الصحيح والأعم (درس29)
الدرس دروس خارج الأصول مباحث الدليل اللفظي الدرس 29 التاريخ : 2008/12/25 بسم الله الرحمن الرحيم دليل ثالث على القول بالأعم ذكرنا دليلين على القول بالأعم هما التبادر وعدم صحة السلب، والدليل الثالث هو ظاهر تقسيم اللفظ إلى صحيح وفاسد، وذلك يعني أنَّ اللفظ استعمل في الأعم من الصحيح، فيقال في الصلاة مثلاً: إنَّها على قسمين إما صحيحة أو فاسدة، وهذا يكشف عن أن الموضوع له الحقيقي للصلاة هو المعنى الأعم من الصحيح. لا يتوهَّم أنَّ الاستعمال أعم من الحقيقة؛ لأنَّا نقول بأن بناء العقلاء في مقام التقسيم الحمل على الحقيقة. نعم، في مثل الرواية القائلة ((بُني الإسلام على خمس الصلاة والزكاة والحج والجهاد والولاية، أخذ الناس بالأربع وتركوا الولاية))[1]. استعمل لفظ الصلاة للأعم من الصحيح وقد اُطلق صلاة على غير الصحيحة كذلك. وهذه لا يمكن الاستدلال بها على المطلوب باعتبار أنَّ الاستعمال هنا أعم من الحقيقة. هذا مع إمكان القول بأن الاستعمال في الرواية مختص بالصحيح لكن عند عامة الناس لا عندنا، وبهذا يكون الاستعمال في الصحيح فقط، فتأمّل. ومن الأدلّة التي ذكرت للاستدلال على الأعم هو النذر، فإذا نذر شخص بأن لا يصلّي في الحمام فنذره صحيح، وإذا صلَّى في الحمام حنث نذره، فإنّ كانت الصلاة موضوعة للحصة الصحيحة فقط ما تحقق حنث النذر وكان النذر غير صحيح. بيان الملازمة: بمجرد أنْ ينذر المكلّف تصبح الصلاة منهياً عنها وتكون محرّمة وفاسدة وبذلك لا يكون الإتيان بها حنثاً[2]. ومن ناحية اُخرى، يلزم من صحة النذر عدم صحته؛ لأنَّ صحة النذر موقوفة على صحة الصلاة، وعندما نذر تصبح صلاته فاسدة، وعندما تكون فاسدة يصبح نذره باطلاً وما يلزم وجوده عدمه يكون محالاً. وهذا الاستدلال من وجهة نظر الشيخ الآخوند غير تام لوجهين: الأوّل: إنَّ غاية ما يلزم من ذلك هو عدم صحة النذر، ولا علاقة لذلك بباب الوضع. الثاني: هذا الشخص نذر الإتيان بالصلاة الصحيحة مع غض النظر عن النذر لا بالصحيحة من جميع الجهات[3]، وبذلك يكون نذره صحيحاً ويتحقق الحنث. وأمّا القول بأنّه يلزم من صحة النذر عدم صحة النذر، فنقول: إنَّ النذر تعلّق بالصحيحة لا من قِبَلِ النذر، فإذا جاء بالصلاة وهي جامعة للشرائط كانت صحيحة من غير قِبَل النذر وإذا كانت فاسدة فمِن قِبَل النذر. فهي إذن صحيحة مع قطع النظر عن النذر لا صحيحة من جميع الجهات. هذا مضافاً إلى ما حقَّقه السيّد الأُستاذ الإمام حيث قال بأنَّ النهي لا يتعلَّق بالصلاة لتكون محرَّمة وفاسدة بل يأتي نهي من قبل النذر يُفسد الصلاة وهذا لا ربط له بقضية الاستعمال. تذنيبان بقي هنا تذنيبان نذكرهما تدريجياً الأوّل في ألفاظ المعاملات والثاني في كون الشرط والجزء من الطبيعة المأمور بها أو لا. التذنيب الأوّل: ألفاظ المعاملات البحث هنا في أنّ ألفاظ المعاملات وضعت للأعم أو للصحيح فقط، ويتم البحث في اُمور: الأمر الأوّل: في العقود والإيقاعات ويوجد هنا ثلاث جهات هي السبب والمسبَّب وأثر السبب والمسبَّب. على سبيل المثال إذا أبرم شخص عقد تأمين لعمره أو سيارته أو ما شابه، يكون عمله اعتبارياً، ويتبلور هذا العقد بعد عمله، ويتبلور كذلك حقّ الطرفين أي أثر هذا العقد. وفي مجال الزواج كذلك فالسبب هو الصيغة يحصل بها النكاح، ومسبَّبه هو ذلك الأمر العقلائي والحقيقة العقلائية أي حصول تلك العلقة الزوجية المألوفة، والآثار هي جواز النظر والاستمتاع والنفقة والسكن وغير ذلك، وكذلك هو الحال بالنسبة إلى الإيقاعات. الأمر الثاني: إذا كان الموضوع له في المعاملات هو المسبَّب فلا مجال للنزاع من حيث كونه صحيحاً أو أعم من ذلك؛ لأنَّ أثر السبب دائر مدار الوجود والعدم، وعندما يجري شخص صيغة البيع أو يتحقق المسبَّب يعني تبادل المالين أو لا يتحقق، فمن غير المعقول أن يكون المسبَّب ولا يكون أثر من آثار البيع؛ لأنَّ الاُمور الاعتبارية تابعة للأثر. أمّا إذا كان الموضوع له هو السبب فهناك مجال للنزاع في كونه صحيحاً أو أعم من الصحيح. ولا يخفى أنَّ ألفاظ المعاملات إذا كانت موضوعة للأسباب الصحيحة كان اختلاف الشرع والعرف في الوضع للصحيح يُعدُّ اختلافاً مفهومياً وماهوياً لا مصداقياً كما ذهب إلى ذلك صاحب (الكفاية)[4]. بيان ذلك: إذا وضع العرف لفظ البيع مثلاً للسبب الصحيح، والشارع وضعه للسبب الصحيح كذلك، فهل الوضع هنا بالمفهوم الأوّلي أو بالشائع الصناعي؟ لابدَّ وأن لا يكون بالمفهوم الأوّلي الذاتي قطعاً؛ لأنَّ لازم ذلك تبادر مفهوم الصحة عند كلّ مرّة تستخدم فيها مفردة البيع كما يحصل تبادر لمفهومي المضاف والمضاف إليه في مثل (غلامُ زيدٍ)، فإذا وضع للصحيح وضع للمصاديق الصحيحة أي مجموعة العقود التي تُبرم في الخارج. شبيه هذا كان في العبادات، فإذا قلنا بوضعها للحصة الصحيحة لا بالمفهوم الأولي بل الشائع الثانوي أي المصاديق الخارجية، سوف لا تكون الصحة جزءاً من المفهوم المتبادر من كلمة الصلاة. إذن، البيع وضع للأسباب الخارجية الصحيحة، لكن البحث المطروح هنا هو كونها موضوعة لجميع المصاديق في الخارج أو للجامع؟ فإذا كانت موضوعة لجميع المصاديق لزم الاشتراك اللفظي بين الحقائق المختلفة؛ وذلك باعتبار أن بيعي حقيقةً يختلف عن حقيقة بيعك وبيع زيد وعمرو، فلكل بيع حقيقة تختلف عن البيع الآخر. هذا، مع أنَّ عدد البيوع في الخارج لا يُحصر. إذن، لابدَّ من القول بأنّها موضوعة للجامع بين الأسباب الصحيحة، لكن تبرز هنا مشكلّة اُخرى وهي: إذا برز اختلاف بين العرف والشارع في تحديد المصاديق الصحيحة فما نعمل؟ نظير ذلك هو بيع الذي يتضمّن غرراً، فإنه صحيح عند العرف وفاسد عند الشرع. -------------------------------------------------------------------------------- [1] - البحار 39: 257. [2] - كفاية الاُصول 1: 32. [3] - كفاية الاُصول 1: 32. [4] - كفاية الاُصول 1: 32 ـ 33.
|