|
الكلام حول كيفيّـة تفسير ﴿قَوْلَ الزُّورِ﴾ بالغناء
ثمّ إنّ الاستدلال بالروايات المذكورة على حرمة الغناء وإن كان تامّاً، إلّا أنّ البحث يقع في كيفيّـة الاستدلال بها، حيث إنّ «قول الزور» من مقولة الكلام ومن صفاته باعتبار مدلوله، كالكذب وشهادة الباطل والافتراء، لكنّ الغناء من صفات الصوت، لا من صفات الكلام، فهو عنوانٌ مغايرٌ لعنوان الكلام والقول. ومع ذلك، فقد فسّر «قول الزور» الوارد في الآية الشريفة بالغناء في هذه الروايات، فكيف يمكن الجمع بينهما، وما هوكيفيّـة تفسير قول الزور بالغناء؟ قال سيّدنا الاُستاذ (سلام لله علیه): فيقع الكلام في كيفيّـة إرادة الكلام الباطل باعتبار مدلوله، والغناء الذي صوت أو كيفيّته بكلام واحد، وكذا كيفيّـة إرادة قول القائل: «أحسنت من قول الزور»، هل هي من قبيل المجاز اللغويّ المشهور مع استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد؛ أي في معنى حقيقيّ ومجازيّ بعلاقة، كعلاقة الحالّ والمحلّ. أو من قبيل الحقيقة الادّعائيّـة على ما سلكناه في المجازات، تبعاً لبعض مشايخنا(رحمه الله)،([812]) بمعنى استعمال «قول الزور» في معناه، وادّعاء أنّ الغناء منه، وكذا قول القائل للمغنّي: «أحسنت». أو من قبيل إطلاق «قول الزور» وإرادة مطلق الباطل بنحو من الادّعاء حتّى يدخل فيه المزامير والمعازف وغيرهما. أو أراد من «قول الزور»، القول المشتمل على الباطل مدلولاً وعلى الغناء جميعاً، حتّى لا تدلّ الآية ولا الروايات المفسّرة لها على حرمة الغناء بنفسه. أو أراد بقول الزور، القول المشتمل على الباطل؛ إمّا نحو اشتمال الكلام على مدلوله، أو نحو اشتمال الموصوف على صفته وإضافة القول إلى الزور؛ لاتّحاده معه اتّحاد الصفة مع الموصوف، فالقول زورٌ باعتبار اشتمال مدلوله على الباطل، وزورٌ باعتبار صفته، وهو الصوت الخاصّ، فيكون الغناء مستقلاً محكوماً بوجوب الاجتناب، والكلام المشتمل على الباطل بحسب مدلوله أيضاً محكومٌ به؟ ولعلّ هذا الاحتمال الأخير، أو ما يرجع إليه ممّا تقدّم، أقرب الاحتمالات إلى ظواهر الأخبار المفسّرة، كما اختاره بعض المدقّقين؛([813])لأنّ الظاهر منها أنّ «قول الزور» هو الغناء أو هو من «قول الزور»، ومع قيام القرينة العقليّـة بأنّـه ليس من مقولة القول، يدور الأمر بين رفع اليد عن ظاهر جميع الأخبار المفسّرة الدالّة على أنّ الغناء الذي هو صوت خاصّ، هو قول الزور بتمام مصاديقه، وحملها على قسم خاصّ متحقّق مع كلام خاصّ مدلوله الباطل والزور، كما احتمله الشيخ واختاره.([814]) وبعبارة أخرى: إنّ الظاهر من الأخبار هو أنّ الغنـاء تمام الموضوع؛ لصـدق «قول الزور» عليه ومستعمل فيه، فعلى الاحتمال الذي رجّحه الشيخ لابدّ من رفع اليد عن هذا الظاهر مع عدم حفظ ظهور الآية أيضاً، فإنّ ظاهرها حرمة «قول الزور»، والحمل على الغناء بما ذكر، حملٌ على غير مدلولها بحسب فهم العرف، وإنّما هو حملها على قسم خاصّ منه. تأمّلٌ. وبين حفظ ظهور الأخبار وحملها على الغناء بالمعنى الحقيقيّ المعروف مع حفظ ظاهر الآية من حيث تعميمها بالنسبة إلى جميع الأقوال الباطلة، وإن نعمّمها لأمر آخر لم نعمّمها له لولا الأخبار، وهو إرادة الزور باعتبار الوصف الحاصل له. [من جهة کيفيّـة الصوت فالزور ـ وهو الغناء ـ في الحقيقة صفة للصوت ولکيفيّـة الکلام، لکن اتّصاف القول به يکون من جهة اتّحاد الصوت مع القول]. والحاصل: أنّـه بناءً على ما رجّحه الشيخ في معنى الآية بضميمة الروايات، إنّ الغناء ليس قول الزور، ولا هو من قول الزور اي بنفسها بل لابدّ من أن تکون في ضمن شيء کونه في ضمن الکلام وکون الکلام کلاماً باطلاً لهويّاً، وأمّا على ما ذكرناه، فإنّـه هو؛ لاتّحادهما خارجاً وصدق أحدهما على الآخر بالحمل الشائع، ولو فرضت المناقشة فيما ذكرناه فلا أقلّ من دخول الغناء تعبّداً فيه، ومقتضى إطلاق الأدلّة أنّـه بذاته وبلا قيد، قول الزور.([815]) ------------- [812]. وهو العلّامة الشيخ محمّد رضا الأصبهاني. راجع: كتابه الموسوم بـ وقاية الأذهان:103. [813]. راجع: حاشية المكاسب (للعـلّامة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي) 1: 89 في بيان حرمة الغناء. [814]. راجع: المكاسب 1: 287؛ حيث قال: «فيختصّ الغنا المحرّم بما کان مشتملاً علي الکلام الباطل، فلا تدلّ علي حرمة نفس الکيفيّـة وهو لم يکن في کلام باطل». [815]. المكاسب المحرّمة 1: 308 ـ 310.
|