|
المسألة الثانية: في حقيقة الغشّ وشرائطه
وقبل البحث عنها ينبغي البحث عن حقيقة الغشّ في الجملة، ثمّ البحث عن تلك الشرائط، فنقول: من المعلوم أنّ الغشّ ليس له حقيقة شرعيّـة ولا متشرعّة، بل المراد منه ما يفهمه العرف واللغة، كغيره من الموضوعات العرفيّـة، وما أرسلنا من رسول إلّا بلسان قومه. وهو في الأصل بمعنى الخديعة والخيانة، ويعبّر عنه بالفارسي بكلمة «گول زدن»، لكنّـه استعمل في الأخبار والعرف في بعض مصاديقه من باب استعمال لفظ العامّ في الخاصّ. وعليه، فلا يتحقّق ذلك إلّا بعلم الغاش وجهل المغشوش؛ أي بعلم الغاش بالغشّ وخفائه على المغشوش، فإذا كانا كلاهما عالمين بالواقع أو جاهلين به، أو كان الغاش جاهلاً والمغشوش عالماً، انتفى مفهوم الغّش. هذا في بيان الغشّ وتفسيره في الجملة. وأمّا الشرائط، فهي أُمورٌ: أحدها: الظاهر أنّـه لايعتبر في مفهوم الغشّ أزيد من معرفة الناس به ولا يعتبر فيه علم المغشوش، بل علمه مانع عن صدقه کما يظهر من العرف کما مرّ قبیل هذا. هذا، بل قد ظهر ممّا ذکرناه اعتبار جهل المغشوش زائداً علی علم الناس. ثمّ إنّـه قد ظهر ممّا ذكرناه عدم تماميّـة ما ذكره الشيخ الأعظم(قدس سره) من حرمة الغشّ فيما لا يخفى على غير المغشوش، کمن کان إمعان النظر والفطانة وغيره وعدم حرمته فيما يخفی علی غيره أيضاً. ولا يخفى عليك أنّـه(قدس سره)، وإن استظهر من صحيحة ابن مسلم، ورواية الحلبي الثانية، ورواية سعد الإسكافي ما كان موافقاً مع اللغة والعرف، ولكنّـه ذكر في جمع الأخبار بحملها بما يظهر منه التفصيل ممّا يظهر منه الميل إلى ذلك الحمل، فراجع المكاسب،([738]) لعلّه يظهر لك معنیً آخر غير ما ذكرناه عنه؛ لما في عبارته هذه نحو اضطراب وإبهام. والأمر في ذلك سهلٌ؛ لأنّ الكلام، وإن كان من الشيخ الأعظم، التالي للمعصومين في العمل والتقوى، لكن نظره وكلامه ليس رواية ونصّاً عن المعصومين(علیهم السلام) حتّى يكون حجّة، ويبحث عنه حقّ البحث، وما ذكرناه لعلّه يكون كافياً في أداء حقّه علماً على الحوزات العلميّـة، ونسئل الله تعالى بحقّ الكتاب والسنّـة والعقل أن يزيدنا في العلم والعمل به. ثانيها: أنّـه لا فرق في صدق الغشّ بين كون الاغتشاش بفعل البائع أو بغيره، بل ويصدقه لو حصل اتّفاقاً أو لغرض؛ لما مرّ من كفاية جهل المغشوش بعد علم الغاش في صدق الغشّ لغةً وعرفاً مطلقاً. وعليه، فيجب علی الناس الإعلام بالعيب الخفيّ مطلقاً. ثالثها: هل يعتبر في حرمة الغشّ وحقيقته قصد التلبيس والخديعة، أم لا يعتبر فيها، إلّا ما ذكرناه مراراً من اعتبار علم الغاش بالغشّ وجهل المغشوش فقط، من دون زيادة أمر آخر؟ فيه وجهان، بل قولان. والأخير هو الأوجه، بل الأقوى؛ لما يظهر وجهه ممّا ذكرناه قبيل هذا في عدم الفرق في الصدق إلخ، والأوّل هو الظاهر من الشيخ الأعظم(قدس سره) حيث قال: «ويمكن أن يمنع صدق الأخبار المذكورة إلّا على ما إذا قصد التلبيس».([739]) ومن الرياض، حيث قال: ثمّ لو غشّ لا بقصده، بل بقصد إصلاح المال، لم يحرم؛ للأصل واختصاص ما مرّ من النصّ بحكم التبادر بصورة القصد.([740]) وفيما ذکره من الوجهين قبيل هذا ما لايخفی. لعدم المحلّ للأصل مع ما مرّ من الدليل والوجه، وأمّا المنع بحكم التبادر، فالعهدة على مدّعيه، مع حكم العرف واللغة بصدقه. ثمّ إنّـه إذا علم صدق الغشّ على مورد، يحكم بحرمته، وأمّا إذا لم يعلم ذلك وشكّ في صدقه عليه، يحكم بعدم حرمته؛ لإصالة البراءة والحلّ. --------------- [738]. راجع: المكاسب 1: 280. [739]. المكاسب 1: 279. [740]. رياض المسائل 8: 172.
|