|
الاستدلال على حرمة استماع الغيبة استقلالاً
ويمكن الاستدلال علی الاستقلال في الحرمة وعدم التبعيّـة بوجهين: أحدهما الأخبار: منها: رواية شعيب بن واقد، عن الحسين بن زيـد، عن الصادق، عن آبائه(علیهم السلام) ـ في حديث المناهي: ـ «أنّ رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)نهى عن الغيبة والاستماع إليها، ونهى عن النميمة والاستماع إليها».([1674]) بأن يقال: إنّ الظاهر أنّ النهي متعلّق باستماع طبيعة الغيبة، لا الغيبة المنهيّ عنها، كما أنّ النهي عن الغيبة لم يتعلّق بالغيبة المنهيّ عنها. وإن شئت قلت: إنّ الظاهر کون متعلّق النهي في الأوّل ومتعلّق المعطوف في الثاني شيءٌ واحد، وهو نفس الطبيعة علی الإطلاق من دون تقييد بالحرمة، فكما أنّ مقتضى الإطلاق في قوله: «نهى عن الغيبة» حرمتها؛ سواء حرم استماعها على المستمع أم لا، فكذلك مقتضى الإطلاق في قوله: «والاستماع إليها» حرمته؛ سواء حرمت الغيبة على المغتاب أم لا. وبذلك يعلم عدم تبعيّته لها في الحكم. ولكن ناقش سيّدنا الأستاذ (سلام لله علیه) في إطلاق حديث المناهي بـ: أنّ نفس مناهي الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)ليست بأيدينا حتّى يمكن الأخذ بإطلاقها، والرواية الحاكية عنها إنّما جمع فيها شتات الأحاديث والنواهي الواردة بألفاظ غير مذكورة فيها، وإنّما تکون في مقام عدّها بنحو الإجمال والإهمال، وليس فيها إطلاق. وبالجملة، لا إطلاق في الحاكي؛ لكونه في مقام عدّ أصل المناهي بنحو الإهمال، ولا أقلّ من عدم إحراز كونه في مقام بيان كلّ عنوان بخصوصيّاتها، ولا علم لنا بالمحكيّ عنه.([1675]) إن قلت: إنّ الراوي للنواهي هو الإمام الصادق(علیه السلام)، والمعصوم لاينقل الأحاديث والقضايا إلّا لبيان الأحكام والعمل به، فالمدار في الإطلاق وعدمه على بيان الإمام، لا بيان رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)حتّى يقال بأنّ نفس مناهي الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)ليست بأيدينا حتّى يمكن الأخذ بإطلاقها. وبالجملة، فرقٌ بين كون الراوي للأحاديث والقضايا هو الإمام المعصوم(علیه السلام) أو غيره، ففي الأوّل كان العبرة بكلام الراوي المعصوم، بخلاف الثاني، حيث لا عبرة بكلام غير المعصوم. قلت: هذا تمامٌ فيما إذا كان لكلام الراوي المعصوم إطلاقٌ دون غيره، كما نحن فيه، حيث لم يعلم أنّ الإمام الصادق(علیه السلام) كان بصدد بيان الحكم بجميع خصوصيّات النواهي، أم كان بصدد عدّ أصل النواهي بنحو الإجمال. ومنها: ما عن جامع الأخبار، عن سعيد بن جبير، قال(صلی الله علیه و آله و سلم): «ما عمّر مجلس بالغيبة إلّا خرب من الدين، فنزّهوا أسماعكم من استماع الغيبـة، فإنّ القائل والمستمع لها شريكان في الإثم».([1676]) بأن يقال: إنّ إطلاق قوله: «فنزّهوا أسماعكم» يقتضي عدم جواز الاستماع مطلقاً، وکونه تفريعاً علی الجملة السابقة المذکورة فيها الغيبة المحرّمة لايوجب التقييد أو الانصراف. وأمّا قوله(صلی الله علیه و آله و سلم): «فإنّ القائل...»، إلخ لا دلالة فيه علی أنّ کلّ مستمع شريك مع المغتاب بالکسر عنده حتّی يقال: إنّ في فرض جواز اغتياب المغتاب لا إثم عليه حتّی يشارك سامعه معه، بل المراد منه بيان أنّ طبيعة المغتاب والمستمع شريکان في الإثم لا شخصها. وعليه، فلا دلالة فيه علی تبعيّـة استماع الغيبة کما لايخفی. ويمکن القول: بأنّ المراد بقوله ذلك دفع توهّم أنّ السامع لايکون مغتاباً فلا إثم عليه؛ بأنّ الإثم کما هو ثابتٌ للمغتاب، ثابتٌ للسامع أيضاً، فهما شريکان في الإثم. ثمّ على فرض أن تكون المراد من الرواية دفع التوهّم المتقدّم لا إطلاق فيها، حيث إنّها حينئذٍ بصدد بيان دفع التوهّم لا بصدد بیان حكم الموضوع حتّى يكون لها إطلاق. ومنها: ما عن أبي عبدالله(علیه السلام) أنّـه قال: «الغيبة كفرٌ، والمستمع لها والراضي بها مشركٌ».([1677]) بدعوى إطلاق المستمع للغيبة المحلّلة واختصاص الراضي بها بالغيبة المحرّمة؛ لقيام القرينة، ولم تقم في المستمع. إلّا أن يقال: إنّ عطف الراضي بها على المستمع لها وحمل محمول واحد عليهما قرينةٌ على وحدة المراد منها. والإنصاف عدم إطلاق في الروايات، فإنّها بين مهملة ومنصرفة إلى الغيبة المحرّمة. ثمّ إنّ سيّدنا الأستاذ (سلام لله علیه) بعد الإشكال في دلالة الروايات السابقة، قال: وأمّا النبويّ المتقدّم، فقد عرفت أنّـه محتمل لمعانٍ، فعلى بعضها يدلّ على جواز الاستماع للغيبة المحلّلة، وعلى بعضها يدلّ على عدم الجواز، وعلى بعضها لا يدلّ على شيء منهما.([1678]) ثمّ بیّن ذلك الوجوه علی التفصیل، فراجع مکاسبه المحرّمة.([1679]) وثانيهما: الدراية؛([1680])بأنّ إذاعة سرّ المؤمن وانتهاكه بما هي إذاعة السرّ، وجودها مبغوضٌ، وإذا كان وجودها مبغوضاً لا يجوز للسامع كشف ستره باستماعه ولو كان جائزاً للمغتاب، فإنّ التفكيك بينهما معقولٌ، فجواز الغيبة على المغتاب لا يلزم أن يكون جائزاً على المستمع أيضاً؛ لعدم رفع احترام المؤمن بنحو الإطلاق، کما أنّـه لا يجوز لسائر الناس اغتيابه بمجرّد جوازه لواحد منهم، فالمرفوع احترامه بالإضافة لا مطلقاً، وهذا كما إذا جاز لفرد قتل آخر بزعم أنّـه كافر حربيّ، فإنّـه لا يلزم جوازه لمن لا يعتقد أنّـه حربيّ، أو لايعلم بذلك. واستشكل عليه سيّدنا الأستاذ (سلام لله علیه) بعدم إحراز حرمة من أجاز الشارع غيبته، والقدر المتيقّن من الأخبار الدالّة على حرمة عرض المؤمن هو مبغوضيّـة هتك غير من أجاز المولى هتكه ولو في الجملة، ولا دليل على حرمة هتكه ذاتاً بنحو الإطلاق، ولا يستفاد ذلك من تلك الأخبار؛ لعدم الإطلاق أو العموم لها، بل هو مستفادٌ من مجموع الأخبار استنقاذاً.([1681]) --------------- [1674]. مرّت الرواية في الصفحة 409 و 420 و 563؛ وراجع: من لا يحضره الفقيه 4: 4 ـ 8 /1، باب ذكر جمل من مناهي النبيّ(صلي الله عليه و آله و سلم)، الحديث 1؛ وسائل الشيعة 12: 282، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 152، الحديث 13. [1675]. المكاسب المحرّمة 1: 454. [1676]. جامع الأخبار: 147، الفصل التاسع والمائة في الغيبة؛ مستدرك الوسائل 9: 121، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 132، الحديث 32. [1677]. مستدرك الوسائل 9: 133، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 136، الحديث 6. [1678]. المكاسب المحرّمة 1: 456. [1679]. راجع: المكاسب المحرّمة 1: 456. [1680]. عطفٌ علي: «ويمكن الاستدلال على استقلاله وعدم تبعيّته أوّلاً بالأخبار» في الصفحة: 570. [1681]. اُنظر: المكاسب المحرّمة 1: 457 ـ 458.
|