موضوع علم الاُصول (درس5)
الدرس دروس خارج الأصول مباحث الدليل اللفظي الدرس 5 التاريخ : 2008/12/26 بسم الله الرحمن الرحيم الإشكال الوارد على صاحب (الفصول) الإشكال المختص هنا هو كونه يلزم أن لا يكون أثر لأي من مسائل علم الاُصول، أو يلزم أن لا يكون الاُصول علماًواحداً، بل عدة علوم. إذا قلناً: إنَّ موضوع علم الاُصول مجموع الأدلّة الأربعة، فيلزم أن لا يكون أثر لعلم الاُصول أبداً؛ لأنَّه لا مسألة يُبحث فيها عن مجموع الأدلّة الأربعة، والبحث دائماً في واحد من هذه الأدلّة وعن عوارض كلٍّ منها على حدة لا مجموعها، ففي الإجماع يُبحث عن عوارض الإجماع، وفي بحث خبر الواحد يُبحث عن عوارض السنّة لا غيرها، وفي مباحث الألفاظ يُبحث عن ظهورات الكتاب، وهكذا في المباحث الاُخرى. وإذا قلتم: إنّ كلاً من هذه الأدلّة موضوع، لزم ذلك تعدد علم الاُصول ليصبح أكثر من علم واحدٍ، أي أربعة علوم، لكلّ موضوع علم، مع أنَّ الاُصول علم واحد. الإشكال الوارد على الميرزا القمّي بناءً على رأي الميرزا القمّي يلزم أن لا يكون البحث عن حجية خبر الواحد من مسائل علم الاُصول، مع أنّها من المسائل الأساسية في الاُصول. ولم نبحث هناك عن عوارض الموضوع ـ خبر الواحد حجة ـ بل عن وصف الموضوع، أي هل هناك حجة لخبر الواحد أم لا؟ فإذا كان له حجية يكون موضوعاً لعلم الاُصول، وإذا لم يكن له حجية خرج عن كونه موضوعاً لعلم الاُصول؛ وذلك لأنَّالميرزا القمّي يقول: (السنّة حجة) موضوع، أي: (خبر الواحد حجة). إشكال آخر والإشكال الآخر الذي أورده صاحب (الكفاية) على صاحب (الفصول) هو: أنّا إذا اعتبرنا السنّة قول المعصوم وفعله وتقريره فبحث حجية خبر الواحد لا يُعدُّ أُصولياً؛ لأنّنا لا نبحث هنا عن حجية قول المعصوم أو عدم حجيته، بل عن حجية خبر زرارة وعدم حجيته، إذن لا يرجع البحث إلى عوارض الموضوع. نعم، إذا اعتبرنا السنّة أعم من الخبر الحاكي والمحكي، آنذاك يكون البحث عن حجية خبر الواحد من البحوث الاُصولية؛ لأنّ خبر زرارة عندئذٍ يكون جزءاً من السنّة، والبحث في حجيته بحث في علم الاُصول. ولا ينبغي عدّ هذا إشكالاً؛ لأنّ الإشكال على الاحتمالين لا يكون إشكالاً؛ لكونه بمثابة القول بأنَّ السنّة إذا كانت قول المعصوم وفعله وتقريره كان البحث عن حجيّة خبر الواحد ليس بحثاً عن عوارضها، بل عن عوارض خبر زرارة، وإذا لم يكن البحث عن العوارض خرج عن كونه من مسائل اُصول الفقه. أمّا إذا اعتبرنا السنّة أعم من ذلك كان البحث في حجيّة خبر الواحد من مسائل الاُصول. وإن شئت قلت: الإشكال مبنائي، فإذا كانت السنّة عبارة عن خصوص الخبر المحكي عن المعصوم كان الإشكال وارداً، وإلاّ فلا. جواب المرحوم الشيخ ـ قدس سرّه ـ على هذا الإشكال والذي بيّّنه صاحب (الكفاية) غير تام، فقد سعى الشيخ لأنّ يجيب عن الإشكال بإرجاع البحث إلى ثبوت السنّة بالخبر، واعتبار الثبوت من العوارض. ولا يخفى أنَّ هذا الإشكال المشترك مبنائي، أي يرد على المبنى الذي يعتبر الاُمور الداخلية الأعم من الأعراض القريبة، أمّا الذي يلتزم المبنى القائل بأنَّ الذي يعرض لشيء بواسطة أمرٍ داخلي أعم من الأعراض الذاتية، فالإشكال غير وارد في حقّه. كما لا يرد الإشكال على مَن التزم مبنى صاحب (الكفاية) القائل بأنَّ العرض الذاتي هو الذي يعرض للشيء، سواء كان عروضه بواسطة أمرٍ أعم أو أخص، وبواسطة أمر خارجي أو داخلي. نعم، الإشكال يرد على المبنى الذي يقول بأن الواسطة إذا كانت أمراً داخلياً أعم سوف لا يكون عرضاً ذاتياً. وأنّا استغرب من صاحب (الكفاية) حيث ارتكب هذا الخطأ الفادح بعد أسطر من تفسيره العرض الذاتي بكونه ما يعرض لذات الشيء، لكنه قال في تعريف الموضوع بأنّه ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية. وإذا كان مبناه هذا فكيف أشكل على صاحب (الفصول)؟ لكنّ يوجد إشكال غير مبنائي هنا، وهو: على القول بكون الموضوع هو الأدلّة الأربعة بما هي أدلة أو بما هي هي يلزم خروج مسألة حجية الاستصحاب والشهرة والقياس والاستحسان والمسائل العقلية ـ مثل مسألة البراءة العقلية والاحتياط والتخيير ـ عن علم الاُصول. البحث في حجية الاستصحاب والشهرة ليس بحثاً عن الكتاب والسنّة، ولذلك يخرج عن علم الاُصول، إنّ الاستصحاب حجة، وهو يعني اليقين السابق والشك اللاحق، وهذا المعنى لا ربط له بالكتاب والسنّة، رغم أنَّه قد يُختلف في دليله، فبعض يعتبر دليله العقل، وآخر السنّة، وآخر بناء العقلاء. الشهرة الفتوائية أو الروائية حجة أيضاً؛ لمقبولة عمر بن حنظلة، حيث قال الإمام فيها: ((خُذ بما اشتهر بين أصحابك)). فالحجية هنا عرضت على الشهرة، مع أنّها ليست كتاباً ولا سنّة ولا عقلاً ولا إجماعاً. وكذا الحال بالنسبة إلى القياس والاستحسان، فإنَّ البحث فيها لا يرجع إلى البحث في عوارض الأدلّة الأربعة. المسائل العقلية التي يُبحث فيها عن أصل الحكم العقلي تُعدُّ من المبادئ التصديقية وليست من المسائل؛ لأنّ البحث في البراءة العقلية بحث في أنَّ العقل يحكم بقبح العقاب بلا بيان أم لا؟ فالاُصولي يقول: نعم، والأخباري يقول: كلا. وهل يحكم العقل بالتخيير عند دوران الأمر بين المحذورين؟ وهل يحكم العقل بالاحتياط عند الشك في المكلَّف به مع العلم بالتكليف؟ إذن البحث في أصل حكم العقل، والبحث عن وجود الموضوع أو عدم وجوده، بحث في المبادئ التصديقية لا المسائل؛ فالمسائل تكون فيما إذا كان موضوع العلم موجوداً، مثل البحث في الملازمات العقلية وأنّ العقل إذا حكم بحسن شيءٍ هل يحكم الشارع بوجوبه؟ وإذا حكم العقل بقبح شيءٍ هل يحكم الشارع بحرمته؟ هذه من المسائل الاُصولية:لأنَّ حكم العقل مُسلَّم فيها، والبحث يكون في لوازمه. أمّا البحث في مثل البراءة العقلية والاحتياط والتخيير العقلي فبحث في أصل وجود حكم العقل لا لوازم وجوده. الإشكال وارد على هذا المبنى، فالبحث عن اللوازم بحث في المسائل الاُصولية؛ لأنَّ حكم العقل مسلَّم، فهو قد حكم بقبح الشيء، والبحث في حكم الشارع وفق العقل، أو بحث في عوارضه. ولا يمكن الفرار من هذا الإشكال. لكن الإشكال غير وارد على مبنىالسيّد البروجردي، حيث اعتبر موضوع علم الاُصول الحجة في الفقه، والبحث في تعيّنات الحجة من مسائل اُصول الفقه، ففي باب البراءة نبحث في أنّ احتمال التكليف بعد الفحص منجز أم لا؟ أو أنّه حجة أم لا؟ فيقال هناك بحجية هذا الاحتمال وعلى المكلّف أن يحتاط، وإذا قيل بعدم حجيته استفدنا جواز التدخين وركوب السيارة وما شابه. وكذا الكلام في الاستصحاب، فنبحث هناك حجية اليقين السابق أو عدم حجيته. وتفصيل الكلام تجده في (نهاية الاُصول) وهو تقريرات دروس المرحومالسيّد البروجردي. فتلخّص ممَّا ذكرنا أنّ تحديد موضوع الاُصول لا يخلو عن إشكال إذا اعتبرناه الحجة في الفقه أو اعتبرناه الكلّي المنطبق على موضوعات مسائله. وهذا تمام الكلام في هذا الأمر.
|