|
مسألتان:
المسألة الأولی: أنّ الظاهر من بعض الروايات، حرمة السلام علی الفقير بخلاف سلامه علی الغني، بل وجوب المساوات بينهما، كرواية فضل بن كثير، عن عليّ بن موسى الرضا(علیه السلام)،([1777]) قـال: «مـن لقي فقيراً مسلماً فسلّم عليـه خلاف سلامه علی للغنيّ لقي الله عزّوجلّ يوم القيامة وهو عليه غضبان».([1778]) ويؤيّده ما روي عن عليّ(علیه السلام) في نهج البلاغة: «... ومن أتي غنيّاً فتواضع له لغناه ذهب ثلثا دينه...».([1779]) فإنّها وإن لم يكن صريحاً في خصوص السلام إلّا أنّـه يشمله من حيث المصداق، ولكنّهما ضعيفتان سنداً، فالأوّل منهما ضعيفٌ بجهالة کلّ من في سنده، وفي الثاني ضعيفٌ بالإرسال. والمناقشة فيهما بالمعارضة برواية محمّد بن يعقوب، عن أبي عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبدالجبّار، عن الحجّال، قال: قلت لجميل بن درّاج: قال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم): «إذا أتاكم شريف قوم فأكرموه»، قال: نعم. قلت له: وما الشريف؟ قال: قد سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن ذلك، فقال: «الشريف من كان له مال»، قال: قلت: فما الحسيب؟ قال: «الذي يفعل الأفعال الحسنة بماله وغير ماله»، قلت: فما الكرم؟ قال: «التقوى»،([1780]) ففي غير محلّه. وذلك لأنّ مال الدنيا ومتاعه بما هو متاع الدنيا ليس موجباً للشرف والفضيلة، ولا الغناء من المعروف، كما أنّ الفقر ليس من المنكر. ويدلّ علیه الکتاب والسنّـة؛ أمّا الکتاب، قوله تعالى: ﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِن شَيْء وَمَا مِـن حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِن شَيْء فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾.([1781]) وأمّا السنّـة، ما روي عن عليّ(علیه السلام) في الرواية الثانية، النهي عن التواضع للغني لغناه. وروي عن أبي عبدالله(علیه السلام) أيضاً: «ومن أتی غنيّاً فتضعضع له ليصيب من دنياه ذهب ثلثا دينه».([1782]) فالمال والغناء لا اعتبار بهما ذاتاً، فلابدّ من حمل الرواية على الشرف بالعرض؛ بأن يكتسب المال للكفاية حتّی لا يكلّ على الناس ولا اضطرّ إلى التكفّف والتملّق ولا الكذب وبيع دينه لإشباع نفسه وعياله. إن قلت: إنّ المال قد أطلق عليه الخير في الكتاب الشريف في قوله تعالى: ﴿إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ﴾.([1783]) قلت: إطلاق الخير عليه ليس من حيث إنّـه مال ومتاع دنيويّ، بل باعتبار تعلّق الوصيّـة به، فإنّ الوصيّـة بالمال خير، كما أنّ بذله خيرٌ. المسألة الثانية: في حرمة السلام ابتداءً على الكافر ووجوب الجواب عن سلامهم بلفظ «عليكم». ويمكن الاستدلال عليها بروايات: منها: رواية غياث بن إبراهيم، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: قال أميرالمؤمنين(علیه السلام): «لا تبدءوا أهل الكتاب بالتسليم، وإذا سلّموا عليكم فقولوا: وعليكم».([1784]) ومنها: روايـة عبدالله بن جعفر الحميري في (قرب الإسنـاد) عن السندي بن محمّد، عن أبي البختري، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، أنّ رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)، قال: «لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام، وإن سلّموا عليكم فقولوا: عليكم، ولا تصافحوهم ولا تكنّوهم إلّا أن تضطرّوا إلى ذلك».([1785]) ومنها: رواية عن زرارة، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «تقول في الردّ على اليهوديّ والنصرانيّ، سلام».([1786]) ومنها: رواية محمّد بن مسلم، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «إذا سلّم عليك اليهوديّ والنصرانيّ والمشرك، فقل عليك».([1787]) ومنها: حسنة عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أُذينة، عن زرارة، عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: دخل يهوديّ على رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)وعائشة عنده، فقال: السام عليكم، فقال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم): «عليكم»، ثمّ دخل آخر فقال مثل ذلك، فردّ عليه كما ردّ على صاحبه، ثمّ دخل آخر فقال مثل ذلك، فردّ عليه رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)كما ردّ على صاحبَيه، فغضبت عائشة فقالت: عليكم السام والغضب واللعنة يا معشر اليهود يا إخوة القردة والخنازير، فقال لها رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم): «يا عائشة؛ إنّ الفحش لو كان ممثلاً لكان مثال سوء، إنّ الرفق لم يوضع على شيء قطّ إلّا زانه، ولم يرفع عنه قطّ إلّا شانه»، قالت: يا رسول الله؛ أما سمعت إلى قولهم: السام عليكم، فقال: «بلى، أما سمعت ما رددت عليهم؟» فقلت: «عليكم، فإذا سلّم عليكم مسلم فقولوا: سلام عليكم، فإذا سلّم عليكم كافر فقولوا: عليك».([1788]) أقول: إنّ الظاهر أنّ أهل الكتاب واليهود والنصارى الموضوع للنهي عن ابتداء السلام لهم في هذه الروايات وإن كان بإطلاقها أعمّ من القاصرين والمقصّرين منهم، إلّا أنّها لا تبعد القول باختصاصها بالمقصّرين منهم المنكرين للحقّ عناداً وجحوداً دون القاصرين الغافلين. وذلك لأنّ التعبير عنهم بـ «أهل الکتاب» يکون من جهة إطلاق القرآن ذلك عليهم، وأهل الكتاب في القرآن صاروا مورداً للمذمّـة دائماً، ولا يستحقّ الذمّ إلّا المقصّر الجاحد للحقّ، لا القاصر الذي لايهتدي سبيلاً. بذلك يظهر أنّ ما في الروايات من الأحکام المرتبة عليهم لابدّ وأن يکون مختصّة بالجاحدين منهم والمقصّرين منهم؛ قضاءً لکون العترة ممّا لاتفترق علی الکتاب حتّی يردا علی الرسول عند الحوض. وبالجملة، من المعلوم کون المقصود من الروايات الواردة عن المعصومين(علیهم السلام) في أحکام أهل الکتاب، ما هو المقصود منهم في الکتاب إلی المقصّرين والجاحدين منهم؛ لئلّا يفترق العترة عن الکتاب. هذا مضافـاً إلى أنّ حرمة السلام عليهم ابتداءً ووجوب الجواب عن سلامهم بـ «عليكم» غير مناسبٍ مع الجاهل القاصر الذي لايهتدي سبيلاً إلى الحقّ مع كونه بصدده. -------------------- [1777]. سند الرواية هکذا: محمّد بن عليّ بن الحسين في عيون الأخبار، وفي المجالس عن الحسين بن أحمد بن إدريس، عن أبيه، عن جعفر بن محمّد بن مالك، عن محمّد بن أحمد المدائني. [1778]. عيون أخبار الرضا(عليه السلام) 2: 57، باب فيما جاء عن الرضا(عليه السلام) من الأخبار المجموعة، الحديث 202؛ الأمالي (للصدوق): 359، المجلس الثامن والستّون، الحديث 5؛ وسائل الشيعة 12: 64، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 36، الحديث 1. وفيهما: «على الغنيّ» بدل «الأغنياء».
|