على عتبة ذكرى السنة الحادية والعشرين لرحيل الامام الخميني وحادثة 15 من خرداد التقى سماحة آية الله العظمى الصانعي مسؤولي مؤسسة نشر وتنظيم آثار الامام الخميني في مدينة قم. في هذا اللقاء خاطب سماحته مسؤولي المؤسسة قائلاً: «تعلمون بحبّي لامام الأمة(سلام الله عليه) وأشكركم على ما يبدو من لطف منكم تجاهي وتفقّدي بالمناسبة الخاصة بالامام. لقد كان على رأس مؤسستكم شخص مبارز وعالم ومجتهد (أي المرحوم الحاج أحمد الخميني) واليوم تولّي مسؤولية المؤسسة نجله الجليل، كما أنّكم أصحاب فضل، والمؤسسة التي تُدار من قبل هكذا شخصيات لا بدّ أن تكون ادارة جيدة، وآمل أن يستمر العمل فيها وفقاً لما مضى».
أشار فضيلته الى الهجمات والضغوط التي تتعرّض لها المؤسسة وقال: «اعلموا (وأمّا الزبد فيذهب جفاء) وانّ التهم والتلفيقات والافتراءات تنتهي، وسيندم اولئك الذين صدرت منهم هذه الأعمال، وسيخضعون لكم ويسألونكم العفو في هذه الدنيا قبل الآخرة.»
كما قال آية الله الصانعي: «التاريخ أثبت عقم اللاانصاف، ولا يمكن للظالم أن لا يرى جزاء عمله، وسيرى نتيجة عمله على أي حال، لكن ينبغي التحلّي بالصبر والأمل.
أذكر حادث الهجوم على الفيضية الذي وقع اثره شهداء، وقد قال الامام آنذاك: (هنيئاً لكم) كما قال: «(انّهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة).»
وأضاف فضيلته:«صدرت كلماته هذه قبل الثورة بخمسة عشر عاماً، حيث وقع المئات شهداء وسجن المئات وتحمّلوا أنواع العذاب، وفقدت الكثير من رؤوس الأموال، وعطّلت الأسواق وتورّطت الكثير من القوى الفاعلة، ففي ذلك الحين قال الامام كلمته: (هنيئاً لكم) و (انّهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة).»
واستمرّ هذا المرجع بحكاية ذكرى عن الامام، حيث قال: «كان المرحوم آية الله رباني شيرازي(قده) من الشخصيات القوية جداً ومعروفاً باستقامته. وقد سألت يوماً الشهيد قدوسي الذي كان في السجن: مَن استقامته أكثر في السجن فلان أم فلان؟ قال: كانت استقامة المرحوم رباني شيرازي أكثر بكثير من استقامة الآخر، وقد عرف آنذاك أنّ السجّانين كانوا ينتفون شعر لحيته شعرة شعرة، رغم ذلك كان يطلق كلماته.وبعد الافراج عنه اشترك في مظاهرة بعد وفاة الحاج مصطفى الخميني، فالتقاه جمع من الأصدقاء وقالوا له: انّ السلطة تضرب وتقتل. قال: هذه تهديدات. فقالوا له: هناك جنائز وقتل ودفن... قال: هذا كله تهديد.
واستمرّ قائلاً: طريق النضال ينطلق من الأمل، الأمر الذي أودعه الله البشرية، وقد قام التشيّع على الأمل أصلاً، الأمل بظهور المهدي الموعود(عجل الله تعالى فرجه) والجميع يترقّّب ظهوره ورؤية حكومة نجل الرسول والعدالة والانسانية واحترام كرامة البشرية.»
وقال سماحة الشيخ الصانعي:«نبغي تحمّل المتاعب، وقد يسعى البعض للتقليل من الشأن العلمي للسيد حسن الخميني، كما صنعوا هذا بالامام نفسه وقالوا: كان لا يفهم الفقه بل يفهم الفلسفة فقط.
واستمرّ بالحديث وقال: «عندما كان الامام في السجن جاءوا بخطيب يسعي لتغيير الأجواء آنذاك فكان يطلق كلمات ضد الامام، وكان البعض يروّج له ويقول: انّه خطيب جيد، فكان آنذاك اعلام واسع لصالحه، وكان قد اوعز له اليه تضعيف الامام، رغم ذلك كان يقول: درسه في الأخلاق جيد، ويريد أنّ درسه في الفقه غير جيد. لكنّ الله منحه سلطة وعظمة مكنته من التغلّب على جميع أعدائه".»
وفي قسم آخر من خطابه قال آية الله الصانعي مخاطباً العاملين في مؤسسة تنظيم ونشر آثار الامام الخميني: "اعلموا أنّ هذه المؤسسة ليست الوحيدة التي تتعرّض لهجوم واتّهامات، فانّ أنصار الامام كذلك موضع اتّهام وهجوم من جميع الجوانب، فانّ أسواق التّهم والافتراءات كثيرة".
كما أكّد سماحته: "أقول لكم بصراحة انّ العداء للامام متجذّر ولا نهاية له، لكن عليكم التأكيد على الجوانب الايجابية له قدر الامكان، ولا تيأسوا، فانّكم لستم الوحيدين في هذه الهجمات، فقد شملت الجميع، وهاجموا كلّ من استطاعوا مهاجمته، وهذا دليل ضعفهم". ثمّ شكر المؤسسة على ما تحملته من عناء في سبيل نشر كتاب (تحرير الوسيلة) وقال: "من خلال عملكم أصبح هذا الكتاب الوزين خالداً، وقد علّقنا عليه بما استلهمناه من أفكار الامام. وفي خصوص ترجمة كتب الامام الخميني ينبغي الالتفات الى أنّ الترجمة ليست بحكم الكتاب ذاته، فهذا بحث فقهي، وترجمة القرآن ليست بحكم القرآن نفسه؛ لأنّ المترجم لا يتمكّن من بيان كلّ أهداف ومقاصد الكاتب. وما ترمون اليه من ترجمة كتاب الأخلاق للامام يعدّ عملاً حسناً لكن اسعوا أن تكون الترجمة في ذيل نصّ كلمات الامام وفي حاشيتها". وفي جزء آخر من خطابه أشار الشيخ الصانعي الى أنّه اذا أريد نشر البحوث الأخلاقية والعرفانية للامام الخميني في المجتمع فلا بدّ من تدريس كتب الامام بنحو شعبي وعلى مستوى الحوزة، وقال: "عليكم السعي لتدريس كتب الامام. وقد طالبت قبل عشرة سنوات باعداد تلامذة من صلب الحوزة يدرّسون كلام الامام. اعقدوا جلسات بينكم ومع أصدقائكم لتدارس كلمات الامام، كما أنا عليه، اذ لا أترك يوماً دون الاشارة الى موضوع ذات صلة بالامام. أوصوا أصدقائكم بتداول كلام الامام وتدريس كتبه، واذا حصل هذا فانّ كتبه ستحفظ كما أنّكم ستبلغون أهدافكم". كما أضاف: "لا ينبغي الرجوع الى الخلف ولا ينبغي لنا أن نكون رجعيين، علينا العمل وفق مطالبات الامام، التي هي عبارة عن لزوم تعميق الفقه، وتحرير الشعب من الأسر والقيود الفكرية والاستعمارية، واعتبار كلّ شيء ملكاً للشعب، ونحن رهن الشعب، ولا أحد منّا يمتلك ما لا يمتلك الشعب، نحن لا شيء أمام الشعب، ولا ينبغي لنا تحقير الشعب ولا ترك احترامهم. لا تخافوا فانّ الخوف أمر سيء جداً، وطالبوا الآخرين بأن لا يخافوا. ولا تتصوّروا بامكانهم فعل كلّ ما أرادوا، فأيام قلائل حتّي ينتهي كلّ شيء (للحق دولة وللباطل جولة) فانّ عهد العذاب والاتهام والكذب ينتهي يوم ما، وثقّوا بنصر الله وتوفيقه". كما أكّد فضيلته: "لا ينبغي أن تعزل الأمور عن الحوزة، واذا ما عزلت هلكت وازدادت أبواب الافتراء والتّهم، لكنهم لا يستطيعون تدمير الحوزة ببساطة. انّ الاعداء يبغون تفريغ الحوزة عن هويتها الحقيقية والأصيلة، وايجاد حوزة تكرّر ما يقولون، لكنّ هذا يطول، مع ايماننا بأنّ امام الزمان(عج) قد حفظ هذه الحوزة". ومع التنبيه على ضرورة الوعي لتبديد مخططات وأوهام الأعداء قال: "أحد أهداف الأعداء هو تسليم السلطة بيد أعداء الامام وتضعيف الامام وبيته. والشاهد على هذا الادّعاء هو هجومهم علی حسينية جمران، ومن المؤسف أنّه لا أحد عارض هذا، وأساؤوا للسيد حسن الخميني، ولا أحد اعترض. وفي حركة منسقة قامت بعض وسائل الاعلام برسم صورة عنيفة عن شخصية الامام، لكي ينسبوا اليه العنف الصادر عنهم، ويعتبروا سلوكياتهم امتداداً لخط الامام ومن مظاهره". ثمّ أشار الى تعامل الامام مع انقلاب نوجه الذي قام به بعض الضباط، وقال: "لماذا لا تقولون انّ الامام آنذاك أوصى بعوائل القائمين بالانقلاب ومنع من ايجاد المشاكل لها؟ لماذا لا تتحدّثون عن عواطف الامام ورأفته؟ لماذا لا تحكون للناس أنّ الامام كان يمنح الذين لم ينتخبوا أو الذين عزلوا عن مناصبهم مناصب أخرى لكي لا يذهب ماء وجوههم؛ وذلك لما كان لهم من دور في انتصار الثورة"؟ وأضاف: "لماذا لا تقولون: انّه لم يكن كذب عهد الامام لكن الآن نجد الكذب بوفور؟ لماذا لا تقولون: كان هناك شخصان أرادا تمجيد الامام ومدحه لكنّه منعهما، وطالبهما بترك المدح والتمجيد، لكن باب التملّق اليوم مفتوح، والكثير بلغ مآربه من خلال تملّقه". كما أشار سماحته الى المشاكل الأخلاقية التي يعاني منها المجتمع اليوم وقال: "منذ خمس سنوات ذكرت أنّ الكذب أخذ مأخذه ويزداد يوماً بعد آخر، وما كنت أعلم أنّ الكذب سيصبح جزءاً من الثقافة (كيف بكم اذا رأيتم المعروف منكراً، والمنكر معروفاً). لماذا لا تقولون: انّ الامام كان يحافظ على الشخصيات؟ لماذا ترك جانباً المختصّون وممّن خدم في الحكومات السابقة؟ اذا كان هؤلاء جميعهم ضد الثورة فمن هم الثوريون"؟ يُذكر أنّه في بداية اللقاء تحدّث حجّة الاسلام والمسلمين السيد موسوي وعرض تقريراً عن نشاط المؤسسة في قم وتعرّض الى ما يحدث من تحريفات لخطابات وكتب الامام الخميني(س) وأعرب عن قلقه ازاء ما تتعرّض اليه أفكار الامام من هجوم واعتداء.
موقع جماران الخبري – طهران 15/جمادى الثانية/1431
التاريخ : 2010/05/29