الصحيح والأعم (درس28)
الدرس دروس خارج الأصول مباحث الدليل اللفظي الدرس 28 التاريخ : 2008/12/25 بسم الله الرحمن الرحيم إشكال آخر الإشكال الآخر المطروح هنا هو القول بأنَّ لفظ الصلاة وُضع للأركان الخاصة، وهذه الأركان تُعدُّ الموضوع له في لفظ الصلاة صحيحة كانت أو فاسدة. جواب هذا الإشكال واضح، فإنّ الجامع على الأعم إذا كان الأركان الخمسة لزم صدق الصلاة أينما تحققت هذه الأركان الخمسة ولا تصدق الصلاة أينما لم تكن هذه الأركان. فلو توضّأ شخص ونوى ثم كبرّ ثمّ ركع ثمّ سجد هل تصدق الصلاة؟ يقطع صاحب (الكفاية) بعدم كونها صلاة. هذا مع أنَّ الصلاة قد تصدق مع الأركان الخمسة وقد لا تصدق. الإشكال الآخر الذي يرد على قول صاحب (الكفاية) بأنّه يلزم المجازية أو أنّ الجامع جامعٌ لمعظم الأجزاء، وذلك باطل كذلك؛ لأنّ معظم الأجزاء بالحمل الأولي غير صحيح، وإذا كان حمل فبالشائع الصناعي. وهذا يختلف باختلاف الأشخاص والحالات والخصوصيات. إنَّ معظم الأجزاء لمن واجبه القيام تختلف عن معظم الأجزاء لمن واجبه الجلوس، ولا يعلم هنا أنَّ الواضع وضع لمعظم الأجزاء في حالة القعود أم في حالة القيام؟ مع العلم أنَّ الإتيان بالأجزاء قعوداً لمن وظيفته القيام يُعدُّ باطلاً وكذا العكس. قيل بأنّ الشيخ الآخوند يعتقد بإمكان تصوير الجامع على الصحيح وعدم إمكان تصويره على الأعم، أي أن هناك معنى يمكنه أن يشمل جميع أفراد الصحيح، أمّا على الأعم فتصوير جامع أمر غير ممكن، وقد ذكر ـ رحمه الله ـ خمسة وجوه للجامع على الأعم وأشكل على خمستها وقال بعدم تماميتها[1]. والحقّ هنا أنّ الجامع يمكن تصويره بناءً على القول بالصحيح والقول بالأعم كذلك، لكن لا بمعنى الجامع المنتزع عن الأفراد؛ لأنّ ذلك تصويره على القول بالصحيح فقط؛ نظراً لعدم إمكان انتزاع شيء من الصحيح ومن الفاسد، بل بمعنى أنَّ الجامع أمر مبهم كي يتّحد في الأفراد في الخارج مع بساطته كما هو الحال في مفهوم الإنسان حيث إنّه بسيط بالتحليل وله جنس وفصل منطبق في الخارج، بل عين الخارج، فينطبق على زيد بجميع خصوصياته كما ينطبق على عمرو بجميع خصوصياته. اختلافنا مع صاحب (الكفاية) هو في اعتباره الجامع أمراً انتزاعياً، ونحن لا نعتبره أمراً انتزاعياً. فالمأمور به هنا شيء والشك في شيء آخر. والفرق الآخر هو عدم إمكانية تصوير الجامع بناءً على الأعم؛ وذلك لعدم إمكانية انتزاع شيء واحد من الصحيح ومن الأعم لكون ذلك بمثابة الجمع بين الضدين أو النقيضين لكنّا نحن نقول بإمكانية ذلك باعتبار عدم انتزاعية الجامع، وأنَّه مبهم يقبل الانطباق على الصحيح والأعم. ورأينا يبدو جلياً بمراجعة المركّبات الاعتبارية والوضع فيها، من قبيل وحدة البيت فإنّه أمر اعتباريٌ، وهو ليس مركباً حقيقةً، والمركب الحقيقي هو الذي يفني بعضها الآخر من قبيل الجنس والفصل والصورة والمادة. الأدلّة إذا عرفت هذا نشرع في ذكر الأدلّة على أنّ ألفاظ العبادات موضوعة للأعم من الصحيح والفاسد، وهي عبارة عن التبادر وعدم صحة السلب عن الفاسد. ويترتب على الاستدلال بهذين الدليلين إشكالان: الأوّل: وهو ما تعرّض إليه صاحب (الكفاية) حيث قال بأن المعنى إذا كان مبهماً فما الذي يُتبادر؟[2]. الجواب: رغم أنَّ المعنى بحسب الحقيقة مبهم ومجهول، لكنه معلوم بحسب الأثر، فيُشار إلى الصحيح بأنّها ناهية عن الفحشاء والمنكر، وإلى الفاسدة بالركوع والسجود، وهذا المقدار من التبادر وعدم صحة السلب كافٍ لإثبات المطلب. الثاني: ما المراد من التبادر؟ هل التبادر في زمن الرسول أو في زماننا هذا؟ فإذا أُريد من التبادر هو الحاصل زمن الرسول فذلك غير معلوم لنا ولا لأحدٍ آخر ، وإذا اُريد منه التبادر في عصرنا فهذا خارج عن محلِّ البحث؛ لأن محل البحث هو أن الشارع وضع اللفظ للصحيح أو للأعم؟ الجواب: الإشكال غير تام للوجهين التاليين: أ ـ إنَّ المراد من التبادر هو ذلك الذي يحصل في عصرنا، ونحن مطمئنون بأنَّ الوضع لم يتغيّر منذ أن حصل، والمتشرعة لم يغيّروه؛ لأنّ في التغيير مفسدة لا سيَّما في الكتاب والسنّة. ب ـ قد يقال بأن بناء العقلاء في أمثال ذلك على عدم النقل ، وهو يشبه الاستصحاب القهقرائي، ونحن لا نعلم بأن هذا المعنى المتبادر كان ثابتاً من أوّل الأمر أو أنَّه تبدّل فيما بعد؟ والاستدلال على الأعم باستعمال لفظ العبادات في الروايات في الأعم مثل الرواية التي تقول ((بني الإسلام على خمس...))[3] ، غير تام كما بيّنه صاحب (الكفاية). والاستدلال على الصحيح بالتبادر وصحة السلب عن الفاسد غير صحيح كذلك؛ لأنّا ندّعي أنَّ المتبادر هو الأعم، وندّعي أيضاً عدم إمكانية سلب الفاسد عن الألفاظ ، فلا يُقال لمن صلّى فاسداً إنّه لم يصلِّ، بل يُقال: إنّه صلّى فاسداً، وبعبارة اُخرى: أتى بالصلاة، لكنَّ صلاته فاسدة. أمّا الاستدلال للصحيح بأخبار وروايات من قبيل: ((الصلاة معراج المؤمن)) و ((الصلاة قربان كلّ تقي))[4] و ((لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب))[5] فغير صحيح، راجع الاُصول[6]، و (نهاية الاُصول)[7] ، فقد جاء الجواب فيهما جميلاً. -------------------------------------------------------------------------------- [1] - كفاية الاُصول: 25. [2] - كفاية الاُصول 1: 29. [3] - الوسائل 1: 18، أبواب مقدمة العبادات، ب1، ح11. [4] - الوسائل 4: 44، أبواب أعداد الفرائض، ب12، ح2. [5] - عوالي اللآلي 1: 196 / 2. [6] - كفاية الاُصول 1: 29. [7] - نهاية الاُصول 1: 53.
|