في لقائه مدير وزارة العلوم أشار سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي إلى أسلمة الجامعات وسيادة الأخلاق فيها وقال: الخطوة الأولى التي ينبغي أن تخطى في سبيل سيادة الأخلاق الإسلامية في الجامعات هي الاحتفاظ بالأجلّة في الجامعات وعدم طردهم، لكن ممّا يؤسف له أنّا شهدنا طرد مجموعة من الأساتذة الذين هم من مفاخر المجاميع العلمية إمّا قصوراً أو تقصيراً، مع أنّهم أجلّة ومتخلّقون وبإمكانهم أن يشكّلوا قدوة للآخرين.
وأضاف فضيلته: هناك الكثير من كبار العلوم والفنون في الجامعات والحوزات العلمية، وتكريمهم واحترامهم عملياً، ومن خلال السعي في تجليلهم وتكريمهم سواء الأحياء منهم أو الأموات وذلك وفقاً للحديث حرمة المؤمن ميتاً كحرمته حيّاً يمكننا أن نأمل بسيادة الأخلاق في الجامعات والحوزات.
ومع إشارته إلى أنّ سيادة الأخلاق في الجامعات بحاجة إلى ما نتجاوز فيه تدريس الأخلاق، أي بحاجة إلى العمل والأساليب الأخلاقية وقال هذا الفقيه الجليل: المفروض بأعمالنا أن تكون ناطقة عن ألسنتنا، وكما يقول القرآن: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} أي أنّ الذي يقوم بعمل صالح فقد قام بأفضل موعظة.
كما أكّد تلميذ الإمام (سلام الله عليه) المبرّز على أنّ النصيحة لا تأثير لها إلاّ إذا كانت مدعومة بالعمل، وأشار إلى ذكرى له عن الإمام وقال: كان الإمام (سلام الله عليه) يخصّص الدقائق الأخيرة من آخر درس له في الأسبوع ببيان نصائح، وغالباً ما كان يقرأ الآية: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّة خَيْراً يَرَه ُ*وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّة شَرّاً يَرَهُ} ويقول: هذه الآية تقصم الظهر. وفي يوم من الأيّام لم يقدّم أي نصيحة فسألناه عن ذلك؟ فقال: النصيحة حالة نفسية وليست فناً، وأنا اليوم افتقد هذه الحالة، وهي ليست فناً لكي تكون في متناول يدي يمكنني القيام بها حيثما شئت.
واستمر آية الله الصانعي وأشار إلى موضوع إحالة بعض أساتذة الجامعة إلى التقاعد الإجباري في السنوات الماضية وقال: أعتقد بضرورة إعادة أساتذة الجامعة الذين غادروها دون رغبة منهم. العلم لا يعرف معنى للتقاعد وبخاصة الإجباري منه، لقد ورد: اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد ألا نعلم أنّ الإنسان كلّما هرم كلّما زاد علمه؟ إلاّ إن تعرّض لحالة النسيان، وإلاّ فإنّ تقدّم سنّ الإنسان يزيد من تجاربه ومدركاته، وقد ورد عن الإسلام: وقّروا كباركم، ومن مصاديق الاحترام هو الاستفادة من تجاربهم وعلومهم وأخلاقهم وانطباعاتهم.
ثمّ أشار هذا المرجع إلى موضوع أسلمة الجامعات وقال: إنّ أسلمة الجامعات كلام موزون وفي محلّه؛ لأنّ جامعاتنا اعتمدت في الأساس على الإسلام وكذلك نظامنا، والمبدأ الرابع من الدستور الذي فرض أن يكون كلّ شيء في هذا البلد اسلامياً، مقدّم على جميع المبادىء والمواد الأخرى.
وأضاف سماحته: إنّ هذا المبدأ يضمن الإسلام، وواضع هذا الدستور كان أفضل مسلم وعارف وفيلسوف في زمانه. والمفروض بالجامعات مع وجود هكذا واضع للدستور أن تكون علومها الإنسانية إسلامية. لكن ماذا يعني أسلمتها؟ إنّ ذلك برأيي هو تفسير للآية: {فَبَشِّرْ عِبَادِ* الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} أي علينا طرح الموضوعات، التي يسهل استيعابها، على الطلبة الجامعيين ثمّ نجيب على تساؤلاتهم. أمّا إذا كنّا نركّز على توجّه وأفكار خاصة فإنّا ممّا لا شكّ به نجرّ بالطلبة إلى جهة خاصة ومواضيع نأبى طرحها، وستترك تساؤلاتهم دون جواب؛ لأنّ الإنسان حريص على ما منع. لا ينبغي طرح العلوم والأفكار التي نهواها فحسب، ونتوقّع من الطلبة التبعية والتقليد الأعمى، بل ينبغي توافر الأرضية لطرح مختلف العلوم والأفكار الموافقة والمخالفة، ونمنح الطلبة من خلال ذلك الفرصة لانتخابه الأفضل، كما أشارت إلى ذلك الآية الكريمة: {فَبَشِّرْ عِبَادِ* الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ}.
كما نقد سماحته إدّعاء ضعف التوجّه نحو الإسلام في الجامعات مؤخراً وقال: يقول البعض: ضعف التوجّه الإسلامي في الجامعات، وأنا أقول لهم: التوجّه الإسلامي في الجامعات قوي جدي؛ لأنّ الطالب المسلم اليوم إذا كان واعياً ومتعقلاً ومفكّراً ومدبّراً فإنّه يرتضي الإسلام ويستقبله. ولا يسىء الظن بالإسلام بمجرد إلقاء بعض الشبهات في ذهنه، وإذا توافرت الأرضية فإنّ الطلبة سيقدمون بأنفسهم على الإجابة على هذه الشبهات. والذي يوجب ترسيخ إساءة الظن تجاه الإسلام هو ليس هذه الشبهات بل سلوكيات أشخاص من قبيلي. إذا ساد الإسلام بوعي اليوم في الجامعات فذلك رهن مشاق ومتاعب تحمّلها شهداء وأجلّة مثل الشهيد مطهري وبهشتي ومفتح وبازركان وسحابي. إنّ هؤلاء الأجلة تحمّلوا مسؤولياتهم العظيمة وقاموا بواجباتهم وساقوا الجامعات نحو الإسلام ممّا جعلت مساعيهم الطالب المسلم طالباً واعياً، وهذا عمل جبّار جداً.
كما أشار سماحة آية الله الصانعي إلى ضرورة الالتفات إلى سوق العمل الذي يستقطب المتخرّجين من الجامعات بنحو خاص إلى جانب التوجّه نحو قضايا مثل الانتاج والعلم وأسلمة الجامعات وسيادة الأخلاق، وقال: تقسّم العلوم إلى علوم ذات صلة بالأمور المادية وإلى ذات صلة بالأمور المعنوية، فالعلوم المادية ينبغي أن تصب في المجال المادي والعمل والسوق ومعيشة الناس. لكنّ هذا يتطلّب التنسيق من قبل المتصدين في مجال سوق العمل. على الوزراء أن ينسّقوا فيما بينهم وأن يتواصلوا، وأن يكون هناك تنسيق بين الفكر والعلم والانتاج والعمل، لا أن ينضمّ المتخرّج الجامعي إلى قوافل العاطلين في المجتمع، فإنّ ضرر هذا أكثر من نفعه.
يذكر أنّه في بداية اللقاء أوضح الدكتور توفيقي أهداف الوزارة وخططها في وزارة العلوم وأضاف: نحن وبصحبة الأصدقاء في صدد تدوين خطة للجامعات والتعليم العالي لغرض عرضها على مجلس الشورى. والهدف من هذا اللقاء هو النهل من وجهات نظركم لكي يتسنى لنا التخطيط وفق أفق مفتوح وعرضه على المجلس مع هذه الخلفية.
التاريخ : 2013/10/03