موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: كرامة الإنسان في مجال التقنين
انعقاد المؤتمر الدولي للامام الخمينيكرامة الإنسان في مجال التقنين
إنارة
على عتبة انعقاد المؤتمر الدولي للامام الخميني الذي يحمل عنوان: الامام الخميني وساحة الدين (كرامة الانسان) التقى جمع من أعضاء اللجنة العلمية للمؤتمر سماحة آية اللّه العظمى الشيخ الصانعي وطرحوا عليه مجموعة من الأسئلة فيما يخص موضوع المؤتمر، النص الذي بين يدي القارئ خلاصة لهذا اللقاء وسينشر اللقاء كله ضمن مجموعة أعمال المؤتمر إن شاء اللّه.
¡ نشكر فضيلتكم على هذه الفرصة، كما تعلمون فانَّ موضوع المؤتمر هو: الامام الخميني وكرامة الانسان، وبما أنكم تعتقدون بذاتية كرامة الانسان، نرجو بيان سعة وشمول قضية كرامة الانسان في المسائل الفقهية.
o في المقدمة ينبغي أن نذكر بأن في طبقة رجال الدين كان الامام الخميني ـ عملياً ـ رائداً في حفظ كرامة البشر، وقد برَّز هذا بأعلى مستوياته. عندما قدمت من اصفهان إلى قم، طالب قادم من الريف ماكان لديه جورب يلبسه مدة ثمان إلى تسع سنوات، كنت أطرح عليه بعض الأسئلة في نهاية الدرس وأرافقه وأطارحه بعض المسائل الدراسية، وما رأيت منه يوماً تذمُّراً من هذا، فقد كان الامام يرى كرامة الانسان ويكنُّ احتراماً للبشر دون لحاظ الشكل والشخصية الاجتماعية، وما كان يهتك حرمة أيٍّ من البشر، ومن الطبيعي أن تصدر منه مواقف خاصة تجاه بعض الشخصيات في بعض الأحيان لغرض إفهامهم، فعلى سبيل المثال جاءالدكتور أميني للقاء علماء قم بعد رحيل السيد البروجردي، وينقل المرحوم بدلا أن الدكتور أميني قال له: اريد لقاء العلماء في بيوتهم ولم يذكرالامام الخميني، فقلت له: من الأفضل أن تلتقي الحاج روح اللّه كذلك، فقبل طلبي. وفي تلك البرهة كان الشاه قد خطط لإسكات العلماء، وكان الإمام قد أدرك خطته، وعندما سمع بقدوم السيد أميني أمر بمل غرفة اللقاءات بطلاب الحوزة، وأخي ينقل: إنّا ملأنا الغرفة بإيعاز من الامام، ورغم أن السيد أميني كان امرءاً حسناً نسبياً لكنه كان مرتبطاً بحكومة الشاه، وقد أراد الامام إفهامه عظمة رجال الدين وموقعهم القوي...
عندما دخل الدكتور أميني ألقى تحيته فأجابه الامام وهو مطأطئ رأسه وتركه لثوان يقف بين زحام الحاضرين، ثم جامله، وأشار أخي إلى أحد الطلبة ليحلَّ الدكتور أميني محله.
عندما رجع الدكتور أميني الى طهران قال للشاه: «نازع من شئت لكنك ايّاك أن تنازع الخميني، فانَّ نزاع هذا السيد لا فلاح فيه».
وعلى أية حال فقد كان الإمام يتصرَّف في بعض الموارد بطريقة اخرى كما تقتضي الظروف، لكنه كان يراعي الانسانية بأعلى مستوياتها، كان الامام وعندما يلقي دروسه لايستخدم الإسلوب الجارح لتفنيد آراء العلماء، فمثلاً اعترض أكثر الفقهاء على كلام الفيض الكاشاني في باب الغناء بينما الإمام وضَّح لهم أن مراد الكاشاني نفي البأس عن الغناء لو كان محتواه جيداً، وإلاَّ فلا يجوز ويحرم، وهذا مانشاهده اليوم في نظام الجمهورية الإسلامية الايرانية، حيث يعمل بهذا الرأي.
كان الإمام يحترم الآخرين بما يليق وشأنهم، وهذا ليس تمييزاً بل هو من لوازم الانسانية، فتقبُّل حقوق الانسان وارتضاءها لايعني التساوي بين العالم والجاهل والجار المسيء والجار المحسن، لقد كان الامام يعير للقيم حدودها ويحافظ على الأمور في مجالها المعنوي، لقد أجاب الامام على جميع الرسائل التي وردت له أبان سنوات النضال والثورة، لقد كان هناك بعض الأمور تؤذي الامام وتزعجه لكنه لم يقل شيئاً تجاهها، ينقل أحد الأشخاص أنَّ الإمام عندما كان في النجف الأشرف، أرسل إلى بعض الاشخاص أموالاً، وحينما عرف ذلك الشخص بان الامام الخميني هو الذي ارسلها قال: «بما أنَّ هذه الأموال من فلان فأنا لااُريدها» وأُرجعت الاموال الى الامام .
ذكر لنا الامام قصّة عن المعراج مضمونها: ان الرسول(صلى الله عليه وآله) حينما وقع نظره على أهل جهنم خمدت النار، فسأل أهل جهنم عن السبب، وحينما علموا بأنَّ الرسول(صلى الله عليه وآله) قدم وخمدت النار لأجله، قال بعض أهل جهنم: ان رفع عن العذاب لأجل النبي(صلى الله عليه وآله) فنحن نرغب بان توقدوها مرة اخرى نحن لانرغب ان يرفع عنا العذاب لأجل النبيّ.
في بعض الأحيان يصل الانسان إلى مستوى (ثم رددناه اسفل سافلين).
على أية حال كان الإمام يحافظ على الكرامة الإنسانية فكراً وعملاً، وكلمته المعروفة «ان الملاك رأي الشعب» تحكي هذه الحقيقة. لم يخالف الإمام ولا لمرة واحدة إرادة الشعب فقد كان يحترم البشر، وهذا ما تنصُّ عليه تعاليم الإسلام، لقد كان امير المؤمنين(عليه السلام) كذلك فحينما تخلَّف عنه الناس وتركوه، لم يجابههم، لكنهم حينما هجموا عليه وطالبوه بقبول الخلافة، ورغم انه منصوب في قبل اللّه تعالى دون أي شك طلب منهم أن يراجعوا غيره، لكنه وعندما قامت الحجة بوجود الناصر لم يجد الامام بداً من قبول الخلافة.
لقد كان الامام الباقر والصادق(عليهما السلام) وإلى جانب حركتهم الثقافته يخالفون الحكومة الجائرة لكنهم لم يرغبوا أن يحكموا الناس بالحراب والسياط.
هناك شاهد آخر فالجهاد الإبتدائي لايجب في زمن الغيبة (لا اكراه في الدين) وحقوق الإنسان أيضاً لاتجيز الهجوم على الدول، فالتثقيف مسألة اخرى، وهذا هو حق الجميع، فلا يجوز إعمال القوة والاجبار، حتى ان البعض أنكر الجهاد الابتدائي في زمن النبي(صلى الله عليه وآله) وقال: انه كان دفاعياً، فحروب النبي(صلى الله عليه وآله) كانت لأجل إنقاذ المظلومين، ولم يحارب الكفار والمشركين إلاّ للدفاع عن المظلومين .
¡ كيف ينسجم الاجبار على قول الشهادتين مع قوله تعالى: (لا إكراه في الدين)؟
o تجري احكام الإسلام بحق الكفار بمجرد نطقهم بالشهادتين، وهذا ينسجم مع قوله تعالى: (لا إكراه في الدين) لأن نطقهم بالشهادتين من قبيل وضع الجندي في ساحة الحرب يديه فوق رأسه، فذلك بمثابة قوله للخصم: إنّي لا اقاتلكم.
كان الرسول (صلى الله عليه وآله) يقول للكفار في ساحة الحرب: إذا نطقتم بالشهادتين فلا نقاتلكم، فلا اجبار هنا، ولم يكن التسليم تحت ضغط السيوف لكي يقال بتضييع حق من حقوق البشر.
النقطة الاخرى هي أني أتصوّر كون البحث العلمي والنظري الخاص بكرامة الانسان ينبغي اعتباره مفروغاً عنه تقريباً، وينبغي الالتفات إلى بحوثه التطبيقية ; لأن شأن كرامة الانسان واضح من وجهة نظر الاسلام، يقول اللّه تعالى: (ولقد كرَّمنا بني آدم) والأكثر من هذا أن اللّه يعتبر مقام الانسان بدرجة من العلو بحيث يعتبره نفخة من روحه، ويقول في الروح: (يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربّي) كما أنَّ الآية الكريمة: (ونفخت فيه من روحي) لاتختص بآدم (عليه السلام) بل تشمل جميع أولاده والاجيال اللاحقة، والقرآن يعتبر الروح ذكرى إلهيه وشعلة سماوية، ويكتفي بتعريفها بهذا النحو، ولا يمكن تعريفها بأكثر من هذا، فهي قطعة من نور وأمر سماوي، فلا يمكن تفيهم المخاطبين بأنها من المجرّدات ; فما كان بامكانهم إدراك المجردات كما ينبغي، والله يبارك نفسه على خلق البشر ويقول: (فتبارك الله أحسن الخالقين).
الكرامة التي أعطاها الله للانسان هي كرامة تكوينية، فقد منح اللّه الانسان العقل والارادة والادراك والعلم، وهذه الكرامة لاتنحصر في التكوين، وهي التي أشار إليها الله بقوله: (حملناهم في البرّ والبحر) و (رزقناهم من الطيبات) و (فضلناهم على كثير ممَّن خلقنا تفضيلاً) وينبغي رعايتها في مرحلة التقنين والتشريع، وهي واضحة المعالم في الفقه، لكن ينبغي إعادة النظر في فتاوى ذهب إليها فقهاء كبار أو مشهور الفقهاء يبدو عدم رعاية مبنى كرامة الانسان فيها، وينبغي دراسة هذه الموارد في الفقه وبلورتها بنحو قانون.
¡ هل لكم ايضاح مظاهر الكرامة في الفقه؟
o لاحظوا تقسيم الحقوق إلى حقوق الله وحقوق البشر، ولا حظوا الفوارق الكثيرة بينهما، فلا يؤثر في حقوق الناس إلاَّ رضاهم لكن باب حقوق الله باب التخفيف والتساهل، وتجري فيه قاعدة (الدرء بالشبهة) وعدم إجراء الحكم. والتساهل في هذا الباب بلغ درجة جعلت من الميرزا القمي والمرحوم السيد احمد الخوانساري إلى القول باختصاص اجراء حدود الله بعهد حضور الامام (عليه السلام) دون غيبته، أمّا حقوق الناس فالجميع يقرُّ بعدم امكان تعطيلها، وذلك من ضروريات الفقه، ولذلك قد يقال باختصاص قطع يد السارق بعهد الحضور لكن لاشبهة في لزوم ردّ المال إلى المالك والضمان المالي. بل قام الاقتصاد الاسلامي على حقوق الناس (لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاض مِنْكُمْ) مايعني عدم جدوى المعاملات ولو كانت كبيرة ومربحة إذا خلت عن رضا طرفيها، وهو شاهد على ماتوليه الشريعة من احترام الانسان، فهي تقول: أرواح البشر ليست الشؤون الوحيدة التي يوليها الشارع الأهمية بل الأموال كذلك، ولا حقَّ لأحد التصرُّف بها دون إذن مالكها، وتصرُّف الغير بها منوط بطيب نفس المالك «لايحل مال امرئ إلاَّ بطيب نفس منه» ففي باب المعاملات يكفي رضا الطرفين ولا حاجة إلى الرغبة والميل النفسي، أمّا التصرّف بأموال الغير فيشترط فيه الميل النفسي.
وعلى أية حال، الإسلام يولي احتراماً واهتماماً بالانسان منذ كونه نطفة وحتى وضعه في القبر، ولأجل ذلك حرَّم اسقاط النطفة وجعل على الاسقاط دية، والأكثر من ذلك أن الاسلام لم يسمح للمرأة استخدام عقاقير الاسقاط إذا شكَّت في انعقاد النطفة ،فهو لايسمح باجراء اصل البراءة في المجالات المهمة، ففي الاموال يجري أصل الاحتياط، والمعصوم (عليه السلام) يعلل عدم جواز استخدام العقاقير عند الشك في انعقاد النطفة بأنّه من المحتمل أن تكون النطفة منشأ لوجود انسان، ما يعني كرامة أي شيء قد يكون سبباً لوجود انسان، ولأجل ذلك سلب الانسان الصلاحية من وجهة نظر حقوقية واسلامية لأن يعدم كلَّ مايمكن أن يكون منشأً لتكوّن انسان.
المورد الاخر هو ان الاسلام لايعتبر جثة الانسان بمثابة ميتة أرنب ; لأنّه يقول: «حرمة المؤمن ميتاً كحرمته حيّاً» على أنه لا خصوصية للمؤمن والخصوصية هي للانسان حال حياته، فهو محترم حال حياته وحال مماته بل يحترم حتى قبره; لأن نبش قبره انتهاك لحرمة المسلمين من جانب، ومن جانب آخر فإنّه من حقوق الورثة، حيث يقدمون أحياناً لقراءة الفاتحة، ويضيع حقهم بنبش القبر ويساء بذلك إلى أحاسيسهم وعواطفهم تجاه المتوفى، ولو كان الميت قد اشترى في حياته مكاناً لجعله قبراً بعد المماة فانَّ له حقاً تجاه المكان، ولذلك يمنع نبش ذلك المكان.
الحكم الاسلامي الآخر الذي يتضمَّن كرامة الانسان هو عدم جواز تشريح جثة الانسان إلاَّ لمبرِّر، وعند حصول التزاحم.
وعلى أية حال، أعتقد أن الشريعة حفظت كرامة الانسان بجميع تعاليمها رغم أنَّ البعض غفل عن هذا وأفتى بما يتنافى مع مبدأ الكرامة، وهو ممَّا يؤسف عليه .
¡ تضمين الأحكام الفقهية مبدأ كرامة الانسان مع حفظ المناهج الفقهية يعدُّ مسعى جيداً وصحيحاً، لكن هذا لايقتضي أكثر من القدر المتيقن، أي لايمكن لمبدأ الكرامة كقاعدة مطلقة أن تقيّد اطلاق رواية، فلا يمكن تقييد دليل عام أو مطلق من خلال اثبات القدر المتيقن من كرامة الانسان.
o الآية الكريمة: (لقد كرمنا بنى آدم) في مقام البيان، وهذا بحدّ ذاته ممّا يفهمه العرف، والمقنِّن يتلقَّى هذا هدفاً ومقدمة لبيان قوانين اُخرى دارجة في التقنين. عندما يقول الشارع بتكريم الانسان فلا يقوم تارة اُخرى بوضع قانون يحقِّره فيه، وهذا ممّا يتبادر في أفهام العقلاء. ولو سنَّ الشارع مايحقِّر به الانسان كان ذلك يعني كونه غير حكيم. ينبغي للقوانين أن تصاغ في اطار الهدف الذي رسمته المقدمة، ففي بداية الدستور تكتب مبادىء كلية ثم تكتب المواد التي تصبُّ جميعها في ذات الاهداف المدونّة في المبادئ الكلية.
وعلى أية حال، لانرى في الفقه مورداً حقّر فيه الانسان أو ضيِّع حقّه، قد يكون انطباعاتكم وتصوراتكم تختلف لكني أقول بصراحة تامة أنَّه لاتمييز في الاسلام. وكمثال يقول العلامة الطباطبائي: وردت في القرآن مفردة (المعروف) اثنى عشر مرة وذلك عند حديث القرآن عن حقوق المرأة، من قبيل : (عاشروهنَّ بالمعروف) و (سرّحوهنَّ بالمعروف)والمعروف يقابل المنكر، ويعني مايقابل السيئ والظلم والقبح، رغم ذلك يفتي مثل السيد اليزدي في (العروة الوثقى) باستحباب تعدد الزوجات، دون أن يلتفت إلى ان الزوجة ترتضي هذا أم لا؟ وأن الأولى ستنتحر أم لا؟ و كما يقول الشهيد المطهري الزوجة السابقة حسنة وجيدة مادامت صابرة وتحملت الجوع والفقر، لكن بمجرّد أن يتحسَّن وضع الزوج يقدم على الزواج باخرى، والعلماء يقولون باستحباب تعدد الزوجات بل فيه ثواب، ويمكن للرجل أن يتزوَّج مؤقتاً في كل ليلة بامرأة شابة، وهو أمر مستحب، وهل هذا ينسجم مع (وعاشروهنَّ بالمعروف)؟ ألا يمكن لهذه الآية أن تقيِّد دليل تعدد الزوجات لو كان مطلقاً؟ بل أحد الكبار يقول بأنّا نفقد الدليل على الجواز المطلق لتعدد الزوجات فضلاً عن استحبابه، والزواج الثاني مقيَّد بكونه معروفاً، نعم الأمر مختلف فيما إذا كانت ترتضي الزوجة الزواج الثاني لزوجها، بل قد تقدم بعض الزوجات على تزويج أزواجهنَّ وترتضي العيش بهذا النحو مدة طويلة.
لاشكَّ بجريان أصالة الاباحة فيما إذا كانت الزوجة الاُولى راضية على زواج زوجها من ثانية، وهو ماتؤيِّده الاطلاقات والعمومات الواردة في هذا المجال، أمّا إذا أرادت الزوجة الانتحار بسبب اقدام زوجها على الزواج من ثانية، فهل الزواج الثاني جائز عندئذ؟ يبدو لي عدم استحباب الزواج الثاني ولا دليل على الاستحباب، وأتصوّر أن فقهاءنا لو تأمَّلوا في الدقة التي كان يعملها المقدس الأردبيلي وكذلك الامام الخميني لردعوا اطلاق الدليل على الزواج الثاني باطلاق (وعاشروهنَّ بالمعروف) أي يقيد ذلك الدليل بالملازمة العقلائية. التاريخ : 2007/06/19 تصفّح: 12712