الصحيح والأعم (درس32)
الدرس دروس خارج الأصول مباحث الدليل اللفظي الدرس 32 التاريخ : 2008/12/24 بسم الله الرحمن الرحيم القول بالتفصيل القائلون بالتفصيل قالوا بأنَّ استعمال المشترك في الإيجاب والأفراد غير جائز وفي التثنية والجمع والسلب جائز واستدلالهم على ذلك هو بكون النفي يدلُّ على العموم والتثنية والجمع يدلان على التعدُّد، لذلك جاز فيهما استعمال اللفظ في أكثر من معنى. أمَّا استعمال اللفظ المفرد في أكثر من معنى فيُعدُّ تخلفاً عن الوضع لأنَّ اللفظ وضع لمعنى واحدٍ. وفيه ما يلي: أولاً ـ لا منع وضعي في المعنى الإيجابي فضلاً عن التثنية والجمع والنفي، لمّا مرَّ من أن اللفظ وضع لذات المعنى لا لذات المعنى مع قيد الوحدة (كما ذهب إلى ذلك صاحب (المعالم) ـ قدس سرّه ـ ولا لذات المعنى في حال الوحدة (كما ذهب إلى ذلك صاحب (القوانين). ثانياً ـ إذا سلّمنا بالمنع الوضعي في المعنى، فينبغي تسليمه في التثنية والجمع والنفي كذلك؛ نظراً لكون التثنية تدل على تعدد مدلول المعنى والنفي يدل على العموم في الكلّمة إن كانت مثبتة. إن شئت قلت: التثنية والنفي بمثابة أدوات للعموم والأخيرة عملها تكثير التالي، ولذلك استعملت (كلّ) في كلّ رجل وكل عالم وكل عادل وكل هاشمي ، والمستعمل فيه في جميع هذه الموارد واحد والاختلاف في التالي أي عالم ورجل وهاشمي. لكن التعدد في التثنية والجمع والنفي لا يمكن أن يحلَّ المشكلة، فإذا كان استعمال اللفظ في أكثر من معنى غير جائز في المفرد كان كذلك في التثنية والجمع والنفي؛ لأنّ شأنهم من هذه الناحية واحد. لا يقال: إنَّ التثنية في الإعلام الشخصية غير صحيح فلا يقال: زيدان مثلاً؛ لأنّ زيداً يعني ذلك الشخص المعروف وهو لا يصبح أثنين. لأنّا نقول: في تثنية الأعلام لا يستعمل اللفظ في معنى العَلَم، بل في المسمَّى بذلك الاسم، فالمعني العَلَمي واحد لا يقبل التثنية والتعدّد، أمّا المسمّى بزيد فهو معنى مجازي وقابل للتكرُّر والتعدد؛ لأنّ هناك الكثير ممَّن اسمه زيد وقد نريد الإشارة إلى اثنين منهم فقط فنقول: (زيدان). وهمٌ توهَّم البعض بأنَّ الأخبار الدالّة على أنَّ للقرآن بطوناً سبعة أو سبعين تصلح لأنّ تكون دليلاً على وقوع استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد. لكن هذا مدفوع بالوجوه التالية: الأوّل ـ البطن ليس بمعنى اللفظ ولا بمعنى المعنى الظاهر؛ لأنَّ المعنى إذا كان ظاهراً فلا يقال له بطن. وإذا اُريد من البطن المعاني المستعملة للفظ فالمعاني المستعملة ظاهرة ولا تكون عندئذٍ باطنة. الثاني ـ جاء في نفس الروايات المزبورة أن للقرآن ظهوراً وبطوناً، وهذا يعني قبولها لمعاني مستعملّة ظاهرة من اللفظ، وأن البطون ليست المعاني المستعملة فيها الألفاظ حال كونها ظاهرة من الألفاظ. الثالث ـ جاء في الروايات الماضية كذلك أنَّ بطون القرآن لا يفهمها إلاّ الرَّاسخون في العلم، وهذا يعني أنَّ البطون غير المعاني الظاهرة المستعمل فيها الألفاظ، وإلاّ كان الجميع يفهمها لا خصوص الراسخون في العلم. تنبيه قلنا بجواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى ولا منع وضعاً ولا عقلاً في ذلك، لكن هذا الاستعمال يكون خلاف الظاهر ولا يصار إليه إلاّ بدليل؛ وذلك لأجّل أنَّ العقلاء لم يعتادوا على هكذا نوع من الاستعمال، والأغلب عندهم الاستعمال مع الإشارة إلى معنى واحدٍ. نعم، إذا قامت قرينة على تعدد المستعمل فيه وقام الدليل على عدم إرادة المستعمل الإجمال والإبهام ولم ينصب قرينة على إرادة معنى خاص، عندئذٍ يُحمل اللفظ على جميع المعاني المشتركة، وإلاّ لزم نقض الغرض، لأنَّا علمنا بإرادته جميع المعاني فتخصيص ذلك بالبعض دون الآخر يكون نقضاً لغرض المتكلّم.
|