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب، عن أبي بصير ـ يعني: المرادي ـ قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن رجل مسلم مات وله أم نصرانية، وله زوجة وولد مسلمون، فقال: «إن أسلمت أمه قبل أن يقسّم ميراثه أعطيت السدس». قلت: فإن لم يكن له امرأة، ولا ولد، ولا وارث له سهم في الكتاب مسلمين، وله قرابة نصارى ممّن له سهم في
الكتاب لو كانوا مسلمين، لمن يكون ميراثه؟ قال: «إن أسلمت أمه فإن ميراثه لها، وإن لم تسلم أمّه وأسلم بعض قرابته ممن له سهم في الكتاب، فإن ميراثه له، فإن لم يسلم أحد من قرابته فإن ميراثه للإمام»([63]).

2 ـ وعن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبدالله بن مسكان، عن أبي عبدالله(عليه السلام)، قال: «من أسلم على ميراث قبل أن يقسم فله ميراثه، وإن أسلم وقد قسم فلا ميراث له»([64]).

3 ـ وعنه، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبان الأحمر، عن محمد بن مسلم، عن أحدهما(عليهما السلام)، قال: «من أسلم على ميراث (من) قبل أن يقسم فهو له، ومن أسلم بعدما قسم فلا ميراث له، ومن أعتق على ميراث قبل أن يقسم الميراث فهو له، ومن أعتق بعدما قسم فلا ميراث له». وقال: «في المرأة إذا أسلمت قبل أن يقسم الميراث; فلها الميراث»([65]).

هذه الروايات كثيرة من حيث العدد، وقد بلغ نقلها حدّ الاستفاضة ; إلا أنها تعاني ـ مع ذلك ـ من مشكلة على مستوى الدلالة; وذلك أنها لا تدل على ما نعية الكفر أو حجب الإسلام لميراث الكافر، بل هي تبيّن حكم المسألة بعد الفراغ عن هذا الأمر، فهي ليست في مقام البيان من ناحية أن الكفر مانع عن الإرث أو أن المانع هو عدم الإسلام; من هنا فهي ساكتة; لهذا لا يمكن الاستناد إليها.

قد يقال: إن صحيحة أبي بصير ـ وهي الرواية الأولى المتقدمة في هذه المجموعة ـ تفرض الأم المسيحية والأقرباء المسيحيين محرومين من الإرث، ولم يحصل أيّ استفسار عن كون مسيحيتهم كانت عن عناد وإنكار أم على أساس القصور; وبعبارة أخرى: هذه الرواية تدلّ على أن المانع هو عدم الإسلام لا الكفر.
ويجاب بأن ظاهر الصحيحة أن كفر الأم المسيحية هنا كان عن عناد وتقصير; وذلك أن فرض إسلام الابن والزوجة والحفيد، مع بقائها ـ أي الأم ـ على الكفر، يعني أن ذلك كان تقصيراً منها، وإلا
فكيف لا ترجع عن دينها رغم كل هذه العلامات والشواهد؟! إن الشواهد التاريخية في تاريخ الإسلام تدلّل على أن الأمهات كنّ يُسلمن بعد إسلام أولادهنّ، فقد تحدّث زكريا بن إبراهيم عن تجربته; فقال: «كنت نصرانياً، فأسلمت وحججت، فدخلت على أبي عبدالله(عليه السلام)، فقلت: إني كنت على النصرانية وإني أسلمت، فقال: وأي شيء رأيت في الإسلام؟ قلت: قول الله عزّ وجلّ: (مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الاِْيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ)([66]) فقال: لقد هداك الله. ثم قال: اللّهمّ اهده ـ ثلاثاً ـ سل عما شئت يا بُني، فقلت: إن أبي وأمي على النصرانية وأهل بيتي، وأمي مكفوفة البصر فأكون معهم وآكل في آنيتهم؟ فقال: يأكلون لحم الخنزير؟ فقلت: لا، ولا يمسّونه، فقال: لا بأس; فانظر أمك فبرّها، فإذا ماتت فلا تكلها إلى غيرك، كن أنت الذي تقوم بشأنها، ولا تخبرنّ أحداً أنك أتيتني، حتى تأتيني بمنى إن شاء الله. قال: فأتيته بمنى والناس حوله
كأنه معلم صبيان، هذا يسأله وهذا يسأله، فلما قدمت الكوفة ألطفت أمي، وكنت أطعمها وأفلي ثوبها ورأسها وأخدمها، فقالت لي: يا بني! ما كنت تصنع بي هذا وأنت على ديني; فما الذي أرى عنك منذ هاجرت فدخلت في الحنيفية؟ فقلت: رجل من ولد نبينا أمرني بهذا، فقالت: هذا الرجل هو نبي؟ فقلت: لا ولكنه ابن نبي، فقالت: يا بني! إن هذا نبي، إن هذه وصايا الأنبياء، فقلت: يا أماه! إنه ليس يكون بعد نبينا نبي، ولكنه ابنه، فقالت: يا بني! دينك خير دين، اعرضه عليّ، فعرضته عليها; فدخلت في الإسلام وعلمتها فصلّت الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة، ثم عرض لها عارض في الليل، فقالت: يا بني! أعد عليّ ما علّمتني، فأعدته عليها، فأقرّت به وماتت; فلما أصبحت كان المسلمون الذين غسلوها، وكنت أنا الذي صليت عليها ونزلت في قبرها»([67]).

إن هذه المسألة تصدق أيضاً على الأقرباء المسيحيين الواردين في ذيل الرواية أيضاً; لأن الأقرباء الذين ورد لهم سهم في القرآن الكريم هم الأقرباء المقربون كالأب والأم، والأبناء، والأخوات، والإخوان، وكفر هؤلاء ـ بعد اختيار بعض أفراد الأسرة للإسلام ـ لا يمكن أن يكون إلا عن تقصير و... ولا أقل من أنه مع وجود هذا الاحتمال لا يمكن الاستناد إلى هذه الرواية. وبعبارة أخرى: ليس منعهم من الإرث بسبب كونهم مسيحيين، بل لعدم كونهم مؤتمنين; ولعل عدم سؤال الإمام عن حالة هؤلاء الأقارب المسيحيين; لأن تمام النصارى في ذلك الزمان غير مؤتمنين، من هنا لا يكون ترك الاستفصال دالا على العموم.

هذا كلّه، مع الغض عن أن بعض الفقهاء خدشوا في رواية أبي بصير، ولم يقبلوها، كما ينقل ذلك عنهم صاحب الوسائل([68]).

المجموعة السابعة: نصوص الارتداد
هناك رواية واحدة في هذا المضمون وهي: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عمن ذكره، عن أبي عبدالله(عليه السلام)، في رجل يموت مرتداً عن الإسلام وله أولاد، فقال: «ماله لولده المسلمين»([69]).

لكن ـ بغض النظر عن صففها بالإرسال ـ لا يمكن الاعتماد عليها لعدة وجوه:

أوّلا: إن الحكم في هذه الرواية خاص بالمرتدّ، وحيث إن له أحكاماً خاصة فمن الصعب إلغاء الخصوصية وتعميم الحكم إلى سائر أصناف الكفار.

ثانياً: بعض روايات إرث المرتدّ تتحدث أنه لأولاده، بلا ذكر قيد الإسلام فيهم وعدمه([70]).




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org