المشتق (درس41)
الدرس دروس خارج الأصول مباحث الدليل اللفظي الدرس 41 التاريخ : 2008/12/22 بسم الله الرحمن الرحيم أمر آخر يظهر من البحوث السابقة أن بحث المشتق خالٍ من الثمرة الفقهية، رغم ذكر ثمرتين له: أحدهما: البول تحت الشجرة المثمرة. والاُخرى: كراهة الوضوء بالماء المسخّن بالشمس. أمّا قضية البول تحت الشجرة المثمرة فقد قلنا سابقاً بأن الظاهر في المبدأ هنا هو القابلية لا الفعلية. وأمّا بالنسبة إلى الماء المسخّن بالشمس، فقد اُشير إلى ذلك في الفقه وسُلِّم هناك انتفاء الكراهة بمجرد ذهاب الحرارة. نعم، بناءً على المبنى الذي يرى كفاية قابلية وقوع المسألة للوقوع في طريق الاستنباط لجعلها مسألة اُصولية تجعل مسألة البول تحت الشجرة المثمرة بحث المشتق من البحوث الاُصولية. لكنا قلنا بأن القابلية غير كافية، بل فعلية الوقوع هي المطلوبة، ولذلك عددنا المسألة خارجة عن المسائل الاُصولية. يظهر من البعض قبوله عدم وجود ثمرة فقهية مترتبة على البحث، لكن لا من الحيثية التي قلناها، بل من حيث أن الأحكام جعلت على نحو القضايا الحقيقية، والحكم دائر مدار فعلية العنوان حدوثاً وبقاءً. ولذلك، عندما ينقضي المبدأ ينتفي الحكم حتى لو قلنا بأنَّ المشتق حقيقة في الأعم. واستشهد على كلامه المتقدم بما ورد في الفقه من عدم ترتّب أحكام الحيض والاستحاضة والزوجية وما شابه عند انقضاء المبدأ بلا إشكال ولا كلام، ولا أحد قال هنا بأن المسألة تبتني على مسألة المشتق وأنّه عندما ينقضي المبدأ تنتفي الأحكام ولا ترتّب.. وهذا الكلام دليل على أن الأحكام مجعولة على نحو القضايا الحقيقية وحكمها يدور مدار الفعلية حدوثاً وبقاءً، فإذا لم يكن عنوان لم يكن حكم، وبانقضاء المبدأ سوف لا يكون وجود لعنوان آخر. الكلام المتقدم محل إشكال بناءً ومبناءً، وفي شاهده إشكال كذلك. أمّا مبناءً، فالأحكام الشرعية ليست على نحو القضايا الحقيقية لكي يُفرض فيها الوجود، بل الأحكام الشرعية مجعولة على الطبائع بما هي، وذلك يظهر بمراجعة الوجدان، فعندما جُعل قانون تجنيد من بلغ ثمانية عشر عاماً، لم يُنظر إلى البالغين ثمانية عشر ممّن كانوا في الخارج، وهذا هو شأن جميع القوانين عند جعلها، فلم تُجعل على نحو القضية الحقيقية لكي يُفرض الوجود فيها. وأمّا بناءً فحتى لو سلمنا بأن جعل الأحكام على نحو القضية الحقيقية وأنّها مجعولة على الوجود الخارجي حقيقة، وأن الأحكام دائرة مدار العنوان حدوثاً وبقاءً، مع ذلك فإنّا نقول بالوضع للأعم، والمقتول بالأمس يقال له مقتول حالياً كذلك، والعالم إذا صار جاهلاً يبقى وجوب الإكرام منصباً عليه لكونه كان متلبّساً، بينما القائل بالوضع للمتلبّس يقول بأنّ إكرام الإنسان لا يجب عندما يصبح جاهلاً بعد ما كان عالماً، ومحلّ البحث هو هذا أي هل إذا انقضى المبدأ هل ينتفي العنوان وينقضي كذلك أو أنّه يبقى رغم انتفاء المبدأ؟ فالقائل بالأعم يقول بعدم انتفاء العنوان، بينما القائل بالوضع للتلبّس يقول بانتفاء العنوان هنا. مع ذلك نقول: إن المدعي بالوضع للأعم يعتبر العنوان ما زال فعلياً في ما انقضى عنه المبدأ. ولا يبعد أن هذا الكلام ناشئ عن خلط بين الواقع وصدق العنوان من حيث اللفظ؛ وذلك لأجل أن القائل بالوضع للأعم والقائل بالوضع للمتلبّس كليهما يعتقدان كون الذي كان عالماً وأصبح جاهلاً لا شيء واقعاً، والنزاع بينهما في صدق اللفظ، فالقائل بالأعم يقول بصدق العنوان عليه رغم أنّه الآن لا شيء واقعاً ولا يعلم شيئاً، أما القائل بالوضع للمتلبّس فيشكل في صدق العالم عليه. أمّا مسألة الشاهد الذي ذكره (وهو عدم ترتب أحكام الحائض والنفساء والزوجية على المرأة التي انقضت عنها هذه المبادئ) فإشكاله كون عدم ترتُّب الأحكام باعتبار وجود الرافع سواء كان رافعاً عنوانياً أو رافعاً حكمياً بأن قيل على الحائض ترك الصلاة أثناء حيضها، فأيّام الطهر تعتبر رافعاً للحيض، والطلاق رافع للزوجية. والمراد من الرافع عدم ترتب الآثار. إذن كان عدم ترتّب الآثار باعتبار وجود الرافع، والمسألة لا علاقة لها بموضوع المشتق. وبذلك يثبت عدم صحة كلام بعض الأعاظم في (المحاضرات) بناءً ومبناءً وشاهداً.
|