|
فروعٌ: في بیع الصور المجسّمة والنظر إلیها وفي أخذ الأُجرة علی عملها
[الفرع] الأوّل: بناءً على جواز الاقتناء، لا إشكال في جواز بيع الصور المجسّمة، وإن كان لا ماليّـة لموادّها إلّا بلحاظها، وكذا في جواز بيع محالّ النقوش، كالثياب والستور، وإن كان بعض الثمن لأجلها. ودعوى أنّ مقتضى خبر تحف العقول المنع من جميع التقلّبات فيها؛ حيث إنّـه استفيد منه أنّ الصنعة المحرّمة منحصرة فيما كان فيه الفساد محضاً، والمفروض حرمة صنعتها، غاية الأمر أنّـه خرج بالأخبار المذكورة الاقتناء وسائر الانتفاعات غير البيع ونحوه، فيبقى هو داخلاً تحت المنع، مدفوعةٌ بأنّ ذلك إنّما يصحّ إذا كان الخبر بصدد بيان تحريم الانتفاعات، فإنّـه حينئذٍ يقال: خرج ما خرج وبقي الباقي، وليس كذلك، بل إنّما استفيد ذلك من الحصر وفرض حرمة الصنعة، فإذا دلّت الأخبار المذكورة على جواز الاقتناء فتخرج هذه الصنعة عن كونها ممّا فيه الفساد محضاً، وبعد هذا لا يبقى دليل على عدم جواز البيع ونحوه. فتدبّر. وأمّا بناءً على حرمة الاقتناء، فلا يجوز بيع المجسّمة التي لا ماليّـة لمادّتها؛ لأنّ الصورة ملغاة بحكم الشارع، وكذا لا يجوز بيع المحالّ إذا كان المقصود هو الصور، أو كان بعض الثمن لأجلها. وأمّا بيع الموادّ والمحالّ لا بلحاظها، فالظاهر جوازه، لكن لا يجوز الدفع إلى المشتري إلّا بعد إفسادها، أو مع الوثوق بإفساد المشتري لها للزوم إبطال المنکر. [الفرع] الثاني: لاينبغي الإشكال في جواز النظر إليها ولو كانت صورة إنسان مخالف للناظر في الذكورة والأنوثة، ولافرق في ذلك بين عورتها وغيرها، وبين كون النظر بشهوة أو لا، وبين كون الصورة لشخص معيّن وغيره؛ لقصور أدلّة حرمة تلك الأمور عن الشمول للصورة والمجسّمة واختصاصها بالإنسان الخارجيّ. نعم، لو کان النظر موجباً لتهییج الشهوة وإثارتها یکون محرّماً بما مرّ وجهه.([207]) وقد يقال: في الصورة الأخيرة بالحرمة إذا كان أجنبيّاً، أو كان النظر إلى عورتها، ولعلّه لأنّـه اطّلاعٌ على عورة الغير بعد كون الصورة مطابقة لذيها من جميع الجهات. وفيه: أنّـه لا دليل على حرمة ذلك، وإلّا لزم عدم جواز تخيّل صورة أجنبيّـة رآها سابقاً إذا كانت الصورة الخياليّـة مطابقة لها. ودعوى أنّ النظر إلى ما کانت الصورة صورة زوجة الغير أو بنته أو اُخته أو نحوها أو فيما كانت معيّـنة للناظر حرامٌ؛ لاستلزامه الهتك، مدفوعة؛ مضافاً إلى كونه أخصّ من المدّعى، فإنّ القائل يقول بالحرمة، ولو لم يكن ذوالصورة معلوماً عند الناظرين، أنّ الهتك مطلقاً ممنوعٌ ولو استلزمه نلتزم بالحرمة، كما أنّ ذكر الأوصاف أيضاً قد يكون كذلك ونلتزم بحرمته حينئذٍ. هذا. وأمّا النظر في المرآة، ومن وراء الزجاج، وفي الماء، وفي الآلات المحدثة وغيرها ممّا يكون النظر إلى الشخص بالواسطة، فالظاهر الحرمة، وإن كان المحكيّ([208]) عن جماعة التصريح بالجواز فيها في المرآت، لاسيّما بالنسبة إلى العورة؛ لصدق النظر، ولأنّ المناط في الحرمة هو الإحساس الخاصّ. وما في المستند من الجواز فيهما لانصراف النظر إلى الشائع المتعارف، ولعدم العلم بكونه نظراً إلى المرء والمرأة؛ لجواز كون الرؤية فيهما بالانطباع. ([209]) ففيه ما لا يخفى؛ لعدم الانصراف بالشياع والتعارف وكثرة الوجود، كما حقّق في محلّه، ولكون الظاهر صدق الرؤية بمعناها المتعارف. وأمّا الانطباع، فهو خارجٌ عن فهم العرف، مع أنّـه على تسليم الشكّ، تنقيح المناط كافٍ في إثبات الحرمة. ولا يخفى عليك أيضاً ما عن المقدّس الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان([210]) في باب الوديعة من نفيه البُعد في تحريم النظر إلى جارية الغير في المرآة، وكذا الأجنبيّـة الحرّة، واحتياجه في النظر الی جاریة الغیر إلى الإذن وعدم الجواز بدونه، وأنّـه ليس مثل الجلوس تحت ظلّ حائط الغير والاستضائة بضوئه. ففيه من عدم تماميّـة هذا الوجه؛ لعدم عدّه تصرّفاً، وعدم الفرق بينه وبين الاستظلال والاستضاءة. وفي تعليقة السيّد الأجلّ على المكاسب بعد مناقشته في كلام المجمع قال: والأولى أن يعلّل المنع بما دلّ على تحريم النظر إلى الغير من قوله تعالى: ﴿قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا...﴾، وغيره، بدعوى أنّ العرف يفهم منه الأعمّ ممّا نحن فيه، وعلى فرض عدم الفهم من اللفظ يمكن دعوى تنقيح المناط القطعيّ، كما لا يخفى. هذا إذا قلنا: إنّ الإبصار إنّما هو بالانطباع، وإلّا فعلی القول بخروج الشعاع فهو نظر حقيقة، إلّا أن يقال بعدم الفرق بين القولين في المقام؛ لعدم إناطة الأحكام الشرعيّـة بهذه الدقايق العقليّـة. وكذا الكلام في النظر إلى الغير في الماء أو جسم صيقليّ آخر. هذا. وأمّا النظر وراء الزجاج ونحوه، فلا إشكال في حرمته. فتدبّر.([211]) ولعلّه أمر بالتدبّر بعدم الفرق بين وراء الزجاج ممّا یری الشخص بالواسطة. وكيف کان، فما ذكره قريبٌ إلى ما ذكرناه في وجه الحرمة. [الفرع] الثالث: لا إشكال في حرمة أخذ الأجرة على عمل الصور المحرّم؛ سواءٌ كان بعقد الإجارة أو الجعالة أو غيرها؛ لمثل النبويّ من قوله(علیه السلام): «إنّ الله إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه»،([212]) ولكن استشكل في ذلك في المستند لولا الإجماع، قال: وأمّا أجر عمل المحرّم من الصور، فالظاهر من كلماتهم الحرمة، فإن ثبت الإجماع فيه بخصوصه أو في أجر كلّ محرّم، فهو المتّبع، وإلّا ففي تحريم أخذه نظر، وإن كان إعطاؤه محرّماً؛ لكونه إعانة على الإثم.([213]) فيه: ـ مضافاً إلی أنّ الإجماع على كلّي القاعدة متحقّق، كما لا يخفی على الناظر في كلماتهم في جزئيّاتها ـ یدلّ علی حرمة الأجرة ما مرّ من مثل النبويّ المشهور.
----------------------- [206]. الكافي 6: 527، باب تزويق البيوت، الحديث 8؛ وسائل الشيعة 5: 308، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساكن، الباب 4، الحديث 3. [207]. مرّ في الصفحة 35 ـ 37. [208]. الحاکي هو السيّد اليزدي في حاشيته على المكاسب 1: 22. [209]. راجع: مستند الشيعة 16: 60. [210]. مجمع الفائدة والبرهان 10: 324. [211]. حاشية المكاسب (للسيّد اليزدي) 1: 22. [212]. عوالي اللئالي 2: 110، تتمّة باب الأوّل في الأحاديث المتعلّقة...، المسلك الرابع، الحديث 301؛ و2: 328، باب الصيد وما يتبعه، الحديث 33؛ و3: 472، باب الأطعمة والأشربة، الحديث 48؛ مستدرك الوسائل 13: 73، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 6، الحديث 8، وما فيه موافقٌ مع ما في عوالي اللئالي 1: 181، الفصل الخامس في ذکر أحاديث رويتها بهذا المنوال...، الحديث 240. [213]. مستند الشيعة 14: 111.
|