|
القول في الصيغة
(103)
وقبل الخوض في أصل المسألة ينبغي تقرير الأصل فيها لاختلاف الروايات بل الأقوال. ولايخفى أنّ مقتضى الاستصحاب هو الشرطية والاقتصار على القدر المتيقن، كما أنّ مقتضى إطلاق أدلة الطلاق تحققه بكل ما يتحقق الطلاق به من الفعل والكتابة، فضلا عن القول وإن كان مجازاً بعيداً كقول الرجل لزوجته «اشربي وكلي» أي اشربي غصص الفراق مريداً به الطلاق أو «اختاري» فإن اختارت نفسها فهي مطلقة(1). ولعلّ ما في الجواهر في بيان الأصل من أنّ النكاح عصمة كغيره من العصم المستصحبة والطلاق مشروع لرفعه فزواله منوط بتحقق مسمّاه الحاصل بانشائه بكلّ لفظ دلّ عليه(2)، ناظر إلى الإطلاق وإلاّ فمحض كون الطلاق مشروعاً للرفع غير موجب لتحققه بكلّ الألفاظ ; لعدم الملازمة بينهما كما هو ظاهر، وتحققه كذلك موقوف على إثبات أنّ مطلق الطلاق مشروع للرفع وليس ذلك إلاّ بالتمسك بقوله تعالى (يا ايها ----------------------------------------------- (1) ـ فعن الحسن بن زياد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الطلاق أن يقول الرجل لامرأته: اختاري فإن اختارت نفسها فقد بانت منه، وإن اختارت زوجها فليس بشيء، أو يقول: أنت طالق، فأيّ ذلك فعل فقد حرمت عليه. الحديث. وسائل الشيعة 22: 43، كتاب الطلاق، أبواب مقدماته وشرائطه، الباب 16، الحديث 7. (2) ـ جواهر الكلام 32: 56. (104) النبيّ إذا طلّقتم النساء فطلّقوهن لعدّتهنّ (1) حيث إنّ الموضوع هو طلاق الناس وإلاّ فأصل المشروعية لا يقتضي أزيد من تحققه بالإنشاء في الجملة، فلعلّه اعتبر الشارع في مشروعيته شرائط خاصّة، فالمشروعية في الجملة موجبة لتحققه في الجملة والمشروعية على الإطلاق موجبة لتحققه كذلك، فافهمه واغتنمه. ولا يخفى أيضاً أنّ الإطلاق اللفظي في الآية موجود فلا يصل الدور إلى الاستصحاب والأصل العملي بل مقتضى الأصل اللفظي الموجب للسعة هو المحكّم ما لم يدلّ على خلافه الدليل. (مسألة 1 ـ لا يقع الطلاق إلاّ بصيغة خاصة، وهي قوله: «أنت طالق». أو فلانة أو هذه أو ما شاكلها من الألفاظ الدالة على تعيين المطلّقة. فلا يقع بمثل «أنت مطلّقة» أو «طلّقت فلانة» بل ولا «أنت الطالق» فضلا عن الكناية كانت خلية أو برية أو «حبلك على غاربك» أو «إلحقي بأهلك» ونحو ذلك. فلا يقع بها وان نواه حتى قوله: «اعتدّي» المنوي به الطلاق على الأقوى). واعتبر القواعد في الصيغة شروطاً خمسة: الصراحة، والتنجيز، وعدم تعقبها بما يبطلها، والوقوع على المحل، وقصد الإنشاء، وقد فسّر الأول بأنت طالق وما في المتن أنسب ; لأنّه لا صراحة في «أنت طالق» ; لما فيه من احتمالي الإخبار والإنشاء واحتمال الطلاق عن الإطاعة أو الخروج من البيت وأمثالهما. هذا ولا يخفى: أنّ إثبات ما في المتن من انحصار الصيغة في قوله «أنت طالق» موقوف على إثبات خصوصية المادة والهيئة والتلفظ والعربية. ---------------------------------------- (1) الطلاق (65): 1. (105) فالبحث في جهات أربع: إحداها: في أنّ المادة المعتبرة هل هي مادة الطلاق بخصوصها فلا يفيد غيرها أو مطلق ما يدلّ على ذلك المفهوم ولو مجازاً كمادة الخليّة والبريّة واستبراء الرحم، فيكفي في الطلاق قوله «أنت خليّة أو بريّة» أو «استبرئي رحمك» مثلا ؟ ثانيتها: على تقدير اعتبار تلك المادّة الخاصّة فهل المعتبر فيها هو هيئة «الفاعل» فقط حتى مجرداً عن الألف واللام أيضاً أو الاعتبار بمطلق الهيئة من المضارع والماضي فضلا عن اسم الفاعل المحلّى بهما ؟ ثالثتها: هل المعتبر هو اللفظ أو يكفي الكتابة والإشارة ؟ رابعتها: اعتبار العربية أو أنّه لا خصوصية لها بل الاعتبار بالدلالة اللفظية على حقيقة الطلاق بأيّ لغة من اللغات. والحاصل أن القول بعدم كفاية غير «أنت طالق» كما في المتن مستلزم لاعتبار المادّة والهيئة الخاصة واشتراط اللفظ والعربية، وعلى القائل إثبات هذه الأُمور. إذا عرفت ذلك فنقول: ويدل على الأُوليين روايات: منها: ما عن ابن سماعة قال: «ليس الطلاق إلاّ كما روى بكير بن أعين أن يقول لها وهي طاهر من غير جماع: أنت طالق، ويشهد شاهدي عدل، وكل ما سوى ذلك فهي ملغى»(1)ومنها: صحيحة محمّد بن مسلم أنّه سأل أبا جعفر(عليه السلام) «عن رجل قال لامرأته: أنت عليّ حرام أو بائنة أو بتّة أو برية أو خليّة. قال: هذا كله ليس بشيء، إنما الطلاق أن يقول لها في قبل العدّة بعد ما تطهر من محيضها قبل أن يجامعها: أنت طالق ------------------------------------------ (1) وسائل الشيعة 22: 41، كتاب الطلاق، أبواب مقدماته وشرائطه، الباب16، الحديث1. (106) أو اعتدّي، يريد بذلك الطلاق، ويشهد على ذلك رجلين عدلين»(1). وكذا صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «الطلاق أن يقول لها: اعتدّي، أو يقول لها: أنت طالق»(2) وأظهرها وهي العمدة، الأولى منها ; لما فيها من الانحصار ولقوله(عليه السلام): «وكلّ ما سوى ذلك فهي ملغى». والإيراد على الأخيرتين بالدلالة على كفاية «اعتدّي» غير تمام ; لأنّهما مع تلك الدلالة تكون دلالتهما على عدم كفاية غيرهما تامّة، كما لا يخفى، مضافاً إلى احتمال حملها على التقية كما يأتي ; فانهم لا يعتبرون صيغة خاصة فيه بل لا يعتبرون النية أيضاً. وثالثاً: يمكن حمله على طلاق المرأة الغائبة والإخبار بطلاقها، ويشهد له بعض الروايات، كخبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: يرسل إليها، فيقول الرسول اعتدّي، فإنّ فلاناً قد فارقك يعني: الطلاق، أنّه لا تكون فرقة الابطلاق(3). هذا وقد ذهب الشيخ في المبسوط إلى كفاية «أنت مطلّقة» أيضاً مع نية الطلاق دون غيرها (4). وأورد عليه الشهيد بأنّه على هذا يصح في سائر الصيغ أيضاً ; لعدم الفرق بينها وبين البقية، قال(قدس سره): «وأمّا قوله «أنت من المطلّقات» فإنّه إخبار لا إنشاء ; لأنّ نقل الأخبار إلى الإنشاء على خلاف الأصل فيقتصر فيه على محلّ النص أو الوفاق، وهما منتفيان هنا». ثم قال: «ومثله أنت مطلّقة»، لكن في هذه قال الشيخ في المبسوط أنّه يقع بها الطلاق مع النية. وهو اعتراف بكونها كناية، لأن الصريح ----------------------------------------- (1) وسائل الشيعة 22: 41، كتاب الطلاق، أبواب مقدماته وشرائطه، الباب16، الحديث3. (2) وسائل الشيعة 22: 42، كتاب الطلاق، أبواب مقدماته وشرائطه، الباب16، الحديث4. (3) وسائل الشيعة 22: 41، كتاب الطلاق، أبواب مقدماته وشرائطه، الباب16، الحديث2. (4) المبسوط 5: 25. (107) لا يتوقف على النية. ويلزمه القول في غيرها من الكنايات أو فيما أدّى معناها، كقوله «من المطلّقات»، بل مع التعبير بالمصادر، لأنّها أبلغ وإن كانت مجازاً، لأنهم يعدلون باللفظ إليه إذا أرادوا المبالغة، كما قالوا في «عدل»، أنّه أبلغ من عادل ونحوه. وردّه المصنف بأنه بعيد عن شبه الإنشاء، لأنّه إخبار بوقوع الطلاق فيما مضى كما ذكرناه والإخبار غير الإنشاء. وفيه نظر، لأنّ المصنف ـ على ما تكرّر منه فيما سبق مراراً ـ وغيره يجعلون اللفظ الماضي أنسب بالإنشاء بل قد جعله في النكاح صريحاً في الإنشاء، مع أنّه خبر بوقوع النكاح فيما مضى فما الذي عدا فيما بدا ؟ وقولهم: «ان نقل الأخبار إلى الإنشاء على خلاف الأصل» مسلّم لكن يطالبون بالفارق بين المقامين والموجب لجعله منقولا في تلك المواضع دون هذه، فإن جعلوه النص فهو ممنوع، بل ورد في الطلاق ما هو أوسع كما ستراه وإن جعلوه الإجماع فالخلاف في المقامين موجود في صيغ كثيرة. ثم تخصيص الشيخ الجواز ببعض الكنايات دون بعض أيضاً ليس بالوجه، إذ لا فرق بين «أنت مطلّقة» الذي ادّعى وقوعه بها وبين قوله «من المطلّقات»، بل مع التعبير بالمصدر، لأنه وإن شاركهما في كونه كناية إلاّ أنّه أبلغ، وقد ذكر بعض العلماء أنّه صريح (1). ويرد على الشيخ مضافاً إلى ما ذكره أنّه ادّعى في الخلاف الإجماع على عدم الوقوع بها (2) وكذا المرتضى(قدس سره) في الانتصار، لكن في كون إجماعه مثل إجماع الخلاف تأمل، فراجع. ومنها «اعتدّي» فعن ابن جنيد ومحمد بن أبي حمزة، وقوعه بها استناداً إلى روايتي --------------------------------------- (1) مسالك الافهام 9: 64. (2) الخلاف 4: 465. (108) الحلبي وابن مسلم بل يستفاد من كلام الشهيد في المسالك وقوعه بكل كلمة أوضح دلالة من «اعتدّي» أيضاً واستدل له بمفهوم الموافقة في الروايتين. لكن الحق هو ما ذهب إليه المشهور ولا يقع بما قاله ابن جنيد فضلا عما قال الشهيد بكفايته، لاعراض المشهور عنهما ; هذا هو العمدة، مضافاً إلى ما مرّ من موافقتهما للعامة وحملهما على التقية، ومن حملهما على الأخبار بالطلاق، وحمل «أو» على العطف كما ذهب إليه الشيخ، ويشهد له ما في رواية محمّد بن قيس عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «الطلاق للعدّة أن يطلّق الرجل إمرأته عند كل طهر يرسل إليها أن اعتدّي فإنّ فلاناً قد طلّقك. قال: وهو أملك برجعتها ما لم تنقض عدّتها»(1). وكذا ما عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «يرسل إليها فيقول الرسول: اعتدّي فإنّ فلاناً قد فارقك». قال ابن سماعة: «وإنّما معنى قول الرسول: اعتدّي فإنّ فلاناً قد فارقك يعني الطلاق، أنّه لا تكون فرقة إلاّ بطلاق»(2). هذا ولا بأس بصرف الكلام فيما قاله الشهيد(قدس سره) في المسألة والتعرض لبعض الإشكالات في كلامه على طوله وبسط مقاله. قال(قدس سره): «قوله «ولو قال اعتدّي...» إلى آخره، القائل بوقوعه بقوله اعتدّي، ابن الجنيد استناداً إلى حسنة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «الطلاق أن يقول لها: اعتدّي أو يقول لها: أنت طالق»، وحسنة محمّد بن مسلم السابقة عن أبي جعفر(عليه السلام)وفيها بعد قوله، هذا كله ليس بشيء»، «إنّما الطلاق أن يقول لها في قبل العدّة بعد ما تطهر من حيضها قبل أن يجامعها: أنت طالق أو اعتدّي، يريد بذلك الطلاق ويشهد على ذلك رجلين عدلين»، وروى الشيخ في التهذيب عن علي بن الحسن الطاطري قال: الذي --------------------------------------------- (1) وسائل الشيعة 22: 42، كتاب الطلاق، أبواب مقدماته وشرائطه، الباب16، الحديث5. (2) وسائل الشيعة 22: 41، كتاب الطلاق، أبواب مقدماته وشرائطه، الباب16، الحديث2. (109) أجمع عليه في الطلاق أن يقول: أنت طالق أو اعتدّي، وذكر أنّه قال لمحمد بن أبي حمزة: كيف يشهد على قوله: اعتدّي ؟ قال: يقول: اشهدوا اعتدّي. وأنت خبير بأن الأصحاب يثبتون الأحكام بما هو أدنى مرتبة من هذه الروايات وأضعف سنداً فكيف بالحسن الذي ليس في طريقه من هو خارج عن الصحيح سوى إبراهيم بن هاشم وهو من أجلّ الأصحاب وأكبر الأعيان وحديثه من أحسن مراتب الحسن ومع ذلك ليس لها معارض في قوّتها حتى يرجح عليها بشيء من وجوه المرجحات. نعم نقل الشيخ عن الحسن بن سماعة أنّه قال: ليس الطلاق إلاّ كما روى ابن بكير بن أعين أن يقول لها وهي طاهر من غير جماع: أنت طالق وكلّ ما سوى ذلك فهو ملغى. ولا يخفى عليك أنّ هذا الكلام لا يصلح للمعارضة أصلا لأنّه من قول ابن بكير وحاله معلوم والراوي الحسن بن سماعة شيخ الواقفية ووجههم، فأين هذا من حديث سنده علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبي والثلاثة الأول عن عمر بن اُذينة، عن محمّد بن مسلم ؟ ! ومن العجب عدول الشيخ عن مثل ذلك مع تعلّقه في وقوع الطلاق بقوله «نعم»، في جواب السؤال برواية السكوني، وبوقوعه بغير العربية برواية حفص عن أبيه وهما عاميان كالسكوني، وتركه هذه الأخبار المعتبرة الإسناد. وأعجب منه جمعه بينها وبين كلام ابن سماعة ـ حذراً مـن التنافي ـ بحمل الأخبار على أن يكون قد تقدم قول الزوج: أنت طالق، ثم يقول: اعتدّي، قال: لأن قوله لها «اعتدّي» ليس له معنى لأنّ لها أن تقول: من أي شيء أعتدّ ؟ فلابدّ له أن يقول: اعتدّي لأنّي قد طلقتك فالاعتبار بالطلاق لا بهذا القول إلاّ أنّه يكون هـذا القول (110) كالكاشف لها عـن أنّه لزمها حكم الطلاق وكالموجب عليها ذلك ولو تجـرّد ذلك مـن غير أن يتقدّمـه لفظ الطلاق لما كان بـه اعتبار على ما قالـه ابن سماعة. هـذا آخر كلام الشيخ. ولا يخفى عليك ما في هذا الجمع والحمل لأن مرجعه إلى أنّ الطلاق لا يقع إلاّ بقوله: أنت طالق، وأنّ «اعتدّي» إخبار عن سبق قوله أنت طالق والحال أنّ الإمام (عليه السلام) في الخبرين جعل قوله «أنت طالق» معطوفاً على «اعتدّي» أو معطوفاً عليه ووقوع الطلاق بكل واحد من الصيغتين صريحاً فكيف يخصّ وقوعه بإحديهما. وقوله «أنّه لا معنى لقوله: اعتدّي» غير واضح لأنّه إذا جعل كناية عن الطلاق يكون دالاًّ على إنشاء الطلاق به فإذا قالت له: من أي شيء أعتدّ ؟ يقول لها: إنّ قولي «اعتدّي» طلاق، غايته أنّها ما فهمت مراده من قوله «اعتدّي» فسؤالها عنه لا يوجب أن لا يكون له معنى مع جعل الشارع معناه الطلاق ويكون ذلك كسؤالها له بعد قوله «أنت طالق» بقولها عن أي شيء طالق فيقول: طالق عن وثاق الجلوس في البيت أو وثاق النكاح أو غير ذلك. وأيضاً فقوله في رواية محمّد بن مسلم «أو اعتدّي يريد بذلك الطلاق» صريح في أنّه كناية من حيث أنّه قيّد وقوع الطلاق به بإرادة الطلاق ولم يقيّد ذلك في قوله «أنت طالق» لأنه لفظ صريح وهذا شأن الكنايات عند من يوقع بها الطلاق ; فإنّه يشترط فيه النية دون الصريح. ولا يقال: أنّه يمكن حمله على التقية حيث أنّه مذهب جميع العامة لأنّ في الخبر ما ينافي ذلك وهو قوله أنّه لا يقع الطلاق بقوله «أنت حرام» أو بائن أو بتّة أو بتلة وخلية، فإنّ الطلاق يقع عند المخالف بجميع ذلك مع النية فلا يمكن حمل آخره على التقية مع منافاة أوله لها. (111) نعم يمكن أن يقال: إنّ حكمه بوقوع الطلاق بقوله «اعتدّي» مع النية ـ وهو كناية قطعاً ـ يدل على وقوعه بغيره من الكنايات التي هي أوضح معنىً من قوله: «اعتدّي» مثل قوله: «أنت مطلّقة» أو «طلّقتك» أو «من المطلّقات» أو «مسرّحة» أو «سرّحتك» أو «مفارقة» أو «فارقتك» أو «من المسرحات» أو «من المفارقات» إلى غير ذلك من الكنايات التي هي أوضح دلالة على الطلاق من قوله «اعتدّي». بل قيل: إنّ الفراق والسراح وما اشتق منهما ومن الطلاق صريح لا كناية ; لورودها في القرآن مراداً بها الطلاق كقوله تعالى (وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً)، (أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)، (أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ)، (وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ)، فوقوع الطلاق بقوله «اعتدّي» يدل بمفهوم الموافقة على وقوعه بجميع هذه الألفاظ وما في معناها وتبقى الكنايات التي لا تدخل في مفهوم الموافقة ـ بل إمّا مساوية لقوله: «اعتدّي» أو أخفى ـ مردودة لعدم الدليل. ومنها قوله في الخبر خلية وبرية وبتة وبتلة ونحوها. وحينئذ نكون قد أعملنا جميع الأخبار المعتبرة مؤيّداً بعموم الآيات والأخبار الدالّة على الطلاق من غير تقييد بصيغة ولا يضرّنا مفهوم الحصر في قوله إنما الطلاق أن يقول «أنت طالق» لوجهين: أحدهما: أنّ الحصر في الصيغتين بطريق المطابقة، وفي غيرها بطريق الالتزام، فلا منافاة. والثاني: إمكان حمله على مجـرد التأكيد بقرينة قولـه في روايـة الحلبي «الطلاق أن يقول لها» مـن غير أداة الحصر ولا يرد على هـذا حصر المبتدأ في خبـره لأن ذلك غير مطّـرد كما هـو محقق في محله وقد وقـع استعمال «إنّما» في الكلام الفصيح مجـرداً عـن الحصر وتقدم مثله في أخبار ولو قيل بهذا القول لكان في غايـة القوّة، وتوهـم (112) أنّه خلاف الإجماع قد تكلّمنا عليه غير مرّة»(1). أقول: مواضع من كلامه (قدس سره) محلّ إشكال ونظر. منها: قوله «لأنّه من قول ابن بكير»، ففيه مضافاً إلى وقوع السهو في نسبة القول إلى ابنه مع أنّه قول الأب، أنّه قول بكير بن أعين الشيباني الذي عند بلوغ خبر موته قال(عليه السلام): أنزله الله بين رسوله وأمير المؤمنين(2). وقوله بأن حاله معلوم، فهو لا ينبغي من مثله في ابنه أيضاً الذي هو من أصحاب الإجماع وقد روى عنه سبعون من المحدّثين وكثير منهم من الأجلاّء والثقات الكبار وبعضهم من أصحاب الإجماع كصفوان وابن أبي عمير وعبدالله بن مسكان وحسن بن محبوب وأحمد بن أبي نصر البزنطي، ومن تلامذته جعفر بن بشير الذي قال فيه النجاشي: كان من زهّاد أصحابنا وعبّادهم ونسّاكهم، روى عن الثقات ورووا عنه، فهل ينبغي لمثل الشهيد الثاني الذي هو عين الورع التعبير كذلك فيمن له هذه الجهات الموجبة للعظمة والمعروفية والوثاقة فإنّ التعبير بقوله «حاله معلوم» إن لم يكن ظاهراً في عدم وثاقته وعدم معروفيته فلا أقلّ من الاشعار بذلك كما لا يخفى. هذا مع أنّه ليس فيه إلاّ أنّه فطحي المذهب وهذا ـ مضافاً إلى عدم اختصاصه بذلك بل غير واحد من المحدّثين الذين يفتى برواياتهم من الفطحية ـ لا ضير في ذلك أصلا لأنّ روايتهم عن الصادق(عليه السلام) كانت قبل الأفطح وهذا غير مضرّ بعد ما كانوا ثقات، نعم انتفاء بعض الشرائط مضرّ في بعض الحجج بالنسبة إلى السابق أيضاً كعروض الجنون أو الفسق أو الخروج من الايمان إلى الإسلام وغيرها في الفتيا، ففتاواه السابقة ليست بحجة في زمن العروض وبعده ولعلّ الدليل عليه الإجماع فراجع. ----------------------------------------- (1) مسالك الأفهام 9: 75 ـ 79. (2) اختيار معرفة الرجال 2: 419 315. (113) ونظيره فيه وانّه ممّا لا ينبغي صدوره من مثله ما أتى به الشيخ(رحمه الله) في مسألة هدم الطلاق وإن تكرر مائة مرّة ورواية ابن بكير فيها، فإنّه قال: وقد قدّمنا من الأخبار ما تضمّن أنّه قال حين سئل عن هذه المسألة: هذا ممّا رزق الله من الرأي، ولو كان سمع ذلك من زرارة لكان يقول حين سأله الحسين بن هاشم وغيره عن ذلك وانّه هل عندك في ذلك شيء ؟ كان يقول: نعم، رواية زرارة ولا يقول: نعم رواية رفاعة حتى قال له السائل: إنّ رواية رفاعة تتضمن أنّه إذا كان بينهما زوج، فقال هو عند ذلك: هذا ممّا رزق الله تعالى من الرأي، فعدل عن قوله إنّ هذا في رواية رفاعة إلى أن قال: الزوج وغير الزوج سواء عندي، فلمّا ألحّ عليه السائل، قال: هذا ممّا رزق الله من الرأي، ومن هذه صورته فيجوز أن يكون اسند ذلك إلى رواية زرارة نصرة لمذهبه الذي كان أفتى به، وانّه لمّا أن رأى أنّ أصحابه لا يقبلون ما يقوله برأيه أسنده إلى من رواه عن أبي جعفر(عليه السلام)، وليس عبد الله بن بكير معصوماً لا يجوز هذا عليه، بل وقع منه من العدول عن اعتقاد مذهب الحق إلى اعتقاد مذهب الفطحية ما هو معروف من مذهبه، والغلط في ذلك أعظم من إسناد فتيا الغلط فيمن يعتقد صحته لشبهة إلى بعض أصحاب الأئمة(عليهم السلام)(1). أقول: وفي كلامه ما لا يخفى حيث إنّ نسبة الافتراء إليه الراجعة إلى افترائين، افتراء على مثل زرارة وافتراء على الإمام أبي جعفر(عليه السلام) كما يعلم ذلك بأدنى الدقّة منافية لتوثيقه (رحمه الله) في الفهرست، ولكونه من أصحاب الإجماع الدالّ على كونه ثقة عند الكلّ وإن لم نقل بما هو المعروف فيهم من اعتبار السند المتصل إليهم وكفاية اعتبار من كان قبلهم في الحجيّة وعدم الاحتياج إلى اعتبار من بعدهم حيث إنّ الوثاقة هي القدر المتيقن أو الظاهر من إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم، هذا مع أنّ ما ---------------------------------------------- (1) تهذيب الأحكام 8: 35، الاستبصار 2: 276. (114) ذكره(رحمه الله) من نسبة الغلط إليه في مسألة الإمامة التي هي من أعظم المسائل فوقوعه في الغلط في مسألة فرعيّة يكون سهلا. ففيه: أنّ في اختياره مذهب الفطحية لم يرتكب الغلط بل اشتبه الأمر عليه كبعض آخر من الأصحاب، في رعاية كون الإمام أقدم سنّاً وعدم رعاية السالم بدناً ؟ فهم كانوا قاصرين معذورين وأين هذا من ارتكاب الكذب والافتراء عمداً ولم نجد نظير هذا الكلام في غير كلمات الشيخ من الفقهاء والمحدّثين. ومنها: قوله في الراوي الحسن بن سماعة شيخ الواقفة ووجههم بأنه «أين هذا من حديث سنده علي بن إبراهيم ؟» ففيه أنّ ما ذكره في الحسن تام وممّا لا كلام فيه وصرّح به الشيخ والنجاشي وغيرهما بل عن النجاشي أنّه كان يعاند في الوقف ويتعصّب لكن النجاشي قال فيه: كثير الحديث، فقيه، ثقة. وقال الشيخ: أنّه جيّد التصانيف، نقيّ الفقه، حسن الانتقاد، وله ثلاثون كتاباً (1) ومع هذه الفضائل الدخيلة في حجية الرواية تعبيره(رحمه الله)بقوله «أين هذا... »الخ ممّا يشعر بعدم قابلية معارضة روايته من رأس لتلك الأخبار الصحيحة، ممّا لا ينبغي صدوره منه، نعم في مقام المعارضة فإنّ الترجيح مع تلك الأخبار لما ذكره، بناءً على الترجيح بمطلق المزيّة. ومنها: عند إيراده على الشيخ بأن العطف في «اعتدّي» صريح في وقوع الطلاق بكلّ واحدة من الصيغتين «أنت طالق» و«اعتدّي» كما أنّ قوله(عليه السلام) في رواية محمّد بن مسلم أو «اعتدّي يريد بذلك: الطلاق»(2)، صريح في أنّه كناية من حيث أنّه قيّد وقوع الطلاق به بإرادة الطلاق. ففيه: أنّ في العطف ليست صراحة في وقوع الطلاق بحيث يكون غير قابل للحمل ------------------------------------------- (1) الفهرست: 51. (2) وسائل الشيعة 22: 41، كتاب الطلاق، أبواب مقدماته وشرائطه، الباب16، الحديث3 (115) بل له ظهور في وقوعه بها، فإنّ المقابلة الظاهرة من كلمة «أو» وإن كانت صريحة في أصل الاختلاف والمقابلة بين المعطوف والمعطوف عليه وأمّا أنّ الاختلاف في نوعي صيغة الطلاق من «اعتدّي» و«أنت طالق» أو الاختلاف في نوع آخر وجهة أُخرى فلا صراحة لها فيه، فمن الممكن حملها على نوعين من الطلاق وهما الحاضر والغائب، بأن يقال: «أنت طالق» في طلاق الحاضر و«اعتدّي» في طلاق الغائب هو إخبار بوقوع الطلاق عليها بقوله «هي طالق» فهما يرجعان إلى نوعين من الطلاق بل في الأخبار لشهادة على هذا الاحتمال: فعن محمّد بن قيس عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «الطلاق للعدّة أن يطلّق الرجل امرأته عند كلّ طهر يرسل إليها أن اعتدّي فإنّ فلاناً قد طلّقك، قال: وهو أملك برجعتها ما لم تنقض عدّتها»(1). ومثله ما عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «يرسل إليها فيقول الرسول: اعتدّي فإنّ فلاناً قد فارقك. قال ابن سماعة: وإنّما معنى قول الرسول: اعتدّي فإنّ فلاناً قد فارقك يعني: الطلاق، أنّه لا تكون فرقة إلاّ بطلاق»(2). هذا مع أنّ لقائل أن يقول: إنّ العطف هنا بمعنى الواو وأنّ «اعتدّي» قرينة على كون المراد من الطلاق في قوله «أنت طالق» الطلاق من الزوجية لا الطلاق بمعنى آخر كالطلاق من البيت لزيارة المشاهد المشرّفة مثلا، فالمراد من المعطوف عليه والمعطوف أمر واحد وأنّ صيغة الطلاق هي «أنت طالق» ولفظ «اعتدّي» قرينة، قضاءً لكون «أو» بمعنى «الواو» الظاهرة في الجمع. وأمّا ما قاله أخيراً في كون المشار إليه في «يريد بذلك ـ اعتدّي ـ الطلاق» ففيه: أنّه يحتمل كونه إشارة إلى الطلاق خلافاً للعامّة حيث -------------------------------------- (1) وسائل الشيعة 22: 42، كتاب الطلاق، أبواب مقدماته وشرائطه، الباب16، الحديث5. (2) وسائل الشيعة 22: 41، كتاب الطلاق، أبواب مقدماته وشرائطه، الباب16، الحديث2. (116) ذهبوا إلى عدم اعتبار القصد في لفظ الصريح كقوله «أنت طالق» دون غيره وفى غير واحد من الروايات أنّ اشتراط النية في الطلاق هو في مقابلهم(1). ومنها: توجيهه عدم إمكان الحمل على التقية بكون التقية في الآخر مناف لعدمها في أوّل الحديث ففيه: أنّ التقية يمكن أن تحصل في آخر الحديث أو وسطه وعند وصول كلام الإمام(عليه السلام) هذا الموضع كما يمكن أن تقع في أوّله فإنّها دائرة مدار الخوف ومدار حضورهم والعجب من الشهيد الثاني(قدس سره) الذي استشهد من عنادهم للتشيّع والذي يكون ممّن قلّ نظيره في التفريع والتحقيق والإحاطة بالمسائل الاجتماعية كيف أورد هذا مع أنّ الجواسيس والمكرّمين من شرّهم ليس لهم وقت معيّن لحضورهم فإنّه ينافي عملهم في الحصول على المعلومات والاتيان بالوظيفة المقرّرة لهم من قبل حكّام الجور. ومنها: قوله بالتعميم بمفهوم الموافقة وفيه: أنّ مفهوم الموافقة هو في مورد يلتفت العرف إليه بلا تدبّر، وبعبارة أُخرى: أنّ الحكم في مفهوم الموافقة بالأولوية القطعية وليس الأمر هنا هكذا. هذا مضافاً إلى لزومه صحة الطلاق بما هو أصرح من «أنت طالق» بالموافقة وهو كما ترى. ومنها: قوله أخيراً في منع الإجماع ففيه: أنّ الظاهر من الإجماع هو اتفاق الكل إلاّ أن تقوم قرينة على خلافه، وما ترى في بعض الاجماعات من خلافه من مدّعى الإجماع نفسه فإنّه قرينة صارفة، فهو إجماع حدسي لا نقلي ; كيف وقد ذكر في الانتصار لفظ «اعتدّي» وكذا الشيخ في الخلاف، مع أنّهما ادّعيا الإجماع على عدم الوقوع به. ------------------------------------------ (1) وسائـل الشيعـة 22: 30، كتاب الطـلاق، أبـواب مقدماتـه وشرائطـه، الباب11، الخـلاف 4: 458. (117) فرع عن الشيخ وجماعة وقوع الطلاق بقوله: نعم في جواب «هل طلّقت ؟». وهو مختار المحقق، وعن بعض آخر عدمه، وهو الحق قضاءً للروايات الحاصرة: منها: موثقة بكير بن أعين فعن ابن سماعة، قال: «ليس الطلاق إلاّ كما روى بكير بن أعين أن يقول لها وهي طاهر من غير جماع: أنت طالق، ويشهد شاهدي عدل، وكل ما سوى ذلك فهي ملغى»(1). ومنها: صحيحتا محمّد بن مسلم والحلبي فعن محمّد بن مسلم أنّه سأل جعفر(عليه السلام)«عن رجل قال لامرأته: أنت عليّ حرام، أو بائنة، أو بتّة، أو بريّة، أو خليّة، قال: هذا كلّه ليس بشيء، إنّما الطلاق أن يقول لها في قبل العدّة بعد ما تطهر من محيضها قبل أن يجامعها: أنت طالق أو اعتدّي، يريد بذلك الطلاق، ويشهد على ذلك رجلين عدلين»(2). وعن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «الطلاق أن يقول لها: اعتدّي، أو يقول لها: أنت طالق»(3). واستدلّ للأوّل بموثقة السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن علي(عليهم السلام) «في الرجل يقال له: أطلّقت امرأتك ؟ فيقول: نعم، قال: قال: قد طلّقها حينئذ»(4). وفيه: عدم ظهورها في وقوع الطلاق به بل لعلّها ناظرة إلى الإقرار بالطلاق ------------------------------------------------------- (1) وسائل الشيعة 22: 41، كتاب الطلاق، أبواب مقدماته وشرائطه، الباب16، الحديث1. (2) وسائل الشيعة 22: 41، كتاب الطلاق، أبواب مقدماته وشرائطه، الباب16، الحديث3. (3) وسائل الشيعة 22: 42، كتاب الطلاق، أبواب مقدماته وشرائطه، الباب16، الحديث4. (4) وسائل الشيعة 22: 42، كتاب الطلاق، أبواب مقدماته وشرائطه، الباب16، الحديث6. (118) ولا ينافيه التقييد بالظرف الزماني للحال وهو كلمة «حينئذ» لاحتمال كونه ناظراً إلى مقام الإثبات أيضاً، ويشهد لهذا الاحتمال الأخبار الكثيرة. منها: موثقة إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل طلّق امرأته ثلاثاً فأراد رجل أن يتزوّجها، كيف يصنع ؟ قال: يدعها حتّى تحيض وتطهر ثمّ يأتيه ومعه رجلان شاهدان فيقول: طلّقت فلانة ؟ فإذا قال: نعم، تركها ثلاثة أشهر ثم خطبها إلى نفسها» «نفسه خ. ل»(1). ومنها: مرسلة عثمان بن عيسى، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: «إياكم وذوات الأزواج المطلّقات على غير السنّة. قال: قلت له: فرجل طلّق امرأة من هؤلاء ولي بها حاجة. قال: فيلقاه بعد ما طلّقها وانقضت عدّتها عند صاحبها فيقول له: أطلّقت فلانة ؟ فإذا قال: نعم، فقد صارت تطليقة على طهر فدعها من حين طلّقها تلك التطليقة حتى تنقضي عدّتها ثمّ تزوّجها وقد صارت تطليقة بائنة»(2). ومنها: ما عن حفص بن البختري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل طلّق امرأته ثلاثاً فأراد رجل أن يتزوّجها، كيف يصنع ؟ قال: يأتيه فيقول: طلّقت فلانة ؟ فإذا قال: نعم، تركها ثلاثة أشهر، ثم خطبها إلى نفسها»(3). ومنها: موثقة أُخرى لإسحاق بن عمّار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل يريد --------------------------------------------- (1) وسائل الشيعة 20: 496، كتاب النكاح، أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الباب36، الحديث1. (2) وسائل الشيعة 20: 496، كتاب النكاح، أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الباب36، الحديث2. (3) وسائل الشيعـة 22: 76، كتاب الطلاق، أبواب مقدماتـه وشرائطـه، الباب31، الحديث1. (119) تزويج امرأة قد طلّقت ثلاثاً كيف يصنع فيها ؟ قال: يدعها حتى تحيض وتطهر ثم يأتي زوجها ومعه رجلان فيقول له: قد طلّقت فلانة ؟ فإذا قال: نعم، تركها حتى تمضي ثلاثة أشهر ثم خطبها إلى نفسه»(1). وهذه الروايات موردها الإقرار، والحكم بالتربص للاحتياط والاستظهار فلا يبعد كون موثقة السكوني أيضاً مثلها مربوطة بمقام الإقرار بل ذلك مقتضى سياق الأخبار والنظر إلى مجموعها من حيث المجموع بل ولعلّه يكون من ردّ المتشابه من أخبارهم إلى المحكم منها، ففي خبر أبي حيون، مولى الرضا، عن الرضا(عليه السلام) قال: «من ردّ متشابه القرآن إلى محكمه فقد هدي إلى صراط مستقيم، ثم قال(عليه السلام): إنّ في أخبارنا محكماً كمحكم القرآن، ومتشابهاً كمتشابه القرآن، فردّوا متشابهها إلى محكمها ولا تتبعوا متشابهها دون محكمها فتضلّوا»(2). ويشهد له أيضاً عدم ذكر الشروط الأُخرى من شهادة العدلين وكونها في طهر غير المواقعة في تلك الموثقة واللازم منه وهو الاكتفاء في الطلاق بما فيها فقط من دون تلك الشرائط مخالف للضرورة من المذهب وهو كما ترى، إلاّ أن يقال بكونها في مقام بيان حكم الصيغة خاصّة دون مطلق الشرائط، لكنه لا يخفى عليك أنّ في الحمل على الإقرار والأخبار دون الإنشاء وبيان حكم الصيغة لا تكلّف فيه أصلا، فلعلّ الحمل عليه أولى فضلا عن كونه محتملا. ثم يرد على مثل الشيخ(رحمه الله) زائداً على ما مرّ في دليلهم أنّهم لم يذهبوا بوقوعه بمثل «طلّقت زوجتي» مع ذهابهم إلى الوقوع بقوله: «نعم» وهذا يلازم ترجيح الفرع على الأصل كما لا يخفى إلاّ أن يقال: إنّ الفارق هو ------------------------------------------------ (1) وسائل الشيعـة 22: 76، كتاب الطلاق، أبواب مقدماتـه وشرائطـه، الباب31، الحديث2. (2) وسائل الشيعة 27: 115، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب9، الحديث22. (120) النص. فتأمل، فإنّ المستفاد من النص صحته بمثل ذلك بالأولوية. ثم إنّ المستفاد من كشف اللثام على كفاية «نعم» عدم الفرق بين كونه جواباً عن الاستفهام بجملة «طلّقت» أو عن الأخبار بها(1) لكنه غير تمام، لاختصاص الموثّقة بالاستفهام، نعم بعض الروايات المستشهد بها كانت أعم من ذلك لكنها مربوطة بالإقرار كما مرّ. مسألة 2 ـ يجوز إيقاع طلاق أكثر من زوجة واحدة بصيغة واحدة، فلو قال: «زوجتاي طالقان» أو «زوجاتي طوالق» صح طلاق الجميع). لإلغاء الخصوصية بين الزوجة الواحدة و«أنت طالق» وبين أكثر منها و«أنتما طالقان» مثلا، حيث إنّ الحصر في الأخبار في قوله «أنت طالق» ناظر إلى حصر الصيغة في اسم الفاعل من مادة الطلاق وعدم الوقوع بغيره من هذه المادة ولا بمادّة أُخرى مطلقاً، وذلك لأنّها وردت في مقابل العامّة القائلين بوقوعه بمثل «أنت خليّة» أو «بريّة» وغيرهما من الصيغ، فالحصر إضافي وفي قبالهم لا أنّه حقيقي في خصوص تلك الصيغة بجميع خصوصياتها من الأفراد والخطاب في المبتدأ والخبر حتى لا يصحّ الطلاق بقوله «هي طالق» فضلا عن «هما طالقان» مثلا وذلك لأن الحمل على الحقيقي مخالف للظاهر والقرينة الحالية على خلافه قائمة. هذا مع استلزامه المخالفة لما هو الواضح في الفقه من كفاية ذلك الفاعل لحاضر كان أو لغائب، لأصيل كان أو لوكيل، فهذه أيضاً قرينة أُخرى فلا تغفل. ولموثقة زرارة قال: قلت لأبي جعفر(عليه السلام): «ما تقول في رجل أحضر شاهدين ---------------------------------------------- (1) كشف اللثام 2: 123. (121) عدلين وأحضر امرأتين له وهما طاهرتان من غير جماع، ثم قال: اشهدا إنّ امرأتي هاتين طالق وهما طاهرتان أيقع الطلاق ؟ قال: نعم»(1). مسألة 3 ـ لا يقع الطلاق بما يرادف الصيغة المزبورة من سائر اللغات مع القدرة). خلافاً للشيخ في النهاية وتبعه ابن البراج وابن حمزة ولكن ما في المتن هو المشهور بين الأصحاب، ويدل عليه الروايات الحاصرة السابقة وهو مقتضى الاحتياط واستدل لغير المشهور بأن المقصود من الصيغ هو المعاني وهو يحصل بكل لفظ، وبرواية وهب بن وهب، عن جعفر، عن أبيه، عن الإمام علي(عليه السلام) قال: «كلّ طلاق بكلّ لسان فهو طلاق»(2). وفيهما ما لا يخفى، أمّا الدراية فهي اعتبار لا اعتبار به، مع أنّه اجتهاد في مقابل النصّ، وأمّا الرواية فسندها ضعيف بوهب ; فإنّه كذاب كان قاضياً ببغداد وجاعلا للحديث لهم وهو أكذب البرية مضافاً إلى أنّه خلاف الضرورة إن أُريد من الطلاق، الطلاق الاصطلاحي، لاستلزامه عدم اعتبار بقية الشروط وهو كما ترى إلاّ أن يقال: أنّه ليس إلاّ في مقام بيان الصيغة فلا إطلاق فيها من سائر الجهات، هذا مع إمكان أن يقال: إنّ الطلاق فيه بالمعنى اللغوي، فتكون بياناً في مسألة الطلاق والحرية من كل قيد وعبودية، فمراد الإمام علي(عليه السلام) هو بيان عدم شرطية لغة خاص في حصول الحرية والطلاق، من العبودية أو من المدرسة أو من العمل وأمثالها، بل يكفي في حصولها كلّ ------------------------------------------- (1) وسائل الشيعة 22: 51، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب22، الحديث1. (2) وسائل الشيعة 22: 43، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب17، الحديث1. (122) ما يدلّ عليها من كل لغة ولسان(1). وإن أبيت إلاّ عن ذلك فلا أقل من كون الرواية ذات احتمالين. هذا كله مع ما في الحدائق من نكتة أُخرى وهي أنّ الرواية منصرفة إلى من لا يقدر على العربية لأن الغالب في أهل كل لسان تعذّرهم بالنسبة إلى لغة غيرهم. (ومع العجز يصح) بلا إشكال ولا خلاف ولا يجب التوكيل وإن أمكن، قضاءً للأصل ولاطلاقات أدلّة الطلاق، ولزوم العربية للمختار هو للدليل الخاصّ كما مرّ. وممّا يعضد ذلك عدم الوجوب في الأخرس ; فإنّه لا إشارة في أخبار طلاقه إلى مسألة التوكيل بل طلاقه يقع بالإشارة المقدورة له كغيره من عقوده وإيقاعاته، فكما أنّ التوكيل غير واجب له بل يطلّق بما يقدر عليه فكذلك ما نحن فيه وهو العاجز. (وكذا لا يقع بالإشارة ولا بالكتابة مع القدرة على النطق، ومع العجز يصح إيقاعه بهما). أمّا الإشارة لا إشكال ولا خلاف في عدم الوقوع بها مع القدرة على النطق للروايات الحاصرة لعدم اعتبارها في الإنشاء عند العقلاء، بعد ما كان بناؤهم على لزوم الإنشاء والإظهار في العقود والإيقاعات، فإنشاء البيع أو الوصية أو العتق بالإشارة مع القدرة على النطق ليس بإنشاء عندهم أصلا، ومن المحتمل كون النكتة هو وجود الإبهام في الإشارة طبعاً فيكون موجباً للنزاع ونحوه، وكيف كان فلعلّ ---------------------------------------- (1) ولعلّ المراد هو بيان صحة طلاق كلّ قوم بأيّ لسان وقع إذا كان على وفق دينهم وملّتهم، كما أنّ لكل قوم نكاح، على حدّ التعبير الوارد في الرواية. «المقرر» (123) عدم البناء وعدم التحقق كان منشأً لاتفاق الأصحاب وعدم الإشكال عندهم في عدم الصحة. وأمّا الكتابة فكذلك مع كونه حاضراً وذلك للروايات وللإجماع على عدم الكفاية، وأمّا القادر الغائب ففيه الخلاف، فعن الأكثر بل عن المشهور عدم الوقوع وكونه كالحاضر وهو مختار الشيخ في الخلاف والمبسوط على المحكي عنهما بل عنه الإجماع في الأول بل في الثاني أيضاً، وعن النهاية واتباعه الوقوع، ويستدلّ للأوّل مضافاً إلى الأصل واستصحاب حكم الزوجية إلى أن يثبت المزيل، وبأنّ الأسباب يتساوى فيه الحاضر والغائب ومن ثمّ استويا في وقوعه باللفظ، بالأخبار الحاصرة وبصحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر(عليه السلام): «رجل كتب بطلاق امرأته أو بعتق غلامه ثم بدا له فمحاه، قال: ليس ذلك بطلاق ولا عتاق حتى يتكلّم به»(1). وبمضمرته قال: سألته «عن رجل كتب إلى امرأته بطلاقها أو كتب بعتق مملوكه ولم ينطق به لسانه، قال: ليس بشيء حتى ينطق به»(2). ولا يخفى أنّ مقتضى الإطلاق بترك الاستفصال هو عدم الفرق بين القادر الحاضر والغائب وهما دليلان آخران للفرع السابق. واستدل لغير المشهور بصحيحـة أبي حمـزة الثمالي قال: سألت أبا جعفر(عليه السلام)«عـن رجل قال لرجل: اكتب يا فلان إلى امرأتي بطلاقها، أو اكتب إلى عبدي بعتقـه، يكون ذلك طلاقاً أو عتقاً ؟ قال: لا يكون طلاقاً ولا عتقاً حتى ينطق به لسانـه أو يخطّه بيده وهو يريد الطلاق أو العتق ويكون ذلك منه بالأهلّة والشهود -------------------------------- (1) وسائل الشيعة 22: 36، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب14، الحديث2. (2) وسائل الشيعة 22: 36، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب14، الحديث1. (124) (الشهور. فقيه) يكون غائباً عن أهله»(1). وأجاب عنه العلامة في المختلف بالحمل على حال الاضطرار بما هذا لفظه: «والجواب أنّه محمول على حالة الاضطرار وتكون لفظة «أو» للتفصيل لا للتخيير. لا يقال: هذه الرواية مختصّة بالغائب والرواية الأولى مطلقة، والمقيّد مقدّم. لأنّا نقول: الغيبة والحضور لا تأثير لهما في السببية، فانّا نعلم أنّ اللفظ لمّا كان سبباً في البينونة استوى إيقاعه من الغائب والحاضر، وكذا الكتابة لو كانت سبباً لتساوى الحالان فيها. مع أنّ في روايتنا ترجيحاً بسبب موافقة الأصل وتأيّدها بالنظر والشهرة في العمل»(2). وأورد عليه في المسالك بوجوه ; دونك عبارته: «وفيه نظر، لأنّ الرواية صريحـة في أن المطلق يقدر على التلفّظ، لأنـه قال: «اُكتب يا فلان إلى امرأتي بطلاقها... الخ» فلا وجه لحمله على حالة الاضطرار، لأنّ من قدر على هذا اللفظ قدر على قوله: هي طالق، ولا يمكن العذر بفقد شرط آخر، لأن الشرائط معتبرة في الكتابة كاللفظ. ومع ذلك ففي هذه الرواية ترجيح على السابقة (وهي حسنة زرارة) بصحة سندها، وبأنها مقيّدة بالنية والغيبة وتلك مطلقة فيهما فجاز كون منعه من وقوع --------------------------------------------- (1) وسائل الشيعة 22: 37، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب14، الحديث3. و أبو حمزة هو ثابت بن دينار أبي صفية، وهو الراوي للدعاء المعروف بأبي حمزة عن علي بن الحسين(عليهما السلام) وهو من أجلاء المحدّثين وكبراؤهم وفي لقائه الأئمة(عليهم السلام) خلاف من الأربعة إلى السبعة منهم(عليهم السلام)، فيظهر من بعض الكلمات والأخبار أنّ أوّل من رآه منهم(عليهم السلام) هو الحسن بن علي(عليهما السلام)وآخرهم علي بن موسى الرضا(عليهما السلام)، ومن آخر أنّ الأول هو الحسين(عليه السلام) ومن ثالث كون الأول علي بن الحسين(عليهما السلام)ومن رابع منه(عليه السلام)إلى الكاظم(عليه السلام) والأخير هو المرويّ عن الرضا(عليه السلام). (2) مختلف الشيعة 7: 348. (125) الطلاق لعدم النية بالكتابة، أو لعدم العلم بالنية، أو تحمل على حالة الحضور جمعاً، على أنه مع ثبوت المرجّح لا ضرورة إلى الجميع»(1). أقول: ليس الحديث على نقل التهذيب والوافي عن الكتب الثلاثة وكذا نقله (رحمه الله) صريحاً في قدرة المطلّق على التلفّظ وإن كان السؤال صريحاً فيه كما بيّن وجهه، وأمّا قوله(عليه السلام) في الجواب «لا يكون طلاق ولا عتق حتى ينطق به لسانه» فيحتمل فيه الكلّية وانه(عليه السلام) أراد بيان الضابطة وهي عدم الطلاق والعتق إلاّ مع الغاية المذكورة التي تكون خبراً للفعل الناقص ولا قرينة في الحديث على اختصاص الجواب بمورد السؤال والمورد غير مخصّص ولا مقيّد، نعم على نقل الوسائل وكون الاسم الضمير ونصب لفظتي الطلاق والعتق خبراً للفعل الناقص فالصراحة تامة لمكان الضمير كما بيّنه، لكن الشأن في ذلك كما أنّ الصراحة على ما في هامش الوسائل عن الكافي وهو «لا يكون ذلك بطلاق ولا عتاق» واضحة، كما أنّ ترجيحه ما عن الثمالي على ما عن زرارة بالصحة غير تمام على مختارنا في إبراهيم بن هاشم، كما لا يخفى. فلا ترجيح لصحيح الثمالي على صحيحة زرارة، فانّهما مثلان بل احتمال الترجيح بالعكس لثبوت الشهرة والاعراض عن صحيحة الثمالي بحيث تصير مما لا ريب في بطلانه ودون إثبات ذلك خرط القتاد، فإنّه كيف يكون كذلك مع عمل الشيخ(رحمه الله) في النهاية وتبعية تابعيه له أو جملة منهم في ذلك ؟ فالتفصيل في المسألة جمعا بينهما بحمل المطلق على المقيّد يكون قويّاً واحتمال القول بكفاية الكتابة مطلقاً من دون اختصاص بالغائب بحمل صحيحة زرارة على عدم القصد، لما في صحيحة الثمالي من التقييد بالغائب حمل للمطلق على المقيّد. ويتأيّد ذلك بقوله «ثم بدا له فمحاه» ففيه أنّه كما وقع التقييد به فيها فكذلك التقييد بالغائب، فلابدّ من رعاية القيدين. ------------------------------------- (1) مسالك الافهام 9: 71. (126) ثم إنّ الظاهر بدواً من قوله(عليه السلام) «أو يخطّه بيده» عدم كفاية الوكالة في الكتابة، لكن من المحتمل قويّاً كون تلك الجملة في قبال ما وقع في السؤال من قوله «اكتب يا فلان إلى امرأتي بطلاقها» أو «اُكتب إلى عبدي بعتقه» حيث إنّ المراد من تلك الجملة ظاهراً كتابة تحقق الطلاق والأخبار به أي ما يسمّى في الفارسية بـ «طلاقنامه» من دون إنشاء أصلا، والمستفاد منها اعتبار الإنشاء والخطّ بيـده كناية عنه. ثمّ إنّ الطلاق المدّعى وقوعه بالكتابة يدخل في عموم الطلاق والأصل فيه الصحة، وممّا يؤيد الصحة أن المقصود بالعبارة هي الدلالة على ما في النفس، والكتابة أحد الخطابين كالكلام، والإنسان يعبّر عمّا في نفسه بالكتابة كما يعبّر بالعبارة. نعم، هي أقصر مرتبة من اللفظ، وأقرب إلى الاحتمال، ومن ثمّ منع من وقوع الطلاق بها للحاضر، لأنّه مع الحضور لا حاجة إلى الكتابة بخلاف الغيبة، للعادة الغالبة بها فيها. واعلم أنه على تقدير القول بوقوعه بها يعتبر القصد بها إلى الطلاق وحضور شاهدين يريان الكتابة، والظاهر اشتراط رؤيته حال الكتابة لا بعدها لأنّ ابتدائها هو القائم مقام اللفظ لا استدامتها. وإنّما تعلم النية بإقراره، ولو شكّ فيها فالأصل عدمها. وحينئذ فتكون الكتابة كالكناية، ومن ثمّ ردّها الأصحاب مطلقاً اطّراداً للقاعدة مع أنّهم نقضوها في مواضع كما ترى. ولا فرق في الغائب بين البعيد بمسافة القصر وعدمه. مع احتمال شموله للغائب عن المجلس، لعموم النصّ. والأقوى اعتبار الغيبة عرفاً التي تكون مناطاً في طلاق الغائب للأهلّة والشهور للنصّ على ذلك في آخر الحديث. ولتكن الكتابة للكلام المعتبر في صحة الطلاق، كقوله: فلانة طالق، أو يكتب إليها: أنت طالق. ولو علقه بشرط كقوله: إذا قرأت كتابي فأنت طالق، فكتعليق اللفظ. (127) وما في الحدائق من الاشكال في اشتراط الكلام المعتبر في صحة الطلاق بما هذا لفظه: «أنّ تعيّن هذه الصيغة بمقتضى الدليل إنّما هو بالنسبة إلى التلفظ بالطلاق، وأمّا أحاديث الكتابة فهي مطلقة وتخصيصها يحتاج إلى دليل، وكما خرج عن أخبار وجوب اللفظ بهذا الخبر فليخرج عنها أيضاً بالعمل بإطلاق هذه الأخبار من إيقاع الكتابة بأيّ لفظ من هذه المادّة عملا بإطلاق الأخبار المذكورة، والتقييد إنّما ثبت في العبارة اللفظية»(1) ففيه: أنّه لا إطلاق في هذه الأخبار من تلك الجهة بل تكون في مقام بيان كفاية الكتابة في مقابل عدمها وليست في مقام بيان تمام شرائط الصيغة كما هو ظاهر. (والأحوط تقديم الكتابة لمن يعرفها على الإشارة). فإنّ أصل المسألة إجماعية ويدل عليها الروايات الواردة في الأخرس لكن وقع الخلاف في أنّ الكتابة مقدمة على الإشارة في الأخرس أم لا ؟ أمّا الروايات فمنها: صحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر أنه سأل أبا الحسن الرضا(عليه السلام) «عن الرجل تكون عنده المرأة يصمت ولا يتكلّم. قال: أخرس هو ؟ قلت: نعم، ويعلم منه بغض لامرأته وكراهة لها أيجوز أن يطلّق عنه وليّه ؟ قال: لا ولكن يكتب ويشهد على ذلك، قلت: فإنّه لا يكتب ولا يسمع كيف يطلّقها ؟ قال: بالذي يعرف به من أفعاله مثل ما ذكرت من كراهته وبغضه لها»(2). ومنها: ما عن أبان بن عثمان، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) «عن طلاق الخرساء ------------------------------------------------ (1) الحدائق الناضرة 25: 215. (2) وسائل الشيعة 22: 47، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب19، الحديث1. (128) قال: يلفّ قناعها على رأسها ويجذبه»(1). ومنها: موثقة السكوني المضمرة، قال: «طلاق الأخرس أن يأخذ مقنعتها ويضعها على رأسها ويعتزلها»(2). ومنها: ما عن إسماعيل بن مراد، عن يونس «في رجل أخرس كتب في الأرض بطلاق امرأته، قال: إذا فعل في قبل الطهر بشهود وفهم عنه كما يفهم عن مثله ويريد الطلاق جاز طلاقه على السنّة»(3). ومنها: ما عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «طلاق الأخرس أن يأخذ مقنعتها ويضعها على رأسها ثم يعتزلها»(4). أمّا الأقوال في المسألة فقيل بتقدم الكتابة وقيل بلزوم الجمع وقيل بالتأخر ولكن المستفاد منها أنّ المقدّم هو الأصل وهو الإشارة فإنّها المذكورة فيها ولا دليل على تقديم الكتابة إلاّ صحيحة ابن أبي نصر ولا دلالة فيها على اللزوم لكون الترتيب ذكريّاً نعم في ذكر الإمام(عليه السلام) الكتابة ابتداءً الاشعار على ذلك لا الظهور كما لا يخفى، فالأحوط الأولى هو تقديم الكتابة. ---------------------------------------------- (1) وسائل الشيعة 22: 47، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب19، الحديث2. (2) وسائل الشيعة 22: 48، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب19، الحديث3. (3) وسائل الشيعة 22: 48، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب19، الحديث4. (4) وسائل الشيعة 22: 48، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب19، الحديث5. (129) فرع قال المحقق في الشرائع: ولو خيّرها وقصد الطلاق، فإن اختارته أو سكتت ولو لحظة، فلا حكم. وإن اختارت نفسها في الحال، قيل: يقع الفرقة بائنة، وقيل: يقع رجعية، وقيل لا حكم له، وعليه الأكثر(1). ولا يخفى أنّ توكيله لها إن شاءت ليس محلاًّ للبحث ومورداً للنزاع في المقام وإن كان ذلك جائزاً عند من جوّز وكالة المرأة فيه ولم يشترط المقارنة بين الإيجاب والقبول كغيره من الوكالات، وكان الفرض عليها حينئذ إيقاعه بلفظ الطلاق المعهود، كما أنّ تخيير الزوج الزوجة في اختيار البقاء أو طلاقه لها خارج عن محلّ النزاع وليس بأزيد من الوعد وصحته ضرورية بل تعبير الصحة في أمثاله ممّا يرجع إلى مثل المقاولة والمشاورة ولا يكون عقداً ولا إيقاعاً، ليس في محلّه كما لا يخفى. فما هو محلّ للنزاع هو تفويض الزوج أمر الطلاق إلى المرأة وتخييرها في نفسها ناوياً به الطلاق ووقوع الطلاق لو اختارت نفسها وعدمه إن اختارت الزوج أو البقاء، فيكون ذلك بمنزلة تمليكه لها نفسها وجعله الأمر بيدها، فالعامة متّفقون على وقوعه بالاختيار وأصحابنا مختلفون فيه، فذهب جماعة، منهم ابن الجنيد وابن أبي عقيل والسيّد المرتضى وظاهر ابني بابويه إلى وقوعه به وذهب الشيخ ومن تبعه والمشهور إلى عدمه. ثم إنّ القائلين بالوقوع اختلفوا في أنّه هل يقع طلاقاً رجعيّاً أو بائناً ؟ وهل الاتصال في الاختيار شرط أم لا ؟ والأصل في المسألة قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل --------------------------------------------------- (1) شرائع الإسلام 3: 9. (130) لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً)(1). وقبل التعرّض لسائر الأدلة نتكلم حول هذه الآية الشريفة، فاعلم أنّ العلاّمة الطباطبائي(رحمه الله) قد أفاد في تفسير هذه الآية بعض النكات التي لا ينبغي ترك نقلها. منها: أنّ زوجات النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أو بعضهن كانت لا ترتضى ما في عيشتهنّ في بيت النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) من الضيق والضنك فاشتكت إليه ذلك. منها: تخييرهنّ بين السراح والبقاء في نفس المعيشة. منها: القاء أصل كلّي وهو المسؤولية العظيمة تجاه المنزلة الرفيعة(2). هذه هي النكات. وأمّا ما يكون من الآية مربوطاً بالبحث أنّها على تسليم دلالتها، قضية شخصية تخصّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وزوجاته، وأين النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) والمقام معه وإرادة الله ورسوله والدار الآخرة وتحمّل المشاق وضيق المعيشة أو الفراق وحرمان السعادة الاُخروية والوصول إلى سهولة المعيشة وراحتها الدنيوية فهل الإلغاء في مثل هذه القضية إلغاء لخصوصية النور المطلق للظلمة المطلقة أو للنور الجزئي. هذا مضافاً إلى أنّ الدلالة ممنوعة، حيث إنّ تخييره(صلى الله عليه وآله وسلم) كان تخييراً عن مشورة ساذجة وانّه يطلّقهن بعد اختيارهنّ المفارقة وإرادة حياة الدنيا، كما يظهر ذلك من قوله تعالى (وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً) كما يدلّ عليه غير واحد من أخبار الباب. وقد مرّ خروج مثله عن محلّ النزاع بل عن تعبير الصحة والبطلان، نعم الظاهر وجوب الوفاء له. ------------------------------------- (1) الأحزاب (33): 28 ـ 29. (2) الميزان 16: 305. (131) وأمّا الروايات فما نقله صاحب الوسائل في الباب المنعقد له تسع عشرة، وعنوان الباب هكذا: «باب أنّ من خيّر امرأته لم يقع بها طلاق بمجرد التخيير وإن اختارت نفسها فإن وكّلها في طلاق نفسها ففعلت وقع مع الشرائط». وما في نظره ممّا يدلّ على الجواز من تلك الأخبار عشر منها (1)، وعلى عدمه تسع لكن لا يخفى أنّ الروايتين منها وهما مرسلة هارون بن مسلم وخبر إبراهيم بن محرز لا ارتباط لهما بمحلّ البحث أصلا وإنّما تدلاّن على عدم صحة إيكال الزوج الأمر والاختيار إلى الزوجة، بأن يكون تمام ما للزوج للزوجة. ففي الثاني «فقال: رجل قال لامرأته: «أمرك بيدك» قال: أنّي يكون هذا والله يقول: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء). وهذا كالنصّ فيما قلناه، ومثله السابق عليه إلاّ أنّه مربوط باشتراط ذلك في تحقق النكاح، كما يظهر من قوله(عليه السلام): «ولم يجز النكاح» الظاهر في النكاح المشروط فيه، لا النكاح اللاحق وإن كان محتملا أيضاً. ثم اعلم أنّ في أخبار الجواز اختلاف من حيث اشتراط البينونة والطلاق بكون الاختيار في المجلس وقبل التفرّق وعدم اشتراطه بذلك بل يحصل الطلاق بالاختيار بعد التفرّق أيضاً، كما أنّ فيها الاختلاف من جهة كون الطلاق الحاصل بالتخيير طلاقاً رجعيّاً أو بائناً، لكنّها مشتركة في الدلالة على الجواز في الجملة. والشيخ في التهذيب ذكر ستاً من الأولى واستدل بها على الجواز وذكر أنّه أورد طرفاً من الأخبار الدالّة على الوقوع به فالروايات على طائفتين، منها ما يدل على الوقوع ومنها على عدمه: أمّا الثانية فمنها: ما عن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر(عليه السلام) «عن الخيار --------------------------------------------- (1) وسائل الشيعة 22: 92، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب41. (132) فقال: وما هو وما ذاك إنّما ذاك شيء كان لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)»(1). ومنها: ما عنه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في الرجل إذا خيّر امرأته قال: إنّما الخيرة لنا ليس لأحد، وإنّما خيّر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لمكان عائشة فاخترن الله ورسوله ولم يكن لهنّ أن يخترن غير رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)»(2). ومنها: ما عنه أيضاً قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) «إنّي سمعت أباك يقول: إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) خيّر نساءه فاخترن الله ورسوله فلم يمسكهنّ على طلاق ولو اخترن أنفسهن لبنّ، فقال: إنّ هذا حديث كان يرويه أبي عن عائشة وما للناس والخيار إنّما هذا شيء خصّ الله به رسوله»(3). ومنها: ما عن عيص بن القاسم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته «عن رجل خيّر امرأته فاختارت نفسها، بانت منه ؟ قال: لا، إنّما هذا شيء كان لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)خاصّة أمر بذلك ففعل ولو اخترن أنفسهنّ لطلقهنّ «لطلقن» وهو قول الله عز وجل: (قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً)(4). ومن هذه الطائفة على الظاهر من الوسائل ما عن هارون بن مسلم، عن بعض ------------------------------------------- (1) وسائل الشيعة 22: 92، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب41، الحديث1. (2) وسائل الشيعة 22: 92، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب41، الحديث2. (3) وسائل الشيعة 22: 92، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب41، الحديث3. (4) وسائل الشيعة 22: 93، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب41، الحديث4. (133) أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: ما تقول «في رجل جعل أمر امرأته بيدها ؟ قال: فقال لي: ولّى الأمر من ليس أهله وخالف السنّة ولم يجز النكاح»(1). وفيه: أنّ من المحتمل جعله الولاية لها والشاهد عليه ما عن إبراهيم بن محرز قال: سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا عنده فقال: «رجل قال لامرأته: أمرك بيدك. قال: أنّي يكون هذا والله يقول: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء) ليس هذا بشيء»(2). ومن المحتمل كونهما رواية واحدة من مروان بن مسلم عن إبراهيم بن محرز كما يظهر من المراجعة إلى السند وما في النسخة والمتن، والأمر في عدم الارتباط مع اتحادهما أوضح وقد مضى الكلام فيهما أيضاً ; فلا تغفل. ومنها: ما عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: «ما للنساء والتخيير، إنّما ذلك شيء خصّ الله به نبيّه(صلى الله عليه وآله وسلم)»(3). ومنها: مرسلة الصدوق في المقنع قال: روي «ما للناس والتخيير، إنّما ذلك شيء خصّ الله به نبيّه(صلى الله عليه وآله وسلم)»(4). ومنها: ما عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى(عليه السلام) قال: سألته «عن رجل قال لامرأته: إنّي أحببت أن تبيني فلم يقل شيئاً حتى افترقا، ما عليه ؟ ----------------------------------------------- (1) وسائل الشيعة 22: 93، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب41، الحديث5. (2) وسائل الشيعة 22: 93، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب41، الحديث6. (3) وسائل الشيعة 22: 96، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب41، الحديث13. (4) وسائل الشيعة 22: 97، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب41، الحديث18. (134) قال: ليس عليه شيء وهي امرأته»(1). والروايات الباقية من ذلك الباب في الوسائل وهي عشرة من الطائفة أي الدالة على الجواز، دلالتها ظاهرة واضحة، فالتعارض بين الطائفتين ثابت، وجَمَع الشيخ (قدس سره) بينهما بأن الأولى تحمل على التقية ; قال: «فأمّا ما روي من جواز الخيار إلى النساء واختلاف أحكامه، لأنّ منهم من جعله تطليقة بائنة ومنهم من جعله تطليقة يملك معها الرجعة ومنهم من جعله تطليقة إذا اتبع بطلاق ومنهم من جعله كذلك وإن لم يتبع بطلاق ومنهم من جعله كذلك إذا اختارت نفسها قبل أن تقوم من مجلسها ومنهم من جعله كذلك في جميع الأحوال، فالوجه فيها كلّها أن نحملها على ضرب من التقية، لأنّ الخيار موافق لمذاهب العامة، وإنّما حملناه على ذلك لما قد ثبت من صحة العقد فلا يجوز العدول عنه إلاّ بطريقة معلومة، وجميع هذه الأخبار لا يمكن العمل عليها لأنّها متضادّة الأحكام، وليس بأن نعمل على بعضها أولى من أن نعمل على البعض الآخر لتساويها في الطرق، على أنّا إن عملنا على شيء منها احتجنا أن نطرح الأخبار التي قد قدّمناها في أنّ الخيار غير واقع وإنّما ذلك شيء كان يختصّ به النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فإذا عملنا على ما قلناه كان لهذه وجه وهو خروجها مخرج التقية،وجه يجوز أن تردّ الأخبار لأجله»(2). ولقد أجاد فيما قال فإنّ الأخبار الدالّة على الجواز المعارضة للدّالّة على خلافها هي مطروحة، لكونها موافقة للعامّة والترجيح للمخالف لهم فإنّ الرشد في خلافهم، وهذا أي المخالفة للعامّة هو الثاني بل والأخير من المرجّحات المنصوصة ذكراً ورتبة ---------------------------------------------- (1) وسائل الشيعة 22: 97، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب41، الحديث19. (2) تهذيب الأحكام 8: 88 ـ 89. (135) والأول منها هو الموافقة للكتاب، كما حقّق في محلّه. نعم في المراد من العلة احتمالات ووجوه ذكرها الشيخ الأعظم في بحث التعادل والتراجيح من خاتمة رسائله، أحدها التقية وهو المعروف في الألسنة والمصرّح به في كلام شيخ الطائفة في المقام وغيره، لكنّها أعم مطلق من موارد الترجيح بالمخالفة على كونها هي العلّة، وأعم من وجه على عدم العلّية كما لا يخفى ; لأنّه يمكن أن يكون الخبر مطروحاً للمخالفة مع عدم التقية أيضاً، كما يمكن الطرح للتقية مع عدم المعارضة، وفي الحدائق قد صرّح بذلك في غير موضع من كتابه وإن كان للتأمل فيه مجال. وعلى كل حال فما ذكره الشيخ(قدس سره)هو مختار المشهور كما مرّ ولكن للشهيد(قدس سره)في المسالك كلام يظهر منه الميل إلى غيره. قال(قدس سره): «اتفق علماء الإسلام ممّن عدا الأصحاب على جواز تفويض الزوج أمر الطلاق إلى المرأة وتخييرها في نفسها ناوياً به الطلاق ووقوع الطلاق لو اختارت نفسها وكون ذلك بمنزلة توكيلها في الطلاق وجعل التخيير كناية عنه أو تمليكاً لها نفسها، والأصل فيه أنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) خيّر نسائه بين المقام معه وبين مفارقته لما نزل قوله تعالى: (يا أيها النبي قل لأزواجك...) إلى آخرها والتي بعدها. وأما الأصحاب فاختلفوا فذهب جماعـة، منهم ابن الجنيد وابـن أبي عقيل والسيد المرتضى وظاهـر ابني بابويه إلى وقوعه به أيضاً إذا اختارت نفسها بعد تخييره لها على الفور مع اجتماع شرائط الطلاق من الاستبراء وسماع الشاهدين ذلك وغيره، وذهب الأكثر ومنهم الشيخ والمتأخرون إلى عدم وقوعه بذلك، ويظهر من المصنف التردد فيه إن لم يكن ميله إلى الأول لأنّه نسب الحكم بعدم صحته إلى الأكثر ساكتاً عليه، ووجه الخلاف اختلاف الروايات الدالة على القولين إلاّ أنّ أكثرها وأوضحها (136) سنداً ما دل على الوقوع. وأورد الشيخ في التهذيب منها ستة أخبار أكثرها من الموثّق، وفيها الحسن والصحيح، وذكر أنّه ذكر طرفاً من الأخبار الدالة على الوقوع به، فمنها صحيحة حمران، قال: سمعت اباجعفر(عليه السلام) يقول: «المخيّرة تبين من ساعتها من غير طلاق ولا ميراث بينهما لأنّ العصمة قد بانت منها ساعة كان ذلك منها ومن الزوج»(1). وموثقة محمّد بن مسلم وزرارة عن أحدهما(عليهما السلام) قال: «لا خيار إلاّ على طهر من غير جماع بشهود»(2). ورواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام)، قال: قلت له: «رجل خيّر امرأته، فقال: إنّما الخيار لهما ما داما في مجلسهما فإذا تفرّقا فلا خيار لها» الحديث(3). وحجة المانع أربع روايات بعضها ضعيف السند وبعضها من الموثّق: منها رواية العيص بن القاسم، عن الصادق(عليه السلام)، قال: «سألته عن رجل خيّر امرأته فاختارت نفسها، بانت منه ؟ قال: لا إنّما هذا شيء كان لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) خاصة أمر بذلك ففعل ولو اخترن أنفسهن لطلّقن، وهو قول الله تعالى (قل لأزواجك ان كنتنّ تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين امتّعكنّ واسرّحكنّ سراحاً جميلا (4). -------------------------------------------- (1) وسائل الشيعة 22: 95، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب41، الحديث11. (2) وسائل الشيعة 22: 94، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب41، الحديث8. (3) وسائل الشيعة 22: 95، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب41، الحديث12. (4) وسائل الشيعة 22: 93، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب41، الحديث4. (137) ورواية محمّد بن مسلم، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): «إنّي سمعت أباك يقول: إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)خيّر نساءه فاخترن الله ورسوله فلم يمسكهنّ على طلاق ولو اخترن أنفسهنّ لبنّ، فقال: إنّ هذا حديث كان يرويه أبي عن عائشة، وما للناس والخيار، إنّما هذا شيء خصّ الله به رسوله(صلى الله عليه وآله وسلم)»(1). وأجاب المانعون عن الأخبار الدالة على الوقوع بحملها على التقية، ولو نظروا إلى أنّها أكثر وأوضح سنداً وأظهر دلالة لكان أجود، ووجه الأول واضح، والثاني أنّ فيها الصحيح أو الحسن والموثق وليس فيها ضعيف بخلاف أخبار المنع فإنّ فيها الضعيف والمرسل والمجهول، وأمّا الثالث فلانّ نفي البينونة في الأول أعم من نفي الوقوع لجواز وقوعه رجعياً فلا دلالة له على منعه مطلقاً فإذا حملت أخبار الوقوع على كونه رجعياً لم يتعارض على تقدير أن تكون مكافئة فكيف وحالها ما رأيت. وأمّا حمل العلاّمة في المختلف لأخبار الوقوع على ما إذا طلّقت بعد التخيير فغير سديد لأنّ ذلك يقتضي كون تخييرها وكالة ومعها لا يشترط فيه وقوعه في المجلس ولا على الفور، خلاف ما دلت عليه تلك الأخبار وهذا واضح»(2). انتهى كلامه. ونقلناه بتمامه لما فيه من تحرير محلّ النزاع وبيان الأصل فيه وغيره من الفوائد، وفيه: أنّ الوجوه الثلاثة هي مزايا غير منصوصة والترجيح بها إنّما يكون مع عدم المنصوصين، قضاءً لإطلاق أدلتهما مع إطلاق دليل الترتيب أيضاً. هذا تمام الكلام في أصل المسألة وأمّا فروعها فنحيلها على المسالك والجواهر وما نتعرّض لها، لفساد الأصل. --------------------------------------------- (1) وسائل الشيعة 22: 92، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب41، الحديث3. (2) مسالك الأفهام 9: 80 ـ 83. (138) تنبيه قد رأيت ما مرّ آنفاً عن محمّد بن مسلم، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): «إنّي سمعت أباك إلى قوله(عليه السلام): «إنّ هذا حديث كان يرويه أبي عن عائشة». الحديث. وفي الجواهر فيما أورده ثالثاً على احتمال كون شرطيّة الاتصال بين التخيير والاختيار مبنيّاً على أنّ ذلك أي التخيير عقد تمليك أو توكيل فعلى الأول يعتبر الاتصال كما في غيره من العقود بخلاف الثاني ردّاً على الشهيد الثاني بصحة التخيير، ما هذا لفظه: «فمن الغريب بعد ذلك كله ميل الشهيد الثاني إلى القول المزبور، لهذه الأخبار التي قد عرفت حالها وما يعارضها وقوّة خروجها مخرج التقية، بل قد عرفت التصريح في بعضها بأن ذلك حديث «أبي عن عائشة»(1). وذكر في بيان الأخبار المعتبرة الدالّة على عدم الصحة أيضاً في ذيل الحديث ما هذا لفظه: «هو صريح في الردّ على مالك القائل بأنّ المخيّرة على طلقة، إذا اختارت زوجها، وفي أنّ الحديث الذي يرويه أبي بن كعب، عن عائشة من أكاذيبها، وافترا آتها»(2). أقول: ومن العجب نسبته الرواية إلى «أبي بن كعب» وكيف ذلك مع أنّ ما في كتب الرواية هو «أبي» المنسوب إلى «الأب» وكذا في كتب الفقه على ما استقصيناه. هذا مضافاً إلى دلالة صدر الرواية وإلاّ يلزم تكذيب محمّد بن مسلم من جانبه(عليه السلام)، فلا تغفل وكن على دقـة في النظـر إلى الروايـة حتى فيما كان النظر إليها من مثل صاحب الجواهر(قدس سره). ------------------------------------------------ (1) جواهر الكلام 32: 74. (2) نفس المصدر: 69. (139) (مسألة 4 ـ يجوز للزوج أن يوكّل غيره في طلاق زوجته بالمباشرة أو بتوكيل غيره، سواء كان الزوج حاضراً أو غائباً، بل وكذا له أن يوكّل زوجته فيه بنفسها أو بالتوكيل، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بعدم توكيلها). أصل جواز الوكالة في الطلاق كغيره من الإيقاعات والعقود التي لا يعتبر فيها المباشرة ممّا لا كلام فيه ولا إشكال. ويدلّ عليه الأخبار المستفيضة الواردة في فروعها بعد الفراغ عن صحة الأصل، كما أنّ جواز توكيل الزوج الغائب، عليه الإجماع وصرّح به في الشرائع بقوله: «ويجوز الوكالة في الطلاق للغائب إجماعاً»(1). وفي الجواهر نسبه إلى قسميه، وإنّما الكلام والخلاف في الحاضر، فعن الشيخ في النهاية والمبسوط وأتباعه عدم الجواز بل عنه نسبته في المبسوط إلى أصحابنا لكنّ المشهور، الجواز وهو المنصور، لإطلاق أدلّة الوكالة فيما لا غرض للشارع في اعتبار المباشرة فيه كالعقود والإيقاعات التي منها الطلاق، وإطلاق صحيحة سعيد الأعرج، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «سألته عن رجل جعل أمر امرأته إلى رجل، فقال: اشهدوا أ نّي قد جعلت أمر فلانة إلى فلان، فيطلّقها أيجوز ذلك للرجل ؟ فقال: نعم»(2) التي فيها ترك الاستفصال. دليل الشيخ ومن تبعه هو الجمع بين خبر زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ----------------------------------------------- (1) شرائع الإسلام 3: 4. (2) وسائل الشيعة 22: 88، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب39، الحديث1. (140) «لا تجوز الوكالة في الطلاق»(1) والأخبار الدالّة على الجواز التي منها صحيحة الأعرج على الحاضر وتلك على الغائب. وفيه: مع عدم الشاهد له، أنّ الترجيح لمثل صحيحة الأعرج، فإنّ صحّتها معلومة، وأمّا خبر زرارة فإنّه على أحد سنديه على وثاقة جعفر بن سماعة موثّق، وعلى السند الآخر وإن كان على وثاقة معلّى بن محمّد صحيحاً لكن الوثاقة محلّ كلام. فليس فيه إلاّ أنّه شيخ الإجازة ولذلك وقع الخلاف فيه. وقد يقال: إنّ الأولى الاستدلال على ذلك بظهور نصوص حصر الطلاق الصحيح في قول الرجل لامرأته في قبل العدّة بعد ما تطهر من حيضها قبل أن يجامعها: «أنت طالق» باعتبار أنّها مساقة سوق التعريف الملحوظ قيدية كلّ ما يذكر فيه، وحينئذ فمن ذلك، المباشرة المزبورة المعلوم انتفاء اعتبارها في الغائب، مؤيداً بخبر زرارة بل لعلّ ذلك هو الوجه فيما يحكى عن الشيخ من اعتبار الغيبة عن البلد وإن حكي عنه الاكتفاء بالغيبة عن المجلس، لكنّه خلاف ما صرّح به، لأنه المتيقن من عدم اعتبار المباشرة فيه. إلاّ أنّه قد يدفع ذلك بمنع الظنّ ولو للشهرة العظيمة باستفادة اعتبار المباشرة من ذلك، خصوصاً بعد سوقها في إرادة بيان عدم الاجتزاء بالكناية من نحو «أنت خليّة» وشبهها، ولذا لم يعتبر في الصيغة، الخطاب قطعاً (وبعد ورودها مورد الغالب) ولكن مع ذلك فالاحتياط لا ينبغي تركه، لأنّ أمر الفرج شديد(2). ثم أنّه هل يصحّ توكيل المرأة أم لا ؟ فعن الشيخ أنّه لا يصحّ ولو في حال الغيبة ------------------------------------------ (1) وسائل الشيعة 22: 90، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب39، الحديث5. (2) جواهر الكلام 32: 24. (141) لظهور تلك النصوص في غيره لما عنه(رحمه الله) من استناده في المنع إلى أنّ القابل لا يكون فاعلا وظاهر قوله(صلى الله عليه وآله وسلم) «الطلاق بيد من أخذ بالساق». وكلّها كما ترى، فإنّ المغايرة بين القابل والفاعل يكفي فيها الاعتبار وهما مختلفان بالحيثية. كيف والاختلاف اعتباراً وحيثيةً كاف في العقود المركبّة من الإيجاب والقبول فضلا عن الإيقاع الذي هو ليس إلاّ من طرف واحد، وأمّا النبوي ففيه ما لا يخفى من أنّ التوكيل من جانبه لا ينافي كون الطلاق بيده بل يكون مؤيداً له، حيث إنّ التوكيل ليس إلاّ من قبل من له ذلك. هذا مع أنّ إطلاق أدلّة الوكالة فيما لا غرض للشارع في اعتبار المباشرة كما يشمل غير الزوجة على تسليم الدلالة فكذلك الزوجة. وفي المختلف في الاستدلال على المشهور قال: «أنّه فعل يقبل النيابة، والمحلّ قابل، فجاز، كما لو وكّل غيرها من النساء، أو توكّلت في طلاق غيرها»(1). ولعلّه يرجع إلى ما ذكرنا أو إلى إلغاء الخصوصية من النصوص المدّعى ظهورها في الاختصاص بالرجال، وكيف كان فقد ظهر ممّا ذكر أنّ الحقّ ما في المتن الذي هو المشهور، كما قد ظهر منه أيضاً عدم تمامية ما في الكفاية من أنّه «لو وكّلها في طلاق نفسها ففي صحته قولان، والأدلّة من الجانبين محلّ البحث».انتهى كلامه المؤذن بالتوقف، ومثله المحدّث الكاشاني في المفاتيح على المحكي عنه حيث أنّه اقتصر على نقل القولين من غير ترجيح، وقد ظهر أيضاً وجه الاحتياط. (مسألة 5 ـ يجوز أن يوكّلها على انه لو طال سفره أزيد من ثلاثة شهور مثلا أو سامح في إنفاقها أزيد من شهر مثلا طلّقت نفسها، ----------------------------------- مختلف الشيعة 7: 380. (142) لكن بشرط أن يكون الشرط قيداً للموكل فيه لا تعليقاً في الوكالة). ووجهه ظاهر ; فإنّ إطلاقات الوكالة وعموماتها وكذا أدلة العقود دالة على الجواز، فيما كان الشرط قيداً للموكّل فيه كغيره من الشروط والقيود فيه كالتعليق في غيرها من العقود والإيقاعات، نعم التعليق في الوكالة نفسها يوجب البطلان. (مسألة 6 ـ يشترط في صيغة الطلاق التنجيز، فلو علّقه على شرط بطل سواء كان ممّا يحتمل وقوعه كما إذا قال: «أنت طالق ان جاء زيد» أو ممّا يتيقن حصوله، كما إذا قال: «إن طلعت الشمس»، نعم لا يبعد جواز تعليقه على ما يكون معلّقاً عليه في الواقع كقوله: «ان كانت فلانة زوجتي فهي طالق» سواء كان عالماً بأنّها زوجته أم لا. ) شرطية التنجيز ومبطلية التعليق من دون الفرق بين الصفة وهي الأمر المعلوم الحصول والشرط وهو المشكوك الحصول، هو قول مشهور على ما في الشرائع بل قال فيه: لم أقف فيه على مخالف منّا. بل عن الانتصار والإيضاح والتنقيح والروضة والسرائر وغيرها الإجماع عليه، لكن العامّة قد أطبقوا على الجواز هنا واستدل لاشتراطه بوجوه مشتركة بين باب الإيقاع والطلاق وبقية الأبواب من العقود، وبوجوه مختصّة بالباب. والمشتركة كلّها درائية، كما أنّ المختصة ليست رواية خاصة فعلى هذا، القول بأنّه لا نصّ على الحكم في المسألة ليس بجزاف. أمّا الوجوه المشتركة فنذكر هنا أربعة منها: أحدها: أنّ الصيغة والإنشاء سبب شرعاً فكما أنّ انفكاك المسبّب العقلي عن (143) السبب العقلي غير ممكن ومحال فكذا الشرعي منه والتعليق مستلزم لذلك كما لا يخفى. ثانيها: أنّ الشارع جعل الإنشاء سبباً فجعل السبب مع الشرط خلاف جعله ويكون مستلزماً لمشرعيّة المعلّق بالكسر وللدخالة في أمر التشريع، مع أنه ليس الحكم إلاّ لله يقصّ الحق وهو خير الفاصلين. ثالثها: أنّ الشرط كذلك في الحقيقة من الشروط المخالفة للكتاب والسنّة والمحلّلة حراماً، ضرورة أنّه بعد ظهور الأدلة في ترتب الأثر على السبب الذي هو الصيغة فاشتراط تأخّره إلى حصول المعلّق عليه مخالف لذلك الظهور. رابعها: أنّ الإنشاء هو الإيجاد وهو دائر بين الوجود والعدم فالتعليق والترديد فيه غير متصوّر وغير قابل له أصلا. ولا يخفى: أنّ الظاهر كون أكثر هذه الوجوه متخذة من العامة، فكيف أطبقوا على الجواز هنا مع أنّ الطلاق أولى من العقود بعدم الجواز. وأمّا الوجوه المختصّة فهي وجهان ; أحدهما الإجماع المحكي، وثانيهما إطلاق الروايات الحاصرة، حيث كانت تدل بالحصر على الوقوع بصيغة خاصة وتكون الصيغة مع القيد خارجة عنها، وظهور موثقة حسن بن سماعة، قال الحسن: «ليس الطلاق إلاّ كما روى بكير بن أعين أن يقول لها وهي طاهر من غير جماع: أنت طالق، ويشهد شاهدين عدلين، وكل ما سوى ذلك فهو ملغى»(1). هذا كلّه مع أنّ عدم الصحة موافق لأصالة بقاء النكاح وأحكامه. أقول: وفي الوجوه الأربعة الأولى ما لا يخفى بل الوجهين الآخرين أيضاً. توضيحه: أنّ مثل تلك الوجوه متخذة من الأُمور الواقعية ومربوطة بها والباب باب ---------------------------------------- (1)وسائل الشيعة 22: 41، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب16، الحديث1. (144) الاعتبار الذي يكون تمام قوامه بالاعتبار. والمقايسة غير صحيحة ولذا لا مانع في الجمع بين الأضداد في الاعتباريات ويكون ممكناً، بل هو واقع في مثل المتوضّأ بالماء المشكوك طهارته، فإنّه محكوم ببقاء الحدث وطهارة البدن للأصل فيهما مع ما بينهما من التضادّ كما هو واضح(1). وأمّا الإجماع فغير مستفاد من عبارة الشيخ بل المستفاد منه هو عدم الخلاف، وأمّا الروايات فالحصر في غير الموثقة منها إضافي وناظر إلى نفي ما عليه العامّة من الوقوع بمثل أنت خلية وبريّة وغيرهما من الكنايات وأمثالها، لا حقيقي كما لا يخفى، بل لقائل أن يقول: إنّ إطلاق الحصر موجب للوقوع مع الشرط مثل ما لا شرط فيه. وأمّا الموثقة فلفظة «كلّ» الموجود فيها وإن كان من ألفاظ العموم لكنّه كغيره من ألفاظ العموم يكون موضوعاً لتكثير تاليه والعموم فيه، لا أنّه للعموم بنفسه كالجمع المحلّى بالألف واللام، فعمومه تابع للتالي سعة وضيقاً، ولمّا أنّ التالي في الموثّقة أي «ما سوى ذلك» هو مطلق فمن المحتمل فيه أن يكون إطلاقه كالحصر في غيرها ناظراً إلى ذلك لاحتمال كونه في مقام البيان بالنسبة إليها لا البيان المطلق، ويشهد على ذلك مورد السؤال، فتكون الموثقة كغيرها ناظرة إلى كلمات العامّة، وإن أبيت عن ذلك وقلت: إنّ الأصل في البيان هو البيان على الإطلاق لا الإضافة فنقول: أنّه لا أقل من الانصراف إلى غير المعلّق فإنّه الرائج والدائر في الألسنة ; فتأمل(2). --------------------------------------- (1) وإن شئت توضيح ذلك فانظر إلى ما صرّح به العلاّمة الطباطبائي(قدس سره) بقوله «إنّ المحذور الوحيد في باب الأُمور الاعتبارية هو لزوم اللغو أو ما يؤول إليه، وأمّا أمثال الدور والتسلسل واجتماع المثلين أو الضدّين أو النقيضين فمحالات حقيقية لا تتعدي القضايا الحقيقية الغير الاعتبارية». حاشية الكفاية: 186. «المقرر» (2) ووجهه أنّ الحقّ عدم الاحتياج إلى مقدمات الحكمة في شيء من ألفاظ العموم بل العامّ ظاهر في العموم بالوضع ولو في مثل «كل» من أدوات العموم. منه «دام ظله». (145) اللّهم إلاّ أن يقال: إنّ العامة حيث كانوا يجوّزون الطلاق مع التعليق فيمكن أن يكون الحصر فيها ناظراً إلى هذا القول منهم كغيره من أقوالهم. ومال الشهيد الثاني إلى صحة التعليق، محتجّاً بعمومات الطلاق وبوقوعه في الظهار ونحوه ممّا ثبت في الأدلّة مؤيداً له بأنّ في تعليقه حكمة لا تحصل في المنجّز، فإنّ المرأة قد تخالف الرجل في بعض مقاصده، فتفعل ما يكرهه، وتمتنع ممّا يرغب فيه، ويكره الرجل طلاقها من حيث أنّه أبغض المباحات إلى الله تعالى شأنه، ومن حيث أنّه يرجو موافقتها، فيحتاج إلى تعليق الطلاق بفعل ما يكرهه أو ترك ما يريده، فإمّا أن تمتنع وتفعل فيحصل غرضه، أو تخالف فتكون هي المختارة للطلاق(1)، وبما في الجواهر من الخبر العامّي عن عبد الرحمن بن عوف قال: «دعتني اُمّي إلى قريب لها فراودتني في المهر، فقلت: إن نكحتها فهي طالق، ثم سألت النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: انكحها. فقال: لا طلاق قبل النكاح»(2). أقول: استدلاله بالعمومات المراد منها الإطلاقات صحيح وادّعاء الانصراف كما في الحدائق غير وجيه لكن شبهة دلالة الروايات الحاصرة والموثقة على خلافه وكذا عدم الخلاف المدّعى وعدم نقل الخلاف حتى من مثل «ابن أبي عقيل» كلّ هذه تمنع عن الأخذ بها وعن إسراء الحكم من مثل الظهار إلى الطلاق، وأمّا الحكمة المذكورة فضعف التأييد بمثلها ممّا لا يخفى على مذهب الإمامية، والجواب بنفي الطلاق قبل النكاح وعدم الجواب ببطلان التعليق كما يمكن أن يكون لما ذكره(رحمه الله) يمكن أن يكون من جهة أولوية التعليل بمثل الذاتي عن التعليل بمثل العرضي وإن كان هو أيضاً موجباً للبطلان فالحق أنّ التعليق هنا أيضاً مخلّ بالصحة. ---------------------------------------- (1) مسالك الافهام 9: 90 ـ 91. (2) جواهر الكلام 32: 27. (146) ثم لا يخفى أنّ مقتضى الاستدلال للتنجيز بمثل عدم إمكان تأخر المسبب عن السبب عدم البطلان فيما كان التعليق على شرط في الحال دون الاستقبال، بلا فرق بين الأُمور الدخيلة في الطلاق وغيرها، وبين ما كان معلوم الحصول أو مشكوكه بل الدخيلة خارجة أيضاً عن الاستدلال بالدخالة في الجعل وبالمخالفة للكتاب والسنّة كما لا يخفى ومن ذلك كله يعلم أنّ غيره هو القدر المتيقن من الإجماع وعدم الخلاف واكتفى في المتن بالأول احتياطاً لأهميّة الطلاق. (مسألة 7 ـ لو كرّر صيغة الطلاق ثلاثاً وقال: «هي طالق، هي طالق، هي طالق» من دون تخلل رجعة في البين قاصداً تعدّده تقع واحدة ولغت الاُخريان ولو قال: «هي طالق ثلاثاً» لم يقع الثلاث قطعاً، والأقوى وقوع واحدة كالصورة السابقة(. إجماعاً، ويدلّ عليه معتبرة إسحاق بن عمار، إن لم تكن صحيحة(1) فقد روى الشيخ(رحمه الله) عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن الحسن بن موسى الخشاب، عن غياث بن كلوب بن فيهس البجلي، عن إسحاق بن عمار الصيرفي، عن جعفر، عن أبيه، أنّ عليّاً(عليه السلام) كان يقول: «إذا طلّق الرجل المرأة قبل أن يدخل بها ثلاثاً في كلمة واحدة فقد بانت منه ولا ميراث بينهما ولا رجعة ولا تحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره، وإن قال: هي طالق، هي طالق، هي طالق، فقد بانت منه بالاُولى، وهو خاطب من ---------------------------------------------- (1) ومنشأ الترديد في السند ما في غياث بن كلوب بن فيهس البجلي فعن الشيخ ; في العدّة انّه عملت الطائفة بأخباره واستفادة الوثاقة من الجملة مشكلة حيث إنّ العمل أعمّ من التوثيق، فلعلّه كان من جهة القرائن، نعم دلالتها على الاعتبار ممّا لا ينبغي الأشكال فيه، وأمّا حسن بن موسى الخشّاب فقال النجاشي انّه من وجوه أصحابنا مشهور بكثرة العلم والحديث، له مصنّفات، والظاهر من هذه الجملات كونه فوق الوثاقة. منه «دام ظله» (147) الخطّاب إن شاءت نكحته نكاحاً جديداً وإن شاءت لم تفعل»(1). وهذا لا كلام فيه إذا كان بلا رجوع بينهما وإلاّ يأتي البحث فيه، وإنّما الكلام في قوله «هي طالق ثلاثاً» مرسلة، في مجلس واحد فإنّه محل خلاف عندنا. وأمّا العامّة فهم متفقون على وقوع الثلاث مطلقاً مفصّلا كان أو مرسلا. فهنا مقامان ; أحدهما الطلاق مفصّلة أي مكرّرة من دون الرجوع بينها وثانيهما مرسلة. أمّا الأول فلا خلاف في صحة الواحدة منها دون الثلاثة، ويدل عليه رواية إسحاق بن عمار الصيرفي كما مرّ وأمّا الثاني فعن المرتضى في الانتصار ـ وإن ذكر في الجواهر أنّه لم يتحققه ـ وابني عقيل وحمزة وسلاّر ويحيى بن سعيد، البطلان من رأس والمشهور بين الأصحاب عن المرتضى في الناصريات ما يشعر بالإجماع عليه وكذا ما عن الخلاف بل المحكي عن العلاّمة في نهج الحقّ ذلك صريحاً أنّه يقع طلقة واحدة بقوله هي طالق ويلغو الثلاث التالي له وليس محل البحث ما اُريد من الصيغة ثلاثاً بل محلّه هو أنّ الصيغة استعملت في معناها ولكن اُريد أنّه ثلاث مرّات مثل ما اُريد من تقييد «لا إله إلاّ الله» بمثل عدد الليالي والدهور في الدعاء. ومنشأ الخلاف في القضية هو اختلاف الروايات وإلاّ فالبطلان من رأس ممّا لا إشكال فيه ولا كلام ظاهراً حتى من العامّة حيث أنّه لم يعلم بعدُ كونه من الأغلاط أو المجاز حتى يقع البحث عن صحة الصيغة بذلك النحو من المجاز وكيف كان فمورد البحث هو تعدّد الدال والمدلول بمعنى استعمال لفظ الطلاق في معناه واستعمال التالي أي ثلاثاً في معناه أيضاً فإنّه المناسب مع التفريع على الشرط الثالث في مثل القواعد وهو عدم تعقّب الصيغة بما يبطلها ومع عنوانه في مقابل اعتبار الصراحة أو اعتبار ---------------------------------------------- (1) وسائل الشيعة 22: 66، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب29، الحديث15. (148) الدلالة ولو بالمجاز والكناية دون وحدة المدلول وتعدّد الدال كما هو ظاهر. والحكم في هذه المسألة والخروج من الروايات مشكل جدّاً ولابدّ إلاّ من الاستعانة بالله وذلك للاختلاف في الاستنباط من مثل صاحبي الرياض والجواهر، فالسيّد يرى دلالة الأخبار على المشهور والجواهر ذهب إلى دلالتها على غير المشهور، ولكلٍّ منهما شأن ومقام خاصّ من الفقاهة والكتابة في الفقه، فترجيح قول أحدهما على الآخر صعب ومحتاج إلى إمعان النظر والدقة والإحاطة بأخبار الباب أكثر من غالب المسائل، ولما في الأخبار من الدلالة على شدّه التقية بحيث يصرّح أبو عبد الله (عليه السلام)على ما رواه محمّد بن سعيد «سعد السندي خ. ل» الاُموي باختلافه(عليه السلام)وأبيه(عليه السلام) في الحكم، فعنه قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) «عن رجل طلّق ثلاثاً في مقعد واحد، قال: فقال: أمّا أنا فأراه قد لزمه، وأمّا أبي فكان يرى ذلك واحدة»(1). والرواية بحيث يبيّن الإمام(عليه السلام) أيضاً الحكم مع الإبهام، والاختلاف بالقول بالأقوال الثلاثة كما يظهر ممّا رواه أبو أيوب الخزّاز فعنه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «كنت عنده فجاء رجل فسأله عن رجل طلّق امرأته ثلاثاً قال: بانت منه، قال: فذهب ثم جاء رجل آخر من أصحابنا فقال: رجل طلّق امرأته ثلاثاً فقال: تطليقة، وجاء آخر فقال: رجل طلّق امرأته ثلاثاً فقال: ليس بشيء، ثم نظر إليّ فقال: هو ما ترى، قال: قلت: كيف هذا ؟ قال: هذا يرى أنّ من طلّق امرأته ثلاثاً حرمت عليه، وأنا أرى أنّ من طلّق امرأته ثلاثاً على السنّة فقد بانت منه، ورجل طلّق امرأته ثلاثاً وهي على طهر فانّما ---------------------------------------- (1) وسائل الشيعة 22: 65، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب29، الحديث14. (149) هي واحدة، ورجل طلّق امرأته ثلاثاً على غير طهر فليس بشيء»(1). ونحوه خبري موسى بن أشيم فعنه قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام)فسألته «عن رجل طلّق امرأته ثلاثاً في مجلس فقال: ليس بشيء، فأنا في مجلسي إذ دخل عليه رجل فسأله عن رجل طلّق امرأته ثلاثاً في مجلس فقال: تردّ الثلاث إلى واحدة فقد وقعت واحدة ولا يردّ ما فوق الثلاث إلى الثلاث ولا إلى الواحد، فنحن كذلك إذ جاءه «رجل خ» آخر فقال له: ما تقول في رجل طلّق امرأته ثلاثاً في مجلس ؟ فقال إذا طلّق الرجل امرأته ثلاثاً بانت منه فلم تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره. فأظلم عليّ البيت وتحيّرت من جوابه في مجلس واحد بثلاثة أجوبة مختلفة في مسألة واحدة، فقال: يا ابن أشيم أشككت ؟ ودّ الشيطان أنك شككت، إذا طلّق الرجل امرأته على غير طهر ولغير عدّة كما قال الله عزّ وجلّ ثلاثاً أو واحدة فليس طلاقه بطلاق، وإذا طلّق الرجل امرأته ثلاثاً وهي على طهر من غير جماع بشاهدين عدلين فقد وقعت واحدة وبطلت الثنتان ولا يردّ ما فوق الواحدة إلى الثلاث، ولا إلى الواحدة، وإذا طلّق الرجل امرأته ثلاثاً على العدّة ـ كما أمر الله عز وجل ـ فقد بانت منه، ولا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره فلا تشكّنّ يا ابن أشيم، ففي كلّ ـ والله ـ من ذلك الحق»(2). ونحوه خبره الآخر مع اختصار واختلاف يسير(3). ولما فيها من بيان الحكم على قاعدة الإلزام في بعض المواضع دون الحكم الواقعي. ---------------------------------------- (1) وسائل الشيعة 22: 66، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب29، الحديث16. (2) وسائل الشيعة 22: 70، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب29، الحديث28. (3) وسائل الشيعة 22: 70، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب29، الحديث27. (150) ففي رواية محمّد بن سعيد قال(عليه السلام) «أمّا أنا فأراه قد لزمه». ولما فيها من الاختلاف في الردّ إلى الكتاب والسنّة في المسألة في أنّ البطلان من رأس مخالف له أو صحة الواحدة وبطلان الزائد كما يظهر ذلك في بيان الأخبار فانتظر. وللاشكال في أنّ قوله «طلّق ثلاثاً» الموجود في الروايات هل الظاهر منه الطلاق الثلاث المفصلة أو الأعم منها ومن المرسلة ولو من جهة ترك الاستفصال ؟ فالمسألة من هذه الجهات العديدة مشكلة جدّاً وقبل الورود في الروايات نقول: إن مقتضى القاعدة هي صحة الواحدة وبطلان البقية لتمامية الأركان من وجود المقتضي وعدم المانع فإنّ كلمة «ثلاثاً» غاية الأمر فيها اللغوية وليس الباب باب العبارة المركبّة حتى يكون الزائد موجباً للبطلان نعم لغويته موجبة لبطلانها وعدم الجدوى فيه كما لا يخفى. نعم، لقائل أن يقول: إنّ مقتضى الروايات الحاصرة هو البطلان وقد مرّ أنّ الحصر إضافي. وأمّا أخبار الباب فهي على طوائف ثلاث: الطائفة الأولى: ما يكون كالنصّ بل بعضها نصّ في الاختصاص بمورد البحث وهي أربعة: أحدها: ما رواه في الكافي عن الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن علي، عن سماعة بن مهران، عن الكلبي النسابة وهو الحسن بن علوان، عن الإمام الصادق(عليه السلام) في حديث قال قلت له: «رجل قال لامرأته: أنت طالق عدد نجوم السماء فقال: ويحك أما تقرأ سورة الطلاق ؟ قلت: بلى، قال: فاقرأ فقرأت (فطلّقوهنّ لعدّتهنّ وأحصوا العدّة) فقال: أترى هاهنا نجوم السماء ؟ قلت: لا، فقلت: فرجل قال لامرأته: أنت طالق ثلاثاً فقال: تردّ إلى كتاب الله وسنّة نبيه، ثم قال: لا طلاق (151) إلاّ على طهر من غير جماع بشاهدين مقبولين»(1). والرواية غير خالية من الاجمال بالنسبة إلى حكم المسألة حيث لم يبيّنه صريحاً بل اكتفى في البيان بالرد إلى الكتاب والسنّة وروايات الردّ إليهما في الباب على طائفتين، إحديهما دالة على البطلان بالأسر وثانيتهما على بطلان الأخيرين فقط، إلاّ أن يقال: في صدرها شهادة على البطلان من رأس حيث إنّ ردّه(عليه السلام) الطلاق بعدد نجوم السماء إلى الكتاب ظاهر في أنّه لمّا لم يكن الطلاق كذلك في القرآن فليس بمشروع ويكون باطلا، فمثله الطلاق ثلاثاً المردود إليه أيضاً لعدم الطلاق كذلك في الكتاب، فهو أيضاً باطل كعدد نجوم السماء. هذا مع ما في ذيل الرواية من الاشعار على البطلان أيضاً لما فيها الإشارة من حيث الوقوع ثلاثاً في غير طهر والردّ إلى الكتاب والبطلان لهذه الجهة ظاهر ويشهد على ذلك صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من طلّق امرأته ثلاثاً في مجلس وهي حائض فليس بشيء وقد ردّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)طلاق ابن عمر إذ طلّق امرأته ثلاثاً وهي حائض فأبطل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك الطلاق، وقال: كلّ شيء خالف كتاب الله والسنّة ردّ إلى كتاب الله وقال: لا طلاق إلاّ في عدّة»(2). وإلاّ فقوله(عليه السلام)«لا طلاق إلاّ في عدّة» لا يصير مرتبطاً بمورد السؤال ويكون لطفاً محضاً وهـو غير قريب. --------------------------------------------- (1) وسائل الشيعة 22: 62، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب29، الحديث5. والحسين بن محمّد الأشعري القمي من مشايخ الكليني (قدس سره) وهو كاف في وثاقته، وعلي بن محمّد هو شيخ الإجازة وإن لم يوثّق ومحمد بن علي لم يوثق بل قيل إنّه ضعيف. منه «دام ظلّه» (2) وسائل الشيعة 22: 64، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب29، الحديث9. (152) ثانيها: ما عن إسحاق بن عمّار الصيرفي، عن جعفر، عن أبيه أنّ عليّاً(عليه السلام)كان يقول: «إذا طلّق الرجل المرأة قبل أن يدخل بها ثلاثاً في كلمة واحدة فقد بانت منه ولا ميراث بينهما ولا رجعة ولا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره، وإن قال: هي طالق، هي طالق، هي طالق فقد بانت منه بالاُولى، وهو خاطب من الخطّاب إن شاءت نكحته نكاحاً جديداً، وإن شاءت لم تفعل»(1). وصدرها المربوط بما نحن فيه شاذ لاتفاق الأصحاب على خلافه فانّهم بين قائل ببطلان الثلاث المرسلة من رأس وبين قائل بصحة الواحدة دون الثلاثة ولا قائل بصحة الثلاثة والاحتياج إلى المحلّل، نعم هو مذهب العامّة فيكون من باب التقية. ثالثها: ما عن علي بن إسماعيل قال: كتب عبد الله بن محمّد إلى أبي الحسن(عليه السلام): «روى أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يطلّق امرأته ثلاثاً بكلمة واحدة على طهر بغير جماع بشاهدين أنّه يلزمه تطليقة واحدة، فوقّع بخطّه: أخطأ على أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه لا يلزم الطلاق ويردّ إلى الكتاب والسنّة إن شاء الله»(2). دلالته على البطلان من رأس الذي هو خلاف المشهور واضحة. رابعها: ما عن هارون بن خارجة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت: «إنّي ابتليت فطلّقت أهلي ثلاثاً في دفعة، فسألت أصحابنا فقالوا: ليس بشيء، وإنّ المرأة قالت: لا أرضى حتى تسأل أبا عبد الله (عليه السلام) فقال: ارجع إلى أهلك فليس عليك شيء»(3). ------------------------------------------- (1)وسائل الشيعة 22: 66، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب29، الحديث15. (2) وسائل الشيعة 22: 67، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب29، الحديث19. (3) وسائل الشيعة 22: 71، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب29، الحديث29. (153) والظاهر من قوله «فليس عليك شيء» وأمره بالرجوع إلى أهله، البطلان من رأس. إلاّ أن يقال: دلالته على صحة الواحدة منها غير بعيدة والشاهد عليه الأمر بالرجوع ونفي الشيء عنه فإنّ الرجوع في أخبار الطلاق إن لم يكن ظاهراً في الرجوع عنه فلا أقلّ من انصرافه إليه كما أنّ نفي الشيء لعلّه إشارة إلى عدم الحرمة من جهة عدم الاحتياج إلى المحلّل فإنّ الرجوع مع الاحتياج إليه محرّم. ولا يخفى أنّ مكاتبة عبد الله بن محمّد هي أوضح دلالة في الأربعة المذكورة. الطائفة الثانية الدالة على وقوع الطلاق الواحد في الطلاق ثلاثاً من دون تقييد بالإرسال أو التفصيل وهي مستفيضة كثيرة: منها: صحيحة أبي بصير ومحمد بن علي الحلبي وعمر بن حنظلة جميعاً، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «الطلاق ثلاثاً في غير عدّة إن كانت على طهر فواحدة، وإن لم تكن على طهر فليس بشيء»(1). وقوله(عليه السلام) «في غير عدّة» أي إذا لم يكن للعدّة بأن يرجع في العدّة ويجامع. ومنها: صحيحة زرارة عن احدهما(عليهما السلام) قال: « سألته عن رجل طلق امرأته ثلاثاً في مجلس واحد وهي طاهر ؟ قال: هي واحدة»(2). ومنها: صحيحته الأُخرى عن أحدهما(عليهما السلام)، قال: «سألته عن الذي يطلّق في حال طهر في مجلس ثلاثاً، قال: هي واحدة»(3). ---------------------------------------- (1)وسائل الشيعة 22: 61، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب29، الحديث1. (2) وسائل الشيعة 22: 61، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب29، الحديث2. (3) وسائل الشيعة 22: 62، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب29، الحديث3. (154) ومنها: صحيحة شهاب بن عبد ربّه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: قلت: «فطلّقها ثلاثاً في مقعد. قال: تردّ إلى السنّة فإذا مضت ثلاثة أشهر أو ثلاثة قروء فقد بانت منه بواحدة»(1). ومنها: خبر عمرو بن البراء قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): «إنّ أصحابنا يقولون: إنّ الرجل إذا طلّق امرأته مرّة أو مائة مرّة فإنّما هي واحدة وقد كان يبلغنا عنك وعن آبائك أنّهم كانوا يقولون: إذا طلّق مرّة أو مائة مرّة فإنما هي واحدة، فقال: هو كما بلغكم»(2) إلى غيرها من الروايات فراجع إن شئت(3). الطائفة الثالثة: ما يدل على البطلان جميعاً وموردها مورد الطائفة الثانية فلا فرق بينهما مورداً وإنما الفرق في الحكم فهذه دالّة على خلاف المشهور وتلك دالة على المشهور. منها: صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من طلّق ثلاثاً في مجلس فليس بشيء، من خالف كتاب الله عزّ وجلّ ردّ إلى كتاب الله عزّ وجلّ. وذكر طلاق ابن عمر»(4). اللهم إلاّ أن يقال من المحتمل أن يكون المراد من قوله «فليس بشيء» نفي شيئيّة -------------------------------------------- (1) وسائل الشيعة 22: 62، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب29، الحديث4. (2) وسائل الشيعة 22: 63، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب29، الحديث7. (3) وسائل الشيعة 22: 64، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب29، الحديث11، و12 و13 و16 و28 و30. (4) وسائل الشيعة 22: 63، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب29، الحديث8. (155) الثلاثة لا شيئية أصل الطلاق، وعليه فلا دلالة للصحيحة على البطلان من رأس بل دالة على صحة الواحدة وبطلان الزيادة فالشيئية المنفيّة محتملة الأمرين ; أصل الطلاق ووقوعه ثلاثاً، ومع الاحتمال لا يتمّ الاستدلال وذكر طلاق ابن عمر أيضاً ليس شاهداً على البطلان من رأس وان الطلاق كذلك كان في حال الحيض فإنّ روايات طلاقه أيضاً على نحوين فبعضها دالّة على الصحة وآخر على البطلان فالرواية غير خالية عن الإجمال فتأمل(1). ومنها: خبر الحسن بن زياد الصيقل قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «لا تشهد لمن طلّق ثلاثاً في مجلس واحد»(2). وهذا لا يدلّ على أكثر من الحرمة حيث إنّ نهيه(عليه السلام)عن تحمّل الشهادة أو عن أدائها لا دلالة فيه على أزيد من الحرمة وهي إنّما تكون ناشئة من أنّ الشهادة على الطلاق ثلاثاً شهادة على أمر مبدع محرّم وأمّا أنّ ذلك المبدع باطل من رأس أو بالنسبة إلى الأزيد من واحد فلا دلالة للخبر عليه كما لا يخفى. وبالجملة الحديث ناظر إلى الحكم التكليفي للشهادة على المورد لا الحكم الوضعي للمورد، فاعلم واغتنم. ---------------------------------------- (1) إنّ الأمر بالتأمّل إشارة إلى ضعف الاحتمال، ففي الجواهر في مقام ردّ الاستدلال بتلك الأخبار قال ما هذا لفظه: «ومعارضة هذا كلّه باحتمال إرادة نفي الثلاث من نفي الشيئية أو احتمال إرادته مع فقد بعض الشرائط كما في طلاق ابن عمر ثلاثاً وكانت حائضاً كما ترى، على انّه لا يأتي في المكاتبة الصريحة التي يعلم منها إرادة البطلان في الثلاث المرسلة من الردّ إلى الكتاب والسنّة، لا صحة الواحدة». «جواهر الكلام 32: 86». (2) وسائل الشيعة 22: 66، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب29، الحديث17. (156) ومنها: خبر عمر بن حنظلة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إياكم والمطلّقات ثلاثاً في مجلس واحد فانّهنّ ذوات أزواج»(1). ومنها: خبر حفص بن البختري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إياكم والمطلّقات ثلاثاً فانّهنّ ذوات أزواج»(2). ودلالة الخبرين على البطلان من رأس من حيث التعليل بأنّهنّ ذوات أزواج واضحة فإنّه شامل لما قبل العدّة وبعدها وذات الزوجية بعد العدّة ملازمة للبطلان من رأس. هذا إذا كان المطلّق شيعياً وإلاّ فهو إمّا شاذّ لمخالفته لقاعدة الإلزام وإمّا يكون محمولا على استحباب ترك الزواج بهنّ، فتأمّل. وممّا يبعّد كونه من الشيعة استبعاد وقوعه ثلاثاً من جانب رجل شيعيّ، وشهادة ما عن جعفر بن سماعة أنّه سئل عن امرأة طلّقت على غير السنّة ألي أن أتزوجها ؟ فقال: نعم. فقلت له: ألست تعلم أنّ علي بن حنظلة روى: «اياكم والمطلّقات ثلاثاً على غير السنّة فانّهن ذوات أزواج ؟» فقال: يابنيّ رواية ابن أبي حمزة أوسع على الناس، روى عن أبي الحسن(عليه السلام) أنّه قال: «ألزموهم من ذلك ما ألزموه أنفسهم وتزوّجوهنّ فلا بأس بذلك»(3). ولا يخفى أنّ هذه الروايات على تقدير تمامية الدلالة فالتعارض بينها والطائفة الأولى من جانب وبين الطائفة الثانية من جانب آخر واضح وكلتاهما مخالفتان للعامة فلا ترجيح لأحدهما على الآخر من هذه الجهة كما لا ترجيح من جهة موافقة الكتاب ---------------------------------------- (1) وسائل الشيعة 22: 68، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب29، الحديث20. (2) وسائل الشيعة 22: 68، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب29، الحديث21. (3) وسائل الشيعة 22: 73، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب30، الحديث6. (157) أيضاً لسكوتها في هذه الجهة، وما في أخبار الباب من بيان الموافقة والمخالفة فليس حجة على الترجيح لأنّه المورد للتعارض فلا تغفل، مع ما بينهما من التعارض في نفس ذلك الأمر أيضاً. فإن اُخذ الشهرة مرجّحة فهو وإلاّ فيستقرّ التعارض وتؤخذ الثانية لأنها أكثر رواية وأوضح سنداً وأظهر دلالة فلها مزية على غيرها وكل مزية موجبة للترجيح وإن كانت غير منصوصة كما حققناه في الأُصول، فتحصّل مما ذكر أنّ الترجيح للثانية إمّا بالشهرة وإمّا بغيرها من المزايا الغير المنصوصة. هذا كلّه بناءً على كون المراد من الطلاق ثلاثاً المورد للطائفتين الأخيرتين الثلاث المرسلة وأمّا إن قلنا بكون المراد منه المفصّلة وانّه الظاهر والمتبادر منه فإنّ القول بأنّه سبّح عشراً غير صادق إلاّ مع التسبيح عشر مرّات مفصّلة دونه مرسلة فإنّه وإن لم يحصل الفرق في التعارض والترجيح أيضاً إلاّ أنّهما خارجتان عن محلّ البحث وتبقى الطائفة الأولى بلا معارض. كما أنّه على القول بشمولهما لكلتا الصورتين فالتعارض بين الطائفة الأولى والثانية على نحو العموم والخصوص مطلقاً، فهي تتقيد بالاُولى والنتيجة هي البطلان من رأس، وبهذا الوجه على تسليم العمومية في الثانية ثانياً وبظهورها في الاختصاص بالمفصلة أوّلا جعل صاحب الجواهـر غير المشهور أقوى وأرجح بحسب النصوص(1)، فمقتضى القاعدة على هذا ظاهر ولا كلام فيه ولكن الكلام هو في امكان الاستناد والتخصيص والتقييد، مع أنّه ليس في أخبارها ما يكون تامّة الدلالة إلاّ المكاتبة هنا، فعلينا أن نرجع مرة أُخرى إلى روايات الطائفة الأولى. ونقول: أمّا ما عن الكلبي النسّابة(2) فهي قاصرة الدلالة على البطلان فإنّ --------------------------------------------- (1) جواهر الكلام 32: 85 و87. (2) وسائل الشيعة 22: 62، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب29، الحديث5. (158) الإمام(عليه السلام) إن كان مراده بيان البطلان وأنّ مورد الثاني كالأوّل فكان ينبغي أن يجيب بمثل سابقه لا أن يغيّر الجواب. هذا مع احتمال البطلان من جهة فقد بعض الشرائط حيث أنّه يشير إلى الطلاق ثلاثاً في حال الحيض بنقل طلاق ابن عمر. وإن أبيت عن ذلك وقلت إنّ روايات طلاق ابن عمر على نحوين كما مرّ فيأتي الاحتمال والاجمال. وأمّا موثقة إسحاق بن عمّار الصيرفي(1) فهي شاذة مخالفة للإجماع. وأمّا المكاتبة(2) فدلالتها جيدة وما حكاه في الرياض عن بعض الأجلّة من حمل الطلاق في قوله «لا يلزمه الطلاق» على الثلاث لا الواحدة وتأييده ذلك الحمل بما فيه من الردّ إلى الكتاب بملاحظة ما قدّمه من تفسيره الردّ إلى الواحدة فغير تام للمخالفة للظاهر جدّاً واعترف(رحمه الله) بذلك أيضاً، فراجع(3). ورواية هارون بن خارجة(4)، في دلالتها إشكال كما مرّ، فلم يبق ما يصلح للتقييد إلاّ مكاتبة عبد الرحمن بن محمّد، وتقييد تلك الروايات الكثيرة بهذه المكاتبة وإن كان موافقاً للصناعة ولكنه مشكل بل ممنوع، مضافاً إلى أنّ فيها نسبة السهو إلى الأصحاب وهذا أمر بعيد ; فهذه كلها توجب الشك في حجّيتها وفي عدم قابليتها للتقييد، فما هو المشهور لاسيّما بين المتأخرين هو المنصور. ----------------------------------------------- (1) وسائل الشيعة 22: 66، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب29، الحديث15. (2) وسائل الشيعة 22: 67، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب29، الحديث19. (3) رياض المسائل 11: 66 ـ 67. (4) وسائل الشيعة 22: 71، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب29، الحديث29. (159) فرع لو قال المطلّق: «هي طالق للسنّة» يقع صحيحاً بلا إشكال لأنّه علّق على أمر واقعي صحيح، ولكنّه لو قال: «هي طالق للبدعة» فقد يقصد الملحوق بالقيد من أوّل الأمر على نحو وحدة المدلول وكون القيد قرينة وقد يقصد المطلق منه لكن يقيّده ثانياً بعد قوله «هي طالق»، فعلى الأخير يقع صحيحاً والقيد لغو، وعلى الأول فهو باطل كما عليه المشهور بل لا خلاف فيه لأن الصحيح لم يرد وما اُريد فليس بصحيح، ومثل ذلك ما لو عقّبه بـ «الفاسد» و «الباطل» و «الفساد» و «البطلان» وأمثالها، ولك أن تقول: إنّ تعقيب الصيغة بقيودِ أمثالها من الزيادات فإن كان بمثل التقييد في قوله «لا إله إلاّ الله عدد الليالي والدهور» وفي قوله «هي طالق ثلاثاً» على ما مرّ بيانه فالطلاق صحيح وإلاّ فلا، وبعبارة أُخرى، إن كان القيد بنحو تعدد الدال والمدلول فهو صحيح وإلاّ فباطل. (مسألة 8 ـ لو كان الزوج من العامة ممن يعتقد وقوع الثلاث بثلاث مرسلة أو مكررة وأوقعه بأحد النحوين ألزم عليه(. إجماعاً محصّلا ومنقولا ويدل عليه الأخبار العامة والخاصة: فمن الأولى: موثقة عبد الرحمن البصريّ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: «امرأة طلّقت على غير السنّة، فقال: يتزوج هذه المرأة لا تترك بغير زوج»(1). ومنها: ما عن علي بن أبي حمزة أنه سأل أبا الحسن(عليه السلام) «عن المطلّقة على غير ----------------------------------------- (1)وسائل الشيعة 22: 73، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب30، الحديث3. (160) السنّة أيتزوّجها الرجل ؟ فقال: ألزموهم من ذلك ما ألزموه أنفسهم، وتزوّجوهنّ فلا بأس بذلك»(1). ومن الثانية: ما عن عبد الأعلى، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته «عن الرجل يطلّق امرأته ثلاثاً قال: إن كان مستخفّاً بالطلاق ألزمته ذلك»(2). ومنها: ما عن أبي العباس البقباق قال: «دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال لي: اروِ عنّي أنّ من طلّق امرأته ثلاثاً في مجلس واحد فقد بانت منه»(3). ومنها: ما عن حفص بن البختري أيضاً، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل طلّق امرأته ثلاثاً فأراد رجل أن يتزوّجها كيف يصنع ؟ قال: يأتيه فيقول: طلّقت فلانة ؟ فإذا قال: نعم، تركها ثلاثة أشهر ثمّ خطبها إلى نفسها»(4). وأيضاً ما عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل يريد تزويج امرأة قد طلّقت ثلاثاً كيف يصنع فيها ؟ قال: يدعها حتى تحيض وتطهر ثمّ يأتي زوجها ومعه رجلان فيقول له: قد طلّقت فلانة ؟ فإذا قال: نعم، تركها حتى تمضي ثلاثة أشهر ثم خطبها إلى نفسه»(5). ----------------------------------------- (1) وسائل الشيعة 22: 73، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب30، الحديث5. (2) وسائل الشيعة 22: 73، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب30، الحديث7. (3) وسائل الشيعة 22: 74، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب30، الحديث8. (4) وسائل الشيعة 22: 76، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب31، الحديث1. (5) وسائل الشيعة 22: 76، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب31، الحديث2. (161) ولكن تعارضها الروايات الأُخرى الدالّة على أنّ المطلّقات كذلك ذوات أزواج وهي ما مرّ عن ابن حنظلة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إياكم والمطلّقات ثلاثاً في مجلس واحد فانّهنّ ذوات أزواج»(1). ومنها: خبر حفص بن البختري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إيّاكم والمطلّقات ثلاثاً فانهنّ ذوات أزواج»(2). ومنها: خبر الفضل بن شاذان، عن الرضا(عليه السلام) في كتابه إلى المأمون قال: «وإذا طلّقت امرأة بعد العدّة ثلاث مرّات لم تحلّ لزوجها حتى تنكح زوجاً غيره، قال: وقال أمير المؤمنين(عليه السلام): اتّقوا تزويج المطلّقات ثلاثاً في موضع واحد فانّهنّ ذوات أزواج»(3). ويمكن رفع التعارض بترجيح أخبار الجواز بما فيها من السعة والسهولة، والترجيح بالسهولة والسعة، مع أنّه مقتضى الأصل، وعدّها صاحب الحدائق في مقدمات الحدائق من المرجّحات واختاره الفقيه كما يظهر للمراجع، واحتمله صاحب الجواهر في مسألة مواسعة القضاء ومضايقته ويشهد له ما عن جعفر بن سماعة(4) فإنّ الظاهر ترجيحه ما عن ابن حمزة على ما عن ابن حنظلة بالأوسعية. كما يمكن أيضاً --------------------------------------------- (1) وسائل الشيعة 22: 68، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب29، الحديث20. (2) وسائل الشيعة 22: 68، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب29، الحديث21. (3) وسائل الشيعة 22: 69، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب29، الحديث24. (4) وسائل الشيعة 22: 73، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب30، الحديث6. (162) بحمل الأخبار المانعة على ما كان المطلّق شيعيّاً والمجوّزة على ما كان من العامّة، ويشهد له ما عن عبد الله بن طاووس قال: قلت لأبي الحسن الرضا(عليه السلام): «إنّ لي ابن أخ زوّجته ابنتي وهو يشرب الشراب ويكثر ذكر الطلاق، فقال: إن كان من اخوانك فلا شيء عليه، وإن كان من هؤلاء فأبنها منه فإنّه عنى الفراق، قال: قلت: أليس قد روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: إياكم والمطلّقات ثلاثاً في مجلس فانّهنّ ذوات الأزواج ؟ فقال: ذلك من اخوانكم لا من هؤلاء، أنّه من دان بدين قوم لزمته أحكامهم»(1). وفي الحدائق الجمع بوجهين آخرين ; أحدهما: حمل أخبار الجواز على أصل الرخصة وأخبار المنع على الأصل والأفضلية، واستشهد له مضافاً إلى ما عن سماعة بما عن شعيب الحدّاد قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): «رجل من مواليك يقرؤك السلام وقد أراد أن يتزوّج امرأة وقد وافقته وأعجبه بعض شأنها، وقد كان لها زوج فطلّقها على غير السنّة، وقد كره أن يقدم على تزويجها حتى يستأمرك فتكون أنت تأمره، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): هو الفرج، وأمر الفرج شديد، ومنه يكون الولد، ونحن نحتاط فلا يتزوّجها»(2). ثم قال: «فإنّ الظاهر أنّ هذا المنع على وجه الأفضلية فالاحتياط هنا مستحبّ وإن جاز التزويج رخصة بالأخبار المتقدمة»(3). ------------------------------------------------- (1) وسائل الشيعة 22: 75، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب30، الحديث11. (2) وسائل الشيعة 20: 258، كتاب النكاح، أبواب مقدمات النكاح وآدابه، الباب157، الحديث1. (3) الحدائق الناضرة 25: 244. (163) وفيه: أنّ الجمع كذلك بعيد بل ممنوع كيف وفي الأخبار المانعة التعليل بأنّهنّ ذوات أزواج، وما عن ابن سماعة فقد عرفت ارتباطه بالترجيح لا بالجمع، وأمّا ما عن شعيب الحدّاد فمن المحتمل أن يكون بياناً في أمر شخصي لا حكم كلّي كما يشهد له قوله في السؤال «حتى يستأمرك» وقوله(عليه السلام)في الجواب «ونحن نحتاط فلا يتزوّجها». ثانيهما: ما سننقله في بيان عدم الفرق في الحكم بين أن تكون المرأة مخالفة أو شيعيّة. هذا كله مضافاً إلى أنّ الروايات المانعة كلّها مطروحة لأنها في ظاهرها خلاف الإجماع أو المشهور فليست بحجة ويكون من الشاذّ النادر لأن الطلاق ثلاثاً إن كان مفصّلا أي مكرّراً فالإجماع على صحة الواحد منها وإن كان مرسلا فالمشهور على صحة الواحد أيضاً. (سواء كانت المرأة شيعية أو مخالفة، ونرتب نحن عليها آثار المطلّقة ثلاثاً، فلو رجع إليه نحكم ببطلانه إلاّ إذا كانت الرجعة في مورد صحيحة عندهم. فنتزوج بها في غير ذلك بعد انقضاء عدتها، وكذلك الزوجة إذا كانت شيعية جاز لها التزويج بالغير). قضاءً لإطلاق الروايات، وفي الحدائق احتمال التفصيل بينهما جمعاً بين الروايات المتعارضة. واستشكل فيه مضافاً إلى أنّ الجمع تبرّعي أنّه ينافيه خبر إبراهيم بن محمّد الهمداني قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني(عليه السلام) مع بعض أصحابنا فأتاني الجواب بخطّه: «فهمت ما ذكرت من أمر ابنتك وزوجها... إلى أن قال: ومن حنثه بطلاقها غير مرّة فانظر فإن كان ممّن يتولاّنا ويقول بقولنا فلا طلاق عليه لأنّه لم يأت أمراً (164) جهله، وإن كان ممّن لا يتولاّنا ولا يقول بقولنا فاختلعها منه فإنّه إنّما نوى الفراق بعينه»(1). (ولا فرق في ذلك بين الطلاق ثلاثاً وغيره ممّا هو صحيح عندهم فاسد عندنا كالطلاق المعلّق والحلف به وفي طهر المواقعة والحيض وبغير شاهدين فنحكم بصحته إذا وقع من المخالف القائل بالصحة). للإجماع والأخبار التي تكون بعضها واردة في الطلاق في مثل غير العدّة وبعضها في مطلق الطلاق لغير السنّة. فمنها: موثقة عبد الرحمن بن أبي عبد الله البصري وقد وثّقه النجاشي والعلاّمة وابن داود، لكن توثيق النجاشي في ترجمة حفيده إسماعيل بن همام ابن عبد الرحمن بن أبي عبد الله وقد مرّت الرواية(2). ومنها: موثقة عبد الله بن سنان، قال: سألته «عن رجل طلّق امرأته لغير عدّة ثم أمسك عنها حتى انقضت عدّتها، هل يصلح لي أن أتزوجها ؟ قال: نعم، لا تترك المرأة بغير زوج»(3). ومنها: ما عن علي بن أبي حمزة أنّه سأل أبا الحسن(عليه السلام) «عن المطلّقة على غير ---------------------------------------------- (1) وسائل الشيعة 22: 72، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب30، الحديث1. (2) وسائل الشيعة 22: 73، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب30، الحديث3. (3) وسائل الشيعة 22: 73، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب30، الحديث4. (165) السنّة أيتزوّجها الرجل، فقال: ألزموهم من ذلك ما ألزموه أنفسهم، وتزوّجوهنّ فلا بأس بذلك»(1). (وهذا الحكم جار في غير الطلاق أيضاً، فنأخذ بالعول والتعصيب منهم الميراث مثلا مع بطلانهما عندنا، والتفصيل لا يسع هذا المختصر). وكلّ ما في المسألة هو من موارد قاعدة الإلزام المعتبرة فتوى ونصّاً مع كون غير واحد منها، إن لم يكن كلّها، مورداً للنصّ الخاصّ أيضاً(2). قلنا في بداية القول في الصيغة أنّ العلاّمة(قدس سره) في القواعد ذكر شروطاً خمسة فيها، وإلى هنا قد مرّت ثلاثة من تلك الشروط. الشرط الرابع: وقوع الطلاق في محله فلا يصح طلاق جزء من الزوجة بلا إشكال وعليه الإجماع كما أنّه لا يصح وقوعه على الرجل، للحصر في أخبار الطلاق بلا خلاف ولا كلام، وصاحب الجواهر(قدس سره) متعرّض له ; فمن أرادها فليراجع(3). الشرط الخامس: هو قصد الإنشاء في الصيغة ولا كلام فيه أيضاً وشرطيّته واضحة ; والطلاق هو كغيره من العقود والإيقاعات. _____________________________________________________________________ (1) وسائل الشيعة 22: 73، كتاب الطلاق، أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الباب30، الحديث5. (2) والأستاذ وإن تعرّض هنا لجلّ مباحث القاعدة لكن حذفها هنا رجاء أن يجعلها بحثاً مستقلا. (3) جواهر الكلام 32: 94.
|