موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: لا حاجة إلى الضرورة الشديدة من أجل إسقاط الجنين قبل الأربعة أشهر، لكن ما بعدها يستلزم ذلك إذا ما أُريد إسقاطه من أجل إنقاذ حياة الأم مثلاً.
الاجتهاد في المسائل الطبّية الملتويةلا حاجة إلى الضرورة الشديدة من أجل إسقاط الجنين قبل الأربعة أشهر، لكن ما بعدها يستلزم ذلك إذا ما أُريد إسقاطه من أجل إنقاذ حياة الأم مثلاً.
حوار مع مرجع التقليد في عالم التشيّع آية الله العظمى الشيخ الصانعي (دام ظلّه العالي)
طبع في منشور علمي وخبري ومهني يعنى بمسائل الطبابة، السنة(4) العدد (58 4) / 2008م)
لا حاجة إلى الضرورة الشديدة من أجل إسقاط الجنين قبل الأربعة أشهر، لكن ما بعدها يستلزم ذلك إذا ما أُريد إسقاطه من أجل إنقاذ حياة الأم مثلاً.
ثمة مسائل تظهر في مجال الطبّ والطبابة يحتاج فيها الطبيب المختصّ لمواجهتها إلى رأي الشرع المقدّس فيها، فضلاً عن خبرته وتجربته في هذا السياق. ولكي يكون موفّقاً في إحراز الشرع الإسلامي ينبغي على كلّ طبيبٍ أن يعيّن عالماً ومرجع تقليد محنّك، يتمتّع بالحذق والذكاء والإحاطة، يرجع إليه إذا ما احتاج إلى رأي الشرع المقدس في بعض المسائل المكتوبة التي تتطلّب نظر الشارع تجاهها.
وهذا ما دفعني إلى أن أحمل حقيبتي وأذهب إلى مدينة قم المقدمة، محطّ العلم والفقه والاجتهاد، لغرض اللقاء بسماحة آية الله العظمى ومرجع التقليد الشيخ الصانعي (حفظه الله) وإلقاء مسائلي على سماحته، والتماس البركة من جنابه.
ولا أخفي اضطرابي وتسارع نبضات قلبي وأنا أتوجّه إلى مكتبه المتواضع الواقع بالقرب من صحن السيدة العلوية فاطمة بنت الإمام الكاظم عليه السلام، رغم أنّ معرفتي بسماحته ليست حديثة، لكن مع ذلك كنت أفكر في أن اغتنم هذه الفرصة الثمينة لأقف على رأي الإسلام الحنيف وفقه أهل بيت النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم تجاه بعض المسائل العويصة والملتوية في مجال الطب، ولأبدي احترامي إلى رجلٍ يعدّ أحد أبرز الوجوه العلمية في عالم التشيّع.
لكنّني مع كلّ ذلك كنت اعتقد قبل لقائي بسماحته بأنّه لا يعدو كونه عالماً دينياً لا يزيد على غيره من رجال الدين، وأنّ ما لسوف أسمعه من سماحته لا يختلف عن سواه، هذا إضافة إلى ما كان يظهره لي الدكتور (نهريني) من عدم تفاؤله من هذا اللقاء؛ لأنّ العلماء ـ على حدّ قوله ـ لا يملكون الوقت الكافي للاستماع إلى حواراتنا ومناقشاتنا، سيّما وأنّ المسائل تتعلّق بمجال الطبّ والطبابة. لكن الحقّ يقال، لمّا بلغت مكتبه المتواضع، والتقيت بسماحته، رأيته إنساناً ودوداً، يحترم الآخرين، ويقدّر قدومهم، ويرحّب بهم بحفاوة، ويلبّي كلّ طلباتهم ولو على مستوى المناقشة والحوار... لدرجة أنّ الشخص لا يرغب في مفارقته أبداً إذا التقاه وجالسه.
ـ سماحة الشيخ ! رغم التطوّر الكبير الذي أصاب الحقل الطبي والطبابة، فما زال الطبّ وأهله بحاجة ماسة إلى إبداء النظرات تجاه ما يواجهه من مسائل مستجدّة، ولاسيّما النظرة الفقهية، لأنّ كثافة الآراء المطروحة يرافقها غالباً ظاهرة التعارض فيما بينها تجاه الحالة الواحدة، وثمة ما يخالف بعضها الشارع المقدّس، فالضرورة تقتضي عندئذٍ مراجعة رأي الشارع لتحديد الموقف تجاه هذه الآراء المختلفة. بيد أنّ هنالك من يعتقد العكس، وهو ضرورة اتّباع الفقه لرأي الطبّ على صعيد المسائل المتعلّقة بهذا الجانب الحيوي والهام من حياة الناس عامةً، والمسلمين خاصةً، فما هو رأي سماحتكم تجاه هذه المسألة؟ وهل هو صحيح أنّ الفقه يتبع الطبّ في هذه الموارد، ويتحرك في فلكه أم لا؟
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم.
يذكر الإمام الراحل (قدس سره) في إحدى كلماته القيّمة وكان في معرض الإجابة عن بعض التساؤلات المختلفة في مجالات علمية وعملية متعدّدة، ثم عقّب قائلاً: «إنّ طريق الإسلام غير مسدود، فهو مفتوح دائماً، ويستوعب كلّ مشاكل الإنسان» يعني: أنّ الإسلام بشريعته وتعاليمه يمتلك الحلول المناسبة لكلّ المستجدّات التي تواجه الإنسان المعاصر، سواء على الصعيد الاقتصادي أو السياسي أو الإداري، وكذلك الحال على الصعيد الطبي بكلّ فروعه وأقسامه. والناس تجاه هذه القضية على طائفتين: منهم من لا يرى هذا الموضوع جائزاً، ومنهم من أجازه، وعدّ الفقه عاملاً مهماً على صعيد النمو الاقتصادي والإداري و...، والتطوير العقلي والصحّي للمجتمعات الإنسانية.
وأمّا نحن فنرى أنّ ذلك رحمة ونعمة أنعمها الله على البشر، كما أنّ الاختلاف في الآراء نعمة ورحمة، إذ به ينكشف الحقّ ولو بعد مدّة، ولا يبقى الناس في ظلام وتيه دائماً، وأنّ نموّ وتطوّر البشر في علومهم ومعارفهم مرهون بعلم الفقه، وبذلك يظهر دور الفقه على هذا الصعيد. لكن السؤال هنا: ماذا يفعل الطبيب قبال هذا الحشد من الآراء والاختلاف؟
لكن النقطة المهمّة في هذا السياق هي أنّه من الممكن أن نجد من يطرح نظريةً أو رأياً في أيّ حقل معرفي، وقد يصرّ عليه بقوة، وهذا ليس عيباً يعاب عليه، إنّما العيب أن ينكشف خطأه ذلك ويصرّ عليه. أمّا من يعدل عن خطئه إذا ما تراءت أمامه أدلّة تثبت صحّة رأي المخالف، ويميل إلى نظرية الآخر بكلّ رحابة صدر، فهذا هو العزّ والكرامة والشهامة.
فعلى سبيل المثال لا الحصر: أنّنا منذ مدّة أثبتنا رأياً فقهياً مخالفاً للرأي السائد، في مجال الديات (جمع دية: وهي المال الواجب بجنايةٍ على الحرّ في نفسٍ أو دونها)، وهو أنّ دية المرأة ودية الرجل متساوية؛ لأدلّة عديدة، وكذلك الحال بالنسبة إلى دية المسلم وغير المسلم. وقد أبدى الكثيرون معارضتهم لهذا الرأي ومخالفتهم له، لكن بعد مرور فترة من الزمن رجع إليه أغلب الذين عارضوه، وازداد عدد المؤيّدين له يوماً بعد يوم، حتّى سمعنا قبل أشهر قليلة مضت أنّ دائرة التأمين الصحّي العامة قد أقرّت أنّ التأمين للمرأة والرجل واحد، سواء في النفس أو الأعضاء أو الجوارح، بما يتّفق ورأينا، بعدما كانوا يفرّقون بينهما لسنوات مديدة، ويعارضون ما ذهبنا إليه لفترة غير قصيرة، ولو أنّ حجّتهم على موقفهم الأخير من مسألة التأمين بأنّه عقد من العقود، والدية ليست كذلك.
والملفت للنظر أنّ السادة الأعضاء في مجمع تشخيص مصلحة النظام قد أقرّوا قانوناً يثبت أنّ دية غير المسلم تساوي دية المسلم على نحو يتّسق وما ذهبنا إليه على هذا الصعيد.
إنّ هذه التوجّهات الجديدة طبيعية إذا ما وجّهنا النظر إلى حجم التطوّرات التي أصابت العلوم كلّها، وكثافة المستجدّات التي ظهرت على جميع الميادين، وهي تشكّل تحديات جديدة ينبغي على المتشرّعة تجاوزها وفق الأدلة والاعتبارات الحاصلة، لكن المشكلة تكمن في أنّها تقتضي تغيير تفسير بعض القناعات والأصول، وقد يصعب على البعض قبوله ومجاراته، وهذا شائع في كلّ حقول العلم الأخرى، سواء في الحوزات أو الجامعات.
هذا على المستوى العلمي والمناقشات العلمية، لكن على المستوى القانوني ماذا يتحتّم علينا أن نفعل؟ والجواب: أنّ هذا لا يتعلّق بنا لأنّنا نؤمن بأنّ القانون الأساسي مطابق للموازين الفقهية والشرعية في بلادنا، ويمكن الاطمئنان إلى رأي القانون السائد ورفع كلّ مناقشة وملاحظة تظهر في البين، ولا يجب الأخذ برأي أحد مخالف لهذه الموازين، تماماً مثلما انتم معشر الأطباء تقولون: إنّ من يطرح نظريةً فيجب أن تكون موافقة للموازين الطبيّة السائدة، ولو خالف رأي طبيب تلك الموازين، فلا يجب أن تأخذوا برأيه حتّى ينطبق على تلك الموازين والمعايبر المعمول بها، حتّى يبثت صحّة رأيه أو يتم تغيير تلك الموازين.
سماحة الشيخ ! ثمة مسائل وقضايا كنّا ـ ومازلنا ـ نواجهها باستمرار، قبل انتصار الثورة وبعد انتصارها في إيران، وهي قضية تحديد النسل أو بالتعبير الجاري: (المنع من الحمل) حيث كان كبارنا يقولون ويعتقدون أنّ هذه القضية لمّا طرحت على مستوى رسمي إبّان الحكومة الملكية البائدة، إنّما كان المسؤولون يرومون تحديد نسل المسلمين، واستئصال ذرّية وأتباع النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم. ويعدّونها خيانة للنبي الأكرم الذي أوصى ـ في رواية ـ بالتناسل ليكاثر بهم الأمم.
لكن بعد انتصار الثورة المباركة، استمرت هذه المسألة في أروقة المتشرعة والمسؤولين الحكوميين ووجدوا لها الحلّ. لكن يا سيدي، المشكلة التي تواجهنا هي مسألة إسقاط الجنين على الصعيد الفقهي، وأمّا من الجانب الطبي فلا عسر مع تطور وسائل الطبّ الحديث. ولذا نرجو من سماحتكم بيان معنى الجنين، ومتى تلجه الروح حسب النظرية الفقهية الشرعية؟ ومتى يعتبر هذا الجنين إنساناً محترماً؟ والى أيّ مدّة يمكن أن نعدّه (لم يكن شيئاً مذكوراً)؟
* إنّ النطفة عندما تنعقد في الرحم، أو نظنّ بحصول الانعقاد، فإنّه تترتّب عليه أحكام، فلا يمكن إسقاطها من دون عذر أو ضرورة، فإسقاطها حرام، مثل سائر المحرّمات.
وهذه المسألة من المسائل الإسلامية المهمّة التي يلزم الاحتياط فيها، وأهميتها لدرجة أنّه إذا شككنا في المحرّمات الأخرى بأنّها وقعت بهذا الشكل المحرّم أولا، فإنّنا لا نعتني به ؛ لأصل البراءة والإباحة ـ وهو منهج فقهي معوّل عليه ـ فنقول بالحلّية، وكذا عليه الفقهاء أيضاً.
أمّا في هذه المسألة (إسقاط الجنين) فالاحتياط أكثر فيها؛ للرواية الواردة عن الإمام الصادق عليه السلام، يسأله الراوي: اشتري الجارية، فربّما احتبس طمثها من فساد دم أو ريح في الرحم، فتسقى الدواء لذلك فتطمث من يومها، أفيجوز لي ذلك وأنا لا أدري ذلك من حبل هو أو من غيره، فقال عليه السلام: (لا تفعل ذلك) فسأله الراوي أيضاً: إنّه إنّما ارتفع طمثها منها شهراً، ولو كان ذلك من حبل إنّما كان نطفة كنطفة الرجل الذي يعزل (يعني: ما الفرق في ذلك إنّما كالرجل الذي يعزل؟) ؛ فقال عليه السلام: (إنّ النطفة إذا وقعت في الرحم تصير إلى علقة، ثم إلى مضغة، ثم إلى ما شاء الله، وإنّ النطفة إذا وقعت في غير الرحم لم يخلق منها شيء..) يعني: ثمة فرق بينهما بأنّ النطفة عند العزل لم تستقرّ في الرحم، وأمّا إذا استقرّت فيه فتصير مبدءاً لنشوء الإنسان، فيحرم تضييعه.
فالنطفة المنعقدة تمثّل منشأ الإنسان ومبدء وجوده في هذه الحياة كما هو الظاهر ولو احتمالاً، فالإسقاط يعني إسقاط لإنسانيته، ولذا فهو غير جائز، وحرام. وهذه كرامة للإنسان قد خصّها له دون سائر مخلوقاته، واحترام منشئه ومبدء وجوده هو في الحقيقة احترام له، وإسقاطها يعني انتهاك صريح لاحترامه. نعم تستثنى من ذلك موارد الضرورة.
ـ هل بإمكان سماحتكم توضيح هذه الموارد (موارد الضرورة)؟
* إنّ موارد الضرورة التي يعذرها الشرع المقدس، إنّما تؤخذ بنظر الاعتبار والتطبيق منذ انعقاد النطفة، لكن ليس إلى ما شاء الإنسان، بل هي محدّدة حتّى الشهر الرابع، حيث تلجها الروح، وتصبح ذات نفس محترمة، فحتّى الشهر الرابع ليس من اللازم كون الضرورة شديدة، لكن بعد الشهر الرابع لا يجوز ـ بأيّ عنوان ـ إسقاط الجنين ذي الروح ولو اقتضى هلاك الأم على ما ذهب الفقهاء. ولو دار الأمر بين حياة الأم وحياة جنينها، فأكثر الفقهاء قالوا بعدم إمكان تقديم أحدهما على الآخر.
وأمّا قبل بلوغ الأربعة أشهر فيمكن إسقاطها لأسباب مقبولة عند الشارع وإن لم تكن لضرورة شديدة، كأن تكون النطفة المنعقدة غير مرغوب في انعقادها؛ لأسباب طبيّة أو اجتماعية، كأن يكون الرجل معسراً معدماً، وله أطفال بالكاد يهيئ لهم ظروف المعيشة، فإذا انعقدت النطفة، وهو ما يعني إضافة فرد آخر، وحمل آخر فوق حمله... أو أنّ الحكومة ـ كما ترى ـ لا يمكنها توفير المستوى الأدنى من الرفاهية والخدمات العامة مع العدد الغفير من السكان، فتدعو إلى تحديد النسل وإلاّ ستنجّر إلى اتّخاذ التدابير وملاحقة قانونية بحقّ المخالف؛ منعاً لكلّ أسباب الفوضى على صعيد السكن والأمن والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي و...
فهذه جميعاً تشكّل ضرورات وإن لم تكن شديدة، تدعونا إلى الالتزام بقانون تحديد النسل، إضافة إلى اعتقاد أغلبنا بأنّ الله سبحانه لا يريد إنجاب الأطفال المبتلين بالنواقص الخلقية، أو ما يسبّبه الوالدين من تشوّهات؛ كأن تكون الأم مصابة بالسكري، وارتفاعه إلى حدّ قد يقتل الجنين أو يسبّب له تشوّهاً فعندئذٍ لا مانع من إسقاط الجنين مالم يبلغ الأربعة الأشهر، لكن المشكلة هنا تكمن في التشخيص، فالجنين قبل بلوغه الأربعة أشهر لا يمكن تشخيص بعض الأشياء منه، لكن إذا تمّ تشخيصه فلا مانع من إسقاطه، وهو جائز. وبهذا الدليل يبعد أن تكون فيه دية.
ـ في القانون السائد فعلاً في بلادنا ثمة لائحة ببعض الأمراض المدرجة الموارد التي يحقّ فيها إسقاط الجنين، من دون أن تترتّب على من تولّى الإسقاط آثار قانونية، نظير (فقر الدم البحري) إذ يعدّ مرضاً مؤذياً ومزعجاً، يحتاج فيه المولود عناية مركّزة حتّى سنّ الثلاثين. أمّا الموارد التي أشار اليها سماحتكم فهي ليست من الموارد التي يحقّ فيها إسقاط الجنين!
* هذه الموارد التي طرحنا بعضاً منها تحتاج إلى تحقيق من وجهة نظر علمية يتولاه مجموعة مختصّة من الأطباء أو لجنة طبيّة مخوّلة للوقوف على حقيقة الأمر من زاوية علمية وطبيّة محضة. إذ إنّ في هذه الموارد أذىً شديداً للمولود، ومشقّة وعذاباً طويل الأمد لوالديه. وهكذا الأطفال الذين يولدون ويحملون أمراضاً نفسية خطيرة الأثر والعاقبة، كأن يثبت عندما يبلغون تنعدم فيهم الشخصية الثابتة أو تكون مزدوجة... والذين يولدون بعقول ناقصة، يتخلّف عقله عن النمو كما ينمو جسمه، وآخرون يولدون ولا يزيد طولهم على الشبر الواحد، وتراه يبلغ ولا يزيد طوله على الشبرين... وغيرها من الأمراض والظواهر الصحيّة والطبيّة التي تشكل مصدر قلق ومشقّة له ولوالديه من جهة، وللمجتمع من جهة ثانية.. برأينا يجب بذل الجهود باتجاه التحقيق في مثل هذه الموارد، ومن ثم تقنينها رسمياً، ولا يقال: إنّه يخالف القانون الأساسي، فقانوننا الأساسي يراعي الموازين الإسلامية وضوابطها جميعاً.
ـ لو صادف طبيب أمثال هذه الموارد التي لم تقنّن بعد، هل يعمل طبق القانون الذي لا يجيز له ذلك، أم وفق رأي مرجع تقليده الذي يجيز له ذلك؟
* إذا كان المبنى الثاني، وهو العمل وفق رأي مرجع التقليد، فلابّد أنّه سوف تواجهه مشكلات عديدة، فكيف يتمّ حلّها؟ لكننا نقول: أنتم تملكون وزارة كبيرة وعريقة باسم وزارة الصحة، من أولويات مسؤولياتها الاعتناء بتعزيز نظم السلامة العامة لجميع أفراد المجتمع، وتتواءم في الوقت نفسه مع النظام العام للمجتمع، إذ النظام يعني التنظيم فلا يمكن لوزارتكم ولا لغيرها التخلّف أو معاكسة هذا النظام العام، وإلاّ سوف تعمّ الفوضى في كلّ أركان المجتمع، حتّى في أبسط صور الفوضى، كأن عبر شخص من موضع من الشارع لم يخصّص للعبور، فالعبور بحدّ ذاته خلاف النظام المقرّر حتّى وإن قيل: إنّه ليس بخطر، بل يعدّ عبوره خلاف النظام المقرّر حتّى وإن قيل: إنّه ليس بخطر، بل يعدّ عبوره خلاف الشرع؛ لأنّه يساهم في تكريس الهرج والمرج الذي يرفضه الشرع والمتشرعة.
ـ إذن، لا يمكن ـ والحال هذه ـ أن يعمل وفق رأي مرجع تقليده؟!
ـ كلا ! لا يمكنه ذلك، بل عليه رعاية القانون والضوابط المقرّرة على هذا الصعيد، لكن يمكن أن يصبح رأي مرجع تقليده قانوناً إذا ماسعى هذا الطبيب وراءه، وأوضح الموقف عند المسؤولين المعنيّين، على أن يكون هؤلاء السادة المسؤولون على قناعة بأنّ مبنى وملاك الموازين في القانون الأساسي هو الدين الحنيف.
ـ ما تفضلتم به من أنّ في إسقاط الجنين بعد أربعة أشهر من انعقاده حرمة شرعية، لأنه يعدّ انتهاكاً لحرمة وكرامة الإنسان، هذه المسألة على الصعيد الطبي ليست عملية، فالموارد التي تضع حياة الجنين وحياة الأم أيضاً معاً على المحكّ، فإنّ تكليفها مشخّص ومعروف، لكن الموارد التي تحصل وتستلزم إسقاط الجنين الذي تجاوز الأربعة الأشهر، ما هو تكليفنا في مثل هذه الموارد؟
* إنّ جواب سؤالكم هذا تجده في مجموعة الاستفتاءات الطبية المطبوعة والمنشورة، حيث نقرأ فيها:
المسألة (207): إذا قطع الطبيب رأيه بكون بقاء الجنين في رحم الأم يؤدّي إلى موتها:
1 ـ هل يجوز إسقاط الجنين لأجل سلامة الأم وإنقاذها من الموت؟
2 ـ هل يجوز إبقاء الأم على حالها من أجل سلامة الجنين ولو أدّى إلى هلاكها؟
3 ـ لو كان إبقاء الجنين في الرحم قد يسبّب موتهما معاً، فما هو التكليف عندئذٍ ؟
والجواب:
ج 1 و 2: لو كان إبقاء الجنين في الرحم يسبّب موت الأم، كأن يكون الجنين مريضاً ويسري مرضه إليها، فيؤدّي إلى هلاكها، فلأجل منع هلاك الأم، ولم يكن من سبيل آخر لإنقاذها، يمكن للأم إسقاطه ولو كان الجنين قد ولجته الروح.
ج 3: لو كان إبقاء الجنين في الرحم يسبّب موتهما معاً، وإسقاطه يؤدّي إلى الحفاظ على حياة الأم، وإنقاذها من الهلاك ولو بإخراج الجنين وموته، فيجوز لها إسقاطه. ولا فرق في هذه الصورة بين كون الجنين قد ولجته الروح (أربعة أشهر) أم لم تلجه.
ـ كما يعلم سماحتكم أنّ القانون في الوقت الحاضر يقرّ في هذا الموضوع بما يلي: إذا تجاوز الجنين أربعة أشهر بشكل قطعي، وكان استمرار الحمل يسبّب موت الأم دون الجنين، فلا يجوز إسقاطه. ويبدو أنّ رأيكم يختلف عن القانون الفعلي السائد في الوقت الحاضر؟
* نعم، لأنّ الأم تريد معالجة نفسها الآن، حتّى ولو سبّب علاجها موت جنينها، والسيد الخوئي رحمه الله قد استفاد من مصطلح (الدفاع) في هذا المورد لتحديد رأيه.
الدكتور محمد رضا شالبافان التاريخ : 2008/10/12 تصفّح: 11971