|
الکلام في حقوق المسلم علی أخیه
خاتمة: بعض الأخبار الواردة في حقوق المسلم على أخيه: منها: صحيحة مرازم، عن أبي عبدالله(علیه السلام): «ما عبدالله بشيء أفضل من أداء حقّ المؤمن».([1715]) والظاهر أنّ الحصر المستفاد منها راجع إلی المستحبّات، وإلّا فكثير من الواجبات، كالصلاة والحجّ والجهاد، أفضل من أداء حقّ المؤمن، كما أنّ الحكم بأنّ أداء حقّ المؤمن أفضل المستحبّات، من باب المبالغة لبيان أهميّـة أداء حقّ المؤمن، وإلّا فمثل زيارة الحسين(علیه السلام) في يوم العاشوراء بزيارته المأثورة، أفضل وأكثر ثواباً من أداء حقّ المؤمن. اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ الأفضليّـة فيها ليس بمعنى أكثريّـة الثواب حتّى يقال بأنّها مبالغة في المستحبّات، بل من المحتمل أن تکون الأفضليّـة من حيث المطالبة به يوم القيامة، کما تدلّ عليه الجملة الأخيرة في الحديث. ومنها: ما رواه في الوسائل وكشف الريبة، عن كنز الفوائد للشيخ الكراجكي، عن الحسين بن محمّد بن عليّ الصيرفي، عن محمّد بن عليّ الجعابي، عن القاسم بن محمّد بن جعفر العلويّ، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ(علیهم السلام)، قال: قال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم): «للمسلم على أخيه ثلاثون حقّاً، لا براءة له منها إلّا بالأداء أو العفو: يغفر زلّته، ويرحم عبرته، ويستر عورته، ويقيل عثرته، ويقبل معذرته، ويردّ غيبته، ويديم نصيحته، ويحفظ خلّته، ويرعى ذمّته، ويعود مرضته، ويشهد ميتته، ويجيب دعوته، ويقبل هديّته، ويكافئ صلته، ويشكر نعمته، ويحسن نصرته، ويحفظ حليلته، ويقضي حاجته، ويشفع مسألته، ويسمّت عطسته، ويرشد ضالّته، ويردّ سلامه، ويطيب كلامه، ويبرّ إنعامه، ويصدّق أقسامه، ويوالي وليه (ولا يعاد)،([1716]) وينصره ظالماً ومظلوماً، فأمّا نصرته ظالماً فيردّه عن ظلمه، وأمّا نصرته مظلوماً فيعينه على أخذ حقّه، ولا يسلمه، ولا يخذله، ويحبّ له من الخير ما يحبّ لنفسه، ويكره له من الشرّ ما يكره لنفسه»، ثمّ قال(علیه السلام): سمعت رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)يقول: «إنّ أحدكم ليدع من حقوق أخيه شيئاً فيطالبه به يوم القيامة، فيقضى له وعليه».([1717]) بيان لبعض مفردات الحديث: والمراد من العَبرَة بالفتح فالسكون، وهي تجلب الدمع أو تردّد البكاء في الصدر. ومنه الدعاء: «اللهمّ ارْحَمْ عَبْرَتِي وَآمِنْ رَوْعَتِي». والجمع عبرات، ومنه حديث الحسين(علیه السلام): «أَنَا قَتِيلُ الْعَبْرَةَ»، ومعناه ما ذكرت عند أحد إلّا استعبر وبكى.([1718]) ومـن الزَّلَّةُ: استرسال الرِّجلِ مـن غير قصد، يقال: زَلَّتْ رِجْلٌ تَزِلُّ، والمَزِلَّةُ: المكان الزَلِق، وقيـل: للذنب من غير قصد: زَلَّةٌ، تشبيهاً بزلّة الرِّجل. قـال تعالى: ﴿فَإِنْ زَلَلْتُمْ﴾،([1719]) ﴿فَأَزَلَّهُمَا الشَّيطانُ﴾ ([1720]).([1721]) ومن العثرة: عَثَرَ الرجلُ يعْثُرُ عِثَاراً وعُثُوراً: إذا سقط، ويتجوّز به فيمن يطّلع على أمر من غير طلبه. قال تعالى: ﴿فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقّا إِثْماً﴾.([1722]) يقال: عَثَرْتُ على كذا. قال: ﴿وَكذلك أَعْثَرْنا عَلَيهِمْ﴾؛([1723]) أي وقفناهم عليهم من غير أن طلبوا.([1724]) فالزلّة بمعنى الخطاء من غير قصد، والعثرة بمعنى الذنب مع القصد والاطّلاع. والمستفاد من الرواية: أنّ المسلم يغفر زلّة أخيه المسلم وخطأه من دون حاجة إلى طلبه، ولكن لا يلزم العفو عن ذنوبه وعثراته إلّا بعد إقالته إيّاه، كما أنّ الله تعالى أيضاً يغفر الخطايا ويقيل العثرات، كما في دعاء الكميل: «وأقلني عثرتي واغفر ذلّتي». وفي دعاء الجوشن الكبير: «يا مقيل العثرات»، و«يا غافر الخطايا»، وكذا في كثير من الأدعية. والتَّسْمِيتُ: الدعاء للعاطِس، وهو قولك له: يرحمك الله، وقيل: معناه هداك الله إلى السَّمْت؛ وذلك لما في العاطس من الانزِعاج والقَلَق؛ هذا قول الفارسي. وقد سَمَّتَه إذا عَطَسَ، فقال له: يرحمك الله؛ أُخذ من السَّمت إلى الطريق والقصد، كأنه قَصَده بذلك الدعاء؛ أي جعلك الله على سَمْت حسن، وقد يجعلون السين شيناً، كسَمَّر السفينة وشَمَّرها إذا أرساها. قال النضر بن شُمَيل: التسميت الدعاء بالبركة، يقول: بارك الله فيه. قال أبوالعبّاس: يقال سَمَّتَ العاطِس تسميتاً، وشَمَّتَه تَشْميتاً إِذا دعا له بالهدي وقصد السمت المستقيم؛ والأصل فيه السين، فقُلِبَت شيناً. قال ثعلب: والاختيار بالسين، لأنّـه مأْخوذ من السمت، وهو القصد والمَحَجَّة. وقال أبوعبيد: الشين أعلى في كلامهم، وأكثر.([1725]) قال الشيخ الأعظم الأنصاري بعد نقل الروايتين: والظاهر إرادة الحقوق المستحبّـة التي ينبغي أداؤها، ومعنى القضاء لذيها على من هي عليه: المعاملة معه معاملة من أهملها بالحرمان عمّا أُعدّ لمن أدّى حقوق الاُخوّة.([1726]) ومنها: رواية جابر، عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: «من حقّ المؤمن على أخيه المؤمن أن يشبع جوعته، ويواري عورته، ويفرّج عنه كربته، ويقضي دينه، فإذا مات خلفه في أهله وولده».([1727]) ومنها: رواية معلّى بن خنيس، عن أبي عبدالله جعفر بن محمّد الصادق(علیهما السلام)، قال: قلت له: ما حقّ المسلم على المسلم؟ قال: «له سبع حقوق واجبات، ما منهنّ حقّ إلّا وهو واجب، إن ضيّع منها شیئاً خرج من ولاية الله وطاعته، ولم يكن لله فيه من نصيب»، قلت له: جعلت فداك؛ وما هي؟ قال: «يا معلّى؛ إنّي عليك شفيقٌ، أخاف أن تضيّع ولا تحفظ وتعلم ولا تعمل»، قال: قلت له: لا قوّة إلّا بالله، قال: «أيسر حقّ منها أن تحبّ له ما تحبّ لنفسك، وتكره له ما تكره لنفسك. والحقّ الثاني: أن تجتنب سخطه وتتّبع مرضاته، وتطيع أمره. والحقّ الثالث: أن تعينه بنفسك ومالك ولسانك ويدك ورجلك. والحقّ الرابع: أن تكون عينه ودليله ومرآته. والحقّ الخامس: أن لا تشبع ويجوع، ولا تروى ويظمأ، ولا تلبس ويعرى. والحقّ السادس: أن يكون لك خادم وليس لأخيك خادم، فواجب لك أن تبعث إليه خادمك، فيغسّل ثيابه، ويصنع طعامه، ويمهّد فراشه. والحقّ السابع: أن تبرّ قَسَمَه، وتجيب دعوته، وتعود مريضه، وتشهد جنازته، وإذا علمت أنّ له حاجة تبادره إلى قضائها ولا تلجئه إلى أن يسألكها، ولكن تبادره مبادرة، فإذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايته، وولايته بولايتك».([1728]) قوله(علیه السلام): «له سبع حقوق واجبات؛ ما منهنّ حقّ إلّا وهو علیه واجب، إن ضيع منها شيئاً خرج من ولاية الله وطاعته، ولم يكن فيه من نصيب» يحمل على المبالغة. وأنّـه من ضيّع هذه الحقوق السبعة ليس من خُلّص أولياء الله؛ إذ لا يمكن حمل الوجوب على المعنى المصطلح، إذ لا أظنّ أحداً قائلاً بوجوب أكثر ما ذكر، فلابدّ من حمله على الأعمّ من المعنى المصطلح والاستحباب، وكذا خروجه من ولاية الله؛ أي من محبّته سبحانه أو نصرته. وقوله: «ولم يكن لله فيه من نصيب»؛ أي لا يصل شيء من أعماله إلى الله ولا يقبلها، أو ليس هو من السعداء الذين هم حزب الله، بل هو من الأشقياء الذين هم حزب الشيطان. وأمّا قوله(علیه السلام): «يا معلّى؛ إنّي عليك شفيقٌ، أخاف أن تضيع ولا تحفظ وتعلم ولاتعمل» الدالّ على إرادته(علیه السلام) عدم ذكره تلك الحقوق وإبطائه فيه للخوف من عدم عمله به، فمشكلٌ؛ لأنّ ظاهر أكثر الآيات والأخبار وجوب التعليم والهداية وإرشاد الضالّ، لا سيمّا بالنسبة إليهم(علیهم السلام)، مع عدم خوف وتقيّـة، كما هو ظاهر هذا المقام. وقد قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَينّاهُ لِلنّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يلْعَنُهُمُ الله وَيلْعَنُهُمُ اللاّعِنُونَ﴾،([1729]) وأمثالها كثيرة. وأجاب عنه المحدّث المجلسي بوجهين بقوله: الأوّل: إنّ الظاهر أنّ غرضه(علیه السلام) من هذا الامتناع لم يكن ترك ذكره والإعراض عنه، بل كان الغرض تشويق المخاطب إلى استماعه وتفخيم الأمر عليه، وأنّـه أمر شديد أخاف أن لا تعمل به، فتستحقّ العقاب، ولم يصرّح(علیه السلام) بأنّي لا أذكره لك لذلك، ولا أنّك مع عدم العلم معذور، بل إنّما أكّد الأمر الذي أراد بقائه عليه بتأكيدات لتكون أدعى له على العمل به، كما إذا أراد الأمير أن يأخذ بعض عبيده وخدمه بأمر صعب، فيقول قبل أن يأمره به: أريد أن أولّيك أمراً صعباً عظيماً، وأخاف أن لا تعمل به لصعوبته، وليس غرضه الامتناع عن الذكر، بل التأكيد في الفعل. والثاني: أن يكون هذا مؤيّداً لاستحباب هذه الأمور ووجوب بيان المستحبّات لجميع الناس، لا سيّما لمن يخاف عليه عدم العمل به غير معلوم، خصوصاً إذا ذكره(علیه السلام) لبعض الناس، بحيث يكفي لشيوع الحكم وروايته وعدم صيرورته متروكاً بين الناس، بل يمكن أن يكون عدم ذكره إذا خيف استهانته بالحكم واستخفافه به أفضل وأصلح بالنسبة إلى السامع؛ إذ ترك المستحبّ مع عدم العلم بـه أولى بالنسبة إليـه مـن استماعه وعدم الاعتناء بشأنـه. وكلا الوجهين الذين خطرا بالبال حسن، ولعلّ الأوّل أظهر وأحسن وأمتن.([1730]) ومنها: رواية أبان بن تغلب، قال: كنت أطوف مع أبي عبدالله(علیه السلام) فعرض لي رجل من أصحابنا كان سألني الذهاب معه في حاجة فأشار إليّ فكرهت أن أدع أبا عبدالله(علیه السلام) وأذهب إليه فبينا أنا أطوف، إذ أشار إليّ أيضاً فرآه أبوعبدالله(علیه السلام) فقال: «يا أبان؛ إيّاك يريد هذا»؟ قلت: نعم. قال: «فمن هو؟» قلت: رجل من أصحابنا، قال: «هو على مثل ما أنت عليه»، قلت: نعم. قال: «فاذهب إليه»، قلت: فأقطع الطواف؟ قال: «نعم». قلت: وإن كان طواف الفريضة؟ قال: «نعم». قال: فذهبت معه، ثمّ دخلت عليه بعد، فسألته، فقلت: أخبرني عن حقّ المؤمن على المؤمن، فقال: «يا أبان؛ دعه لا تُرده»، قلت: بلى، جعلت فداك؛ فلم أزل أردّد عليه، فقال: «يا أبان؛ تقاسمه شطر مالك»، ثمّ نظر إليّ فرأى ما دخلني، فقال: «يا أبان؛ أما تعلم أنّ الله عزّوجلّ قد ذكر المؤثرين على أنفسهم»؟ قلت: بلى، جعلت فداك؛ فقال: «أمّا إذا أنت قاسمته فلم تؤثره بعد، إنّما أنت وهو سواء، إنّما تؤثره إذا أنت أعطيته من النصف الآخر».([1731]) ----------------- [1715]. الكافي 2: 170، باب حقّ المؤمن على أخيه وأداء حقّه، الحديث 4؛ وسائل الشيعة 12: 203، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 122، الحديث 1. [1716]. في المصدر: ويعادي عدوّه. [1717]. کنز الفوائد 1: 306، فصل في الوعظ والزهد؛ کشف الريبة: 77 ـ 78، الخاتمة في أحاديث مناسبة للمقام، الحديث الأوّل؛ وسائل الشيعة 12: 212، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 122، الحديث 24. [1718]. مجمع البحرين 3: 394، مادّة: «عبر». [1719]. البقرة (2): 209. [1720]. البقرة (2): 36. [1721]. مفردات ألفاظ القرآن: 381، مادّة: «زلل». [1722]. المائدة (5): 107. [1723]. الكهف (18): 21. [1724]. مفردات ألفاظ القرآن: 546، مادّة: «عثر». [1725]. لسان العرب 6: 354، مادّة: «شمت». [1726]. المكاسب 1: 366. [1727]. الكافي 2: 169، باب حقّ المؤمن على أخيه وأداء حقّه، الحديث 1؛ وسائل الشيعة 12: 204، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 122، الحديث 5. [1728]. الكافي 2: 169، باب حقّ المؤمن على أخيه وأداء حقّه، الحديث 2؛ وسائل الشيعة 12: 205، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 122، الحديث 7. [1729]. البقرة (2): 159. [1730]. مرآة العقول 9: 29 ـ 30، باب حقّ المؤمن علي أخيه وأداء حقّه، ذيل الحديث 2. [1731]. الكافي 2: 171، باب حقّ المؤمن على أخيه وأداء حقّه، الحديث 8؛ وسائل الشيعة 12: 209، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 122، الحديث 16، مع تفاوتٍ يسير.
|