الصحيح والأعم (درس23)
الدرس دروس خارج الأصول مباحث الدليل اللفظي الدرس 23 التاريخ : 2008/12/25 بسم الله الرحمن الرحيم الأمر الثاني: معنى الصحة والفساد الصحة عبارة عن كون الشيء ممّا يترتب عليه الأثر المطلوب، والفساد يقابله، ويعني عدم كون الشيء مِمَّا يترتب عليه الأثر المطلوب. وقد جاء في (الكفاية) أن الصحة هي التمام، والفساد هو النقصان وعدم التمام، لكنّ كلامه غير تام؛ لكونه خلاف الوجدان، فكم من ناقص وغير تام هو ليس بفاسد، مثل الأبنية الناقصة فهي ليست فاسدة، أو مثل الإنسان الذي ينقصه أحد الأعضاء فهو إنسان وليس فاسداً. الفاسد هو الخالي من المنفعة العقلائية، ولذلك ينبغي حمل تعريف صاحب (الكفاية) على المعاني اللغوية للصحة والفساد لا الاصطلاحية. أمّا المرحوم الاُستاذ الإمام ـ قدس سرّه ـ فقد عرّف الصحّة بما تلاءم مع طبيعة الشيء النوعية، والفساد بما تنافر مع طبيعة الشيء النوعية. وعلى هذا يكون كلاهما أمرين وجوديين عكس مبنى صاحب (الكفاية)، فإنّه بناءً عليه تكون الصحة أمراً وجودياً والفساد أمراً عدمياً. استدل الإمام على رأيه بالاستعمال، فيُقال مثلاً: (بطيخ صحيح) إذا ما كانت تتلاءم وطبيعة البطيخ النوعية، أمّا إذا كان البطيخ خرباً فيقال: (بطيخ فاسد). واستشهاده بهذا المثال من باب أنَّ البطيخ إذا كان غير حلو لا يُعدُّ ناقصاً، بل تاماً، لكنه يُعدُّ فاسداً باعتباره غير متلائم مع طبيعته النوعية. كما استشهد بالإنسان أو الموجودات الحية التي تنقصها عضواً، فالإنسان الذي ولد ناقص الخلقة كأن يكون دون يد يُعدُّ ناقصاً لكن لا يُعدُّ فاسداً؛ لأنّه يصدق الفساد عليه رغم أن ذلك لا يتلاءم مع طبيعة نوعه، لكون طبيعته النوعية تستلزم السلامة من كلّ نقص. إن قلت: قد لا يكون مراد الاُستاذ طبيعة نوعية الشيء، بل الطبيعة النوعية للإنسان، أي ما تلاءم وتنافر مع مزاج الإنسان وذوقه، فالذي يتلاءم يكون صحيحاً، والذي يتنافر يكون فاسداً. والبطيخ يكون فاسداً لكونه لا يتناسب وذوق الإنسان، ويكون صحيحاً إذا ما تناسب وذوق الإنسان بأن كان حلواً. قلنا: أوّلاً: إنَّ هذا اجتهاد مقابل النصّ، ونص عبارته هو طبيعة الشيء النوعية. ثانياً: الإشكال الوارد على تعريف الفساد والصحة بهذا الشكل أكبر وأعظم من الإشكال الوارد على التعريف الأوّل؛ وذلك لأنَّ الصحة عندئذٍ تختص بالاُمور ذات الصلة بمزاج الإنسان وذوقه مثل المأكولات والمشروبات ولا يشمل غيرها، بل لا يمكن نعت غيرها بالصحة والفساد. فالحق في المسألة هو أنَّ الصحة كون الشيء بحيث يترتّب عليه الأثر المقصود، والفساد عبارة عن كون الشيء بحيث لا يترتّب عليه الأثر المقصود. وبهذه الضابطة يصح كلّ ما سبق قوله هنا دون أنْ يرد إشكال عليه. ولا يخفى أنَّ الصحة والفساد أمران إضافيان؛ لأجل أنَّ بالإمكان أن يترتب على الشيء أثر معين ولا يترتب عليه أثر آخر، سواء أخذنا بتعريف الشيخ صاحب (الكفاية) أو بتعريفنا الخاص الذي سبق ذكره. من أمثلته الواضحة هو الإتيان بركعتين كصلاة ظهر، فهي صحيحة بالنسبة إلى المسافر وفاسدة بالنسبة إلى الحاضر، وهناك كثير من الأمثلة الاُخرى. الأمر الثالث: الوضع والموضوع له في العبادات الظاهر أنَّ الوضع والموضوع له في ألفاظ العبادات عام، وهناك احتمالات اُخرى نعرض لها هنا باقتضاب: الاحتمال الأوّل: ألفاظ العبادات من قبيل الصلاة مشتركة بين الأنواع والأفراد، إلاّ أنَّ القائل بالصحيح يقول بكونها مشتركة بين الأفراد الصحيحة للصلاة، والقائل بالأعم يقول بأنّها تشترك بين الأفراد الصحيحة والفاسدة. الاحتمال الثاني: أن يكون الوضع فيها عاماً والموضوع له خاصاً، والواضع تصوّر معنى كلياً ثمّ وضع اللفظ للأفراد، وذلك من قبيل الوضع في الموصولات وأسماء الإشارة. الاحتمال الثالث: كون اللفظ في أحد الأفراد حقيقة وفي الباقي مجازاً. القائل بالصحة يقول: لفظ الصلاة صحيح وحقيقة في بعض الأفراد من قبيل صلاة المسافر، وفي البقية صحيح كذلك لكنه مجاز. والقائل بالأعم يقول: لفظ الصلاة حقيقة في بعض الأفراد كالصلاة المستدبرة للقبلة، وفي الباقي مجاز. الاحتمال الرابع: كون الوضع عاماً والموضوع له عاماً كذلك، وهو الاحتمال الذي استظهرناه نحن. إشكالات يرد على الاحتمال الأوّل بأنّ الاشتراك باطل؛ لكونه خلاف الوجدان والتبادر؛ لأنّ الإنسان لا يرى آلآف المعاني لمفردة الصلاة، بل يرى معنى واحداً وهو المتبادر من الصلاة. ويرد على الاحتمال الثالث بأنّه يلزم أن تكون أدلّة وجوب العبادة وأدلّة أجزائها وشرائطها غير شاملة لجميع الأفراد، بل تخصُّ البعض دون الآخر. وهذا الإشكال وارد على القائلين بالصحيح والقائلين بالأعم كذلك. أمّا الاحتمال الثاني ـ أي كون الوضع عاماً والموضوع له خاصاً ـ فقد بيّن الشيخ صاحب (الكفاية) ردَّه ولا شيء عندي اُضيف إلى ردّه.
|