|
في تعريف الغيبة ([1404])
في تعريف الغيبة ([1404]) الغيبة: بکسر الغين المعجمة وسکون الياء المثناة التحتانيّـة وفتح الباء الموحّدة، اسمٌ لقولك: «اغتاب فلان فلاناً» إذا أوقع فيه في غيبته، والمصدر: الاغتياب، يقال: اغتابه اغتياباً، والاسم: الغيبة. وفي مصباح المنير: «اغتابه اغتياباً، إذا ذكره بما يكرهه من العيوب وهو حقّ، والاسم: الغيبة».([1405]) وعن القاموس: «غابه، [أي:] عابه، وذكره بما فيه من السوء».([1406]) وعن النهاية: «وهو أن يذكر الإنسان في غيبته بسوء وإن كان فيه». هذا بحسب اللغة وأمّا بحسب الاصطلاح، فلها تعريفان: أحدها: المشهور، وهو ذکر الإنسان حال غيبته بما يکره نسبته إليه ممّا يعدّ نقصاناً في العرف بقصد الانتقاص والذمّ، فاحترر المشهور بقيد الأخير، وهو قصد الانتقاص عن ذکر العيب للطبيب مثلاً أو لاستدعاء الرحمة من السلطان في حقّ الزمن والأعمی يذکر نقصانها. ثانيها: التنبيه علی ما يکره نسبته إلی آخر ما ذکر من القيود في تعريف الأوّل.([1407]) ولسيّدنا الأستاذ(سلام لله علیه) کلام ينبغي ذکره للتنبّه عليه، فإنّـه بعد نقله كلام اللغويّين والفقهاء في تعريف الغيبة ذَکر أنّ كلمات الفقهاء واللغويّين في تعريف الغيبة مختلفة لا ترجع إلى أمر واحد، ولذا لا يمكن الاستناد إلى شيء منها في تشخيص القيود المعتبرة في الموضوع. وأنّ الظاهر أنّ كلمات الفقهاء ـ بل اللغويّين غالباً ـ مشوبة بمضامين الأخبار ومستفادة منها، ويشهد له ما في المجمع، فإنّـه بعد تعريفه بما في الصحاح([1408]) قال: «وتصديق ذلك ما روى عن النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم)»، ثمّ حكى قولـه(صلی الله علیه و آله و سلم): «أ تدرون ما الغيبة...» إلخ،([1409]) فيشكل الاستناد إليها في تشخيص اللغة والعرف الساذج، مع أنّ اختلافها بما ترى يمنع عن الاستناد إلى شيء منها، فالأولى عطف النظر إلى ما يستفاد من أدلّة الباب من تشخيص القيود المعتبرة في الموضوع، المورد لتعلّق الحرمة عليه، أو ما يمكن الاستناد إليه من فهم العرف والعقلاء في مفهومها. وأنّ القيود المعتبرة في الغيبة على قسمين، فإنّ بعضها معتبرة في حقيقة الغيبة عرفاً وبعضها الآخر معتبرة فيها شرعاً زائداً على ما اعتبر في حقيقتها عرفاً.([1410]) ثمّ قال (سلام لله علیه): ولا شبهة في أنّ بعض القيود المأخوذة في الأخبار شرعيّـة، كاعتبار الأخوّة الإيمانيّـة بين المغتابين، كما هو المذكور في جميع الروايات التي بصدد بيان حدّها وحقيقتها.([1411]) وما بیّنه واستفاده من الأمور تمامٌ وفي محلّه. والقول في الشروط المعتبرة في صدق الغيبة شرعاً أو عرفاً يتمّ في ضمن أمور: الأمر الأوّل: يعتبر في صدق الغيبة أمران: أحدهما: أن يکون المنقول نقصاً وسوءً في المقول نقصاً في دين المقول فيه أو بدنه أو شبه أو أخلاقه أو فضله أو قوله أو عشيرته أو ثوبه أو داره أو دابّته أو خادمه أو تعيّشه أو في أيّ شأن من شئونه، إلّا أنّ الظاهر من رواية داود بن سرحان کما فيها من قوله(علیه السلام): «أن تقول لأخيك في دينه ما لم يفعل»([1412]) أنّ الغيبة ذکر الإنسان بما يکون نقصاً في دينه فقط. لکنّ الاستدلال بذلك الظهور غير تمامٍ؛ لما في رواية ابن سيّابة في البحث عن مضی الغيبة بقوله(علیه السلام): بأنّ الغيبة «قولك في أخيك ما ستره الله عليه»، وهذا الإطلاق يشمل ما إذا کان المقول نقصاً دينيّـاً أو غير ديني. وتوهّم حمل المطلق علی المقيّد هنا فاسدٌ؛ لعدم التنافي بينهما، لأنّهما مثبتين، علی أنّ رواية ابن سيّابة فصّلت بين ذکر الأمور المستورة والأمور الظاهرة، وصرّحت بخروج الثابتة عن حدود الغيبة بقوله(علیه السلام): «وأمّا الأمر الظاهر فيه مثل الحدّة والعَجَلة فلا».([1413]) ومن الواضح أنّ مقتضی التفصيل القاطع للشرکة هو عموم مفهوم الغيبة بذکر مطلق العيوب غير الأمور الظاهرة. ثمّ إنّ الوجه في اعتبار ذلك أنّ الغيبة عرفاً لا يصدق إلّا في ذكر مساوي الناس وعيوبهم، فإنّ ذكر محاسن الأشخاص يكون مدحاً لهم لاغيبة لهم، مع أنّها شرعاً أيضاً عبارة عن وقّع الرجل في عرض أخيه وأكله لحم أخيه ميتاً. وأمّا إذا لم يكن سوءً لا خَلقاً ولا خُلقاً ولا فعلاً، فلا يكون ذكره غيبة له، فإنّ الغيبة يعتبر فيها ـ مضافاً إلى كون المذكور عيباً ونقصاً ـ كون ذكره تنقيصاً للغير، ومع عدم فرض السوء لایتصوّر التنقیص. إن قلت: ذكر ما لا يكون عيباً ولا نقصاً، يكون من الغيبة أيضاً إذا ذكر بقصد الانتقاص. قلت: أنّ الذکر بقصد الانتقاص لا يوجد إلّا بوجود مباديه، ومع عدم وجودها یکون القصد محالاً، ومن مباديه كونه نقصاً واقعاً أو باعتقاد القاصد. ثمّ إنّـه لا فرق في صدق الغیبة بین کون التنقیص بدلالة المطابقة أو الالتزاميّـة أو بالکناية؛ حیث إنّ کلّها من ظواهر الألفاظ، كأن يقول بالکناية: فلانٌ من أهل التقوى والورع وأراد التعريض بأنّـه ليس من أهل العلم، أو يقال: فلانٌ متخصّص في الأصول وأراد التعريض بأنّـه ليس متخصّصاً في الفقه مثلاً. ثانیهما: قصد الانتقاص، کما صرّح به الشهيد الثاني في کشف الريبة،([1414]) فإنّ الغيبة، كالهتك والتوهين والتعظيم، يكون من الأمور القصديّـة وقوام الأمور القصديّـة بالقصد، كما صرّح بذلك المحقّق الثاني في جامع المقاصد، حيث قال(قدس سره): وضابط الغيبة [المحرّمة] كلّ فعل يقصد به هتك عرض المؤمن والتفكّه به أو إضحاك الناس منه. فأمّا ما كان لغرض صحيح فلا يحرم، كنصح المستشير، والتظلّم وسماعه، والجرح والتعديل، وردّ من ادّعی نسباً ليس له، والقدح في مقالة، أو دعوی باطلة.([1415]) وصرّح به أيضاً الشهيد الثاني في كشف الريبة، حيث قال بعد نقله تعريف المشهور: إنّ الغيبـة، وهو ذكر الإنسان حال غيبته بما يكره نسبته إليه ممّا يعدّ نقصاناً في العرف بقصد الانتقاص والذمّ فاحترز بقيد الأخير، وهو قصد الانتقاص عن ذکر العيب للطبيب.([1416]) ويدلّ عليه وجوه؛ أحدها: فهم العرف، فإنّ العرف لا يعدّ ذكر عيوب المريض للطبيب بغرض العلاج غيبـة له، كما لا يعدّ أيضاً جرح الشهـود بغرض إحقـاق الحقّ غيبـة. ثانيها: اللغة، ففي القاموس: «وغابه، [أي:] عابه وذكره بما فيه من السوء»،([1417]) وفي المنجد: «غاب غيبة واغتاب اغتياباً: عابه وذكره بما فيه من السوء»،([1418]) وفي الصحاح([1419]) والمجمع:([1420]) «اغتابه اغتياباً: إذا وقّع فيه»، فإنّ معنى وقّع فيه أن يذكره بسوء، ففي المنجد: «وقّع في فلان: سبّه وعابه واغتابه».([1421]) ثالثها: بعض الأدلّة الشرعيّـة، مثل آية التحريم، فإنّ الظاهر من أكل لحم الأخ هو ذكره على سبيل الانتقاص. ومثل قوله تعالى: ﴿لَا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إلّا مَن ظُلِمَ﴾،([1422]) فإنّ ذكر السوء والجهر به عبارة أخرى عن التعيب سيمّا مع استثنائه عمّن ظلم. وقوله تعالى: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَة لُّمَزَة﴾،([1423]) وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ﴾.([1424]) وقد انقدح ممّا ذكرناه عدم تماميّـة ما في مصباح الفقاهة، حيث قال: وقد يتوهّم اعتبار قصد الانتقاص في موضوع الغيبة، ولكنّـه توهّم فاسد؛ إذ لا دليل عليه، فإنّ صدق عنوان العيب على المقول أمر عرفيّ لا يرتبط بالقصد، ولا يقاس هذا بالتعظيم والهتك المتقوّمين بالقصد.([1425]) ووجه الانقداح أنّـه قد ظهر من اعتبار قصد الانتقاص عرفاً ولغة، وهذا هو المستفاد من الأدلّة الشرعيّـة أيضاً، فكيف يقول بعدم الدليل عليه؟ وأمّا ما ذكره من أنّ صدق عنوان العيب على المقول أمر عرفيّ، فيرد عليه: أنّ الكلام ليس في صدق العيب على المقول، بل في صدق الغيبة، فإنّ العيب اسم ذات يصدق على العيب من دون اعتبار قصد الانتقاص، إلّا أنّ الكلام في صدق الغيبة التي هي اسم مصدر أو مصدر، وأنّـه هل يصدق على مجرّد ذكر العيب أم لا يصدق إلّا على ذكر العيب بقصد الانتقاص، فتعليل عدم اعتبار قصد الانتقاص بأنّ صدق عنوان العيب على المقول أمر عرفيّ، عليـلٌ جدّاً. ---------------- [1404]. راجع تفصيلها إلي المكاسب المحرّمة 1: 381 ـ 383. [1405]. المصباح المنير 2: 458، مادّة: «غيب». [1406]. القاموس المحيط 1: 112، مادّة: «غيب». [1407]. النهاية في غريب الحديث والأثر 3: 399، مادّة: «غيب». [1408]. الصحاح 1: 203، مادّة: «غيب». [1409]. مجمع البحرين 2: 135و136، مادّة: «غيب». [1410]. اُنظر: المكاسب المحرّمة 1: 383 ـ 384. [1411]. المكاسب المحرّمة 1: 383 ـ 384. [1412]. الکافي 2: 357، باب الغيبة والبهت، الحديث 3؛ وسائل الشيعة 12: 288، كتاب الحجّ، أبواب أحکام العشرة، الباب 154، الحديث 1. [1413]. الکافي 2: 358، باب الغيبة والبهت، الحديث 7؛ وسائل الشيعة 12: 288، كتاب الحجّ، أبواب أحکام العشرة، الباب 154، الحديث 2. [1414]. کشف الريبة: 5، تعريف الغيبة لغة واصطلاحاً. [1415]. جامع المقاصد 4: 27. [1416]. كشف الريبة: 4 ـ 5، تعريف الغيبة لغة واصطلاحاً. [1417]. القاموس المحيط 1: 112، مادّة: «غيب». [1418]. المنجد: 563، مادّة: «غيب». [1419]. الصحاح 1: 203، مادّة: «غيب». [1420]. مجمع البحرين 2: 135، مادّة: «غيب». [1421]. المنجد: 913، مادّة: «وقع». [1422]. النساء (4): 148. [1423]. الهمزة (104): 1. [1424]. النور (24): 19. [1425]. مصباح الفقاهة 1: 511.
|